سلام لك منا درويش

محمود درويش
محمود درويش


بكى الأطفال فبكيت... و علت صرخات الأمهات في الوطن السليب فأرتفع صوتك شعراً يدّوي في كل الأرجاء... و نحن عرفناك و عرفنا ان اسمك لم يتدنس و لم يعرف يوماً طريق شعراء البلاط... التنهيده و الصرخة في شعرك كانتا عنوان ثورة الحجارة... عنفوان شعرك وقع كلماتك... طيبة قلبك و تاريخ تاريخك يسجل كما قلت بانك عربي و رقم بطاقتك معروف، و الهوية معروفة واضحة الملامح بعد ان فقد الكثيرون ارقام بطاقاتهم و كل ملامح الانتماء و الهوية...

رقم بطاقتك المحفور على جدران الزنزانات الفردية انت وعشرات الالاف في المعتقلات بعد ان نسي الكثيرون من الشعراء والمثقفين و الامراء والملوك والروؤساء اسماءهم وتاريخهم وحقيقة عروبتهم...

كل هذا يعلمنا بأن الكلمة اقوى من السيف و صوتها اعلى من صوت المدافع والدبابات و الطائرات و كل انواع القنابل... الكلمة هي الثورة الحقيقة التي تغير كل الواقع و تُنسج و تُغزل معاً ثوب الوطن ليحمل الدفء و الأمن و الطمائنينة الى كل ابنائة...

كل هذا يعلمنا بأن اطفال الحجارة المولودون من صرخة شعرك وعنفوانك علمونا كيف يهزم الحجر الدبابة ويكسر كل العنجهية و الغطرسة و يسكت المدافع... ويشرح بوضوح كل مضامين الانهزام و التخاذل و التساقط من انظمة الجوار بعد ان تحوّل كل الوطن الى جحيم اتت الصرخة شعراً و على نغماته تراقصت فرحة الأطفال بالعودة و التاريخ المكتوب على طريق العودة...

والآن و انت تعود محمولاً بنعش تُحلق عالياً و ترتفع فوق جلاديك تعود محمولاً لترقد بأمان على تلك التلة التي تطل على ارض ميعادك الأرض التي حلمت بها... حلمت يوماً بحريتها و بخروجها من يد سجانيها و ها هي تسجن و تُنتزع حريتها بأسم الحرية و الدينقراطية و حقوق الأنسان... بأسم اعتى الامبراطوريات ظلماً و تعسفاً وكأن دروس التاريخ لا يكفي لأباطرة هذه الامبراطورية و كأن تاريخ الرومان و اليونان و العثمانيين والأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لم يعطيهم دروساً و مواعظ في الأخلاق و المبادئ و حقوق الشعوب...

وكل امبراطور منهم يأتي يجب ان يتعمد اولاً بدماء هذا الشعب المسكين شعبك الذي ما زال يعيش في مخيمات اللجوء و الوطن الكبير الذي ينتمي اليه تناثرت اشلاءه و تبعثرت كلماته و حروفه و فقد كل معانيه ومن اهم تلك المعاني الحرية و الكرامة و معالم الطريق... وانت ايها الراحل العزيز الكريم المحتفى به و بذكراه عندما قلت لنا ان نسجل بأنك عربي سجلناك و حفرناك في القلب و لكن هيهات ان تصل تلك الصرخة الى ملايين الذين نسوا ان يسجلوا اسمائهم كما انت سجلت اسمك و عنوانك و رقم بطاقتك... فأرقد ايها الراحل العزيز الكريم بسلام فأنت غرست في ارضك و البذار لابد ان ينبت لنا ربيعاً بعد شتاء طال و امتد اجله واصبح عمره اليوم ستون عاماُ...

ستون عاماً والأنتظار يطول والتاريخ ان بكى فأنه يبكي هؤلاء الأبناء الذين تشردوا وفي عروقهم و نبضات قلوبهم صدى صوت و احد يصرخ في الأعماق دوماً سلام ثم سلام لفلسطين الوطن السليب...

تعليقات: