البترون جوهرة سياحية تتلألأ على شطآن الشمال

البترون جوهرة سياحية تتلألأ على شطآن الشمال
البترون جوهرة سياحية تتلألأ على شطآن الشمال


المكان: البترون بوابة شمال لبنان. الزمان: كل أحد من آحاد آب في العاشرة صباحاً. الدعوة عامة لكل اللبنانيين والسيّاح العرب والاجانب لتعرّف معالم المدينة الأثرية وقضاء يوم كامل في السوق القديمة. ربما كان الطريق طويلاً الى هذه المدينة انطلاقاً من العاصمة بيروت، إلاّ انه ممتع ويستحق العناء بهدف الثقافة واللهو معاً والتعرّف من كثب على معالمها والى اهلها المضيافين اصحاب اللكنة الشمالية الشهيرة.

البترون، لؤلؤة البحار وقبلة أنظار عشّاق السهر والحياة الليلية المشتعلة في الشتاء كما في الصيف، أعدّت العدةّ لتعيش آب، شهر المهرجانات، في اسواقها كما في مطاعمها وملاهيها التي تستقطب الشباب آخر الاسبوع من مختلف المناطق اللبنانية.حركة الصيفية تبدو كثيفة في داخل المدينة حيث المطاعم والنارجيلة و"اللقمة الطيبة"، كما على شاطئها الذي يفيض بالروّاد وعشّاق السباحة ومحبي الرمال.

اذا أراد الزائر اختبار المشوار الى البترون في فترة الظهر يلزمه ان يكون مستعداً لساعتين من القيادة بين أعداد هائلة من السيارات المكدّسة على الاوتوستراد الطويل. أما في طريق العودة فالزحمة واحدة لا تتبدّل إلاّ في حال جذبته الجلسة البترونية وطالت به قعدة النرجيلة على شرفة احد المطاعم في شارع الملاهي الليلية.ومهما كانت الرحلة طويلة فإن العديد من الشبان يأبون إلاّ ان يقصدوا بحر البترون الجميل والنظيف في كل احد، للتمرّغ برمل شاطئه الذي يجذب كل هواة السباحة في لبنان طيلة فصل الصيف. سلسلة منتجعات يزدحم بها الشاطىء تعجّ بعشاق البحر، فيما حجزت معظم الفنادق خلال فصل الصيف وبعضها تتضمن مطاعم واندية رياضية ومسابح وناديا لليخوت.

[دعوة عامة

على الساحل اللبناني وعلى بعد نحو خمسين كيلومتراً إلى الشمال من بيروت تقع مدينة البترون، بمحاذاة رصيف من الصخر الرملي، وتتمركز تقريباً في الوسط بين طرابلس والعاصمة، غنية بآثارها التاريخية والاحياء التراثية والاماكن السياحية.

البحر ليس الدافع الوحيد لزيارة هذه المدينة، فإذا كنت من بيروت او ابن الجبل او الجنوب، وان كنت عربياً وتريد تعرّف الآثار في لبنان وتحديداً البترونية منها وتراثها انت مدعو كل احد من آحاد آب الى التجوال في ازقة المدينة. وفي التفاصيل انه على كل المهتمين التوجه بعد غد الاحد 2 آب الى مدخل البترون للقيام بجولة برفقة مرشد سياحي الى المدرج الروماني حيث يتناول الجميع ترويقة مجانية، وتتضمّن الجولة السياحية وقفات مع ليموناضة او قهوة بحسب ما يختار الزائر، كما يمكنه ان يختار الانضمام الى فريق في البحر ليشاهد البترون من هناك، وبعد الظهر يتوجه الجميع الى البحر حيث يسبحون ويمارسون رياضات مائية ويشاهدون بين الـ7 و8 مساء مغيب الشمس مع سماع موسيقى كلاسيكية. وستشرع كل الاسواق أبوابها ومنها سوق الطيب والاسواق القديمة التي كانت مغلقة بعد ترميمها. كل ذلك يأتي ضمن برنامج مهرجان مدينة البترون. رئيس لجنة المهرجان فارس الجمال يقول ان ايام الآحاد هي "الاهم في مهرجان البترون وقد كان لنا تجربة كهذه في العام الماضي الا ان الاحداث في لبنان حالت دون انجاز البرنامج بكامله".

شوارع البترون وأحياؤها في الليل تعجّ بالرواد.اقبال وحركة كثيفة تملأ المكان.زوار من جميع انحاء لبنان يحطّون رحالهم فيه.المصطافون من ابناء المدينة والمناطق المجاورة والسياح الاوروبيون، إضافة الى أهالي بيروت وطرابلس وزغرتا وأميون والكورة وأهالي الجبل جميعهم، يقصدون قضاء البترون بمطاعمه وفنادقه وملاهيه وأنديته الليلية. المكان بات بالنسبة الى البعض "سوليدير" الشمال لما يشهد من حياة ليلية وصخب. يضيء ليلاً كلؤلؤة يشعّ منها النور، أرصفته تنبض من كثرة الحيوية وأماكنه تعج بالساهرين الذين يتراقصون على انغام الموسيقى الصاخبة تارة والهادئة تارة اخرى وسط أجواء من الحماسة. المحال التجارية تغيب عن شوارعه إلاّ فيما ندر، حتى السوبرماركت ومعظم الدكاكين الصغيرة حوّلها أصحابها الى نواد وملاه ليلية تماشياً مع الحركة السياحية التي تشهدها المنطقة اخيراً.

[بين القديم والجديد

بعزم أبنائها تحوّلت البترون من منطقة هادئة قليلة الحركة الى محطة حياة ليلية يعيشها الناس في السهر حتى بزوغ الفجر. وبما انها مدينة سياحية تستقبل اعدادا كبيرة من المصطافين والسائحين والساهرين، كان من الطبيعي الاهتمام بمداخلها والطرق المؤدية اليها لجعلها مداخل حضارية وجميلة. المطاعم والملاهي والنوادي الليلية تستهوي أذواق جميع الفئات والطبقات باسعار مقبولة الى حدّ ما. تتنوع الاصناف التي تشملها تقديمات المطاعم من الاطباق المكسيكية الى الفرنسية والايطالية والبيتزا المخبوزة على المحطب. إضافة الى ذلك تشهد هذه المطاعم منافسة تتعدى الاطباق الى البرامج الاسبوعية التي يعتمدها كل منها بغية جذب الرواد.ويقول يونان عوض مدير احد هذه المطاعم ان معظم زوّار المطعم من ابناء المنطقة المغتربين الذي اعتادوا كل ليلة السهر في المكان وخصوصاً انه يقع على شرفة عالية في وسط الساحة حيث سيقام المهرجان. وفي موازاة ذلك تنشط الملاهي والاندية الليلية التي انتشرت اخيراً في المنطقة ايضاً وتشهد إقبالاً كثيفاً خصوصاً في نهاية الاسبوع بحيث يحتاج الراغب في دخولها الى حجز مسبق قبل موعد السهر لتعود وتغلق أبوابها في بحر الاسبوع. ويقول مسؤول في أحد الملاهي ان" الحجوزات تقفل قبل نهاية الاسبوع وروّاد الملهى من مختلف المناطق اللبنانية ومن المغتربين والسيّاح العرب والخليجيين. الحركة التي تعيشها المطاعم والملاهي في العطلة الاسبوعية تنعكس على الفنادق التي يعمد كثيرون من السياح والمغتربين الى حجز غرف لهم فيها للاقامة فيها اثناء وجودهم في المنطقة، ويقول احد السياح الخليجيين ان اكثر ما يعشقه في الملهى، وامتداد السهر حتى ساعات الصبح بحيث ان بعض الملاهي لا تنام ولا تقفل قبل مغادرة آخر زبون لها حتى لو بقي حتى السابعة صباحاً.

للسوق القديمة في البترون ميزتها السياحية.بناؤها من الحجر الرمل ويبلغ من العمر مئات السنين وهو مصنف كمعلم أثري.الحركة فيها خفيفة خلال النهار وكثيفة في الليل.المشوار الى البترون لا يكتمل إلاّ بشرب كوب من "الليموناضة" يختلف في طعمه عنه في أي مكان آخر. لهذا العصير في مدينة بساتين الليمون نكهة خاصة. السياح واللبنانيون من كل المناطق يقصدونها للتلذّذ بمذاقه الفريد، وقد دأب السكان منذ ما قبل العام 1940 على إحياء عيد خاص لليموناضة يقدمونها خلاله للزوار في أحضان أسواقها القديمة.

كما يغتني قضاء البترون بالعديد من الآثار كالمسرح الروماني حيث ستقام سهرات المهرجان طيلة آب وقلعة السور الفينيقي، والبيوت الاثرية القديمة المتميزة بقرميد أحمر لا يقلّ عمر بعضها عن 200 سنة ويعود بناؤها إلى عهد الأمير بشير الشهابي.معالم تستقطب العديد من السيّاح، وخصوصاً الاوروبيين الهاوين للتراث، من خلال رحلات بحرية تنظم للتعرّف إلى شاطئ البترون والسور الفينيقي وبيوت العقد في حي القلعة.

[شهر المهرجانات

هذا الصيف تنطلق البترون من جديد مستفيدة كما كل المناطق في لبنان من استقرار الاوضاع الامنية. المغتربون باتوا كثرا فيها والسياح تزداد أعدادهم. ويتوقع المعنيون مزيدا منهم خصوصاً في آب الذي سيشهد مهرجانات واسعة لاستثمار الموسم حتى آخره.للمرة الاولى ينظم مهرجان البترون على مدى شهر كامل، وهو يشمل إضافة الى الحفلات على المسرح التي تنظم على السور الفينيقي المبني منذ 800 سنة، الكثير من النشاطات للاضاءة على جمال المدينة وآثاراتها. يفتتح المهرجان اول آب في حفلة موسيقية صينية راقصة للمعوقين تحييها فرقة أتت من الصين.تغتني سلّة المهرجان بالعديد من الحفلات، التي ستقام في المدرج الروماني القادر على استيعاب ثلاثة الاف شخص، اولها في الثامن من آب يحييها المغني العالمي massari الآتي خصيصاً من كندا، يليها في 14 منه open air party تشارك فيه كل ملاهي البترون الـ 25.وسيرقص الناس في الشارع الرئيسي على وقع موسيقى الـ دي جي وتطلق الالعاب النارية، وفي 22 آب يحيي السهرة الفنان وائل كفوري، تليها في 28 إعادة لمسرحية "المحطة" للرحابنة مفتوحة للمساهمين في المهرجان واهالي البترون بدعوات خاصة، وفي 29 موعد الحفلة الاخيرة يحييها جورج وسوف، ويختم المهرجان في 30 آب في سهرة على الشاطئ.

هذا وسيتم في المهرجان عرض لوحات لطلاب المدارس ضمن مسابقة نظمتها ادارته منذ 3 اشهر موضوعها "الشجرة والحياة"، كما سيرافقه حسومات وعروضات اذ سيكون آب شهرا للتسوق في البترون وستتخلله سحوبات القرعة على جوائز كثيرة منها " لابتوب" كل اسبوع وسيارة آخر السحب. ويتوقع الجمال ان يحضر المهرجان هذا العام 30 الف شخص. ويتابع "بعد مقابلات عديدة لنا على الشاشات المحلية والعربية نتلقى اليوم العديد من الاتصالات من الدول العربية وتحديدا من الكويت والسعودية، كما ان هناك لبنانيين من افريقيا يتصلون على رقم المكتب المدون على لائحة برنامج المهرجان للحجز في حفلات معينة. نحن نعمل على استقطاب السيّاح ليلاً ونهاراً، خصوصا العرب منهم الذين يحصرون حياتهم في لبنان في الليل بعكس الاوروبيين الذي يتنقلون على الدراجات الهوائية نهاراً لاستكشاف المعالم السياحية".

[...وللبحر متعة خاصة

ربما لا يعرف شباب لبنان الكثير عن قضاء البترون ومعالمه الاثرية والتاريخية الا ان بحره لا يغيب عن احد منهم. يقصد هذا البحر اليوم اكثر الشباب الـ "كلاس"، على الرغم من ان الدخول مجاني، والاسعار عادية.الاكلة الشهيرة هي السمك الطازج الذي يشكل احدى اهم مزايا البترون التي غدا معظم مطاعمها ومجمعاتها السياحية المتناثرة على طول الشاطئ الفينيقي، مقصدا للسياح لتذوق اطباقها البحرية الفريدة.

كما في كل أحد يتواعد الشبان على الالتقاء على الشاطئ للتنفيس عن تعب اسبوع كامل.لا يملون ولا يكلون انه مكانهم المفضل. الى الشباب يجتمع كبار في السن ايضا، ومن جنسيات مختلفة.

ينبسط البحر في اول البترون تشير اليه لوحة كبيرة.تركن سيارتك على الطريق العام وتنزل ادراجا كثيرة حتى لتحسب نفسك منحدرا في عمق واد لكن ها هو البحر يطل والموسيقى تصدح من مكان يعج بالناس. زواره هم من موظفي السفارات ومغتربين وسياح يأتون مع اصدقاء لبنانيين ويمضون نهاراً كاملاً وسهرة حتى الخامسة صباحا ايام السبت. غالبية الشباب باتوا اصدقاء البحر، وقلائل هم من لا يحبون اجواء المكان منهم الشاب الفرنسي ماكسيم الذي يعمل صحافيا في وكالة الصحافة الفرنسية في لبنان منذ 7 اشهر. موريس غصن يصطحب كل اصدقائه الذين يتعرف اليهم الى البحر وهو يقصد احد المطاعم على الشاطئ كل اسبوع لأن الجو مريح والناس طبيعيون والحياة تبدو من دون قيود... ولزيارة المكان يوميا يجب ان يكون مكان سكنك قريب مثل جو فغالي الذي يسهر يوميا مع صديقته يتأملان امواج البحر ويحب جو المكان "لأنه اجتماعي واللقمة بيتوتية".

بحر البترون المشهود له بالنظافة يشجّع المغتربين والسيّاح على أن تكون المدينة مركز استثماراتهم وخصوصاً شاطئها. وتتركز هذه الاستثمارات في غالبيتها في القطاع السياحي لذلك تشهد المنطقة حركة ناشطة في مطاعم ومقاه ومراقص جديدة خصوصاً في اوقات الليل.عضو المجلس البلدي وعضو لجنة مهرجانات البترون سايد فياض يشرح "ان التركيز حاليا ً ينصب على تقوية الحركة التجارية في النهار لذلك تعيد البلدية تأهيل الاسواق القديمة في البترون وترميمها لتشجيع اصحاب المحال فيها على اعادة فتحها." مستثمرو البترون هم لبنانيون مقيمون ومغتربون أحبوا ان يوظفوا اموالهم في المدينة ليضمنوا الربح، خصوصا" وان استثماراتهم سياحية بامتياز. ويصف فياض "الحركة الاقتصادية بالناشطة، وهي تنعكس ايجاباً على الكثير من القطاعات اذ زادت فرص العمل وانطلقت الدورة الاقتصادية جراء الاموال التي توظف في البترون". ويتابع "الابنية الاثرية القديمة ترمّم وتصلح من اجل الاستثمار وقد زادت بدلات الايجار ما انعكس ايجاباً على مالك العقار وايرادات البلدية التي تمنح رخصاً للترميم ورخصاً استثمارية مع زيادة القيمة التأجيرية للابنية وبالتالي زيادة إيرادات الدولة. المحال والمؤسسات التي تستثمر في البترون بدأت تفتح حسابات في مصارفها وتوظف ابناء البلدة والمنطقة، واسعار العقارات مقبولة نسبياً مقارنة بغيرها من المناطق ما يشجع المستثمر على شراء قطعة ارض لاقامة مشروع سياحي وحالياً هناك 4 مشاريع سياحية كبيرة قيد الانشاء". يقصد السياح الاوروبيون البترون بأعداد كبيرة، إضافة طبعاً الى المغتربين.كما ان للعرب مكانهم في البترون وهم يقصدونها دوما.

قد يكون في قراءة كتب التاريخ واستذكار الاثار مصدر غنى للمعلومات وإحياء الذاكرة، غير أن إحياء الموسم يتطلب التنقل في التاريخ ثم القفز الى البحر للهو والمرح مع اصدقاء يتوقون للقيام بجولة على ارض الحدث وقضاء صيف آمن في احضان لبنان. في الصيف الماضي رقص 14 الف شخص في شارع البترون الرئيسي على وقع الموسيقى، وحتى الآن تشير التوقعات الاولية الى ان الرقم لهذا الصيف سيتجاوز ذلك الذي للعام الفائت بكثير.


تعليقات: