الشجرة المباركة على امتداد ارض الوطن

شجرة زيتون.. الشجرة المباركة على امتداد ارض الوطن
شجرة زيتون.. الشجرة المباركة على امتداد ارض الوطن


ثلاثة عشر مليون شجرة زيتون على مساحة الوطن··

الموسم بين سندان المضاربة الخارجية وتصريف نفاياته السليم!..

يقول المثل اللبناني الشائع: <إذا كانت أيام الزرع محدودة·· فأيام القطاف ممدودة>، إنها بركة الطبيعة من خيرات أرض لبنان، ثمرة الزيتون التي عرفها الاقدمون بشجرة السلام، تحمل الخير والبحبوحة الى المائدة اللبنانية التي تعتز بملك السفرة <صحن الزيتون الشهي>·

إلا ان هذه الثمرة اللبنانية والمتوسطية تعاني كما غيرها من منتوجات القطاع الزراعي في لبنان من سوء التنظيم وليس التصريف، اذ ان حاجة لبنان لا تكفي الانتاج اللبناني السنوي وخصوصاً ان هذا الانتاج معرض اليوم للمضاربة من الزيت المستورد لتغطية حاجة السوق اللبناني·

ولعل هذه ليست المشكلة الوحيدة المطروحة في قطاع انتاج الزيت والزيتون، بل كيفية تحويل هذه الزراعة التقليدية الى زراعة عضوية بغية منافسة الزيت المستورد بالجودة والسعد·

وتكمن المشكلة الابرز وهي نفايات الزيتون، ومياه الجفث الصادرة عن طحن النفايات· والتي يستعملها البعض لإنتاج انواع من الزيت الصناعي التي اثبتت الابحاث المخبرية انه سرطاني سام·

وفي ظل غياب المخبرات الصناعية، تبقى <ليبور> المرجع المحلي والدولي الذي يؤكد على جودة انواع الزيت·

هذه المواضيع يطرحها هذا التحقيق الذي يحاول ايجاز رحلة حبة الزيتون من ارض المزارع الى مائدة المستهلك·

ثلاثة عشر مليون شجرة زيتون تمتد على مساحة خمسة وسبعين الف هكتار اي عشرين في المئة من مجمل الاراضي المزروعة في لبنان، يستمد موسم القطاف فيها، في مختلف كروم الزيتون الموزعة في المناطق اللبنانية بنسبة اربعين في المئة في شمالي لبنان وتسعة وثلاثين بالمئة في الجنوب وخمسة عشر في المئة في جبل لبنان وستة في المئة في وادي البقاع·

وإذا كانت زراعة الزيتون في لبنان تعاني من مضاربة مزمنة من دول المنطقة وحوض المتوسط، فإن جودة الزيتون اللبناني وغنى مذاقه ونوعية زيته تصنّفه Extra Virgin إلا ان الاستهلاك محلي بمجمله ولا تتعدى صادرات الزيتون نسبة الخمسة في المئة من حجم الانتاج أي حوالى تسعة وسبعين مليون ليرة من اصل الانتاج الذي توازي قيمته المئة مليار ليرة·

دعم الاسمدة وشراء الدولة للزيتون ويرى الاقتصاديون في هذا الصدد، ان انتاج الزيتون ومشتقاته يحتاج الى حلول سريعة وعملية قد تكون بأن تقوم الدولة بشراء كميات اكبر من المواسم وتأمين المواد الزراعية والاسمدة ووسائل الدعم بالكلفة الدنيا، بالاضافة الى رفع اسعار المشتريات الحالية الى ما يوازي اعباء الانتاج والتصنيع·

أسعار بمتناول الجميع! وإذا كان الزيتون هو ملك المائدة اللبنانية، فإن اللبناني مشهور باستعماله زيت الزيتون في معظم وجباته الغذائية لنكهته المميزة على الاطباق اللبنانية والمتوسطية· ولا يأبه اللبناني بالإكثار من استهلاك الزيت نظراً لتوافره في الارياف، اذ ان معدّل استهلاك العائلة الواحدة سنوياً من زيت الزيتون تزيد عن المئة ليتر في حين ان العائلات الصغيرة تستهلك بين الاربعين والخمسين ليتراً سنوياً·، وتتراوح اسعار الزيت حالياً بين المئة وعشرين ألفاً لكل ستة عشر ليتر الى مئة وخمسين دولار اميركياً للزيت درجة اولى، في حين ينقسم مزارعو الزيتون في لبنان الى فئتين: إحداهما تعتمد على زراعة الزيتون لتأمين المؤنة السنوية من الزيت والزيتون وفئة اخرى تعتمد علىبيع الزيتون والزيت كمصدر للعيش·

من شامات الى معاد الى إده الى دوما وبيت حباق قرى جبيلية تعتبر ايام قطاف الزيتون من اجمل أيام نهاية الصيف وبداية فصل الخريف في لبنان، حيث يمضي القطافون اياماً متتالية في الطبيعة بين اغصان الزيتون، يفرشون الارض تحت الشجرة ببساط رقيق يمنع اندثار الحبات على الارض ثم يقومون بتمشيط الاغصان لتتساقط الحبات مع بعض الورق وبعد الانتهاء من التمشيط يتم تنظيف الحبات من الاوراق ثم تقسيم الانتاج الى حبات مناسبة لاستخراج الزيت او لتخزينها في البيوت للمائدة·

موسم الحصاد: طرق تقليدية وأخرى حديثة وتضاءلت في لبنان الطرق القديمة في قطف الزيتون، والتي تعتمد على استخدام العصا لضرب اغصان الزيتون لتسقط الحبات على الارض، لأن هذه الطريقة تؤذي الشجرة وبالتالي تؤدي الى تقليل الانتاج في السنة التالية·

وتعتمد بعض المزارع الطرق المتقدمة ومنها استيراد ماكينات لهذه الشجرة حيث تتساقط الحبات دون المس بالاغصان ولأوراق الا ان هذه الطريقة معتمدة في الخارج وغير رائجة في لبنان·

شجرة الزيتون تتربّع في أولويات إهتمام ربّ المنزل عائلات لبنانية كثيرة في جبيل وجرودها تؤمّن أقساط أولادها الدراسية والجامعية من محصول الزيتون وقد جرت العادة في مجمل البيوت الجبيلية أن يقوم ربّ المنزل بغرس شجر الزيتون في المساحات المحيطة بالمنزل، وإذا كانت المساحة صغيرة، يمكن أن يجد مكاناً ولو ملاصقاًَ لجدار المنزل لنصب هذه الشجرة، التي يعتبرها مجمل اللبنانيين شجرة خير وبركة لأن شجرة الزيتون بإمكانها تأمين تنكة زيت أو أكثر إذا كانت صغيرة كما قد تفي حاجة ربة المنزل من زيتون المائدة طيلة السنة·

واستعجالاً للأيام التي تسبق العام الدراسي يقوم الأولاد بقطف الشجرة بالتعاون مع أهلهم الخبيرين في كيفية المحافظة على الأوراق، ولذلك تنتعش في هذه الفترة من السنة بين نهاية أيلول وأواخر تشرين الثاني معاصر زيت الزيتون التي تفتح أبوابها ليل نهار للمزارعين الذين يسجّلون أسماءهم بانتظار دورهم لعصر مواسمهم·

معاصر زيت الزيتون من الحجر الى الأوتوماتيك ويضم جبل لبنان واحداً وعشرين في المئة من معاصر زيت الزيتون الخمسمئة وأربعة وأربعين المتواجدة على طول الأراضي اللبنانية والتي تتوزع بنسبة اثنين ونصف بالمئة في البقاع واثنتي عشر بالمئة في النبطية وخمسين في المئة في الشمال وأربعة عشر بالمئة في الجنوب، في حين يعد المستوى التكنولوجي لهذه المعاصر منخفضاً نسبياً إذ أن ثلاثة في المئة من هذه المعاصر فقط يعمل أوتوماتيكياً وخمسة عشر في المئة منها نصف أوتوماتيكي، والنسبة الأكبر من معاصر لبنان، حوالى اثنين وثمانين في المئة تقليدي، وفي مجمل إنتاجها إن قدرة هذه المعاصر متدنية نسبياً مع معدل لا يتخطى المئة وخمسين كلغ في الساعة نسبة الى معدلات قد تصل الى ستمئة كليو/ساعة· شربل شديد، صاحب معصرة في شامات - جبيل يقول: نقوم باستقبال الزيتون المزروع عضوياً أو حتى زيتون المزارع التي ما زالت تعتمد الأسمدة الكيميائية لمكافحة الحشرات والأوبئة التي تلحق بشجرة الزيتون وثمرة الزيتون، ولا إمكانية لدينا حتى الساعة لعصر هذين النوعين في آلات مختلفة·

وتشير الاحصاءات الى أن قطاع الزراعة العضوية في لبنان في ما يخص مزارعي الزيتون يتزايد سنوياً، وقد بدأ مع العام 2004 بخمسين مزرعة كإحصاء رسمي، تطوّر في السنة اللاحقة (2005) ليصل الى مئة مزرعة والأعداد تتزايد سنوياً إذ يحصل المزارعون العضويون اليوم على شهادات من قبل الأجهزة الدولية المختصة مثل (Skal) و(IMC)، الى الجهاز الوطني المعني بهذا الموضوع Libancert والذي يقترب من أن يصبح معترفاً فيه دولياً·

تشجيع المزارعين على تطوير الزراعة العضوية وتقوم حالياً مجموعة من المنظمات البيئية والمشاريع التنموية بدعم هذا القطاع (العضوي) في لبنان، رغم أن مبادرات العديد من المزارعين ما زلات خجولة، خوفاً من تدني الإنتاج في حال عدم استعمال الأسمدة، إلا أن تسويق المنتوجات العضوية، بكلفة مرتفعة نسبياً عن المنتوجات التقليدية، يغطي فارق الإنتاج·

توفيق القدوم كغيره من المزارعين في المنطقة يطّلع على مجموعة المنظمات التي تقوم بتقديم معلومات حول الزراعة العضوية ومنها تعاونية Biocoop بدعم من مشروع World vision المموّل من الوكالة الأميركية للتنمية (USAID) ومنظمة Healthy basket المرتبطة بالجامعة ا لأميركية في بيروت·

في حين أن الجمعية اللبنانية للزراعة العضوية ALOA ستقوم بجمع المزارعين العضويين والجمعيات ومصنّعي الأغذية والباحثين ووكالات التنمية لدعم هذا القطاع، خصوصاً مزارعي الزيتون العضوي، الذي أثبت أنه يعطي زيتاً مميّزاً مطلوب عالمياً·

مزارعون ينافسون بأنواع الزيتون ونوعية المذاق نشير الى أن أنواع الزيتون المزروعة في مجمل المزارع اللبنانية محلية، ومن الأنواع الأكثر شهرة، الصوري والبلدي والعيروني والشامي والسمقمقي (شتوي)·

وفي حين أن حوالى ثلاثين بالمائة من إنتاج الزيتون اللبناني هو زيتون مائدة، فان نسبة السبعين بالمائة الباقية تتحول إلى زيت الزيتون·

التقينا نبيه أبي يونس في معصرة دوما، حيث أكّد أن لبنان يفتقر إلى مراكز لتذوق الزيت (باب اول) كما في مختلف أنحاء العالم، في حين تقام مراكز تذوق في المعاصر اجمالاً وفي مصانع الزيت، الا أن الذوق اللبناني الخبير بالزيت الأصلي يمكنه أن يشتم رائحة الزيت الأصلي وتمييزه عن زيت الجفت الصناعي الذي يؤذي الصحة·

<ليبنور> ومقاييس عالية لجودة الزيت وبالنسبة للمختبرات المرخص لها التي تفحص نوعية الزيت وفقاً للمعايير الدولية، يخلو لبنان حالياً من هذا النوع من المختبرات في حين تكثر في المقابل المختبرات الخاصة ومنها مختبرات تابعة للقطاع العام·

ويعتبر معهد البحوث الصناعية، وهو معهد عام شبه مستقل ويعمل تحت اشراف وزارة الصناعة المصدر الحكومي الرسمي في هذا المجال، ورغم انه لم يتم اعتماده عالمياً الا انه مستكمل الشروط للحصول على شهادات منظمة المعايير الدولية، وقد وضعت مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، معايير واضحة لتحديد نوعية زيت الزيتون وتتوافق مع المعايير الدولية التي حددها المجلس الدولي لزيت الزيتون IOOC والذي يضم لبنان بين أعضائه·

المشكلة الأكبر تصريف نفايات الزيتون وهنا، تطرح مشكلة نفايات الزيتون وما يمكن أن تسببه من ضرر للبيئة التحتية في حال تمّ رمي عصر الزيتون في المجاري المائية أو بالنسبة للتربة لما يمكن أن يُطمر في الأرض من مخلفات الزيتون·

وقامت في هذا الصدد دراسة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة في لبنان ووزارة الإدارة المحلية والبيئة في سوريا ووزارة البيئة في الأردن والوكالة الأوروبية للتنمية (برنامج عمل الأولويات البيئية القصيرة ومتوسطة الامد والمركز الإقليمي لانتاج انظف من أجل خلق مشروع الإدارة المتكاملة للنفايات الناتجة عن عصر الزيتون في لبنان وسوريا والأردن والذي يهدف إلى تطوير قاعدة بيانات صناعية عن معاصر الزيتون والصناعات المكملة له، ووضع معايير بيئية واستراتيجيات مراقبة متعلقة بمعاصر الزيتون وجمع وتحليل عينات من مياه الجفت لتحديد مواصفاتها ومكوناتها وتقدير كلفة التدهور البيئي الناتج عن الصرف العشوائي للنفايات الناتجة عن صناعة عصر الزيتون·

غياب المواقع لتجميع مياه الجفت ويعمل المشروع على تحديد مواقع ملائمة في كل من لبنان وسوريا والأردن للاستخدام، كأحواض تجميع لمياه الجفت والعمل في وقت لاحق على اختيار نموذج لمحطة معالجة مياه الجفت·

وفي الوقت الراهن، يعمل المشروع على إدخال خيارات الإنتاج الانظف وإجراءات ضبط التلوث ومعالجة الملوثات، وبالتالي تعزيز وبناء القدرات المؤسساتية وتطوير آليات لتزويد أصحاب المعاصر بالحوافز التقنية والمالية لتعزيز تطبيق مواصفات الجودة البيئية بانتظار ايجاد حل متكامل لمشكلة المياه الملوثة الصادرة عن عصر الزيتون·

النظافة وتأثيرها على جودة الزيت كما يعمل المشروع على توعية المزارع على كيفية الحصول على زيت زيتون ذات جودة عالية ابتداء من موسم القطاف وصولاً إلى عملية العصر·

يُشكّل هذا المشروع حافزاً مهماً للمعاصر التي بدأت تؤكد امام المزارعين على ضرورة تنظيف الآلات جيداً بشكل دوري للحفاظ على جودة الزيت والتنسيق مع مزارع الزيتون على زمن القطاف وعصر المحصول خلال ثمانية واربعين ساعة من قطفه منعاً لاسوداد الحبة وتغيّر طعمها، كما يجب عصر كل حبة لوحدها والتمييز بين السليم والمصاب والمتساقط على الارض كما انه يجب تبديل ماء الغسّالة أربع مرات في اليوم على الأقل مع الحفاظ على حرارة المياه المستخدمة في كافة مراجل العمل حفاظاً على جودة الزيت·

لذلك يقوم أصحاب المعاصر في الاجمال باعتماد ميزان خاص، كما استعمال فرّازة تفصل الماء عن الزيت·

تخزين الزيت وخبرة عمر وبعيداً عن الخبرات الدولية، تبقى خبرة اجدادنا الأكثر أهمية في كيفية تخزين الزيت وفقاً لعمره مع التأكيد على عدم خلط الزيت القديم مع الزيت الجديد حفاظاً على مذاقه الرفيع·

ويبقى أن نقول أن استعراضنا لهموم زراعة الزيتون وإنتاج الزيت ليست الا غيضاً من فيض مشاكل الزراعة اللبنانية التي تحتاج الى ترشيد وروزنامة زراعية حفاظاً على إنتاج المزارع لتثبيته في أرضه، خصوصاً وان المنتوجات اللبنانية باتت تشكّل قبلة سياحية يتهافت إليها زوارنا مع إطلالة كل صيف·

موسم الزيتون على الشجر قبل قطفه
موسم الزيتون على الشجر قبل قطفه


موسم البركة بعد القطاف
موسم البركة بعد القطاف


... وفي المعاصر
... وفي المعاصر


تعليقات: