المسّاحون.. حكايات كثيرة ووزارة المالية غائبة والفوضى سيدة الموقف

المسّاحون.. حكايات كثيرة ووزارة المالية غائبة
المسّاحون.. حكايات كثيرة ووزارة المالية غائبة


عيناتا في معمعة «المسْح»!

- حصة المسّاح من عيناتا وحدها 200 مليون ليرة..

«إن خوث أهل بلدك عقلك ما بيعود يفيد»!

بهذا الكلام أنهى أحد المتنورين في عيناثا حديثه مع ابن عمه الذي بلغ السبعين ونيف من العمر، لأن الأخير لم ير بد من دفع مبلغ 500$ التي يتقاضاها المساح المهني المكلف بمسح العقارات في عيناثا في قضاء بنت جبيل ولكن دون أن يستلم وصلاً كما غيره بقيمة المدفوعات.

ولكن القائمين على الأمر (المختارون والأعضاء الاختيارية والبلدية)، يبرّرون دفع 200 إلى 500$ عملاً بمبدأ "ادفع وريح راسك"، لكي يتخلص الناس من أعباء الفرز والتسجيل والتحديد والترسيم، وإلى ما ذلك في دهاليز الإجراءات المرعية والتي تتطلب أموالاً، ولكن؟ لا أحد يعرف كم بالضبط؟

والأفضل أن يتسلّم المساح مبلغاً مقطوعاً، ولكن وبحسب الأحاديث المسائية في عيناتا فيبدو أن الوضع قد استفحل وبات يستحق التحقق مما يُحكى. فلا دخان بلا نار! والناس تريد لفت النظر، قبل أن تكشف عن أسمائها للإعلام، فأراضي عيناتا تتعرض، كما الناس فيها، للسرقة والقضم وبعلم المسؤولين. والسبب الأول لهذا التجاوز الفظيع هو استغلال جهل الناس لحقوقها.

قانون العقارات

معلوم أن الدولة اللبنانية تعمل في مسح الأراضي على كافة أرض لبنان حسب قانون التنظيم المدني الصادر بموجب مرسوم صدر في 15-3-1926 تحت رقم 186 الذي يرعى تحديد وتركيز ملكية الأملاك العقارية. تقوم الدولة بموجب مناقصة بإشراف "دائرة المصلحة العقارية" بتلزيم الأراضي غير الممسوحة لمكتب عقاري في كل محافظة وذلك مقابل أتعاب هذا المبلغ.

والعلنية هي أول صفة تتخذها المناقصة بمجرد أن ترسو على أحدهم، ويشرف على عملية المسح المكتب العقاري قاض عقاري منتدب من أجل حل النزاعات. أي أنه اذا كان المسح سيبدأ في نيسان مثلاً، فيجب أن يتم الإعلان قبل شهرين من المسح أي في شباط. وهكذا، فيتم إعلام البلدية والمخاتير الذين وجوده أحدهم ملزم مع المساح، إلى جانب الأفرقاء الجيران في الأرض الواحدة. وقد لا يتواجد صاحب الأرض، حينها يمكن لأحد المخاتير أن ينوب في أرض لا نزاع عليها.

وأما مسؤولية البلدية فتختصر بتسهيل عمل المساح وهي الوحيدة المخولة بتحديد الحدود العقارية والجغرافية للقرية، وتقوم بتقديم مكتبها الفنّي ومهندسها إن وجد للمساعدة في عملية المسح. وأما تحرير العلم والخبر في داخل القرى فهو من مسؤولية المختار، وهو الذي يوقّع محضر المساحة.

ترخيص البيوت وحق الاعتراض

هناك ثلاثة أنواع من البيوت، الأولى التي انشئت ما قبل التنظيم المدني العام 1974 وهي ترخص عند التسوية دون الحاجة إلى دفع مبالغ للدولة مهما يكن حجمها، والغريب أن هذه الفئة الأكثر استغلالاً. والثانية لم يرخص لبنائها، وتسوّى حين المسح بمبالغ رمزية. والثالثة هي البيوت المرخّصة وغير المكتملة، وتلك تحتاج إلى مبلغ قد يصل حتى 1500$ ليقوم المسَّاح بشرعنتها وتسجيلها عقارياً دون المرور بالإجراءات المرعية.

كل أرض ادعى اثنان ملكيتها تصبح منطقة نزاع وبعد أسبوعين يمكن قبول الاعتراض بالبيانات والوثائق. وإذا لم يحسم النزاع يحوّل إلى المحاكم الابتدائية التي يرأسها القاضي العقاري المعين. وبانتفاء ذلك تصبح للأرض أو للمنزل صحيفة عقارية معتمدة، وإن كانت الأرض قد أخذت بوضع اليد، ولو حتى في المشاعات.

فالناس بين ناري الصمت أو العداء مع أهل القرية وخصوصاً مع الذين دفعوا ووقعوا فريسة للجهل أو للطمع. وكل من يتكلم بصراحة تعتبر صوفته حمراء مع البلدية والقوى المحلية! يقول أحد الأطباء بموافقة الجمع الذي حضر: "لم يكن هناك إعلان رسمي لمدة سنة وباشرت البلدية دون التحضيرات اللازمة. ولم يحضر أحد من المخاتير أو الأعضاء الإختيارية عملية المسح، وكذلك معظم الملاكين. ولم تلعب البلدية وحتى القوى السياسية المهيمنة دورها كمرشد ومنظم. وأخيراً، تم تسجيل أراض مجهولة بتلاعب واتفاق ضمني ما بين الملاكين الكبار والمخاتير الغائبين والبلدية وتم التعدي على المشاعات".

الناس متواطئة بطمعها

ولكن الطبيب لا يلغي دور الناس السلبي فيقول: معظم الناس متواطئ بسبب الجشع والطمع، أولاً لأنهم لا يريدون إيفاء الدولة حقها ورسومها، وبناء عليه فقد ابتدأ الآباء بتوريث أبنائهم على "حياة عينهم"، حتى لا يَدفع الأبناء فيما بعد رسوم الإرث. وتجدر الإشارة إلى أن المساح وحده لا صفة تقريرية له، وعليه إثبات ما تحدده اللجنة المسؤولة. ولكن المساح يستطيع من خلال علاقاته مع الدوائر العقارية بتخليص المعاملات بنفسه ولذا فالمبالغ التي وصلت إلى 2000$ عن كل طابق سكني.

أبو علي أحد الملاكين، يقول: حين الفرز يأتي ما يعرف بالسند الأخضر والذي تتم بناء عليه اجراءات العقارية". ويقاطع أحد الحاضرين: "والفرز للأبناء والأب على قيد الحياة يعتبر بمثابة الهبة، وهي تكلف مبلغاً كبيراً الدوائر العقارية". ثم يكمل أبو علي: فأنا لدي 15 دونماً من الأرض اتفقنا في البداية مع المساح على مبلغ 12 ألف دولار أميركي.

ودور البلدية

يقول أحد مدرّسي عيناتا: "من بداية التكليف كان هناك خطأ، واعترت الناس الحيرة، بسبب جهل التعاطي مع عملية المسح والمساح. كان على البلدية أن تنظم لقاء يوضح ذلك للأهالي.

ويتابع المدرّس: "السند للبيع والشراء ورخص الإعمار والإستثمار. ولا أدري لما يخشى الناس تأدية الحقوق للدولة. المساح يطلب ألفاً ويأخذ بعد المساومة 600$. أريد أن أفهم كيف سيبرر أن شاباً في 18 من العمر اليوم قد قام ببناء منزل له قبل العام 1974، كيف سيمر على دوائر الدولة تمرير أمر كهذا ولا أدري كيف سيبرر لشخص ترخيص وبناء بيته قبل ولادته! واللقاء الوحيد كان ما بين البلدية والنواب الجدد ولم يعلم الناس بفحواه".

المحاضر والحقوق

برزت في عيناتا مشكلة الملاكين الكبار، فكل قطعة أرض تعدّت مساحتها 10 دونمات تقسم في عيناتا إلى محضرين كل منها 5 دونمات. والأرض التي تتجاوز مساحتها 10 دونمات يحق للدولة الاستثمار بنسبة 25% منها المشاريع العامة: كمد شبكات المياه والتوتر العالي أو بناء الطرقات. ويحاول الملاكون من خلال توريث أولادهم أن يقسموا أملاكهم التي قد تتجاوز مئات الدونمات وأحياناً الألف، حتى لا تتمكن الدولة من اجتزاء قطع منها، فيكلّف عقار من 20 دونم 8000$ ليد المساح من أجل تقسيمها إلى 4 محاضر. ويعلق المدرّس: "أعرف أحدهم يملك 2000 دونم وقد دفع قيمة دونمين لتخليص أرضه". ويحلف: "والله طلع للمساح من عيناتا وحدها 4-5 ملايين دولار أميركي! أحسب المبلغ الذي دفع على قطعة أرض ما بين 200-300$ وأحياناً أكثر بكثير. يا عمي الناس ما بتعرف كيف تتصرف! إنهم يلعبون على جهل الناس". والحبل على الجرار، سند الملكية يكلف 6% من قيمة العقار وأن الضرائب قد تصل لغاية 3000 آلاف دولار أميريكي. وأنه فيما بعد على الشخص أن يستاجر مهندساً على حسابه من أجل تحديد القيمة التأجيرية". يعلق أحد المتحدثين: "نحن أمام صلاح عز الدين جديد!".

البلدية متواطئة

ثم يتابع الأستاذ: "لم يعد هناك سقف للدفع، والأمر يتم بمعرفة البلدية، وأخو رئيس البلدية يعمل مع المساح بالآجار هو وشخص آخر اسمه محمد أيوب بحضور أصحاب الأراضي أثناء المسح، غير أنني لم أر مختاراً على الأرض. والبلدية تسوق للموضوع مقابل "إنّ".

وهناك مَن يجاهر بعلاقة حميمة قد نشأت ما بين المساح وما بين البلدية، وتجلت في الإفطارات الرمضانية التي أقامها كبار الملاك وهم معروفون بالإسم والنسب في عيناتا، وكان المساح ضيف الشرف فيها!!

ومنهم من يعتبر أن هناك تواطئاً ما بين المساح والسلطات المحلية على تقاسم الجبنة على حساب جهل المواطنين". هذه هي القضية، وحق الدولة مهدور ما بين المدفوع له ومن يدعمه، وهذه هي حال عيناتا بلسان أهلها. الكل يعرف أن المساح قد كُلف عيناتا بمبلغ 200 مليون ليرة لبنانية، وهو المبلغ الذي كلف به عند مسح كفردونين، التي تبلغ مساحتها ثلث أراضي عيناتا، الناس تخشى من ذكر أسمائها أمام الإعلام حتى لا يحقد عليها من قبل من دفع ومن هو مسؤول.

تعليقات: