إكتشاف مفاجيء!


حاولت مراراً التهرب من اللقاء مع ممثلي الاتحاد الأوروبي المكلفين مراقبة الإنتخابات في دائرة مرجعيون ـ حاصبيا، حيث أترشح. تذرعت بأسباب عديدة: ضيق الوقت. عدم قدرة هؤلاء على المجيء الى قريتي "حولا" (هم ممنوعون من الدخول الى المناطق المحاذية مباشرة لفلسطين المحتلة). كان سبب تهربي شعور حقيقي بالخجل من هذه الإنتخابات! هكذا بكل بساطة. ونظراً الى أنني إعتدت أن اتحدث أمام الأجانب، عن بلدي، بما يخفي المظاهر السلبية فيه، ويظهِّر، أكثر، المظاهر والعوامل الايجابية، فقد وجدت أن خير الأمور هو التهرب أو حتى الهرب!

...إلا أن المترجم اللبناني المرافق للمراقبين، كان يعاود الإتصال بي في اليوم التالي. وكان طبعاً، يعاود تكرار طلب الموعد، حتى أذعنت وذهبت الى قرية "شقراء" المجاورة لقريتي حيث يمكن عقد اللقاء والقيام بهذا "الواجب".

كانوا ثلاثة مراقبين (شابة وشاب والمترجم). جلست قبالتهم يضيّق على أنفاسي إحراج شديد لم أجد الى إخفائه أو مداراته سبيلاً. كانت الصورة على عكسها والوضع على نقيض ما يجب أن يكون عليه: في حالة كهذه كان من الطبيعي أن يتخذ مرشح مثلي موقعاً هجومياً ضارياً يحاول فيه النيل من خصومه الذين يتحملون مسؤولية هذا الواقع المزري الذي يسم العملية الإنتخابية، من قانون الانتخاب السيء والاكثري، الى شراء الضمائر وتسخير مؤسسات السلطة وإثارة العصبيات المذهبية والطائفية، الى تدخل الدول الخارجية بشكل فج ومستفز ووقح...

لكن شعور الإحراج والضيق لم يفارقني رغم أكواب الشاي التي أحضرها صديقنا المضيف ورغم علاقة الشغف المعروفة التي تربطني وكل أهالي قريتي بالشاي، والتي لن ينال منها ما حصل في ثكنة مرجعيون في صيف 2006!

ومع ذلك كان لا بد من الحديث، لا بد من أن أبدأ. ماطلت مقترحاً طرح أسئلة من قبلهم لتسهيل بدء الحوار وللتركيز على "المفيد"!

لم تنفع هذه المناورة، وقد حسم المترجم الأمور في إقتراح ان أبدأ الحديث..

دارت الأفكار في ذهني للحظات ... الى أن "وجدتها": الكلام العام! وقد بدأت بالفعل. لكن الأمور جرت بعد ذلك على غير ما توقعت. فقد قادتني هذه الصدفة بالفعل الى جوهر الموضوع. فوجدتي مندفعاً تدريجياً وبشكل سلس وحازم في آن، في كشف الخلل القائم في النظام السياسي اللبناني. وتباعاً انثالت العبارات والجمل على لساني تسابق قدرة المترجم على النقل، مشدداً على أن كل ما يحصل من أزمات في بلدنا إنما هو بسبب النظام السياسي الطائفي الذي يتواطأ فريقا الموالاة والمعارضة على التمسك به... تحدثت عن الإنقسام الذي يولِّده النظام وعن التقاسم والمحاصصة، وعن الدويلات التي تتشكل في كنفه وبسببه، وعن الإرتهان للخارج ضمن آلية التنافس ومن ثم الاستقواء للحفاظ على وضع أو لتغيره، بما يجعل السيادة التي بها نتغنى منتهكة مرتين لا مرة واحدة فقط. تحدثت عن ملازمة الفساد لهذا النظام وعن إنتهاك القوانين والدستور... واصلت الكلام بإندفاعة لا يحدها موضوع أو سؤال من المراقبين أو من المضيف... وبشكل عفوي تدرجت حتى اعلنت وكأني على منصة مهرجان شعبي حاشد: انني أيها المراقبون مرشح إذن ضد هذا النظام!!

نهضت، إثر ذلك، في إشارة صريحة (وحتى وقحة) الى إنتهاء اللقاء. نظروا بدهشة. إستطردت أنني على موعد مع أصدقاء ينتظرونني. ومضيت بالفعل خالي الإحراج والوفاض إلا من جملة تتردد في ذهني أنا مرشح ضد النظام!!

أنا فعلاً كذلك ومنذ سنين طويلة، وسأستمر على هذا النحو حتى يقضي الشعب واجباً كان مطلوباً

تعليقات: