هل يُعيد «حزب الله» وعون الكرة إلى حضن بري؟

ميشال عون ونبيه بري ومحمد رعد في الدوحة في أيار 2008
ميشال عون ونبيه بري ومحمد رعد في الدوحة في أيار 2008


عندما قرر الرئيس نبيه بري ترشيح قياديين من حركة أمل في الدائرة الثانية من بيروت، بدا أنه يضغط بصورة مسبّقة على حزب الله كي لا يمارس الأخير عليه أي نوع من الضغوط، في شأن تسوية مع العماد ميشال عون تفرض على بري التنازل عن أحد مقعدي جزين أو بعبدا. فما الذي حصل؟

قرار حزب الله المبدئي أنه أوقف العمل الخيري، وأنه ليس بصدد التنازل عن أي مقعد إضافي من حصته، وأعاد الحديث عن أهمية وجود نائب منه في بيروت، ما أقفل الباب أمام أي مقايضة قد تقود إلى سحب الحزب مرشحه، النائب أمين شري، لمصلحة «أمل».

لكن حزب الله المعنيّ بالتوسط بين بري وعون منعاً لأي انفجار سياسي يصيب المعارضة بضرر، صار مضطراً إلى إيجاد معادلة لأي تسوية قابلة للتحقق، وهو انطلق في حساباته من الثوابت الآتية:

ـــــ حزب الله لن يتنازل للطرفين، وهو منزعج جداً من الخلاف.

ـــــ حركة أمل تريد مقعداً في جزين وتريد المقعد الشيعي في بعبدا.

ـــــ العماد عون يريد مقعداً إما في جزين (وهو يفضّل ذلك) وإما في بعبدا.

وبناءً على ذلك، فإن السياق التالي للحلّ يجب أن ينطلق من اعتبارات تخصّ عون وبري. وأظهرت المشاورات والوساطات والاتصالات أن تصلّب الطرفين جديّ، وأن حظوظ تراجع أي منهما باتت صعبة في المدى المنظور. وقد أظهرت الاتصالات أن عون لا يناور في طلبه مقعداً إضافياً في بعبدا أو جزين، وأن بري لا يعطي الانطباع بأنه مستعد للتنازل الآن، وهو يدرس الأمر من زاوية تأثيره في نفوذه الإجمالي. فإذا أُبعد عن دائرة جزين، يكون قد عاد ليجري حصره في الدوائر الشيعية جنوباً، وخصوصاً إذا نجح تيار «المستقبل» في انتزاع مقعدي صيدا السُّنيَّين. كذلك فإن بري يعرف أن النواب المسيحيين والسنّة والدروز في دائرتي الزهراني ومرجعيون ليسوا من النوع الذي يمكّنه من احتسابهم عليه طوال الوقت، لأن بينهم بعثياً وقومياً ودرزياً يحتاج إلى صلة وصل دائمة بالزعامتين الجنبلاطية والأرسلانية. أما النائب ميشال موسى، فسوف يظل في دائرة قواعد اللعبة التي تفرضها الحسابات الانتخابية في الزهراني، كما هي حال النائب عباس هاشم في دائرة جبيل.

كذلك فإن بري الذي لا يمانع، بل يرغب بقوة في انتزاع مقعد شيعي في بيروت، يريد كسر المعادلة التي فُرضت منذ عام 1992 في بعبدا لجهة توزيع التمثيل الشيعي بين حزب الله والنائب باسم السبع الذي يمثّل نقطة تقاطع بين النائب وليد جنبلاط وتيار «المستقبل». لذا، فإن بري لديه حسابات كثيرة تضاف إلى أنه لا يرغب بتصريفه، لما يتعرض له الآن من العماد عون.

فقد جرّب بري سابقاً «مغامرة» المواجهة، حصل ذلك في عام 1996، لكنه استعان على وجه السرعة بالدور السوري الذي أحبط «الانتفاضة الإصلاحية» لحزب الله. لكن واقعنا اليوم لا يتضمّن عنصراً قادراً على إبعاد العماد ميشال عون. ويعرف الرئيس بري أنه ليس في لبنان أو خارجه مَن يقدر على إقناع عون، طوعاً أو غصباً، بالتنازل. كذلك يعرف بري أن حاجة حزب الله إلى حليفه العماد عون لا تقلّ عن حاجة الحزب إلى العلاقة مع حركة «أمل». ثم لأن الشارع الشيعي المؤيد للمقاومة يرى أنّ من الضروري الآن تعزيز حضور عون في المواجهة القاسية التي تخاض ضده، وأنّ على الحليف المسلم للعماد عون التنازل له، على الأقل، كما يفعل الآن الحليف المسلم لمسيحيي 14 آذار.

لذا، فإن البحث سينطلق الآن من توجهات، لا من معطيات جديدة، وأساسها الآتي:

ـــــ قول العماد عون إنه مستعد للتخلي عن المقعد الشيعي في بعبدا، لكن مقابل تخلي الرئيس بري عن مرشحه النائب سمير عازار في جزين. ولكون عون يعرف الموقف السلبي لبري، فإنه يدعو إلى تحييد ملف جزين من خلال ترك حزب الله المقعد الشيعي الثاني في بعبدا لحركة أمل، وأن يقنع حزب الله حليفه الشيعي بخوض «معركة حبّية» في جزين.

ـــــ إذا قبل حزب الله بهذه المعادلة التي يطرحها عون، فهو يكون قد أبطل مفعول مناورة بري في بيروت، وبالتالي يكون قد ردّ له كرة النار مجدداً. ويمكن حزب الله أن يعد الرئيس بري بأن يترك له المقعد الشيعي أو يتفاهم معه على تسمية مقرّب منهما، كذلك يمكن الحزب أن يعد بري بأنه لن يتركه في معركة جزين.

ـــــ في هذه الحالة، ستكون هناك لائحة مكتملة للعماد عون في جزين، ولائحة مكتملة للرئيس بري، ولائحة ثالثة لحزب الله تضم مرشح بري الأول، أي النائب عازار، ومرشحي عون الآخرين (زياد أسود وعصام صوايا أو غيره). والثلاثة الرابحون يكونون من لوائح المعارضة.

لكن ما يجب الالتفات إليه، هو أن ذهاب الجميع في هذه الوجهة سوف ينعكس على الوضع في بعبدا. فإذا أصرّ الرئيس بري على مرشح حركي، فإن أنصار العماد عون لن يصوّتوا له بالكثافة نفسها التي سينالها بقية أعضاء اللائحة، وبالتالي سوف يكون هناك خطر من أن يخسر مرشح بري المعركة. وتالياً، فإن نتيجة بعبدا قد لا تكون مثل نتيجة جزين، إذ إن هناك خطراً لأن يخرق النائب باسم السبع لائحة المعارضة.

يقود ذلك إلى خلاصة وحيدة: لا بد من تفاهم عون وبري، وعلى حزب الله أن يأخذ مسافة من الطرفين ويبتعد قليلاً، إلا إذا كان في مقدوره ضمهما بقوة، وعلى طريقة مَن قال: ومنهم مَن يُقاد إلى الجنة بسلاسل.

تعليقات: