من أجل الوحدة العربية

من اليسار الحص وفائق وحسيب (علي علوش)
من اليسار الحص وفائق وحسيب (علي علوش)


الحـص يدعــو إلــى اتحـاد عربــي بديــل لجامعــة الــدول العربيــة..

100 باحث يشرّحون عوائقها ويستشرفون مستقبلها..

في الذكرى الحادية والخمسين لقيام الجمهورية العربية المتحدة في 22 شباط 1958، افتتح مركز دراسات الوحدة العربية في فندق «البريستول» صباح أمس، ندوته «من أجل الوحدة العربية: رؤية المستقبل»، بكلمتين لمدير عام المركز الدكتور خير الدين حسيب، والرئيس سليم الحص، وبحضور ومشاركة نحو 100 باحث مختص من الدول العربية المختلفة، قبل أن تبدأ ورشات العمل التي استمرت طوال النهار.

العناوين العريضة التي تناولتها الكلمات والأبحاث والتعقيبات عليها ركزت على الوحدة التي جمعت مصر وسوريا ثم انفصالهما في العام .1961 ثم فصلت في الفكر الوحدوي والمؤسسي والعمل السياسي الوحدوي، وآثار تطور النظام العربي على مشروع الوحدة. وتوقف المشاركون عند المشروع الإسلامي وتأثيره على الوحدة العربية. كما توقفوا عند الخطاب الرسمي العربي. وخلص البعض إلى ضرورة دراسة التجارب الوحدوية الناجحة المستمرة للبناء عليها وتطوير العمل الوحدوي العربي. وفيما أكد المشاركون أن الاتحاد العربي في السياسة والتنمية الشاملة والإقتصاد، ضرورة من ضرورات الأمن القومي العربي، لم يفتهم الإشارة إلى أن مشاكل العالم العربي الكثيرة.

يُذكر أن ندوة الأمس، سبق أن عقدت تحت العنوان نفسه، في صنعاء في العام 1988، وكان قد سبقها دراسة ميدانية قام بها المركز في عشر دول عربية رئيسية حول «اتجاهات الرأي العام العربي نحو مسألة الوحدة»، وبالأمس، عاد العنوان العريض نفسه إلى النقاش، ويترافق إلى جانبه «دراسة ميدانية حول «اتجاهات الرأي العام العربي نحو مسألة الوحدة والقيم والاتجاهات الديموقراطية»، وتنطلق في أحد عشر بلدا» كما أشار الدكتور حسيب.

تضامن شامل

ودعا الرئيس الحص في كلمته إلى «قيام اتحاد عربي يفضي مع الوقت إلى وحدة عربية ناجزة»، معتبرا أن «الاتحاد خطوة لا مندوحة عنها على طريق الوحدة، وذلك لكون الاتحاد خطوة في الاتجاه الصحيح نتجاوز بها حدة الفرقة والتباعد التي أوجدتها حواجز الحدود السياسية التي تفرق بين الأقطار العربية منذ زمن طويل، وكذلك حدة تزايد هوة الانتماءات القطرية المتباينة بين الشعوب العربية مع الزمن، كذلك أيضا حدة التعارض الظاهري في المصالح الوطنية الآنية بين الجماعات والأنظمة العربية».

واعتبر الحص أنه «عندما نتحدث عن اتحاد عربي، إنما ننزع إلى التأسي بالاتحاد الأوروبي الذي بات يضم 27 دولة. فإذا كان الاتحاد بين دول أوروبا ممكنا فالاتحاد بين الدول العربية يبدو ملحا. لا بل من حقنا القول إننا نحن العرب أولى بالاتحاد من أوروبا. فنحن أمة، تجمع بيننا لغة واحدة وثقافة مشتركة وتراث غني ومصالح متبادلة وتطلعات متلاقية. أما أوروبا في المقابل فليست أمة وإنما هي أمم يكاد عددها يوازي عدد شعوبها، وتتعدد الثقافات بينها، أما تراثها فحافل بالحروب الضارية بين دولها وكان آخرها الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين. جمع بين دول أوروبا في الاتحاد مصالح وتطلعات مشتركة، ومثلها لا بل أكثر منها يجمع بين الشعوب العربية في الوقت الحاضر».

وعاد الحص إلى الرهان على جامعة الدول العربية، معتبرا أنه «كان المفترض أن تكون جامعة الدول العربية عند إنشائها نواة صالحة لإقامة اتحاد عربي فاعل متماسك. ولكن هذا الرهان لم يتحقق تحت وطأة ترسخ الانتماءات القطرية وخصوصا على مستوى الفئات الحاكمة، وتجذر التباينات في المصالح الاقتصادية مع الزمن، وتعارض متعاظم بين تيارات التنمية الاجتماعية والثقافية والتربوية وخلافها في شتى أرجاء الوطن العربي، ناهيك عن التدخلات الخارجية، المرئية منها وغير المرئية، التي عاثت في العلاقات العربية فسادا ونشطت بلا هوادة في تعميق أسباب الفرقة بين الشعوب العربية. علينا أن نعي كل هذه الحقائق كي نتمكن من تجاوزها في العمل على تحقيق الاتحاد العربي المنشود والذي يجب أن يحل محل جامعة الدول العربية».

وخلص إلى أن الجامعة العربية «أدت الغرض الذي رسم لها، ولم تعد مجدية في مرحلة أضحت الحاجة فيها ماسة لتغليب مطلب الاتحاد على أي اعتبار آخر في عصر بات يشعر العرب أنهم متخلفون عن ركب التقدم في العالم ولا نجاة لهم إلا بالاتحاد، على غرار أوروبا. ثم إن التحدي الصهيوني، الذي يتهدد المصير العربي، يشكل حافزا ضاغطا إضافيا إلى عقد اتحاد يحصن الأمة العربية بالمناعة اللازمة في مواجهة عدو المصير القومي الذي يتيح له تفرق العرب إمكانية استفرادهم شعبا فشعبا وقطرا فقطرا. وإذا كانت المقاومة في فلسطين ولبنان قد أوجدت طريق التصدي للعدوان الصهيوني المتمادي في مواقع معينة، فإن المرتجى أن يفضي الاتحاد العربي العتيد إلى قيام حركة مقاومة عربية جامعة تتصدى للعدوان الصهيوني في تحدياته ومنطلقاته لا بل وفي صميم كيانه».

بناء على كل ما سبق، جزم الحص أن «الاتحاد العربي ضرورة من ضرورات الأمن القومي العربي. وهو بالطبع أيضا ضرورة من ضرورات الأمن الاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي، والذي يتمحور في شكل أساسي حول التنمية. وفرص التنمية في الوطن العربي ستبقى ضيقة محدودة ما دام العرب متفرقين شعوبا ودولا. فالوطن العربي غني نسبيا بإمكاناته المادية والبشرية، ولكن نمو المجتمع العربي مثقل بآفات وقضايا فادحة. واعتبر أن «أولويات التنمية على صعيد الأمة ككل تختلف جذريا بطبيعة الحال عن أولويات التنمية على الصعيد القطري. ففي بعض الأقطار العربية ذات الدخل المرتفع يمكن أن تكون الأولوية لردم البحر أو تشييد ناطحات سحاب. أما في الأفق القومي، حيث الوطن العربي يشكل وحدة إنمائية متكاملة، فالأولوية ستكون بلا ريب لإنقاذ حال الفئات الفقيرة والمناطق المتخلفة في طول العالم العربي وعرضه».

انطلاقا من هذا الواقع دعا الرئيس الحص إلى «العمل على استبدال جامعة الدول العربية باتحاد عربي جامع، لا بل ندعو جامعة الدول العربية أن تتولى هي بنفسها دور المحرك الرائد في هذا الاتجاه. ونستبشر خيرا بالقرارات الصادرة عن القمة العربية المنعقدة مؤخرا في الكويت والتي حددت مواعيد لقيام الاتحاد الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة خلال مهلة أقصاها عام .2020

ورأى «أن التنمية الديمقراطية شرط لازم للوحدة كي يأتي قرار الوحدة في كل قطر عربي نابعا من إرادة شعبه الحرة». معتبر أن «الديمقراطية في الأقطار العربية، إما متعثرة أو واهنة أو معدومة فعليا. أما التنمية الاقتصادية الاجتماعية على الصعيد القطري فهي الشرط اللازم الآخر لتحقيق الوحدة العربية».

بدوره تطرق الدكتور حسيب في كلمته على «الأوضاع الإقليمية والدولية التي ساهمت مجتمعة في انتكاسة العام 1961 والانفصال بين سوريا ومصر»، واعتبر أنه «تم التركيز على هذا الانفصال وكذلك على المحاولات الفاشلة لتوحيد مصر وسورية والعراق في «الوحدة الثلاثية» عام 1963، وكذلك فشل محاولات توحيد ليبيا ومصر والسودان في السبعينات ومحاولة توحيد سوريا والعراق عام 1978، وذلك لضرب مسألة الوحدة العربية عموما، مع إهمال وتناس متعمد للمحاولات الوحدوية الأخرى الناجحة والمستمرة التي تمت في الوطن العربي خلال القرن العشرين. كما تم إهمال الاتجاه العام في العالم نحو التكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى، كما حصل في قيام الاتحاد الأوروبي الذي يشمل حاليا معظم الدول الأوروبية، وقيام منطقة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وكذلك التكتلات الاقتصادية والسياسية التي حدثت في جنوب شرق آسيا، وفي إفريقيا وغيرها، حيث لم تعد الكيانات الصغيرة قادرة على المنافسة في ظل العولمة».

وبرأي حسيب «تم التركيز الإعلامي على فشل التكتلين الإقليميين العربيين اللذين حدثا عام 1989 وقيام «مجلس التعاون العربي» الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن، وقيام «اتحاد المغرب العربي»، الذي ضم بلدان المغرب العربي: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا، وانفراط العقد الأول بعد حرب الخليج 1991، وجمود التجمع الثاني بسبب الخلافات التي نشبت بين أعضائه وحالت دون تفعيله حتى الآن، وغياب الديموقراطية الحقيقية في بلدان هذا التجمع التي لم تتح الفرصة لشعوب هذه البلدان في تطوير هذا التجمع.

المحاور

بعد الجلسة الافتتاحية انطلق المحور الأول في الندوة، في نقاش «الوحدة العربية في سياق المتغيرات المعاصرة»، وترأس جلستها الأولى وزير الإعلام المصري السابق، أيام الرئيس جمال عبد الناصر، محمد فايق، وألقى الدكتور صباح ياسين بحثا أعدّه الدكتور عماد فوزي شعيبي حول «النظام العالمي والتوحيد القومي وآثار تطور النظام العربي في العقدين الأخيرين على مشروع الوحدة». وعقب الدكتور حسن نافعة من مصر وعبد الملك المخلافي من اليمن على البحث.

وتناول شعيبي، النظم العالمية التي تكرس الأمر الواقع، مستعرضا سياسة الولايات المتحدة الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر، متطرقا إلى صورة النظام العالمي الجديد الممكنة. وطرح شعيبي عددا من الأسئلة حول إمكانية أن تكون هناك أحداث فاعلة ومناوئة يقودها العرب، ويكون لهم بالتالي فيها دور فاعل في عملية الصياغة القادمة بدلا أن يكونوا مفعولا به وسمادا لدراسات الآخرين، وهل من الممكن أن تكون هنالك سياسة عقلانية خارج دائرة الوجدانيات السياسية والتحليلات والمواقف الإيديولوجية التي ترفض أن تلج العصر وتفهم لغته؟».

أما الجلسة الثانية التي ترأستها الدكتورة خيريه قاسميه، فتناولت بحثا أعده المفكر المصري طارق البشري وألقاه الدكتور وجيه كوثراني، وهو حول «الصعود الإسلامي وتأثيره على مشروع الوحدة العربية». وعقب عليه الدكتور أحمد موصللي من لبنان، والدكتور محمد عبد الشفيع عيسى من مصر والدكتور عمرو حمزواي..وناقش البشري «خفوت دور الدائرة الإسلامية بسبب تعارض أوضاع الأمن القومي ومتطلباته بالنسبة إلى الدول والشعوب الإسلامية في المنطقة الوسطى والغربية من آسيا وهي على التحديد الأوضاع الخاصة بالشعب العربي من جهة وبكل من تركيا وإيران من جهة أخرى». وأكد البشري على «اقتران التوجه الإسلامي بفكرة الوحدة العربية باعتبار أن العروبة ليست انسلاخا عن دعوته، بل هي واحدة من تطبيقات هذه الدعوة، بل لعلها هي الدعوة الأكثر وضوحا في التطبيق بحكم الوثوق اللغوي والتاريخي المؤيد والداعم».

وعرض الدكتور عبد الغني عماد في الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور علي أحمد عتيقة «تطور الفكر العربي تجاه مسألة الوحدة العربية». وعقب على البحث الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى (مصر). وتطرق عماد إلى «ارهاصات جديدة تؤسس لانطلاقة الاتجاه القومي العربي الجديد الذي ينحو إلى إبراز التداخل الكبير بين الرأسمال الرمزي الثقافي والرأسمال السياسي والرأسمال الاقتصادي، هذا التداخل الذي أصبح اليوم من مسلمات العلوم الاجتماعية الحديثة»، مشيرا إلى «إن الاتجاه القومي العربي الجديد يقارب الوحدة اليوم، مستندا بذلك إلى مراجعات نقدية جادة، خفقت كثيرا من المحمول الإيديولوجي الذي أثقل كاهلها، وحولها من ماهية وجوهر إلى تمذهب وتحزب، وهي لا تزال تحتاج إلى المزيد من النوعي لا الكمي اي القليل من الايدولوجيا والكثير الكثير من الاستراتيجيا، القليل من النظريات والكثير من البرامج والمنهجيات، القليل من الكلام والكثير من العمل فكل ذلك أكثر فائدة للوحدة من أي جدل إيديولوجي عقيم».

أما الدكتور عبد الإله بلقزيز، فأجرى «مراجعة فكرية وسياسية لمفهوم الوحدة العربية»، ولفت في الجلسة الرابعة التي ترأسها الدكتور محمد المسفر إلى أن «ان فكرة الوحدة العربية لا تحتاج إلى شرعنة نفسها أو القول أننا نريد الوحدة العربية لأننا امة واحدة تجمعها رابطة اللغة والثقافة والتاريخ»، مشددا على «الحاجة إلى هذه الوحدة لان لدينا مصلحة فيها ولان مصيرنا يتقرر بها إيجابا وبغيابها سلبا». وعقب على بحثه كل من الدكتور سالم توفيق ألنجفي (العراق)، والدكتور أحمد يوسف أحمد (مصر).

وأوضح بلقزيز أنه «لا بد للفكر الوحدوي العربي من أن يخرج من ثنائية القطري القومي لأنها ثنائية فكرية وسياسية كابحة»، مشددا على «الحاجة إلى فكرة عربية اتحادية»، مؤكدا «أن فكرة الوحدة العربية هي ملكية جماعية خاصة وليست خاصة للقوميين العرب وحدهم».

وترأس الجلسة الخامسة والأخيرة في اليوم الأول للندوة، السيد يسين، وقدم الدكتور رغيد الصلح بحثه تحت عنوان «الخطاب الرسمي العربي ومسألة الوحدة»، وعقب عليه الدكتور يوسف الصواني (ليبيا)، وصلاح الدين الجورشي (تونٍس).

واعتبر الصلح أن «الخطاب العربي الرسمي الجماعي اتسم في ما يخص مسألة الوحدة العربية بالمحافظة وفي أحسن الحالات، كان الأفق التضامني هو سقف العمل العربي المشترك، ولم يطبع الحذر الشديد والتخوف موقف النخب السياسية العربية الحاكمة تجاه مشاريع الوحدة السياسية المعلنة فحسب، وإنما انسحب هذا الموقف أيضا على مشاريع التعاون الإقليمي والوظيفي خاصة بعد أن أثبتت تجربة السوق الأوروبية المشتركة أن مشاريع الوحدة أو الاتحاد أو التكتل الجدي يمكن أن تتسلل إلى داخل الكيانات الوطنية».

ورأى «أن تأسيس مرصد للعلاقات البيئية العربية سيكون خطوة مناسبة وإطارا مناسبا لتكوين موقف عربي شعبي وضاغط باتجاه تحريك مشاريع التعاون والتضامن والتكامل العربية نظرا للحاجات العربية الملحة للتضامن الحقيقي بين الدول العربية وان هذه الحاجات سوف تزداد مع الوقت وان الطلب عليها سوف يتزايد أيضا»، مؤكدا «أن غياب التضامن العربي اليوم لن يذهب بمشاريع الوحدة العربية فحسب، ولكنه بات مصدر خطر داهم على كافة ما يتطلع سكان هذه المنطقة من حرية وامن وازدهار واستقرار».

تعليقات: