سماء لبنان ملبدّة بغيوم الوعود، فلنأمل مطراً وإلاّ

الأستاذ محمد العبدالله
الأستاذ محمد العبدالله


السمبل هو الحصى المتبلّر كإشارةٍ إلى احتمال وجود الألماس والوَعدْ بهِ، في اصطلاح الباحثين عن الألماس في أقريقيا. وقد يُخلف السمبل وعده وقد يفي به. كذلك الغيم إشارة إلى احتمال المطر ووعدٌ به، وقد يفي الغيم بوعده وقد يخلفه فيصحّ تشبيه الشاعر:

«ما أنتِ والوعد الذي تعدينهُ

إلاّ كبرقِ سحابةٍ لم تمطرِ».

وما على الباحث عن الألماس إلاّ أن يمرَّ بمرحلة السمبل إنْ وفى بوعده أم أخلفه، كذلك ما على العطشان إلا أن ينتظر وعد الغيم، وما على العاشق إلاّ الرهان على وعد المعشوق. وكيف كان كذلك؟

حدثنا عبد الله، قال: دعاني نسيبٌ لي، وأنا في الكونغو – برازافيل، إلى زيارته في أفريقيا الوسطى – بنغي. فذهبتُ وكانت أيام الأمبراطور بوكاسا الأوّل (وما إلو تاني) وكانت بنغي – العاصمة في أسوأ حال. الأمبراطور يشاع عنهُ أنّه يقتل الأطفال ويضعهم في الفريزا، ليأكلهم فيما بعد. وعدا هذه الإشاعة، هو بالفعل، لم يدفع فاتورة التلفون للشركة الفرنسية (p.t.t) منذ زمن، طويل، ما أدّى إلى انقطاع أغلب الاتصالات، وتوالت محاولات المهاجرين للمغادرة وتصفية أعمالهم، وكان الأمبراطور يشترط عليهم أن يتركوا عائلاتهم وأرزاقهم رهينةً لديه ليسمح لهم بالسفر. وتراكم الغبار في الفنادق الفخمة وفي محال التجارة التي كانت مزدهرة، وتحوّلت المدينة إلى ما يشبه المعتقل.

في هذه الظروف، تابع عبد الله: وصلتُ إلى بنغي، وكان نسيبي بصدد إنشاء مصنع للحكول بقصدِ التصدير، قبل تدهور الحال، ولكنّه، وقد تورّط في مرحلةٍ متقدّمةٍ من إنشاء المصنع، عزم على المتابعةِ من قبيل الصمود والانتظار. وأصبح بيته – فيللا، موئلاً يومياً لبعض اللبنانيين والعرب من المهاجرين المحاصرين الذين توقّفت أعمالهم، ما عدا صاحب فرن من بلدة أنصار الجنوبيّة، بقي واقفاً على قدميه باعتبار أنّ الخبز ضرورة للجميع.

شلّة المهاجرين هذه تجتمع يومياً عند نسيبي لتزجية الوقت، بينما المصنع أصبح في مرحلته الأخيرة، وهي حفر بئر للمياه العذبة الضرورية لصناعة الكحول.

بالفعل، هناك بعض العمّال من الزنوج يقومون بحفر البئر وقد بلغوا مرحلة متقدمة فيه. كنا متحلّقين حول "البارون" وهو يسلخ الخروف تحضيراً للغداء. والبارون هو المهندس المشرف على إنشاء المصنع. إنه من نواحي ضهور الشوير، وعدا كونه مهندساً، فهو لحام وحداد ونجار وسنكري ومزارع إلخ... لم أتعرّف إلى اسمه الشخصي، إذْ كان الجميع ينادونه البارون ولا لزوم للمزيد...

عندما فرغ البارون من سلخ الخروف، أخذ نفساً عميقاً ومسح عرق جبينه بكمّهِ، والتفت ناحية البئر والعمال وتوقف نظره هناك. بما لا يخلو من الدهشة.

التفتنا نحن أيضاً. كانت كومة الحصى المتبلّر تتراكم على حافة البئر، يرفعها العمال بالدلاء البلاستيك ويفرغونها. هتف البارون: سمبل!! وما السمبل؟ إنّه إشارة إلى احتمال وجود الألماس. توقّف البارون عن جرْم الخروف ووزّع علينا "بنسات" وقال: الحصاة الني تتكسّر تكون سمبلاً فقط والحصاة التي لا تتكسّر تكون ألماساً. على مدى ساعة وحول كومة السمبل رحنا نكسّر الحصوات بالبنسات، إلى أن أطلّ أحد العمال برأسه من فوهة البئر وتأمل فينا وراح يضحك ضحكاً متواصلاً! صرخ فيه البارون: لماذا تضحك؟ أجاب: يا بارون، إذا كلّما حفرنا عشرة أمتار سوف نعثر على الألماس، فلماذا سنشتغل عندكم؟!

وأردف عبد الله: تتراكم الوعود الآن ويتراكم سمبل الكلام السياسيّ وتنشأ الأحزاب والتجمعات السياسية كالفطر، وكلها تهدف إلى الإصلاح والتغيير، إضافة إلى كلام السلطة الذي يهدف أيضاً إلى الإصلاح والتغيير. وليس لنا سوى التعامل مع هذا الكلام وانتظار وعوده كما يتعامل الباحث عن الألماس مع السمبل وانتظار وعوده، وكما يتعامل العاشق مع المعشوق وانتظار وعوده وكما يتعامل العطشان مع وعود الغيم في انتظار المطر...

سماء لبنان ملبدّة بغيوم الوعود، والعطش قد بلغ أشدّه على جميع المستويات... فلنأمل مطراً وإلاّ... يفتح الله! فهي بنسات لتكسير حصى السمبل وتزجية الوقت.. في هذا الوقت الضائع... وما زلنا على الأقلّ، دون الحالة البوكاسيّة.

تعليقات: