
على أثر إعلان وزارة الزراعة عن رغبتها بتقديم مساعدات للمزارعين في الجنوب، تتمثّل ببذور قمح وشتول زيتون، بادر المزارع عُدَي عامر أبو ساري، ابن بلدة الضهيرة الحدوديّة المدمرة (صُوْر)، إلى التواصل مع مكتب الوزارة في مدينة صور بغية الحصول على بذور قمح، إلّا أنّه تلقّى ردًا بأنّ الكميّة المخصّصة للمزارعين نفدت.
كانت الوزارة قد أعلنت عن تلك المساعدات بتاريخين منفصلين: الأوّل في الـ 11 من تشرين الثاني (نوڤمبر) الماضي، وخصّصته لشتول الزيتون، والثاني في الـ 27 من الشهر نفسه، وخصّصته لبذور القمح، لكنّ الوزارة اشترطت من أجل الحصول على ذلك، أن يكون المزارع مدوّنا في السجلّ الزراعيّ.
عدم حصول المزارع أبو ساري على حصته المأمولة يطرح سؤالًا مشروعًا حول مدى وصول المساعدات الزراعيّة إلى أبناء قرى الشريط الحدوديّ، خصوصًا وأنّ تلك البلدات مدمّرة بالكامل، ويعتمد اقتصادها بشكل أساس على الزراعة من تبغ وحبوب وزيتون، بخلاف بلدات جنوبيّة أخرى تتنوّع اقتصاداتها بين زراعيّة وتجاريّة واستثمارات المغتربين.
شُبهات حول توزيع المساعدات
يُشير أبو ساري، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “الأولويّة يجب أن تكون لمزارعي قرى الشريط الحدوديّ، فأرضنا باتت قاحلة ويجب أن تساعدنا وزارة الزراعة في إعادة تنصيب الأغراس فيها”، مضيفًا “نُناشد وزارة الزراعة الالتفات إلى أحوالنا ودعمنا كي نتمكّن من الصمود في أرضنا”.
يؤكّد أبو ساري أنّ “التقدّم للحصول على المساعدة يحتاج إلى تسجيل مسبق في السجل الزراعيّ بناءً على استحواذ ملكيّة أرض زراعيّة، لكن ما حصل أنّ كثيرين ممّن دوّنوا أسماءهم في السجل الزراعي ليسوا مزارعين، والهدف من ذلك هو الحصول على المساعدات”.
عن المساعدات التي قدّمتها الوزارة أشار أبو ساري إلى أنّها “كانت عبارة عن خمس نصوب زيتون لكلّ مزارع”. ويعلّق أبو ساري على ذلك قائلًا “هذه الشتول صغيرة وتحتاج إلى نحو 10 سنوات لإعطاء إنتاج جيّد، في حين أنّني خسرت نحو 100 شجرة زيتون يعود عمرها إلى 40 عامًا، هذا الأمر دفعني إلى عدم التقدّم للحصول على تلك المساعدة والاكتفاء بطلب المساعدة في بذور القمح التي لم أحصل عليها”.
يستذكر أبو ساري أنّه كان يزرع، قبل “حرب الإسناد”، 36 دونمًا من الحبوب في بلدته، إلّا أنّه في الوقت الحالي اضطر إلى ضمان أرض في بلدتي طير حرفا وشمع الواقعتين في الخطّ الخلفيّ لقرى الشريط الحدوديّ من أجل زراعة القمح، وذلك على رغم المخاطر الكبيرة.
في المقابل، ينفي مصدر في وزارة الزراعة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، علم الوزارة “بعدم حصول بعض المزارعين على بذور القمح”، مؤكدًا في الوقت عينه أنّ “المزراعين الذين لم يتمكّنوا من الحصول على حصصهم من مساعدات بذور القمح أو نصوب الزيتون، سيتمّ منحهم الأولويّة في الجولة الجديدة من المساعدات”. وفي السياق، يوضح المصدر أنّ “الوزارة قامت بتويع نحو 200 ألف نصبة زيتون وحرصت على تخصيص الكمّيّة الأكبر لمزارعي الجنوب بسبب الخسائر التي تكبدوها جرّاء الحرب، وقد تراوحت حصص المزراعين بحسب طلبهم وحجم الأرض التي يمتلكونها وكحد أقصى 20 شتلة لكلّ مزارع”.
كلفة تفوق حجم المساعدة
من جانبه، يُشير المزارع غازي الوجه، ابن بلدة يارين الحدوديّة (صور)، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّه منذ نزوحه بعد بدء حرب الإسناد، انقطع عن عمله في الزراعة بعد أن كان يزرع الخضار والقمح والدخان وغيرها من الزراعات في بلدته. ويلفت إلى أنّه حاول ضمان أرض حيث يقطن في الوقت الحالي في بلدة العاقبيّة، ولكن لم يتمكّن من تحمّل الكلفة، فـ “ضمان دونم أرض يصل إلى 150 أو 200 دولار سنويًّا، في حين أنّ الأرض في بلدتنا ملكي”. ويوضح أنّه يقوم في الوقت الحالي “بالعمل في مجال بيع الخضار عبر سيّارة رابّيد أملكها، إلّا أنّ هذا العمل فقط من أجل الخروج من المنزل إذ إنّ أرباح ذلك قليلة جدًّا”.
لم يتمكّن الوجه من التقدّم إلى وزارة الزراعة للحصول على المساعدة، بسبب أنّ سندات الأرض ما زالت باسم والده الذي توفّي قبل ستّة أشهر من بدء حرب الإسناد، وفي الوقت الحالي لا يملك إمكانات مادّيّة لنقل ملكيّة الأرض إلى اسمه وأسماء أخوته. على رغم ذلك توجّه الوجه إلى مكتب وزارة الزراعة لتسجيل اسمه، إلّا أنّ الموظّفة طلبت منه إخراج قيد وبيان مساحة وإفادات عقاريّة، وكلفة إنجاز هذه الأوراق ربّما تفوق قيمة المساعدة نفسها. هكذا حُرم الوجه من الحصول على المساعدة.
يتسائل الوجه قائلًا: “حتّى في حال حصولنا على بذور قمح أو نصوب شجر زيتون من الوزارة، فأين سنقوم بزراعتها؟”، مضيفًا “الوضع في القرى الحدوديّة غير مستقرّ، ونزور البلدة فقط في حال وفاة أحد الأشخاص كي نواريه بمواكبة من الجيش وقوات اليونيفيل”.
مساعدات زهيدة مقارنة بالخسائر
حال المزارع هلال أبو هدلة، ابن بلدة أمّ التوت الحدوديّة (صور)، لا تختلف من حيث المعاناة، لكنّها تتفوّق من حيث حجم الخسائر، فأبو هدلة يقول بإنّه وحده الذي يملك مشروع خيم زراعيّة في المنطقة الحدوديّة التي تمتدّ من الناقورة في القطاع الغربيّ إلى العرقوب في القطاع الشرقيّ، فالمشروع عبارة عن 65 خيمة، قسم منها دمره العدوان وآخر تضرّر، وعلى رغم ذلك “لم أتلقَّ أيّ مساعدة سواء من وزارة الزراعة أو من أيّ جهة أو جمعيّة”.
يتابع أبو هدلة لـ “مناطق نت”: “خسائري لم تقتصر على ذلك، بل خسرت كذلك ألفيّ شجرة حامض وكلمنتين”. ويُقدّر أبو هدلة خسارته الإجماليّة التي يُضاف إليها بنية تحتيّة ومشروع طاقة شمسيّة للبئر الارتوازيّة بما يفوق المليون دولار. وحول تواصله مع وزارة الزراعة، يُشير إلى أنّ “المسؤول عن المنطقة في الوزارة لا يردّ على الهاتف”.
أمام حجم هذه الخسائر يصعب الحديث عن المساعدات الزهيدة التي تقدّمها وزارة الزراعة، وهذا ما يُظهر الهوّة الكبيرة بين تقديمات الوزارة لدعم المزارعين من ناحية، وبين حجم الأضرار التي سجّلها القطاع في قرى الشريط الحدوديّ تحديدًا من ناحية أخرى.
في الوقت الحالي، يُعتبر أبو هدلة الشخص الوحيد الذي عاد إلى بلدته ليستأنف عمله فيها، إذ ينتقل بشكل دوريّ إلى منطقة القاسميّة حيث تقطن عائلته. أبو هدلة بادر إلى ترميم غرف صغيرة كان قد بناها للعمّال في وقت سابق من أجل تسيير أعماله. ويلفت إلى أنّ “الدافع الأساس لعودتي هو رزقي، فأريد أن أزرع واستصلح الخيم، فنحن أربع عائلات نتعيّش من هذا المشروع وهو مصدر رزقنا الوحيد”.
خسائر زراعيّة جسيمة بسبب الحرب
ووفقًا لتقرير “التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان (آذار 2025)”، الصادر عن البنك الدوليّ، فإنّ الحرب أدّت إلى خسائر في قطاعيّ الزراعة والأمن الغذائيّ تُقدر بنحو 742 مليون دولار أميركيّ. ويشمل ذلك ما يُقدّر بنحو 693 مليون دولار أميركيّ من الإيرادات المفقودة من إنتاج المحاصيل، و25 مليون دولار أميركيّ من الثروة الحيوانيّة، و24 مليون دولار أميركيّ من قطاع صيد الأسماك.
وقد نتجت هذه الخسائر عن صعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعيّة، واستمرار اقتلاع الأشجار، وتوقّف عمليّات الحصاد في المناطق المتضرّرة أو المستهدفة من الحرب، ما أدّى إلى تفاقم مشاكل القطاع وتأخير تعافيه. وسُجّلت أعلى نسبة من الخسائر في محافظة الجنوب بواقع 286 مليون دولار أميركيّ، تليها محافظة البقاع بنحو 212 مليون دولار أميركيّ، ثمّ محافظة النبطيّة بنحو 199 مليون دولار أميركيّ. وقدّر التقرير احتياجات التعافي في قطاعيّ الزراعة والأمن الغذائيّ بنحو 412 مليون دولار أميركي.

بعض خسائر المزارع هلال أبو هدلة ابن بلدة أمّ التوت الحدوديّة، في مشروعه الزراعي
الخيام | khiyam.com
تعليقات: