بغض وخبث ومال وأجهزة عالميّة ضد ميشال عون

ميشال عون
ميشال عون


البغض كلمة قاسية، لكنها تتحكم بكثير من عناصر العملية الانتخابية المقبلة على لبنان. وإذا كان في فريق الأكثرية النيابية من يتصرف على أساس أن الانتخابات مصيرية، فهو يتجاهل حقائق ذات بعد شخصي، يشبه اللبنانيين الذين يغار بعضهم من بعض، يفاخرون بأنهم مختلفون عمّن حولهم من الأقربين والأبعدين، لكن يكره بعضهم بعضاً في حلقات تلتفّ حول أعناقهم، وبطريقة تجعل الانتخابات مناسبة لتصفية حسابات شخصية، تمثّل إرثاً في السياسة والاقتصاد، وتعكس صورة الانهيار الكبير لآخر بنيان صيغة عام 1943. لكنه ليس الانهيار الذي يكسر ظهر الطائفية أو الإقطاع، بل يستبدل جسماً بآخر، وإقطاعاً بآخر. وفي قسم من هذه التحولات تبرز قوى قادرة على قلب الأمور رأساً على عقب من حولنا، لكنها لا تقدر على تبديل مختار فاسد بآخر يلبّي حاجات الناس من دون رشوة أو إفساد.

البغض حاضر بقوة في الانتخابات المقبلة في الوسط المسيحي. ثمة كمّ من الأحقاد المجمّعة لدى أبناء أصيلين ووافدين للجبهة اللبنانية بحزبها المؤسّس، الكتائب، وما حوله من مجموعات.

والبغض ساكن في بيوت ومنازل ومراكز، وليس عنده استراحة، ولا قيم رادعة أو حسابات مصححة، بل بغض وكراهية تجعل حاملها مستعداً لتدمير الهيكل وكل شيء، كل شيء مقابل إيذاء الآخر، ولو كان من أبناء جلدته، أو سبق له أن مرّ في مراكزه وبيوته الحزبية، أو حتى في مؤسسات رسمية وضبت لخدمة النظام الأشد قسوة في تاريخ لبنان.

والبغض في لبنان نوع يتوارثه الأبناء والأحفاد، وتخرج عائلات تتصرف على أساس أن البلد لها، وتذكّرنا بأيام كانت فيه عائلات تمنع الناس من الوقوف في مكان تخرج إليه الشمس، لأن الشمس لها وحدها وليس لغيرها شيء فيه ضوء أو خضرة أو ريح.

من أمين الجميّل وأفراد عائلته، الذين حكموا مباشرة الساحة المسيحية، إلى حشود المنتفضين من سمير جعجع وعائلته أيضاً، إلى اليساريين الذين استغفروا ربهم وعادوا تائبين إلى الكنيسة، مروراً بالمفاتيح الانتخابية الذين تحوّلوا إلى مرشحين وناخبين، مثل ميشال المر وأفراد عائلته أيضاً، وبرجال الكنيسة الذين عاشوا على تمويل هؤلاء وعلى قوت الناس الطيبين الذين يلجأون إلى الله في آخر كل أسبوع، وصولاً إلى من بقي من ورثة الأحرار والكتلة الوطنية. هؤلاء كافة يخوضون معركة بغض وكراهية وحقد ضد ميشال عون، في بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب، وفي أماكن الانتشار في العالم.

لا منطق يتحكم بموقف هؤلاء سوى البغض والكراهية ضد من يعتقدون أنه الذي أتى ليمحو ذكرهم في وقت قليل. وهم يستعدّون لتقبُّل بعضهم بعضاً مع أعلى قدر من الابتسامات والمصافحات الكاذبة، والكلام المنمّق الذي يردد قائله في نفسه كلاماً مخالفاً بعد ثوانٍ فقط، وهم مستعدون للتنازل عن كل شيء في ما بينهم من دماء وحروب ومصالح ودمار وخراب، من أجل التوحد في معركة واحدة ضد الرجل الذي جعلهم يمرون مسرعين في الشوارع، يهربون إلى منازلهم ويغلقون الأبواب ليبدأوا التنظير، وهم على استعداد حتى لخلع الأقنعة الزائفة التي لبسوها لعقود وهم يتحدثون عن الإصلاح ومواجهة الفساد وحرق الأرشيف والوجوه لحرق الرجل الخصم وناسه. وهم يستعدون لفعل كل شيء، من الرشوة التي تصبح أسهل الموبقات، إلى التشهير والتطيير والابتزاز على أنواعه حتى في لقمة العيش والتهديد بالطرد من العمل، والترغيب والتعليم والسفر والعلم والعمل، والمساعدة على جدولة دين أو سداد أقساط، وشراء سيارة أو تعبئة بطاقة هاتفية أو حتى شراء حفاضات للأطفال، لكن المهم هو الحصول على أصوات من ليس لهم صوت، وكل ذلك من أجل هزيمة الرجل الذي لا يزال يقول «لا» لهم، ويقولها بصوت مرتفع، في كل الأمكنة التي لا يزالون يتوهمون أنهم أسيادها، وضد الرجل الذي لا تخيفه عبسة مراهق بينهم، ولا تاريخ مجرم يتقدمهم، ولا كذب وخبث من فاته قطار الحياة ولم يصدق بعد، ولا يهزه حرم يطلقه كهنة يخشون أبناء رعيتهم، ولا رئيس لهم لا يصلي خلفه إلاّ عشرات لا ملجأ لهم غير بيت الله، وضد الرجل الذي تجمعت عليه قوى عالمية وإقليمية ومحلية لم يسبق أن شهدنا تجمّعاً مثلها إلاّ يوم اجتاحت إسرائيل لبنان، ويوم كرّرت عدوانها عليه قبل أعوام قليلة.

في هذه المعركة المفتوحة دون روادع أو حسابات، يمكن المرء أن يفهم معنى الوصف المصيري لها، أي ذلك الخوف من أن خسارة الانتخابات هذه ستقضي على كل أمل بمزيد من الكذب، وستجعل الصورة تتضح أكثر للقريب والبعيد، وساعتها لن تنفع أموال النفط ولا دبابات أميركا، وطبعاً، لن تهتز البلاد لشاب لا يعرف من الحياة إلا الصراخ.

تعليقات: