أهالي الكرنتينا ـ المسلخ: انتظرنا 34 عاماً... وتعبنا!

من الأهالي الذين حضروا المؤتمرالصحافي أمس
من الأهالي الذين حضروا المؤتمرالصحافي أمس


يطالبون الحكومة بتعديل القرار 322 والجيش بالإسراع في الإخلاء..

عندما اجتاحت «القوات اليمينية» منطقة الكرنتينا، في مثل هذه الأيام قبل 34 عاماً، كانت سمية مطر تبلغ من العمر 18 عاماً.

تتذكر سمية تلك الليلة، وما تبعها، كأنها تفلفش في كتاب صور. قذائف وعيارات نارية كثيفة. جثث على الأرض، مسلحون، أطفال. اقتيدت عائلة سمية الى باحة مستديرة، وأضرمت النيران من حولها. بعض النسوة اغتصبن، وحالف الحظ بعض الرجال والنساء، حالفهم الحظ بالانتقال الى أحد الملاجئ في الأشرفية. الإصابات كثيرة، لكن زوج سمية ليس بين الموجودين.

بعد ثلاثة أشهر، يعثر على الزوج الذي يعود إلى زوجته الحامل بابنهما الثالث، وتنتقل العائلة للمكوث في منطقة الروشة، تاركة وراءها «كل ما نملك»، على حد قول سمية لـ «السفير»: مبنى من ثلاث طبقات، مجوهرات، سيارة، وأشياء كثيرة. بعد 18 عاماً، تنتقل العائلة مرة أخرى، لتعيش، حتى يومنا هذا في حارة الناعمة.

أمس، حضرت سمية مع عائلتها (شقيقها ووالدها) إلى المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة «مهجري المدور - الكرنتينا» في نقابة الصحافة، في ذكرى مرور 34 عاماً على تهجيرهم من منطقتهم. تقول إن المبنى الذي كان ملكاً لهم قد دمر، وهي الآن لا تستطيع تأمين منازل لأولادها، وتسأل سمية: «لماذا يعيشون في شقق بالإيجار وهم يملكون عقاراً كبيراً؟ الأوراق القانونية كلها معنا وتفيد بحقيقة هذا الأمر». تأمل السيدة باستعادة أملاك العائلة، أو ما يعوض عنها، ولو بعد حين.

قصة سمية حصلت أيضاً مع أهل زوجها، والكثيرين غيرهم. بعضهم حضر إلى المؤتمر أمس، والبعض الآخر تغيب. من حضر لم يشارك في الكلام. جلس فقط، واستمع إلى كلمة رئيس اللجنة المحامي حسن مطر.

المؤتمر الصحافي

استهل مطر كلمة مهجري منطقة «المدور - الكرنتينا» بشكر الإعلام والحضور الذين تفاوتوا بين ممثلي أحزاب وقوى سياسية، ورجال دين، أبرزهم الوزير السابق بشارة مرهج، والنائب السابق زهير العبيدي، والنائب هاني قبيسي، إضافة إلى الشيخ محمود الخطيب ممثلاً مفتي الجمهورية.

بدأ مطر كلمة اللجنة بسرد وقائع تلك المجزرة وما نجم عنها، لافتاً إلى أنه في التاسع عشر من كانون الثاني 1976 «وقع فعل التهجير القسري الأول علينا، فقتلنا في أجسادنا وأرواحنا، وهجرنا من بيوتنا ومنطقتنا... أزيلت ممتلكاتنا، ومسحت عقاراتنا، وتحركت على اثر هذا التهجير المأساوي عجلة الموت والتشريد نحو كوارث مماثلة في مناطق أخرى، حتى عمّ التهجير غالبية المناطق والقرى والبلدات اللبنانية، فغدا لبنان بلد المهجرين في الداخل، وهو كان ولا يزال بلد المهاجرين إلى الخارج».

تابع مطر سرد الشق التاريخي من المأساة، لافتاً إلى أنه بعد 34 عاماً على اجتياح تلك المنطقة، «جئنا نرفع الصوت عالياً: الى متى نظل مهجرين في وطننا؟ الى متى تظل فينا نكبة تهجيرنا وآلامها وعذاباتها؟ الى متى نظل نتحمل قسوتها ومرارتها حتى الآن؟».

ثم صوب مطر حديثه الى المسؤولين، مذكراً: «أربعة و ثلاثون عاماً لم نلمس خلالها اهتماماً رسمياً بعودتنا، بل لقينا إهمالاً مقصوداً لا مبرر له، و لم نسمع جواباً شافياً حول منعنا من الوصول الى أملاكنا التي مسحت عنها أبنيتها... أربعة و ثلاثون عاماً ونحن نرى ونسمع ونتابع، في ملف المهجرين، مصالحات هنا وهناك، واهتمامات ورعايات، من دون أن يشمل ذلك منطقتنا التي هي في قلب عاصمتنا بيروت».

واعتبرت اللجنة، في الكلمة التي ألقاها رئيسها، أنه من مفارقات هذا الوضع وزمانه ومأساته، أن يصدر مجلس الوزراء القرار 322، الذي ينص على السماح بإعادة ترميم القرى والبلدات دون المدن، «مع ما يحمله هذا القرار من ظلم وإجحاف مقصودين ضد منطقتنا وأهلها».

في العام 1993، أعيد قسم كبير من أهل المنطقة إالى قسمها الغربي بمبادرة وطنية من وزارة شؤون المهجرين. بعد هذه العودة، تبين أن كل الأراضي الواقعة في القسم الشرقي منها، التي أزيلت كامل أبنيتها والبالغة حوالى المئة بناء، مشغولة من قبل عناصر من الجيش اللبناني، وما زال هذا الإشغال قائماً حتى الآن». وبخصوص تلك المعضلة، يشرح مطر الأضرار التي يتكبدها الأهالي إذ حرموا من استعادة أملاكهم في الوقت المناسب، وألحقت بهم أضرار مادية ومعنوية بالغة. ولفت مطر إلى القرارات التي صدرت من أجل إخلاء المنطقة، والتي بدورها لم تنفذ حتى الآن.

في العام 1996، صدر عن مجلس الوزراء قرار يقضي بإخلاء المنطقة من أي وجود قائم، وفي العام الفائت، تسلمت اللجنة جواباً من قيادة الجيش على مذكراتها يفيدهم بأن قيادة الجيش اتخذت الاجراءات اللازمة للمباشرة بإقامة ثكنة جديدة لصالح القطعة التي تشغل هذه العقارات، وسيصار إلى إخلاء العقارات فور إنجاز هذه الثكنة. وعندما سألت اللجنة عن مهلة الإخلاء، كان الجواب: «الأمر يحتاج إلى سنتين أو أربع سنوات لبناء المكان البديل».

عقب سرد هذه الوقائع، شكر مطر باسم كل المهجرين قيادة الجيش، مضيفاً «ان صبر المهجرين قد نفد بعدما طال انتظارهم طويلاً، وبعدما عاشوا سنوات مريرة، وما زالت الحال على ما هي عليه، في وقت هم بأمس الحاجة الى الاسراع بعودتهم واستعادة أملاكهم».

كما استغرب مطر «ما يقال عن أننا مجنسون جدد، وهنا أود الإشارة الى أن أهل المنطقة لبنانيون منذ أن وجد لبنان، تقاطروا الى لبنان مع الفتح العربي»، وطالب مطر بإجراء تعديل عادل للقرار 322 من قبل مجلس الوزراء، بحيث يشمل إعادة بناء المنطقة إضافة إلى كل الإعفاءات المبنية على هذا القرار، مشيراً الى أن هذا الأمر هو من مسؤولية النواب، وتحديداً نواب بيروت والمنطقة.

ورفضت اللجنة أي تمايز بين مهجر وآخر، وبين منطقة وأخرى، مطالبة بالعودة بكرامة والتعويض العادل عن الأضرار المادية والمعنوية، الأمر الذي «لم نلمسه من المسؤولين كافة تجاه منطقتنا».

ختاماً، دعي النائب قبيسي للإدلاء برأيه، فلفت إلى أنه رغب بالحضور الى المؤتمر «لأني شاهدت أين يسكن هؤلاء الناس، وهذا أمر غير مقبول بعد 34 عاماً من انتهاء الحرب والتهجير. وعليه، فإننا نطالب الحكومة بإيلائهم الاهتمام اللازم».

تعليقات: