أصول العائلات الصيداوية.. بحث في تاريخ المدينة

درع تكريمية يتسلمها الدكتور مجذوب
درع تكريمية يتسلمها الدكتور مجذوب


يتوغل الباحثون في تاريخ صيدا بحثا عن أي جديد أو إظهار أهمية قديم، يبذلون جهودا مضنية من أجل سبر أغوار الماضي وفتح أبوابه أمــام الاجــيــال، وإذا كــان مثل هــذا البحث يعتبر أمرا طبيعيا، فإن الغوص في غمار أصول العائلات وتسميتها وعاداتها وتقاليدها يصبح مشوقا، وممزوجا برغبة لمعرفة كل التفاصيل.

على مر الحقبات الزمنية ومع تطور الحياة الإجتماعية، تطورت القبيلة واتخذت شكل العائلة الكبرى والتي تحولت تدريجيا إلى عائلات صغيرة كما فــي عصرنا الحالي، ولكن ومع ذلك لم تنسَ هذه العائلات أصلها، ومــا زالــت تتغنى بنسبها، والدليل على ذلــك أن كثيرا مــن العائلات أقــامــت رابــطــات وجمعيات خاصة بها للمحافظة على اســم عائلتها ولكل منها شجرة تدل على اصولها وفروعها، تماما كما في مدينة صيدا التي تمتاز بمحافظتها على طابعها العائلي المترابط والمتماسك.

وقـــد أولـــى الــبــاحــث الــصــيــداوي الــدكــتــور طـــلال الــمــجــذوب تــاريــخ العائلات الصيداوية جل إهتمامه حيث خلص بعد تمحيص كثير الى ان صــيــدا تتميز بتعدد عائلاتها ويــقــارب عــددهــا 599 عــائــلــة وفــق سجلات المحاكم الشرعية والبلدية، أرشيفات دير المخلص ومطرانية الروم الكاثوليك وذلك بين 1840 و1914.

ويؤكد الدكتور مجذوب ان كل عائلة صيداوية حملت اسما عرفت به وتوارثه افرادها، ويمكن حصر معاني أسماﺀ العائلات الصيداوية ودلالاتها في أربع فئات رئيسية هي النسبة الجغرافية إلــى بلد أو مــكــان مثل: الإسكندراني (اسكندرية)، والحلبي (حلب) والصفدي (صفد)، او بالنسبة إلى الحرفة أو المهنة مثل: البني (بائع البن)، والبيطار (الذي يعالج الخيل)، والجوهري (صانع الجواهر)، والحكواتي (الذي يحكي الحكايات في المقاهي)، والزعتري (بائع الزعتر)، او بالنسبة إلى لقب يحمل مدحاً أو ذماً أو صفة مثل: الأســيــر، وأبــو عقدة، وأبــو ظهر، وابو زينب، وأبو الشمات، وبالنسبة إلى أداة أو نبات أو حيوان أو شيﺀ مثل: الابريق، الكشتبان، البصل، والجيز وغيرها.

أوضح الدكتور مجذوب ان اصول العائلات الصيداوية تبدأ من فينيقيا الى اليونان الى بلاد فــارس والشام واصولهم العربية التي انتشرت منذ العام، 636 مشيرا انــه من عائلات صــيــدا الــقــديــمــة مــن عــمــل معظم أفرادها بالصيرفة والتجارة، ومنهم من عمل في البحر كصيادين أو بحارة، وكانت لهم مراكب شراعية، ثم بواخر لحسابهم تجوب موانئ المتوسط، كما كان بعضهم وكلاﺀ سفر لشركات النقل المختلفة، وبــرز من بينهم "رياس بحر" معروفون كالحاج عبده الترياقي، وأحمد حسن ترياقي.

وأكد ان العديد من هذه العائلات تشترك في الاسم نفسه مع عائلات مسيحية أو مسلمة.

وإظــهــارا لأهمية هــذا الموضوع، تناول الدكتور المجذوب في محاضرة نظمتها رابطة آل حبلي الاجتماعية في مجمع الحاج بهاﺀ الانمائي بعنوان "أصول العائلات الصيداوية" العوامل الاساسية لدراسة أي مجموعة بشرية، شارحا بالتفاصيل البيئة الصيداوية التي تميزت بــروح الانفتاح ومحبة الحياة وتسامحهم وعشقهم للزهر وميلهم للتزيين والنظافة وحبهم للبيت ولكنتهم، ووسم اجسامهم، رجــالا ونساﺀ بالملاحة والجمال كما وصفهم الــمــؤرخــان محمد بهجت ورفيق التميمي في كتابهما ولاية بيروت الصادر سنة 1916.

وقـــال ان الــصــيــداويــيــن عموماَ يميلون للحياة البيتية الهادئة، ويقنعون بالعيش مع زوجــة واحدة ونسبة الطلاق بينهم ضئيلة، وان زادت قليلا فــي الــســنــوات الاخيرة نتيجة لضيق العيش واضطراب الامن واللهجة الحالية الصيداوية تكاد لا تكون مميزة وان كانت في السابق تميل الى الامالة وتحويل حرف (ش) الى (س) مثل (السمس بدل الشمش) وحــرف (ط) الى (ت) مثل (البتيخ والتابق بدل البطيخ والطابق) وحرف (ظ) الى (ض) مثل الضهر بدا الظهر وحــرف (ق) و(خ) الــى (هــمــزة) مثل مآصد ويا أيي (يا خيّي).

وفـــي خــتــام الــمــحــاضــرة كــرّمــت الرابطة الدكتور مجذوب وقدم رئسها المهندس أحمد صــلاح حبلي درعا تكريمية عربون شكر وتقدير لابحاثه المهمة للمدينة وأهلها.

تعليقات: