تقرير بلمار الثاني في قراءة جنائية

مجلس الأمن الدولي
مجلس الأمن الدولي


الهواجس الأمنية قرينة محتملة على توصل لجنة التحقيق الى معلومات خطرة عن تورط مجموعات محلية فاعلة في عملية الاغتيال...

صدر التقرير الثاني لرئيس لجنة التحقيق الدولية، المدعي العام الكندي دانيال بلمار، في قضية اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الارهابية الأخرى المرتبطة بها بتاريخ الثاني من تشرين الثاني 2008. ويبدو جليا أن صاحب التقرير المذكور تمكّن باقتضاب لافت وبطريقة حرفية ومهنية جدا من تضمين حيثيات تقريره نواحي مهمة من التحقيقات الجارية، ومن تحميل هذه الحيثيات القليلة دلالات جنائية مهمة وخطرة يمكن تحسسها، من قبل المتخصصين في العلوم الجنائية، بسهولة وببساطة، وذلك رغم بعض الابهام الذي تعمّد بلمار اضفاءه على عدد من أحكام هذا التقرير. مما يصحّ فيه المثل القائل: "خير الكلام ما قلّ ودل".

هذا التقرير كالذي سبقه، يؤكّد في بعض حيثياته، بشكل مقتضب، قسما من العناصر والنتائج التحقيقية والتحليلات والاختبارات الجنائية التي كانت قد توصلت إليها التقارير السابقة للجنة التحقيق الدولية وعملت هذه اللجنة على التحقق منها عبر أبحاث وإجراءات معقّدة. كما يواصل اسباغ صفة "شبكة الحريري" على مجموعة الأشخاص الضالعة في ارتكاب هذه الجريمة الارهابية، رغم أن هذه التسمية هي تسمية خاطئة من الناحية القانونية لأسباب عدّدناها في تعليقنا المسهب على تقرير بلمار الأول المنشور في صحيفة النهار بتاريخ 8 نيسان 2008 . غير أن ما يخفف من وطأة هذا الخطأ التقني هو ما حاول بلمار توضيحه، لهذه الناحية، في تقريره الحالي بالقول، بصورة غير مباشرة، أنه يقصد بعبارة شبكة الحريري "الشبكة المسؤولة عن اغتيال الرئيس الحريري"، وخصوصا حين يقول في ملخص تقريره أنه " حصلت اللجنة على معلومات جديدة قد تسمح لها بأن تربط أفرادا اضافيين بالشبكة التي نفّذت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري" ( ملخص تقرير بلمار الثاني).

وخلافا لكل التقارير السابقة للجنة التحقيق الدولية، ، يعتبر التقرير الحالي على درجة عالية من الأهمية كونه يشكّل، وفقا لما جاء في حيثياته، التقرير ما قبل الأخير الذي سيصدره المدعي العام بلمار بوصفه رئيسا للجنة التحقيق الدولية. كما يعتبر هذا التقرير تقريرا مهنيا بامتياز وخصوصا لناحية الأساس كونه يعبّر بلغة الايحاء حينا وبالاشارات العلمية الجنائية أحيانا عن هواجس وتطلعات اللجنة ( أولا) ويضمّن حيثياته دلالات جنائية واضحة المعالم لأصحاب العلم والخبرة الجنائية ( ثانيا).

الهواجس والتطلعات

يعبّر تقرير بلمار الثاني صراحة عن هواجس وتطلعات تدل من الناحية القضائية الجنائية البحتة، ومن خلال التمعّن في معانيها وابعادها، على أن لجنة التحقيق الدولية دخلت في مرحلة خطرة جدا باتت تخشى فيها على سلامة التحقيق، وعلى الأدلة التي جمّعتها ، وتتخوف من امكان اتلاف هذه الأدلة أو الاستيلاء عليها بالقوة، وتخشى على أمنها وأمن محققيها والعاملين ضمن اطاراللجنة وخصوصا على امن الشهود وسلامتهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري والقضايا الأخرى المرتبطة بها برابط جنائي. ولهذا، وبعد أن ابدى هذه الهواجس، عبّر التقرير عن تطلعات لتلافي المطبات والمخاطر للوصول الى محاكمة عادلة أمام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان. ويمكن تقسيم هذه الهواجس والتطلعات الى أنواع ثلاثة : هواجس وتطلعات تتعلق بعملية نقل ملف التحقيق الى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، هواجس تتعلق بصحة الاجراءات وبشفافية التحقيق، وهواجس أمنية صرفة.

أ: الهواجس والتطلعات المتعلقة بعملية نقل ملف التحقيقات الى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان.

1 - هواجس اساسها ومنبعها الجنائيان: بدء عملية ختم التحقيقات في قضية اغتيال الرئيس الحريري وفرز الخلاصات الجنائية النهائية.

يظهر من خلال التمحّص في حيثيات تقرير بلمار الثاني ان الهاجس الأكبر والأهم الذي يشغل لجنة التحقيق الدولية حاليا هو موضوع نقل ملف التحقيقات الى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان وضرورة استمرار التحقيق خلال المرحلة الانتقالية، وتأمين اطار قانوني تعمل اللجنة بموجبه خلال المرحلة المذكورة، وتتابع تحقيقاتها وفقا للأصول وللمعايير الدولية. ولهذا السبب بالذات، طلب رئيس لجنة التحقيق الدولية في تقريره تمديد صلاحية هذه اللجنة وتفويضها حتى تاريخ الثامن والعشرين من شهر شباط المقبل في مقدمة تقريره التي جاء فيها لهذه الناحية أنه " تنتهي ولاية اللجنة الحالية في 31 كانون الأول 2008. وقد اعلن الأمين العام أن الاستعدادات للمحكمة الخاصة للبنان جارية على قدم وساق وستباشر عملها في الأول من آذار 2009 . تطلب اللجنة تمديد تفويضها حتى 28 شباط 2009 كي تتمكّن من مواصلة تحقيقاتها من دون توقف. وخلال المرحلة الممتدة، من شأن اللجنة أن تنقل العمليات والموظفين والموجودات تدريجيا الى لاهاي وتتطلع الى اتمام هذا الانتقال بحلول التاريخ الذي ستباشر فيه المحكمة عملها" (ملخص تقرير بلمار الثاني، الفقرة الرقم 54 وفقرة الرقم 55 والفقرة الرقم 56). وهذا ما عاد وأكّد عليه التقرير في الفقرة السادسة منه التي جاء فيها أنه " يجب الحفاظ على زخم التحقيق في اطار الانتقال من لجنة التحقيق الى مكتب المدعي العام. ومن اجل الحد من أي خلل قد يحصل خلال عملية الانتقال، تلفت اللجنة الى أنه من شأن تمديد ولايتها حتى اليوم الذي تباشر فيه المحكمة عملها، أن يسمح للتحقيق بأن يستمر من دون توقف ويسهّل اختيار الموظفين ونقلهم على مراحل". وهذا يعني صراحة أن لدى لجنة التحقيق الدولية هواجس لجهة نقل ملف التحقيق الى مكتب المدعي العام في المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان وهي تخشى من اي خلل اجرائي أو اداري أو حتى أمني قد يعوق هذه العملية، وتتطلع الى تمديد ولايتها واستمرار عملها خلال هذه المرحلة الانتقالية بشكل هادئ ومنظّم. كما أن ذلك يعني أن عملية الانتقال ستبدأ خلال المرحلة التي تفصل هذا التقرير عن تاريخ بدء المدعي العام مهماته لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان ( أول آذار 2009 )، ما يمكّن هذا الأخير من متابعة أعماله التحقيقية مباشرة كمدّع العام وكمحقق في آن معا ، ولكن بصلاحيات أوسع تخوّله حق طلب توقيف الأشخاص المشتبه بهم أو جلبهم وحق الاستماع الى الشهود ودعوتهم الى الحضور الى مكتبه، وحق اتخاذ الاجراءات التحقيقية والاستقصائية كاصدار المذكرات القضائية ( مذكرات توقيف على سبيل المثال) والقيام بأعمال التفتيش والحجز والاستقصاء على أنواعها بعد الحصول على موافقة قاضي ما قبل المحاكمة في المحكمة الجزائية الخاصة بلبنان.

2 - نقل التحقيق الى لاهاي من اجل التمكّن قانونا وعمليا من اتخاذ تدابير قضائية تنفيذية واعلان نتائج التحقيق في مكان آمن.

بالطبع ان نقل ملف التحقيقات الى مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي لا يعني انتهاء هذه التحقيقات، ولا يعني بالضرورة أن قرار الاتهام سيصدر خلال هذه المرحلة، اذ يجب عدم الخلط بين التقرير الذي ستصدره لجنة التحقيق الدولية عند انتهائها من اعمال التحقيق والقرار الاتهامي الذي سيتخذه المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان بعد بدء أعمال المحكمة المذكورة. فلجنة التحقيق الدولية ستصدر تقريرها الأخير عند انتهاء ولايتها، وسترفعه الى مجلس الأمن بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة. وسيتضمّن طبعا التقرير المذكور خلاصات جنائية عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الأخرى المرتبطة بها والتي تدخل في اطار صلاحية المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وستحدد الخلاصات المذكورة هويات الأشخاص الضالعين في هذه العمليات الارهابية من حيث التنفيذ والتخطيط واعطاء الأوامر وتسهيل ارتكاب الجرائم المذكورة، وستشير الى الخلفيات الجنائية وستوزّع المسؤوليات الجنائية، ولكن من دون أن يشكل التقرير ذاته اجراء اتهاميا من الناحية القانونية أو قرارا اتهاميا، ذلك أن مهمة الاتهام تقع على عاتق المدعي العام وحده، وهو الذي سيقوم بعملية اصدار القرار الاتهامي الذي سيرفع بموجبه قضية اغتيال الرئيس الحريري والقضايا الأخرى المرتبطة بها الى قاضي ما قبل المحاكمة حيث يقرر هذا الأخير بدوره احالة هذه القضايا الارهابية على المحكمة الجزائية الخاصة بلبنان لبدء أعمال المحاكمة اذا ما قرر أن الأدلة التي جمعتها لجنة التحقيق الدولية كافية وموضوعية وتسمح ببدء محاكمة جزائية دولية عادلة ووفقا للمعايير الدولية. وهذا ما يشير اليه صراحة تقرير بلمار الثاني الذي جاء فيه لهذه الناحية " تعي اللجنة أن اقتراب مباشرة اللجنة عملها والانتقال الى لاهاي جعل التوقعات تصل الى الذروة. وتعتبر هذه التوقعات أن القرارات الاتهامية التي تسمّي المرتكبين ستصدر ما ان ينجز الانتقال الى المحكمة. على رغم أننا نتفهّم هذه التوقعات، فان الانتقال لا يعني أن التحقيق اكتمل" ( فقرة رقم 7 ). وهذا يفيد من الناحية القانونية بأن التحقيقات لن تتوقف بمجرد انتقال ملف الرئيس الحريري والملفات الأخرى الى مكتب المدعي العام في المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، بل أن المدّعي العام سيكمل ( اي رئيس لجنة التحقيق الدولية الحالي) النواحي غير المكتملة من التحقيقات، ولاسيما منها المتعلقة باثبات الرابط الجنائي بين قضية اغتيال الرئيس الحريري والقضايا الأخرى، ولكن بصورة تمكّنه من كشف كل الملابسات واتخاذ كل الاجراءات الجزائية الضرورية وتنفيذها (كالتوقيف والقاء القبض والاستماع الى الشهود في ظل ظروف أمنية افضل) والتي لم يتمكّن من اتخاذها وتنفيذها في بيروت لأسباب أمنية ولأسباب قانونية وخصوصا أن ليس من صلاحية لجنة التحقيق الدولية اتخاذ القرارات بالتوقيف والقاء القبض. مما يدل دلالة واضحة على أن القاضي بلمار يعمل جاهدا كي ينقل ملف التحقيقات الى لاهاي بصورة ذكية وهادئة وآمنة، وكي يعلن من هناك عن نتائج مدوية وصارخة للتحقيق ليس بوسع احد تحمّل وزر اعلانها في بيروت لا من الناحية الأمنية ولا حتى من الناحية السياسية. وهذا ما ينتج صراحة من تقرير بلمار الثاني الذي أورد بهذا الخصوص أن " الاستعدادات للمحكمة الخاصة بلبنان جارية على قدم وساق وستباشر عملها في أول آذار 2009 . يعني ذلك أنه اعتبارا من ذلك التاريخ، سيقود مكتب مدعي عام المحكمة في لاهاي التحقيق" ( الفقرة الرقم 4 والفقرة الرقم 57 والفقرة الرقم 56) " ويتعيّن على اللجنة وعلى مكتب المدعي العام عندما يباشر عمله ان تستمر في جمع الأدلة التي تدعم صدور قرار اتهامي قبل المحاكمة" ( الفقرة الرقم 5).

هذه الهواجس والتطلعات كلها تشير، من الناحية القانونية والجنائية، الى أن التحقيقات في قضية اغتيال الرئيس الحريري دخلت مرحلة الاعداد للمحاكمة وأن لدى لجنة التحقيق الدولية الآلاف من الأدلة الجنائية الموضوعية والساطعة والدامغة التي تسمح باحالة هذه القضية على المحكمة الجزائية الخاصة بلبنان وببدء اجراءات المحاكمة، اذ جاء في التقرير المذكور ما يعتبر بالقراءة الجنائية البحتة مهما جدا وله الدلالات التي نحن بصدد ابداءها، وما مفاده أنه " ستتولى المحكمة الجديدة قيادة التحقيق وتجري المحاكمات في نهاية المطاف" (الفقرة الرقم 3 ). ما يدل دلالة واضحة على أن القاضي بلمار متأكد من أن المحكمة ستتولى قريبا اجراءات التحقيق والمحاكمات.

ب: الهواجس المتعلقة بصحة الاجراءات وبشفافية التحقيقات:

لأن القاضي بلمار متأكد وواثق من وجود أدلّة دامغة وموضوعية ضد أشخاص تمكّنت لجنة التحقيق الدولية من تحديد هوياتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الاجرامية، فهو يحرص، في الوقت ذاته، على سلامة هذا التحقيق من الناحية الاجرائية وعلى ضرورة أن تكون التحقيقات المجراة لا غبار عليها وغير مشوبة بأي عيب قد يؤدّي الى ابطال بعض اجراءاتها أو الاجراءات برمتها أو قد يمس بصدقيتها وبشفافيتها، والى وصفها بالاجراءات المخالفة للمعايير الدولية. كل ذلك يهدف اذن الى تمكين المدعي العام، بعد تاريخ الأول من آذار المقبل، من القيام بعملية الاتهام بالتأسيس على ملف تحقيقي سليم لا سبيل للشك في صدقيته أو في موضوعيته. وعلى هذا الصعيد يحرص القاضي بلمار على احترام سرية التحقيق وعلى عدم الافشاء بأي معلومات حسّاسة تتعلق باجراءات التحقيق وباقتناع المحققين، وذلك حماية لقاعدة البراءة المفترضة التي يتمتع بها الأشخاص المشتبه بهم. مما يدل على حقيقة واقعة دخول لجنة التحقيق الدولية في مرحلة تهيئة الاجراءات اللازمة لنقل ملف التحقيقات الى مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الخاصة بلبنان. وهذا ما يعبّر عنه تقرير بلمار الثاني من طريق عدم الافصاح عن معلومات حسّاسة تتعلق، على سبيل المثال، بتحديد رابط محتمل بين قضية اضافية وقضية الحريري (الفقرة الرقم 36).

وفي السياق عينه، تعبّر لجنة التحقيق الدولية ايضا في تقرير بلمار الثاني عن هواجس على صلة بشفافية التحقيق وباستقلاله وبثقة الشعب اللبناني بها وبصدقيتها كلجنة تحقيق تعمل على اظهار الحقيقة، وتبدي تطلعاتها وحرصها على الفوز بهذه الثقة التي يمكن أن تضفي على المحاكمة التي ستجري لاحقا صدقية كبيرة، وان أدّى ذلك الى استهلاك وقت أطول قبل صدور قرار اتهامي يحال بموجبه المتهمون على المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وذلك بالقول أنه " تشارك اللجنة الشعب اللبناني استياءه من عدم وضوح الرؤية في شأن الوقت الضروري لاتمام التحقيق. غير أن اللجنة لا يسعها سوى أن تفي بموجب الاسترشاد بالحقائق والأدلة فقط لا غير، واجراء التحقيق طبقا للمعايير الدولية" (الفقرة الرقم 8، والفقرة الرقم 9 ). ويظهر أن اللجنة شديدة الحرص على ضرورة أن تحظى التحقيقات التي تقوم بها والمحاكمات التي ستجريها المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان لاحقا بالثقة العامة للبنانيين، ما يساعد على وضع حد للافلات من العقاب (الفقرة الرقم 10 والفقرة الرقم 64 من تقرير بلمار الثاني).

يتبع جزء ثان

------------------------

تقرير بلمار الثاني

في قراءة جنائية

أدلة لجنة التحقيق الدولية صارت وافرة وكاملة

المعوقات التي اعترضت عملها سورية لا لبنانية

هنا الحلقة الثانية من دراسة الدكتور دريد بشراوي عن تقرير بلمار الثاني: يتضمّن التقرير الثاني لدانيال بلمار الكثير من الدلالات والاشارات الجنائية التي هي على صلة بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد الحريري (أ) وفي القضايا الأخرى (ب)، وعلى صلة ايضا بالتعاون مع التحقيق(ج).

أ: التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري

1 - بلمار لا يدحض نظريات ميليس الجنائية، بل يؤكّد صحتها.

وان ذكر التقرير بصورة عرضية أن " التحقيق في قضية الحريري لا يزال ناشطا في كل المجالات" (الفقرة الرقم 27)، فهذا التحقيق دخل، رغم ذلك، في مرحلة التحضير لاجراءات الاتهام والمحاكمات أمام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وخصوصا أن لجنة التحقيق الدولية لم تطرح في هذا التقرير الجديد مسائل ونظريات جنائية كانت تعالجها التقارير السابقة في قضية اغتيال الرئيس الحريري. مما يثبت أن اللجنة المذكورة تمكّنت من حسم هذه المسائل الأخيرة ومن الحصول على خلاصات جنائية واضحة وثابتة بشأنها، ومنها على الأخص خلفيات الجريمة وبواعثها، واقعة تهديد الرئيس الحريري من قبل الرئيس السوري بشّار الأسد قبيل اغتياله، مسألة حصول التفجير فوق الأرض وليس تحت الأرض، كمية المتفجّرات ونوعها، مسألة سيارة الميتسوبيتشي ومصدرها ومكان وجودها قبل وقوع الجريمة وخطة سيرها وتجوالها، استبعاد حصول التفجير بواسطة مشغّل جوي، آلية التفجير، مسألة وضع الرئيس الحريري تحت المراقبة السلكية واللاسلكية، واقعة شراء البطاقات الهاتفية المدفوعة سلفا، فيلم أبو عدس المفبرك والقصص الأخرى التي فبركت بهدف التغطية على الجريمة واخفاء أدلتها أو اتلافها ( رفع سيارات موكب الرئيس الحريري ووضع أدلة مفبركة في ساحة الجريمة...). وبالفعل، فان عدم الخوض في هذه المسائل في تقرير بلمار الثاني يؤكّد أن لجنة التحقيق الدولية حسمتها ، وان هذه الأخيرة توصلت الى خلاصات جنائية واضحة وموضوعية بشأنها وبشأن هوية الأشخاص المسؤولين الذين حضّروا وخططوا لارتكاب هذه الجريمة الارهابية الخطيرة وسهّلوا عملية تنفيذها، وهوية الأشخاص الذين قاموا بعملية التنفيذ. وهذه الخلاصات هي ذاتها التي كان قد توصّل اليها رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق القاضي ديتليف ميليس، اذ لو لم تكن هذه الخلاصات هي نفسها التي اثبتها ميليس سابقا، لكان من واجب بلمار، وفقا للأصول الجزائية، أي وفقا للأصول القانونية التي تحكم اجراءات التحقيق، أن يدحضها في تقريره وأن يثبت عدم صحتها بالأدلة والواقعات المادية، والا فلن يكون بامكانه، من الناحية الاجرائية، القيام بعملية الاتهام، التي بدأ يحضّر لها عمليا، من دون الاشارة في تقريره الحالي الى ان تحقيق لجنة التحقيق الدولية غيّر وجهة مساره الجنائية، ان كان من حيث الواقعات المتعلقة بتفاصيل ارتكاب الجريمة وتحضيرها التي كان قد اثبتها القاضي ميليس، وان كان من حيث الأشخاص الذين وجّه اليهم الشبهة الجنائية ميليس نفسه . ولكن، بالعكس من ذلك، فان بلمار يؤكّد في تقريره الثاني، بما لا يرقى اليه الشك، ان التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري دخل في مرحلة اجرائية بحتة، ألا وهي تهيئة ملف التحقيق واجراءاته لبدء عمليتي الاتهام والمحاكمة أمام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان. وقد ألمح هذا التقرير الى هذه الوضعية الجنائية حين اشار الى أن لجنة التحقيق الدولية " اعتبرت بعض المعلومات التي تم جمعها جديرة بالثقة وقادت الى تحقيقات اضافية، في حين سمحت معلومات اخرى باستبعاد بعض الخيوط" (الفقرة الرقم 25).

ج : الهواجس الأمنية:

كذلك، ولأن التحقيق دخل في مرحلة الاعداد لعملية الاتهام والمحاكمة الجزائيتين، وهي مرحلة خطيرة جدا، تعي لجنة التحقيق الدولية مدى تصاعد حدة ووتيرة التهديدات الارهابية التي تحوطها مع المحققين وكل العاملين والناشطين في اطارها مع الشهود وحتى مع بعض الأشخاص المشتبه بهم (بنية التخلّص منهم كعبء مخيف وثقيل على صدر الجهات المخططة والمحرضة على ارتكاب الجرائم المحقق فيها)، وذلك كلما اقتربنا من تاريخ بدء عملية نقل التحقيقات الى مكتب المدعي العام ونقل الأشخاص الموقوفين والشهود الى لاهاي. وهي لهذا السبب تحرص على احترام قاعدة سرية التحقيقات وعلى عدم افشاء اي معلومات حسّاسة قد يفهم منها ان هذه الجهة او تلك ستكون متهمة بالتخطيط أو باعطاء الأوامر بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري أو غيرها من الجرائم الارهابية المرتبطة بها. وهي تحافظ على تواصل منتظم وتفاعل وثيق مع السلطات اللبنانية في المسائل المتعلقة بتحقيقاتها، وكذلك في المسائل المتعلقة بأمن اللجنة وموظفيها (ملخص تقرير بلمار الثاني). ويؤكّد تقرير بلمار الثاني هذه الهواجس الأمنية ويبدي تخوّفه من الظروف والأوضاع الأمنية في لبنان مع اقتراب موعد نقل ملف التحقيق الى مكتب المدعي العام، ما يعني بالمنطق الجنائي ان لدى لجنة التحقيق الدولية معلومات اساسية ودامغة عن تورّط مجموعات فاعلة ومنظّمة وقادرة على القيام بخرق كبير، وعلى التحرّك بسهولة وبحرية على الأراضي اللبنانية. وهو لهذه الناحية يشير صراحة الى ان " … المناخ الأمني في لبنان والمنطقة لا يزال هشا. نتيجة لذلك لا تزال حركة اعضاء اللجنة مقيدة في بعض المناطق. فضلا عن ذلك، بينما تقترب اللجنة من التسليم والتسلم مع المحكمة، تعي تماما الحاجة الى حماية موظفيها ومقرها وموجوداتها. انطلاقا من ذلك ومن مشاغل اخرى تتعلق بالسلامة والأمن، اتخذت تدابير اضافية لحماية موظفي اللجنة وموجوداتها في هذه المرحلة" (الفقرة الرقم 14). واللافت ان التقرير يشير الى أن الخطر يحدق ليس فقط بأعضاء اللجنة وانما ايضا بموجوداتها، ما يعني أنه قد تكون هناك معلومات لدى اللجنة حول نية بعض الجهات القيام بمحاولة لتلف مستندات اللجنة ووثائقها وادلتها المتعلقة بالتحقيق. ولهذا السبب بالذات تحرص اللجنة على عدم افشاء اي معلومات مهمة أو حسّاسة تتعلق بالتحقيق، وتقريرها الحالي يفيد صراحة بأنها أحرزت تقدما على صعيد التحقيق، لكن لا يمكنها الافصاح عن طبيعة هذا التقدم وتفاصيله، اذ إن " وصف جوانب محددة من هذا التقدّم هو ايضا كشف لهوية اشخاص ربما يملكون معلومات مهمة في سير التحقيق، ولأن من شأنه أن يعلن عن الخطوات التالية" (الفقرة الرقم 28). وفي الاطار ذاته يستشف من حيثيات تقرير بلمار الثاني أنه كلما اقتربنا من موعد نقل ملف التحقيقات الى مكتب المدّعي العام في المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، كلما اشتد الخطر على حياة الشهود وخصوصا على من يملكون معلومات حسّاسة تتعلق بالتحقيق ومن يبدون استعدادهم للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية. لذلك، وازاء هذه الهواجس الوجيهة، عمدت اللجنة الى اتخاذ الاجراءات كلّها والفعّالة لحماية أمن الشهود وحياتهم، وهذا ما عبّر عنه صراحة تقرير بلمار الثاني بالقول " تعي اللجنة الدور الأساسي الذي يؤدّيه الشهود والمصادر مع تقدّم تحقيقاتها، وكذلك اهمية تحديد اشخاص مستعدين للادلاء بشهاداتهم في المحاكمات في المستقبل" (الفقرة الرقم 16). "نتيجة لذلك، أدخلت اللجنة تحسينات في اجراءاتها من اجل تأمين مناخ آمن لأي شاهد محتمل يبدو انه معرّض لخطر جسدي... (الفقرة الرقم 17). وتأمينا للاستمرارية، ستشارك اللجنة في اجراءات حماية الشهود مع وحدة الضحايا والشهود في قلم المحكمة، وتقوم بتنسيقها معها" (الفقرة الرقم 18)... "وقد وضعت اجراءات لضمان سلامة من هم معرّضون للخطر وأمنهم، خلال فترة عمل اللجنة وبعد الانتقال" (الفقرة رقم 19).

تبدو هذه الهواجس التي يتضمنها تقرير بلمار الثاني مشروعة وموضوعية وقائمة على اساس تحقيقات ومعلومات خطيرة تتعلق بالجهات الضالعة في عملية اغتيال الرئيس الحريري والعمليات الارهابية الأخرى المرتبطة بها. لكن بالاضافة الى هذه الهواجس الخطيرة، هناك العديد من الدلالات الجنائية الملفتة التي يحتويها التقرير ذاته.

تبدو هذه الهواجس التي يتضمنها تقرير بلمار الثاني مشروعة وموضوعية وقائمة على اساس تحقيقات ومعلومات خطيرة تتعلق بالجهات الضالعة في عملية اغتيال الرئيس الحريري والعمليات الارهابية الاخرى المرتبطة بها. لكن بالاضافة الى هذه الهواجس الخطيرة، هناك العديد من الدلالات الجنائية اللافتة التي يحتويها التقرير ذاته.

يتبع جزء ثالث

-------------------------------

في ما يأتي الجزء الثالث من دراسة الدكتور دريد بشرّاوي عن تقرير بلمار الثاني، وفيه يواصل قراءة الدلالات والاشارات الجنائية التي هي على صلة بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفي القضايا الاخرى.

-2 عدم الافصاح عن طبيعة تقدّم التحقيق المحرز: دلالة على دخول التحقيق في مرحلة الاتهام الجنائي الحاسمة، وعلى تكوين اقتناع جنائي ثابت بهوية الضالعين في عملية الاغتيال.

من ناحية اخرى يفيد تقرير بلمار الثاني أن التحقيق احرز تقدما، لكن لا يمكن لجنة التحقيق الدولية، في المرحلة الحاضرة وهي مرحلة حاسمة جداً نظرا الى بدء عملية انتقال التحقيق الى مكتب المدعي العام في لاهاي، أن تفصح عن طبيعة هذا التقدم، اذ أن مجرد الاعلان عن طبيعة وتفاصيل ما توصلت اليه اللجنة من تقدم في التحقيق يؤدّي الى كشف هوية اشخاص يملكون معلومات حسّاسة ومهمة في سير التحقيقات (الفقرة الرقم 28). وهذا يعني، بمنطوق علم الجناء، أن لجنة التحقيق الدولية توصّلت الى خلاصات جنائية واضحة ومهمة وأكيدة تخوّل المدعى العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان بدء اجراءات الاتهام في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وهي لا تريد الافصاح عنها لعدم الاضرار بسير اجراءات التحقيق وتعريض أمن الشهود وأعضاء اللجنة والمحققين للخطر، ولأنها قد تؤدّي ايضا الى ردة فعل أمنية، او الى فلتان أمني في لبنان، لا تحمد عقباه قد يمنع أو يعوق عملية انتقال التحقيق الى مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وخصوصا أن المسؤولين عن عملية اغتيال الرئيس الحريري اشخاص محترفون ويتمتعون بتغطية أمنية على الأراضي اللبنانية وفقا لما جاء في الفقرة الرقم 26 من تقرير بلمار الثاني وفيها "كان المسؤولون عن هجوم اغتيال الرئيس الحريري محترفين واتخذوا تدابير مكثفة لتغطية تحركاتهم واخفاء هويتهم...".

في السياق عينه، يستدل من حيثيات تقرير بلمار الثاني أن لجنة التحقيق الدولية تمكّنت من التأكّد من هوية الأشخاص الضالعين في عملية اغتيال الرئيس الحريري الذين كان قد وجّه اليهم الشبهات الجنائية سابقا رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي ديتليف ميليس، ومن تحديد هوية اشخاص اضافيين مسؤولين عن هذا العمل الارهابي وحتى عن أعمال ارهابية أخرى مرتبطة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. وهذا ما ينتج صراحة من أحكام الفقرة الرقم 28 من تقرير بلمار الثاني . وعلى الصعيد ذاته يشير تقرير بلمار الثاني الى أنه "في التقرير الأخير (تقرير بلمار الأول)، اشارت لجنة التحقيق الدولية الى أنها جمعت أدلة تظهر أن شبكة من الأشخاص، " شبكة الحريري"، تصرّفت بالتنسيق في ما بينها لاغتيال رفيق الحريري" (الفقرة الرقم 29 )، وانه "نتيجة للتحقيقات والتحاليل، توصلت اللجنة الى معلومات جديدة قد تسمح لها بأن تربط اشخاصا اضافيين بهذه الشبكة، وقد حصلت اللجنة من مصادر منوعة على معلومات تثبت هذا الأمر، وعززت هذه المعلومات استنتاج اللجنة حول ارتباط أفراد في شبكة الحريري بهجمات اخرى" (الفقرة الرقم 30 ). مما يدل دلالة واضحة على أن التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري لم يعد ينصبّ على مسائل متعلقة بالجريمة في ذاتها التي أدت الى اغتيال الرئيس الحريري من حيث تفاصيل تحضيرها وآلية تنفيذها ومن حيث تحديد هوية الأشخاص والجهات الضالعة في عملية تخطيطها ووضعها موضع التنفيذ، وانما على واقعات ومسائل ارتباطها بالجرائم الارهابية الأخرى التي سبقتها (محاولة اغتيال الوزير مروان حماده)، والتي أعقبتها، وعلى التأكد من أن " مجموعة الأشخاص" التي اقدمت على اغتيال الرئيس الحريري هي ذاتها التي نفّذت بعض العمليات الارهابية الأخرى التي وقعت في لبنان. وعلى هذا الأساس، لم يبق للجنة التحقيق الدولية، في اطارالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري، سوى حسم هذه المسألة ( مسألة ارتباط هذه الجريمة بالجرائم الأخرى)، والانتهاء من عملية تحديد هوية الانتحاري الذي اقدم على تفجير سيارة "الميتسوبيتشي" في موكب الرئيس الحريري، ومن التدقيق في العمليات المالية التي قد تكون على صلة بالهجوم الارهابي الذي وقع على الرئيس الحريري والهجومات الارهابية الأخرى، هذا مع العلم أن تحقيقات اللجنة، في هذا المجال المالي، ولّدت خيوطا تجري متابعتها (الفقرة الرقم 31 والفقرة الرقم 32).

-3 "العشرة آلاف دليل": قرينة مطلقة على صحة وسائل الاثبات الجنائي المعتمدة من قبل القاضي ديتليف ميليس والقاضي سيرج براميرتز كمرتكز للشبهات الجنائية التي وجهتها لجنة التحقيق الدولية سابقا الى بعض الأشخاص موضوع التحقيق.

لا بد من الاشارة الى فقرة مهمة جداً وردت في تقرير بلمار الثاني وهي الفقرة الرقم 33، التي تفيد بأن لجنة التحقيق الدولية قامت بجردة للأدلة الجنائية التي بحوزتها، ومن بينها أدلة كانت سابقا في حيازة السلطات اللبنانية، "وتتألف هذه الجردة من أكثر من عشرة آلاف دليل جنائي بينها أكثر من سبعة آلاف تتعلق بقضية اغتيال الرئيس الحريري". يمكن بالتأسيس على هذه الفقرة البالغة الأهمية في علم الاجراءات والمحاكمات الجزائية ابداء الملاحظات الآتية:

-1 ان التقرير يشير الى "أدلة جنائية" وليس الى شبهات أو ظنون، مما يعني، وفقا لقواعد وأصول التحقيقات والمحاكمات الجزائية، أن كل هذه الأدلة هي وسائل اثبات جنائي أكيدة وموضوعية وتصلح لتكون مرتكزا قانونيا في عملية الاتهام الجنائي التي سيقوم بها المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الخاصة بلبنان، ويصح الادلاء بها أمام هذه المحكمة.

-2 ان لجنة التحقيق الدولية تحوز كماً وافراً ومهماً وضخماً من الأدلة الجنائية في قضية اغتيال الرئيس الحريري ( سبعة آلاف دليل)، ما يثبت مرة أخرى أن ملف التحقيق في هذه القضية اصبح شبه كامل وأن لجنة التحقيق الدولية اصبحت في طور الاعداد لعملية نقل الملف الى مكتب المدعي العام كي يقوم بعملية الاتهام امام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان.

-3 ان هذه الأدلة الهائلة جمعتها لجنة التحقيق الدولية وسلطات التحقيق اللبناني، ليس فقط خلال فترة قيام بلمار بمهماته، اذ لم يكن بوسعه منطقيا ان يقوم بجمع كل هذه الأدلة خلال فترة ولايته القصيرة، وانما سابقا حين كان القاضي الالماني ميليس أولا رئيسا للجنة التحقيق الدولية، وحين كان لاحقا القاضي البلجيكي سيرج براميرتز رئيسا للجنة ذاتها. مما يؤلّف دليلا ساطعا على ان الاتهامات التي كان يدلي بها ميليس كانت تقوم على اساس ادلة جنائية موضوعية، وهي ادلة لا تزال قائمة وثابتة، وعلى اساسها سيقوم المدعي العام دانيال بلمار بتنظيم قراره الاتهامي.

ب: التحقيق في القضايا الأخرى

في ما خص الجرائم الارهابية الأخرى، وردت في حيثيات تقرير بلمار الثاني دلالات جنائية مهمة أبرزها: تركيز جهود تحقيق لجنة التحقيق الدولية على مسألة اثبات ارتباط جريمة اغتيال الرئيس الحريري بجرائم ارهابية أخرى غير تلك التي تأكّدت روابطها بها سابقا، واستبعاد وجود صلة جرمية بين جريمة اغتيال الرئيس الحريري وجريمة عين علق الارهابية.

-1 حصر التحقيق في مسألة ارتباط جريمة اغتيال الرئيس الحريري ببعض الجرائم الارهابية الأخرى.

وردت اشارات كثيرة في تقرير بلمار الثاني تفيد بأن لجنة التحقيق الدولية ستركّز تحقيقاتها من الآن وصاعدا على مسألة اثبات ضلوع " شبكة الأشخاص الاجرامية" المتورطة في عملية اغتيال الرئيس الحريري بارتكاب بعض الجرائم الارهابية الأخرى في لبنان. وهذا يعني أن لجنة التحقيق الدولية هي في صدد اثبات أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الأخرى تندرج في اطار مسلسل اجرامي أو خطة اجرامية معدة سابقا من قبل أنظمة أو دول، وذلك بهدف ضرب الاستقرار والأمن في لبنان وترهيب سكّانه وردعهم عن المطالبة بالحرية والاستقلال. وهذا ما يستفاد من قول بلمار في تقريره الثاني أن "التحقيقات في القضايا الارهابية الأخرى تدعم التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري" (الفقرة رقم 34).

وبالاضافة الى أن لجنة التحقيق الدولية كانت قد أثبتت سابقا صلات جنائية بين قضية اغتيال الرئيس الحريري وبعض القضايا الارهابية الأخرى، والى أنها جمعت معلومات تؤكّد هذه الصلات (الفقرة رقم 36)، تمكّنت، وفقا لما جاء في تقرير بلمار الثاني، من الحصول على عناصر جديدة تسمح بالتأكد من أن الشبكة الارهابية الضالعة في عملية اغتيال الرئيس الحريري هي ايضا متورطة في ارتكاب جرائم ارهابية اضافية في لبنان غير تلك التي ثبتت صلاتها سابقا في عملية الاغتيال ذاتها، ولكن" نظرا الى حساسية هذه الناحية في التحقيق، لا يمكن اعطاء أي تفصيل اضافي في المرحلة الراهنة" (الفقرة الرقم 36). وتتابع اللجنة تحقيقاتها في هذا المجال، بحيث انها ستقوم بعدد من الاجراءات ومنها الحصول على تقرير حول مسألة المقارنة بين المتفجرات المستعملة في قضية اغتيال الرئيس الحريري وتلك المستعملة في كل القضايا الارهابية الأخرى التي ارتكبت في لبنان والتي فوّض لها أمر التحقيق فيها (الفقرة الرقم 37، والفقرة الرقم 38 ). كما تمكّنت اللجنة من الحصول على سلاح حربي قد يكون استعمل في عملية اغتيال الوزير السابق بيار الجميل، أرسلته اللجنة الى مختبر أجنبي ليكون موضوع تحليل بالستي ولمعرفة ما اذا كان هذا السلاح قد استخدم فعلا في الهجوم الارهابي المذكور (الفقرة الرقم 40).

وبالتأسيس على حيثيات التقرير الحالي، يظهر جليا أن لجنة التحقيق الدولية باتت في مرحلة حصر تحقيقاتها في مسألة اثبات ارتباط جريمة اغتيال الرئيس الحريري بالجرائم الارهابية الأخرى من اجل تحديد الجرائم التي ستعمل على احالتها على المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وسيتابع المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان كماً كبيراً من التحقيقات الاضافية في هذا الحقل من أجل تحديد القضايا المتصلة بقضية الرئيس الحريري وفقا للنظام الأساسي للمحكمة المذكورة (الفقرة الرقم 42، والفقرة الرقم 62). وبناء على ذلك، فان متابعة التحقيق في مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان ستنصب على هذه القضية وليس على مسائل تم حسمها في ما يتعلق بقضية اغتيال الرئيس الحريري.

-2 استبعاد الصلة الجرمية بين جريمة اغتيال الرئيس الحريري وجريمة عين علق.

جاء في تقرير بلمار الثاني لهذه الجهة انه "منذ آذار 2008، اتهم 29 شخصا في قضية تفجير الحافلتين في عين علق. قدّمت مساعدة تقنية الى السلطات اللبنانية لتحليل المتفجرات المستعملة في الهجمات وسلّمت النتائج الى هذه السلطات. كذلك عثرت اللجنة على أربعة أنماط من الحمض الريبي النووي في أجزاء من ساحة الجريمة واطلعت السلطات القضائية اللبنانية عليها بهدف استعمالها المحتمل في الاجراءات".

ان هذه الحيثية قد تعني قانونا أن شبكة الأشخاص التي أقدمت على اغتيال الرئيس الحريري ليست ضالعة في عملية تفجير الحافلتين في عين علق، وان لا وجود لأي رابط جنائي بين عملية اغتيال الرئيس الحريري وعملية عين علق الارهابية. وذلك لأن لجنة التحقيق الدولية هي مفوضة التحقيق في قضية عين علق، وهي قامت على هذا الأساس بتحقيقات معمّقة لكشف حقيقة هذه الجريمة وطبيعتها واهدافها وخلفياتها، وخصوصا لمعرفة ما اذا كانت جريمة اغتيال الرئيس الحريري على صلة بهذا التفجير، لكنها قررت في نهاية الأمر تسليم نتائجها التحقيقية الى السلطات اللبنانية من أجل تمكين هذه السلطات من استعمال هذه النتائج والأدلة الجنائية في اطار التحقيقات اللبنانية والمحاكمات الجزائية التي ستجرى أمام القضاء اللبناني. مما يعني صراحة أن جريمة اغتيال الرئيس الحريري لا يربطها بتفجير عين علق اي رابط جرمي لا لناحية الأشخاص المشتبه بهم ولا لناحية الخلفيات والدوافع الجنائية أو الواقعات الجنائية، والا لكانت لجنة التحقيق الدولية طالبت بضمها الى ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري، وان كانت لا تدخل في اطار الصلاحية الزمنية للمحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان (كونها ارتكبت خارج الفترة الممتدة بين أول تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول ديسمبر 2005)، وذلك من طريق اتخاذ القرار في الأمم المتحدة بادخال جرائم وقعت بعد تاريخ 12 كانون الأول 2005 في اطار صلاحية المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، اذا ثبت أن هذه الجرائم مرتبطة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتطبيقا للمادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة المذكورة.

-----------------------

في ما يأتي الجزء الرابع من دراسة الدكتور دريد بشراوي عن تقرير بلمار الثاني، وفيه يتوقف عند ما ورد في التقرير بخصوص التعاون مع التحقيق.

ج: التعاون مع التحقيق

-1 التعاون اللبناني

يصف تقرير بلمار الثاني تعاون السلطات اللبنانية بالتعاون السريع والشامل، ويؤكّد أن مسألة احتجاز اشخاص مشتبه بهم أو مدعى عليهم ومسألة البت باطلاق سراحهم هما من اختصاص القضاء اللبناني الحصري.

التعاون اللبناني: تعاون سريع وشامل

يؤكد تقرير بلمار الثاني استمرار تعاون السلطات اللبنانية مع التحقيق وتلبية طلبات لجنة التحقيق الدولية، وعلى أن اللجنة تحافظ على اتصال منتظم بالسلطات اللبنانية وتتفاعل معها عن كثب في المسائل المتعلقة بالتحقيقات، وكذلك في ما يتعلق بأمن اللجنة وموظفيها (الفقرة الرقم 43). ويصف التقرير ذاته تعاون السلطات اللبنانية بالتعاون الوثيق والمهني (الفقرة الرقم 44)، ويثني على هذا التعاون ويعرب عن امتنان اللجنة الشديد للقوى الأمنية اللبنانية على جهودها الحثيثة والفعّالة من أجل الدعم والمساعدة في حماية موظفي اللجنة ومقرها (الفقرة الرقم 44). كما يؤكّد أنه كانت هناك زيادة كبيرة في عدد طلبات المساعدة المرفوعة الى السلطات اللبنانية وفي تعقيداتها، وانه رغم ذلك ردّت السلطات اللبنانية عليها بسرعة وشمولية (الفقرة الرقم 46). ويفيد التقرير بأن لجنة التحقيق الدولية ستتابع التواصل مع القضاء اللبناني على مستوى اللجنة وعلى مستوى مكتب المدعي العام لاحقا، وانه من المتوقع أن يستمر تأمين المستوى نفسه من التعاون (الفقرة الرقم 45).

- مسألة احتجاز اشخاص مشتبه بهم هي من اختصاص القضاء اللبناني الحصري

في ما يتعلق بقضية احتجاز الضباط الأربعة، قادة الأجهزة الأمنية السابقة، يضع تقرير بلمار الثاني هذه المسألة في عهدة القضاء اللبناني المختص في انتظار انتقال ملف التحقيق الى مكتب المدعي العام في المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان حيث سيتم البت بهذه القضية نهائيا من المدعي العام المذكور، اذ جاء في الفقرة الرقم 48 منه أنه "مع تقدم التحقيق، لا تزال اللجنة تتشارك مع السلطات اللبنانية المختصة جوهر كل المعلومات ذات الصلة التي يتم الحصول عليها. تدرك اللجنة أن احتجاز أفراد في لبنان أو الافراج عنهم يقع ضمن الاختصاص الحصري للسلطات اللبنانية. في هذا السياق، استمرت اللجنة في تزويد السلطات اللبنانية بكل المعلومات التي تحتاج اليها لاتخاذ قرار مستقل في موضوع الاحتجاز من دون اللجوء الى اللجنة. ورفعت اللجنة أيضا آراءها حول هذه المسألة الى المدعي العام". وازاء هذه الحيثيات، يمكن ابداء الملاحظات الآتية:

-1 ما دام التحقيق لم ينتقل بعد الى مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، يكون القضاء اللبناني وحده المختص للبت في مسألة توقيف الضباط الأربعة المدعى عليهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري.

-2 ان لدى القضاء اللبناني ما يكفي من الأدلة والمعلومات التي جمعتها سلطاته التحقيقية، والتي زودته بها لجنة التحقيق الدولية، كي يتخذ قرارا في هذا الشأن. مما يعني أن هذه الأدلة التي مصدرها لجنة التحقيق الدولية والتي ايضا مصدرها القضاء اللبناني هي أدلة تثبت، حتى الآن وحتى اثبات العكس، ضلوع الضباط الأربعة في عملية اغتيال الرئيس الحريري، والا لكان اتخذ قاضي التحقيق اللبناني القرار باطلاق سراحهم. يشار الى ان تقرير بلمار الثاني يفيد، على هذا الصعيد، أن لجنة التحقيق الدولية تمكّنت من جرد عشرة آلاف دليل بينها أكثر من سبعة آلاف دليل تتعلق بقضية اغتيال الرئيس الحريري، وان من بين هذه الأدلة أدلة كانت في حوزة القضاء اللبناني (الفقرة الرقم 33). وهذا يعني بالمفهوم القضائي أن لجنة التحقيق الدولية تثق بالأدلة الجنائية التي جمعها القضاء اللبناني المختص، والتي قد تدل على تورط الضباط الأربعة في عملية اغتيال الرئيس الحريري.

-3 يفهم من كل تقارير لجنة التحقيق الدولية ومن ضمنها التقرير الحالي أن هذه اللجنة على تنسيق تام ومتواصل مع القضاء اللبناني، ولاسيما مع المدعي العام التمييزي وقاضي التحقيق الواضع يده على ملف اغتيال الرئيس الحريري والملفات الأخرى المرتبطة به، وان الانسجام كامل بين الفريقين لجهة القرارات الواجب اتخاذها على صعيد التحقيقات، وانه لا تزال اللجنة تتشارك مع السلطات اللبنانية جوهر كل المعلومات ذات الصلة التي يتم الحصول عليها. مما يعني أن التوافق تام بين لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني لجهة ضرورة الابقاء على اجراء التوقيف الاحتياطي المتخذ بحق الضباط الأربعة، ولاسيما أن اللجنة المذكورة رفعت الى مدعي عام التمييز اللبناني رأيها بخصوص هذه المسألة. يضاف الى ذلك ان قرار توقيف هؤلاء الضباط اتخذ بناء على توصية من لجنة التحقيق الدولية يوم كان يترأسها القاضي الألماني ديتليف ميليس، وتطبيقا لوثيقة التعاون القضائي الموقعة بين وزارة العدل اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية في حزيران 2005. وعلى هذا الأساس، وبما أن تدبير التوقيف كان اتخذ بناء على توصية لجنة التحقيق الدولية، فلا مبرر قانونياً لعدم اتخاذ قرار باطلاق سراح هؤلاء الضباط في حال وجود توصية معاكسة من اللجنة ذاتها تقضي باطلاق سراحهم. ما يثبت مرة أخرى عدم وجود هذه التوصية واقتناع لجنة التحقيق الدولية باستمرار هذا التوقيف لضرورات التحقيق، وحماية للتحقيق ذاته وللشهود، وتحقيقا للعدالة أمام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان.

-4 يلاحظ، على هذا الصعيد أخيرا، أن مسألة توقيف الضباط الأربعة وردت في القسم المخصص لتعاون السلطات اللبنانية المختصة مع لجنة التحقيق الدولية في تقرير بلمار الأول وفي تقرير بلمار الثاني (الفقرة الرقم 48 من تقرير بلمار الثاني والفقرة الرقم 47 من تقرير بلمار الأول). مما يعني ان استمرار توقيف الضباط الأربعة بقرار من القضاء اللبناني يندرج في اطار تعاون هذا القضاء مع لجنة التحقيق الدولية ويعبّر عن تطلعات هذه اللجنة وتوصياتها.

-2 التعاون السوري مع التحقيق

أما في ما خص تعاون السلطات السورية مع التحقيق الدولي، فيلاحظ أن لجنة التحقيق الدولية تواصل وصفه "بالتعاون المرضي في شكل عام" (الفقرة الرقم 50). وإذ يشكر تقرير بلمار الثاني، كما تقريره الأول، السلطات السورية على التدابير اللوجستية والأمنية التي اتخذتها لتتمكّن بعثة اللجنة من القيام بعملها(الفقرة الرقم 50)، يؤكّد في المقابل أن "لجنة التحقيق الدولية ستستمر في طلب التعاون الكامل من سوريا في إطار تنفيذها للتفويض الموكل إليها" (الفقرة الرقم 51). وهذا يؤكّد مرة جديدة أن لجنة التحقيق الدولية التي تصف التعاون السوري بـ"المرضي في شكل عام"، لا تعتبره تعاونا تاما، إذ لو كان التعاون السوري تعاونا كاملا وفعليا لما كان أشار تقرير بلمار الأول وكذلك تقريره الحالي، كما التقارير السابقة للجنة التحقيق الدولية، إلى أن اللجنة ستستمر في طلب التعاون الكامل من السلطات السورية.

ان مطالبة تقريري بلمار (الأول والثاني) السلطات السورية بالتعاون الكامل، يعني من دون أدنى شك أن لجنة التحقيق الدولية تلاقي معوّقات واعتراضات ومماطلات وممانعات من هذه السلطات في إطار التحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس الحريري والقضايا الإرهابية الأخرى. وهذا ما يمكن استخلاصه من واقعة أن اللجنة لا تطالب إلا السلطات السورية بالتعاون الكامل وليس السلطات اللبنانية أو أي مرجعيات أو سلطات دولية أخرى. فهي تشير في ما خص تعاون الدول الأخرى إلى أنه "تجاوبت الدول الأعضاء مع طلبات اللجنة،، وتشكر اللجنة الدول الأعضاء دعمها المستمر لعمل اللجنة، وتجدد دعوتها الى الرد ضمن الوقت المحدد وبطريقة شاملة" (الفقرة الرقم 53). وعليه فان توجيه الطلب فقط إلى السلطات السورية بالتعاون الكامل والفعلي يعني ضمنا أن لجنة التحقيق الدولية تشتبه بمسؤولين أمنيين وحكوميين سوريين بضلوعهم في عملية اغتيال الرئيس الحريري، وتعاني بعض الصعوبات وتواجه بعض المعوقات في الحصول على المعلومات الحسّاسة واللازمة من السلطات السورية المعنية. وهذا ما قد يستشف من تقرير بلمار الثاني الذي جاء فيه لهذه الناحية أنه "واجهت اللجنة صعوبات في الحصول على معلومات قد تكون حسّاسة في خيوط اساسية" (الفقرة الرقم 22). وبما أن التقرير ذاته يشيد بتعاون السلطات اللبنانية الكامل والسريع ويطالب السطات السورية بضرورة التعاون الكامل، فذلك يعني أن المعوقات التي اعترضت اللجنة هي معوقات سورية وليست لبنانية.

•••

رغم أن تقرير بلمار الثاني لا يفصح صراحة عن هوية الأشخاص الذين سيوجّه اليهم الاتهام في وقت قريب، رغم أنه يعتمد أسلوب الحذر في التحليل الجنائي الذي يقدّمه، يمكن التأكيد على أن هذا التقرير يتضمّن عدداً من الاشارات والدلالات الجنائية الحاسمة التي تبيّن بوضوح أن التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري دخل في مرحلة الاعداد للاتهام الجنائي أمام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان، وان الأدلة الجنائية التي جمعتها لجنة التحقيق الدولية اصبحت كاملة ووافرة، وهي لا تتناقض مع تلك التي جمعتها لجنة التحقيق ذاتها يوم كانت تعمل برئاسة القاضي ديتليف ميليس، وستكون حجر الأساس الذي سيبني القاضي بلمار على اساسه مداميك قراره الاتهامي قريبا، والصوت الصارخ في وجه القتلة الذين سيمثلون امام المحكمة الجزائية الدولية الخاصة بلبنان ليحاكموا على ما اقترفت أيديهم من جرائم ارهابية بشعة بحق لبنان واللبنانيين. لكل ذلك، يبدو أن بلمار عدل هذه المرة عن لعبة العصا والجزرة، ليستعيض عنها بشهر سيف العدالة القاطع في وجه الجناة القاتلين.

• استاذ محاضر في القانون الجنائي والجرائم الجنائية في جامعة روبير شومان - فرنسا واستاذ زائر في جامعة أنسبروك - النمسا ومحام عام أسبق في فرنسا وبالاستئناف في نقابة المحامين في بيروت.

تعليقات: