بعد كلامه عن بعبدا، سببان مكبوتان لذبح جنبلاط لحلفائه

جنبلاط: أن أكون زبالاً في نيورك...
جنبلاط: أن أكون زبالاً في نيورك...


هل هي مصادفة، أم قصدٌ، هذا الاحتراف الجنبلاطي، في توجيه الصفعة تلو الصفعة، إلى حلفائه والأصدقاء؟

دافع السؤال، ليس غير رصاصة الرحمة التي أطلقها سيد المختارة، على مشروع الولادة ـــــ الميتة لكتلة الوسط الحريرية، في بعبدا. لم تكن الفكرة أصلاً ممهّدة الدرب. فحبلها مدنّسٌ بأكثر من دنس. وولادتها كانت ترتقب قيصريات، قاتلة للرحم والأمّ والأجنّة معاً. لكن، رغم كل ذلك الترنّح والتداعي، لم يكن مرتكبو سفاحها ينتظرون وأدها، من قبل جنبلاط نفسه.

ويتذكّر ضحايا جنبلاط الحديثون، سوابقه الماضية. ففي حمأة الاستعدادات للانتخابات النيابية في جبل لبنان والشمال في حزيران 2005، ارتكب وليد جنبلاط السلوك نفسه.

ذات يوم جمع الأممي الاشتراكي مرشحيه في قصره في المختارة، وإدمون نعيم وجورج عدوان. وخرج بعد الاجتماع ليدلي الزعيم الدرزي بتصريح شكر فيه كل من يدعمه في معركته. فأتى بالذكر لماماً على «القوات اللبنانية» و«الحركة الإصلاحية الكتائبية»، قبل أن يشكر مطوّلاً «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصر الله. لكن المفاجأة الثقيلة على مسيحييه، كانت توجّهه بلفتته الخاصة، قائلاً: «لا بد من شكر أيضاً جنود جيش التحرير الشعبي، قوات الشهيد كمال جنبلاط، الذين صنعوا السلم في سوق الغرب عام 1989، لأنه بعد تلك المعركة أتى الطائف الذي نتنعم به اليوم...». وكان لكلام جنبلاط فعله في هشيم البيئة المسيحية المعارضة.

فعودة جنبلاط الدورية إلى حقبة الحرب ولغتها، وتحديداً إلى «حروب الجبل» المتعددة منذ 1983 حتى 1990، تشير إلى المضمر في اقتناعاته ومواقفه، كما إلى دفائن راسخة في وجدانه وذاكرته، يحاول دائماً تغطيتها. فعلى سبيل المثال، عند انتخابات عاليه ـــــ بعبدا الفرعية في أيلول عام 2003 استعاد جنبلاط تلك الحقبة ولغتها. وعشية اجتماع «لقاء البريستول» في المختارة مطلع آذار 2005، استعاد أيضاً ذكرى «حرب الجبل». وبعد انتخابات الجبل من ذلك العام، والتقدم المسيحي الكاسح للوائح ميشال عون ذلك الأحد التاريخي في 12 حزيران، خرج جنبلاط ليلاً ليعلن صراحةً، العودة إلى الحرب الأهلية. وفي هذه المحطات دلالة أكيدة على المكبوت في الثوابت الجنبلاطية، في مقابل المعلن من ظواهرها. فالمكبوت تظهره الأزمات. والظواهر ليست غير قناع الانفراجات.

غير أن ظاهرة ثانية تكشفها تلك المحطات ـــــ الدلالات. فكلام جنبلاط هذا في حضور مسيحيين مغايرين لرأيه، لا بل مستهدفين باستذكاراته، يشي بنوع من الاحتقار الجنبلاطي لهؤلاء. ويذكر بالدراسات السوسيولوجية والأنتروبولوجية، حول المنطق الجنبلاطي ورؤيته للنظام اللبناني. وهو ما سمّته إحدى الدراسات «الديموقراطية التراتبية»، وسمّته أخرى «التجاور الإخضاعي». ولمّحت إليه كل أبحاث تلك المسألة، بتوريات مختلفة. وهذا تماماً ما قصده جنبلاط يومها حيال كل من إدمون نعيم وجورج عدوان، المحرجين أصلاً لأسباب عدة، منها نسبة الاقتراع المسيحي شبه المفلس لهما ولفريقهما في دائرتيهما. ومنها أيضاً دأب جنبلاط السابق على إهانتهما. ففي ذروة هجماته على الجنرال عون، لم يحل لجنبلاط أن يتهمه، إلا بأنه كان في فريق عدوان نفسه، تماماً كما صرح في 10 أيلول 2004، حين قال: «عون خطر جداً، وسبق له أن كان جزءاً من نواة «التنظيم» الذي ضم إتيان صقر (؟) وجورج عدوان وآخرين...» فيما إحراج نعيم مع جنبلاط لا يقلّ شأناً، وهو من تكفّل رئيس الحزب التقدمي بالرد على مطالبته بإطلاق سمير جعجع ببيان عبر وسائل الإعلام في 8 نيسان 2004، قال فيه جنبلاط لنعيم ما حرفيّته: «والدي كان على صواب في ضرورة الحسم العسكري مع الميليشيات اليمينية (...) والشهيد كرامي رمز من رموز العروبة والوطنية والكفاح في مواجهة الانعزال، ولا نضعه في مستوى غيره من الذين مدّوا أيديهم إلى إسرائيل...».

في كل حال، انتهى مسلسل كشف المكبوت وإحراج الحلفاء سنة 2005، إلى مجرد تمنيات نقلت إلى جنبلاط بالتزام الصمت انتخابياً ومسيحياً. فهل يكون التمني نفسه أقصى ردود فعل المذبوحين من ضحايا الحب الجنبلاطي سنة 2009؟ أم تشير «بلعطة» سامي الجميل، إلى ما قد يتخطّى حدود الجيوب المفخوتة والسقوف المخفوضة؟

تعليقات: