هل قاد مغنية سيارة اسرائيلية؟

موقع تفجير سيارة الشهيد عماد مغنية
موقع تفجير سيارة الشهيد عماد مغنية


التسريبات التي بدأ يتداولها المواطنون حول قضية الشبكة الاسرائيلية التي يتابعها حزب الله، اطلقت تساؤلات شتى حول مدى صحة هذه المعلومات التي انتشرت كالنار في الهشيم. ذلك ان حزب الله لم يعلن حتى الآن عن اي معلومة سواﺀ لجهة حقيقة ما يقال عن كشف الشبكة الاسرائيلية او الخارجية، او لجهة صحة المعلومات المتداولة بين جمهوره، على ان هذه التساؤلات تتصل ايضا بعملية خطف الموظف في شركة طيران الشرق الاوسط جوزيف صادر، الذي رجح مسؤولية حزب الله عن خطفه قرب مطار بيروت، عدم تعليق الحزب وصمته حيال ما يناله من اتهام بالوقوف وراﺀ هذه العملية او على الاقل توجيه الاتهام اليه من دون تسميته.

وفي جوجلة لما يدور في اوساط قريبة من حزب الله ان حدثا كبيرا يشهده الحزب وان اعادة تنظيم وترتيب سلسلة اجراﺀات امنية ترتبط بالحزب وقيادته تجري بشكل سريع ودقيق، والسبب حجم المعلومات التي يعتقد ان اسرائيل وغيرها باتت تمتلكها عن بنيته العسكرية والامنية.

و كانت البداية كما تشير هذه الاوساط، عبر اكتشاف احد ركائز هذه الشبكة مروان فقيه، تاجر السيارات ومالك إحدى محطات المحروقات في محيط مدينة النبطية. وفقيه هذا من الذين يلقون احتراما وثقة كبيرين لدى كوادر الحزب في المنطقة وله صلات مع بعض المسؤولين الكبار فيه، خصوصا ان كرمه وتبرعاته للمقاومة ساهما في المزيد من الثقة به، علما ان هناك من يؤكد انه كان يعتبر من المنضوين في حزب الله وقد سخر محطة المحروقات في مراحل عدة لخدمة الحزب والمقاومة.

الى جانب ذلك كان فقيه، كما تؤكد الاوساط نفسها، احد المعتمدين الرئيسيين من قبل حزب الله لشراﺀ السيارات للاستخدام الحزبي، حيث يرجح انه يقوم بهذه المهمة التجارية مع الحزب منذ ما قبل ثلاثة اعوام.

ولكن ماذا كان يعمل فقيه وكيف تم اكتشاف انه مجند في جهاز مخابرات اسرائيلي، ودائما بحسب الاوساط المحيطة بحزب الله، ان عامل الصدفة كان وراﺀ اكتشاف خيوط الشبكة، حيث تم ذلك من خلال احدى كاراجات تصليح السيارات، حيث اكتشف احد العاملين وهو منهمك في اصلاح عطل كهربائي داخل احدى سيارات الدفع الرباعي الاميركية الصنع والتي تعود الى احد كوادر الحزب، وجود جهاز غير مألوف متصل بالشبكة الكهربائية، فظن بداية ان هذا الجهاز قد يكون موضوعا من صاحب السيارة المعروف، فاقتضى ان يلفت النظر الى هذا الامر بسبب الارتباط بين هذا الجهاز والعطل الكهربائي.

فاجأالامر مالك السيارة واستفسر من قيادته الحزبية عن هذا الامر، التي فوجئت ايضا وبدأت عملية تفتيش واسعة طالت مئات السيارات التي تعود الى مسؤولين وكوادر حزبية، بعدما تبين ان هذا الجهاز هو جهاز تنصت وبث متصل مباشرة بالاقمار الاصطناعية. وتم اكتشاف ان عشرات السيارات المستخدمة من الحزب وضع فيها هذا الجهاز وتبين ان القاسم المشترك بين هذه السيارات هو ان مصدرها التاجر مروان فقيه. فعمد حزب الله الى اعتقاله منذ شهر تقريبا ومن دون ان يتأكد هذا الامر بشكل رسمي رغم ان مصادر عسكرية رسمية اكدت في وقت سابق ان فقيه اصبح في عهدة مخابرات الجيش اللبناني. ورغم ان البعض يقول ان هناك 12 شخصا تم كشفهم من الحزب واعتقالهم، الا ان احدا لم يعلن عن اختفاﺀ احد افراد عائلته كما حصل الامر مع جوزيف صادر، الا اذا كان جزﺀا من هذه الشبكة وهو من العناصر التي تنتمي الى حزب الله.

على ان ما يتسرب عن اختطاف صادر وايضا من معلومات غير مؤكدة ولكنها صادرة عن اوساط قريبة من حزب الله يتسم كلامها عادة بالموضوعية، تشير الى ان صادر وهو مهندس اتصالات كان يحرص على الانتقال من صيدا الى مطار بيروت عبر النقل المشترك وكان يركن سيارته الخاصة في مدينة صيدا، وتضيف ان صادر يشكل احد الاعمدة الرئيسية لهذه الشبكة وهو يحوز على معلومات خطيرة ترتبط بأمن الحزب وشبكة اتصالاته وربما هذا ما يمنع تسليمه الى الاجهزة الرسمية حتى الآن.

السؤال الذي لا تبدو الاجابة عليه واضحة هو هل ان القيادي عماد مغنية قتل وهو يقود احدى سيارات مروان فقيه؟

--------------------------------------------------

وحول ذات الموضوع، كتبت الوطن القطرية:

صادر أمنية لـ"العرب": مروان فقيه حقق خرقا خطيرا داخل "حزب الله"

21 شباط 2009

كشفت مصادر أمنية لبنانية لـ"العرب" القطرية "معلومات خاصة عن عميل الموساد الإسرائيلي مروان فقيه والذي ألقى القبض عليه "حزب الله" في مدينة النبطية جنوب لبنان قبل أن يقوم بتسليمه إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني".

واشارت المصادر الى إن "التقييم الأولي لقضية فقيه أنه حقق خرقا خطيرا داخل "حزب الله" لا يمكن تقدير حجم هذا الخرق لأنه يخضع لمتابعة دقيقة من المعنيين في قيادة الحزب لأن الأهم هو معرفة نتائج هذا الخرق والإجراءات السريعة التي قد تكون اتخذت لإفشال أي استثمار للمعلومات التي حصلت عليها الموساد عبر عميلها فقيه".

وأوردت المصادر التفاصيل التالية "أن مروان فقيه يرتبط بأحد الأشخاص في فرنسا يقوم بتزويده بالسيارات الرباعية الدفع، وقام فقيه بتقديم حوافز لكوادر حزب الله لكي يقوموا بشراء سيارات منه بأسعار مخفضة وتسهيلات كثيرة، وكانت البداية مع عدد قليل من الكوادر قبل أن يتوسع في علاقاته ليصبح معتمدا من قبل الحزب في تزويدهم بالسيارات".

وأضافت المصادر "أن الذي أدى إلى كشف عميل الموساد مروان فقيه هو تعطل إحدى السيارات وأثناء قيام التقنيين بإصلاح العطل الكهربائي اكتشفوا أن العطل سببه جسم غريب لا علاقة له بأجهزة السيارة، وبعد تردد التقني في الإبلاغ عن الأمر قام أخيرا بإخبار صاحب السيارة وهو من كوادر "حزب الله"، الذي قام بإبلاغ قيادة الحزب ولكي يتأكدوا من أن الموضوع ليس فرديا، طلبوا من فقيه تزويدهم بثلاث سيارات جديدة وفور تسلمهم لهذه السيارات عمدوا إلى الكشف الدقيق عليها فاكتشفوا أنها مزودة بعيون إلكترونية كما كل السيارات التي سبق أن سلمهم إياها فسارعوا إلى إلقاء القبض على فقيه".

وأوضحت المصادر أن "مهة هذه العيون الإلكترونية البث مباشرة إلى أقمار صناعية تجسسية لتحركات كل من يستخدم هذه السيارات، مما يعني أن كل التحركات رصدها الموساد الإسرائيلي لا سيما المواقع والأماكن التي يتردد عليها كوادر حزب الله". وأشارت المصادر إلى أنه "خلال حرب تموز غادر مروان فقيه مدينة النبطية وقام بتسليم محطة الوقود التي يملكها إلى "حزب الله" لاستخدامها في تزويد آلياتهم وسياراتهم بالوقود، وكل محطات الوقود استهدفت في المنطقة من قبل الجيش الإسرائيلي إلا المحطة التي يملكها علما أن الإسرائيليين كانوا يعرفون أن حزب الله يستخدمها".

وأضافت المصادر أن "العميل فقيه كان خلال حرب تموز يقوم بتصوير بعض المواقع، كما أن الإسرائيلي كان يرسل له صورا جوية لمنازل يقوم فقيه بوضع علامة فوسفورية على المنزل الذي يجب أن يستهدف، وما كان يقوم بتصويره يرسله عبر حافظة معلومات إلكترونية إذ بمجرد وضعها في جهاز الكومبيوتر تسحب منها المعلومات فورا إلى إسرائيل ويمحى ما عليها فورا إذ إن ما صودر من منزله من أقراص مدمجة تبين أن كل المعلومات محذوفة عنها". وأكدت مصادر "تورط فقيه الكامل مع الموساد، وأن كلامه أثناء الاستجواب قليل، وهناك عمل أمني على مجموعة أخرى، إلا أن ما يصعب التحقيقات أن الموساد يعمل بطريقة منفردة مع شبكاته إذ إنه لا يعرف أحدهم الآخر".

وقالت المصادر "أن لا علاقة للعميل فقيه بكل من المخطوف جوزف صادر المهندس في طيران الشرق الأوسط أو بالطيار الذي وجد مقتولاً أمام منزله غسان المقداد وأن فقيه أنكر معرفته بالشخصين، إلا أنه تأكد دخوله إلى إسرائيل أربع مرات".

----------------------------------------------------

مقالة سابقة حول الموضوع

وكتبت النهار:

عمادمغنية الرجل - اللغز في حياته ومماته

صبحي منذر ياغي

إسرائيل تتخذ أعلى درجات الاستنفار تحسباً لعملية انتقامية في ذكرى اغتياله

كيف توصّل الجناة إلى رصد تحركاته في دمشق وفي منطقة أمنية بامتياز؟!

... انفجار سيارته في دمشق. (الارشيف)

عماد مغنية.

في مماته كما في حياته، بات عماد مغنية كابوساً يقضّ مضاجع الاسرائيليين الذين يتخذون اعلى درجات الاستنفار والحيطة تحسباً لعملية انتقامية يقوم بها "حزب الله" ثأراً لمقتله في ذكراه الاولى. "الثعلب"، "الحاج رضوان"، "عيمات آغا"… تسميات عدة لهذا الرجل الذي ارعب الاسرائيليين والاميركيين لسنوات وسنوات، وكان في نظر كثيرين تشي غيفارا اللبناني، او "كارلوس الاسلام"، او "بن لادن الشيعي".

منذ مدة نسبت "القناة الثانية" في التلفزيون الاسرائيلي الى مصادر امنية انها احبطت محاولة من "حزب الله" لتنفيذ هجوم كبير على هدف اسرائيلي في احدى الدول الاوروبية، ولم تستبعد هذه الاوساط ان تستمر محاولات "حزب الله" لتنفيذ هجوم على اهداف اسرائيلية في الفترة المقبلة، في الوقت الذي امر فيه وزير الدفاع ايهود باراك جهاز الامن الاسرائيلي برفع مستوى التأهب والجهوزية في صفوف الجيش واجهزة الاستخبارات، لاحتمال ان ينفذ "حزب الله" هجمات على اهداف اسرائيلية ويهودية في اسرائيل وانحاء العالم مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنية.

ومع حلول الذكرى السنوية الاولى لاغتيال مغنية، تتصرف اسرائيل بكثير من القلق والحذر من عملية انتقامية قد يقوم بها الحزب في اي مكان من العالم ضد مصالح او شخصيات اسرائيلية، وهي تعلم ان الحزب يدرس بإمعان وتأن خطوته في هذا المجال، وان قرار الرد متخذ ولا يمكن العودة عنه. لذا لجأت الحكومة الاسرائيلية الى تصعيد لهجتها التحذيرية لـ"حزب الله" لمنعه من القيام بعمل عسكري، لان الرد الاسرائيلي عند ذلك سيكون شاملاً وبشكل عدوان كبير يطول لبنان برمته.

فمن هو هذا الرجل الذي يحوم بشبحه فوق اسرائيل، والذي قد تؤدي عملية عسكرية انتقامية لاغتياله الى حرب ومواجهة عسكرية كبرى – كما يؤكد القادة الصهاينة – في اكثر من من مكان وزمان؟

بين الواقع والاسطورة

قبل الاعلان عن اغتياله في دمشق في 13/2/2008، كان عماد مغنية مجرد اسطورة، لا بل كان بعضهم يعتبره اسماً وهمياً. ومع ان هذا الشخص غير معروف من السواد الاعظم من عامة الناس، الا انه كان الشغل الشاغل للاجهزة الاستخباراتية الاميركية والاسرائيلية والعربية والدولية، وكانت الولايات المتحدة الاميركية قد وضعت جائزة بقيمة 25 مليون دولار لمن يساعد في الكشف عن مكان مغنية او القاء القبض عليه.

في 12 تموز 1962 ولد عماد فايز مغنية في منطقة النبعة في بيروت، لينتقل بعدها مع اسرته المؤلفة من والده ووالدته واخويه جهاد وفؤاد الى منزل جديد في شارع مارون مسك في الشياح. ونشأ مغنية في بيئة متدينة، وكانت الاسرة تتردد من وقت لآخر الى مسقط رأسها في بلدة طير دبا في الجنوب.

عند اندلاع الحرب اللبنانية كان مغنية في الثالثة عشرة من عمره، ومنعته ظروف العيش القاهرة من اكمال دراسته، اذ غادر المدرسة قبل اكمال دراسته المتوسطة، وبدا يكبّ على قراءة الكتب الدينية، وحضور ندوات ولقاءات كان يعقدها عدد من المشايخ ورجال الدين، الذين تأثروا يومها بمفاهيم الثورة الاسلامية التي اطلقها الامام الخميني، وانتهت بسقوط شاه ايران في شباط 1979، واعلان "الجمهورية الاسلامية". ولأن حركة فتح في تلك الفترة لعبت دوراً في تدريب عدد من رجال الثورة الايرانية في معسكراتها ومخيماتها في لبنان، ومن بينهم مصطفى شمران، والشيخ رفسنجاني، وبسبب نشوء عماد مغنية في بيئة كانت تناصر القضية الفلسطينية، وتعتبرها من القضايا القومية والاسلامية المقدسة، انضم مغنية الى الكتيبة الطالبية في حركة فتح التي اسسها القائد الفلسطيني خليل الوزير "ابو جهاد"، وبسبب ذكاء مغنية وقوته الجسمانية صار ضابطا في "القوة 17" التي تتولى مسؤولية الحماية الشخصية لـ "أبو عمار" و"أبو اياد" و"أبو جهاد". وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وخروج قيادة منظمة التحرير من لبنان، انضم مغنية الى حركة "امل"، وصار واحداً من مسؤولي الامن الحركي في بيروت، ولكنه خرج بعدها من "امل" ليشارك الشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي والسيد حسن نصرالله والحاج حسين خليل وغيرهم في اطلاق "حزب الله" بدعم من الجمهورية الاسلامية في ايران.

كان مغنية في العشرين من عمره عندما ذهب الى إيران للمرة الاولى وشارك لمدة أربعين يوما في الحرب على الجبهة الايرانية ضد العراق. ولفت ذكاء مغنية انظار عدد من ضباط الحرس الثوري الايراني، ويقال انه "حصل على ترشيح أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني وهو أحمد متوسليان الذي زكاه لتولي مسؤولية "استخبارات حزب الله" في بيروت. (متوسليان هو واحد من الديبلوماسيين الايرانيين الاربعة الذين فقدوا في منطقة البربارة عام 1982، ولا يزال مصيرهم مجهولاً...).

عام 1983 سطع نجم مغنية بعد تفجير مقري المارينز والقوات الفرنسية في بيروت، حيث ادرجت الاستخبارات الاميركية اسم مغنية في عداد المخططين لهذا "العمل الارهابي"، وبعدها كرت سبحة الاتهامات من بينها:

- خطف طائرة تابعة لشركة "تي دبليو ايه" عام 1985.

- الاعتداء على "جمعية التعاضد" الاسرائيلية في الارجنتين عام 1994، والذي ادى الى سقوط 85 قتيلاً و300 جريح.

- المشاركة في خطف عدد من الرهائن الاجانب في لبنان في الثمانينات بينهم عالم الاجتماع الفرنسي ميشال سورا الذي قتل عام 1986.

وبعد حوادث 11 ايلول 2001، صنفته الولايات المتحدة الاميركية بين "كبار الارهابيين الـ 22 المطلوبين في العالم". وكان دوره، حسب اجهزة الاستخبارات الغربية، توطيد العلاقة بين "حزب الله" وايران، كما اتهمته اسرائيل بالوقوف وراء الهجوم على مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في صور عام 1982، والمشاركة في دعم الانتفاضة الفلسطينية الثانية في آب 2000، اضافة الى اتهامه بخطف الليوتنانت وليم باكلي، رئيس محطة الاستخبارات المركزية الاميركية في بيروت وقتله في آذار 1985.

وفي لائحة الاتهامات التي سيقت ضد مغنية ورد انه مسؤول عن تفجيرات عدة في الكويت ومحاولة اغتيال اميرها الراحل جابر الاحمد الصباح عام 1985، واختطاف طائرة كويتية من نوع "بوينغ 747 جامبو" وقتل اثنين من ركابها في الجزائر، وورد اسمه في تفجير الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1996 حيث قتل 19 اميركياً، فضلاً عن تفجيرات عدة وقعت في فرنسا...

الا ان عدداً من الباحثين الاستراتيجيين يؤكدون ان تفجيرات واعمالاً ارهابية كثيرة قام بها تنظيم "القاعدة"، نسبها مسؤولون في القاعدة الى مغنية كونه الرجل الاول المطلوب للاجهزة الاستخباراتية العالمية، كما ان معظم الاتهامات كانت توجه لمغنية بشكل عشوائي من دون اي دليل على قاعدة المثل الشعبي اللبناني: "جسمه لبيس".

لغز دائم

الحاج عماد مغنية الذي اختفى عن الانظار، صار كشبح مرعب، شغل اروقة ودوائر الموساد الاسرائيلي ودوائر الاستخبارات الاميركية، التي عمدت الى استخدام الاقمار الاصطناعية واجهزة التنصت لرصد تحركاته واتصالاته فأخفقت، وسعت لتجنيد العشرات لمعرفة مكان وجوده، ومحاولة اعتقاله او التخلص من هذا "الثعلب"، وفي العام 1994، وبتكليف من الاستخبارات الاسرائيلية، عمد اللبناني احمد الحلاق الى وضع سيارة مفخخة في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية قبالة محل لبيع الادوات المنزلية يملكه فؤاد مغنية (شقيق عماد) وقد اخطأ هذا العميل في الرصد فتوهم ان فؤاد هو عماد، وادى الانفجار الى مقتل فؤاد وعدد من المواطنين. الا ان الاستخبارات اللبنانية وفي عملية معقدة ودقيقة، تمكنت من خطف الحلاق من منطقة الشريط الحدودي التي كانت خاضعة لسلطة "جيش لبنان الجنوبي" (قوات لحد)، وكان الحلاق يقيم فيها باسم مستعار، وجرت محاكمة الحلاق واعدامه في بيروت بعد اعترافه بما نسب اليه.

رغم ان الاستخبارات الاسرائيلية زرعت عملاءها لمعرفة ما اذا كان عماد مغنية سيحضر مراسم تشييع شقيقه فؤاد في بلدة طير دبا، الا انها لم تعلم ان عماد كان واحداً من المشيعين الذين وقفوا وصلوا على الجثمان، فهو كان متميزاً باحترافه الامني وكان يعمد في كل مرة الى تغيير ملامحه الشخصية من خلال عمليات تجميل، حتى ان اهالي بلدته لم يتعرفوا عليه، فهو عاش خارج البلدة، ودفعته ظروفه الامنية الى التخفي الدائم حتى عن اعين اقرب المقربين اليه.

مقتل الشقيق فؤاد زاد من غضب عماد مغنية ومن حقده على الصهاينة، وهو الذي فقد شقيقه الآخر جهاد عندما سقط في الانفجار الكبير الذي استهدف العلامة محمد حسين فضل الله في منطقة بئر العبد عام 1985.

ورغم موقع مغنية القيادي داخل "حزب الله" وترؤسه "مجلس الجهاد" فان قادة الحزب قلما ذكروا اسمه، حتى ان ايران وكي لا تحرج امام المجتمع الدولي، كانت تعلن دائماً ان مغنية لا يقيم في اراضيها، لا بل ان الزميل علي نوري زاده نقل حديث عن مصدر قريب من "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" يدعى حسين علاقبند اكد فيه "ان مغنية بدا يلعب بأوراق ساخنة، مما ادى الى صدور اوامر من وزير الاستخبارات الايرانية حجة الاسلام علي يونسي بمتابعته اينما وجد ... وان "الثعلب" تمكن مرة اخرى من عبور الحواجز الامنية والعسكرية التي اقامتها وزارة الاستخبارات والجيش الايراني للحيلولة دون هروبه الى العراق..." (جريدة الشرق الاوسط 28/11/2003).

التبريرات الايرانية لم تقنع المسؤولين في اجهزة الامن الدولية، اذ اكدت تقاريرهم التي كانت موضع تبادل بين هذه الاجهزة ان مغنية يجول العالم بجوازات مزورة منها ايرانية وتركية وتونسية ولبنانية، وانه يقصد تركيا باستمرار باسم "عيمات آغا"، وهو مسؤول عن الانفجارات التي استهدفت معابد يهودية، والقنصلية البريطانية، ومصرف "اتش. اس. بي. سي" في اسطنبول. ومع الاحتلال الاميركي للعراق، صار اسم مغنية يتداول لدى الاجهزة الاستخباراتية الاميركية كمنشط للخلايا والمجموعات الاسلامية التي تستهدف قوات التحالف في العراق، لا بل ان الاميركيين بالغوا في الادعاء بأن مغنية على تنسيق دائم مع زعيم "القاعدة" اسامة بن لادن، وانه المسؤول عن تدريب مجموعات من "القاعدة " داخل الاراضي الايرانية.

ومغنية الذي بات "الشبح المرعب"، دفع بالرئيس الاميركي بيل كلينتون عام 1996 الى اصدار امر بارسال سفن حربية على متنها زهاء 4 الآف جندي لاغتيال او اعتقال مغنية الذي تردد انه على متن سفينة "ابن طفيل" قبالة الدوحة، فيما قال قائد العملية يومها ساخراً: "نحن ذاهبون لاغتيال شخص لا نعرف حتى صورته، ولو اغتلناه لن نعرف اننا قتلنا الرجل المطلوب..."

وتروي روبن رايت في كتابها "الغضب المقدس"، وهي عملت مراسلة صحافية لمدة 25 عاماً في منطقة الشرق الاوسط، كيف كانت تجلس في احد المقاهي في بيروت عام 1983 وكان معها كبار ضباط الاستخبارات الاميركية من المكلفين بمطاردة عماد، وسألتهم: هل تستطيعون اصطياد هذا الرجل؟ "قالوا": لا! لأننا نطارد شبحاً وقد يكون يجلس الى المائدة المجاورة يستمع الينا ويضحك ونحن لا نعرفه".

عملية غير مقنعة؟!

اغتيال هذا الرجل - اللغز، وبعد مطاردة استمرت زهاء ربع قرن، وبهذه الطريقة البسيطة، دفع للتساؤل عن الجهة التي تقف وراء هذا الاغتيال. اذ يستغرب خبير امني (رفض ذكر اسمه) كيف جرت عملية الاغتيال في منطقة كفرسوسة في دمشق التي تعتبر من ارقى المناطق وفيها تجمع الاجهزة الامنية السورية، وادارة المخابرات العامة التي يترأسها اللواء علي المملوك، وهي موضوعة تحت المراقبة والحراسة المشددة، فضلاً عن ان عملية اغتيال كهذه تتطلب وجود مجموعات عدة:

- مجموعة الرصد المكلفة بمراقبة تحركات الهدف لمراقبة اجهزة الامن السورية التي تعلم بوجود مغنية ومكلفة حمايته.

- مجموعة حماية المنفذين وتأمين عملية فرارهم الى نقطة متفق عليها سابقاً.

- مجموعة تولت عملية تفخيخ سيارة مغنية بوضع عبوة تحت مقعد الهدف، وهذا امر مستغرب اذ كيف تمكن الجناة من الوصول الى السيارة وهي موضوعة تحت المراقبة والحماية ؟..

ويبدي الخبير الامني استغرابه لكيفية توصل الجناة الى معرفة وجود مغنية في دمشق ومعرفة تحركاته ومكان وجوده بالدقة ولحظة خروجه!

ويضيف: "لو فرضنا ان هناك خرقاً في الاجهزة الامنية السورية، فهذا يدل على ان هذا الخرق حاصل على مستوى القيادة، لانه من دون شك ان العناصر الامنية الصغيرة لا تعرف اي تفاصيل دقيقة عن مغنية".

اسطورة مغنية جعلت البعض يشك في موته معتبراً ان ذلك يدخل في اطار تكتيكي استخباراتي، بقصد سحب اسم مغنية من التداول، وتغييبه عن اجهزة الاستخبارات الدولية بغية اعادة تفعيل دوره بطريقة جديدة. هذا الامر دفع بالباحث المصري مجدي كامل، مؤلف كتاب "عماد مغنية... الثعلب الشيعي" للقول "من الصعب التصديق بان الرجل الذي دوخ استخبارات 42 دولة واسس "حزب الله" وكان رجل ايران على امتداد الشرق الاوسط قد تم اغتياله بهاتين البساطة والسهولة، ربما مات ميتة طبيعية او انه لا يزال حياً"، واضاف "من يجزم ان من مات هو عماد مغنية؟"

وما لفت مجدي كامل هو الاعلان عن وفاة مغنية بتفخيخ سيارته التي مات فيها شخص واحد بينما هو لا يمشي الا بحراسات كبيرة.

بعد اغتيال مغنية ترددت اسماء كثيرة لشخصيات وقيادات من "حزب الله" قيل انها تولت مكانه في رئاسة "المجلس الجهادي"، من بينها طلال حمية، وابرهيم عقيل، والحاج عبد القادر... وغيرها من اسماء تظل مجرد تكهنات في اطار حزب يمتاز عمله الجهادي المقاوم بالسرية المطلقة.

ورغم التحليلات والاستنتاجات، فان الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله يفتقد للحاج رضوان "دماغ "حزب الله" العسكري"، ولقد بكاه بصمت وبمرارة لا تقل عن تلك المرارة التي بكى فيها نجله هادي عندما عاد شهيداً، من ارض الجنوب.

تعليقات: