القروض الشخصية: حاجة للمواطن أم لتشغيل السيولة المصرفية؟

إعلانات القروض تشغل الشارع (عباس سلمان)
إعلانات القروض تشغل الشارع (عباس سلمان)


المنازل، السيارات، الأثاث، الزواج، التعليم، الخصوبة وحتى التجميل: قروض تنتشر لدى المصارف وبين المواطنين، بطريقة لا سابقة لها في لبنان.

لم تكن المصارف تقدّم حتى بداية التسعينيات الا القروض قصيرة الأجل، ذات الفوائد العالية، والمخصصة للمؤسسات التجارية.

بدأت القروض للأفراد تنتشر في منتصف التسعينيات، وطالت المنازل والشقق السكنية من خلال مصرف الاسكان. لكن المسؤولين الذين تولوا مهمات وزارة الاسكان آنذاك في تلك الفترة أخذوا يوزعون القروض على »المحاسيب« كما يقول مدير مديرية المصارف في مصرف لبنان نجيب شقير، فأصبح يترتب على كل مواطن يريد الحصول على قرض مصرفي، السعي إلى وساطة مع أحد المتنفذين.

وقد أثارت تلك الطريقة في التعامل مع القروض انتباه القطاع المصرفي، فما كان منه إلا أن تولى تغيير طريقة الحصول على القروض السكنية، فتم إنشاء المؤسسة العامة للإسكان وجرى وضع آلية تتيح في نظامها لأكبر عدد من ذوي الدخل المحدود الحصول على قرض سكني.

انتقلت سياسة القروض السكنية سريعاً إلى القروض الشخصية، بعدما وجدت فيها المصارف حاجة لتشغيل أموال المودعين لديها، نتيجة فائض في السيولة.

وتكفي معرفة أن أموال المودعين في المصارف وصلت حتى شهر تشرين الاول الماضي، استنادا إلى معطيات مصرف لبنان، إلى سبعة وتسعين مليار دولار، وهي تشمل إيداعات المقيمين في لبنان وغير المقيمين.

ويعني ذلك أن قيمة الودائع توازي ضعفي قيمة الدين العام، بينما بلغت قيمة التسليفات خمسة وعشرين ملياراً وخمسمئة مليون دولار.

وتتشكل سيولة المصارف، إلى الودائع، من الاكتتاب في سندات الخزينة، والمعاملات التجارية.

وقد ساهم ثبات المداخيل في توسيع دائرة القروض، مقارنة بسعر صرف الدولار بعد تقلبات كبرى شهدتها أسعار العملة في نهاية الحرب الاهلية. كما أن المصارف فهمت الحاجات الاستهلاكية لدى المواطنين في عصر الاستهلاك، والتي يمكن تلبيتها ضمن شروط تتعلق بنسب الفوائد ومدد التسديد.

وتبين أن القرض الشخصي هو أكثر ربحية للمصارف، ومخاطره أقل، لأنه موزع على مجموعة كبيرة من الأفراد. ويوضح أحد مدراء المصارف أنه يوجد فارق بين تقديم قرض بمئة مليون ليرة لمؤسسة واحدة قد تعجز عن تسديده، وبين تقديم القيمة ذاتها لعشرة أشخاص، فلا يعقل أن يعجز العشرة مجتمعين عن التسديد.

وما يزال حتى الآن الشرط الأساسي للحصول على القرض هو تسديده بقيمة ثلث الراتب أو الدخل الشهري، بينما تصل نسبة التسديد في الخليج مثلاً إلى خمسين في المئة من قيمة الدخل، نظراً لارتفاع المداخيل هناك مقارنة بلبنان.

لكن مع ذلك، تضع القروض المواطنين الذي يحصلون عليها في حالة استدانة لفترة طويلة، في حال كان القرض يتعلق بالسيارة أو الإثاث، وربما طول العمر في حال كان القرض يتعلق بشراء منزل، لأن مدة تسديده تبلغ ثلاثين عاماً.

تعطي نماذج من القروض المصرفية صورة واضحة عن الشروط التي يتعين استيفاؤها.

في »فرنسا بنك« مثلاً، تتراوح قيمة القرض الاستهلاكي بين ثمانية ملايين وبين خمسة عشر مليون ليرة، يلزم للحصول عليه إفادة بالراتب ومكان السكن وبطاقة الهوية، ويمكن الاقتراض حتى خمسة ملايين ليرة من دون كفيل. أما إذا كانت قيمة القرض بين خمسة عشر وبين خمسة وعشرين مليون، فيترتب على المقترض تأمين وعد بالرهن، ومن خمسة وعشرين حتى أربعين مليون ليرة يترتب عليه رهن ملكية. ويعني الوعد بالرهن أنه إذا لم يسدد القرض يجري رهن ملكية تابعة له.

وإذا كان القرض لمدة ثلاث سنوات، تبلغ نسبة الفائدة ١٥,٣٠ ، و١٧,٣٠ بالمئة إذا كان لفترة أربع سنوات.

أما في »بنك الاعتماد«، فيقول أحد المسؤولين إن قسم القروض الصغيرة نشأ بسبب محدودية القروض التجارية، نسبة إلى قيمة الإيداعات، فتوجهت المصارف لتقديم قروض إلى المستهلك مباشرة، وفتح مصرف لبنان اكتتابا بسندات الخزينة للمواطنين.

يضيف أنه يترتب على كل راغب بالاقتراض لشراء أو بناء منزل، تأمين ما يوازي أربعين بالمئة من قيمة القرض، فإذا كان ينوي مثلاً شراء شقة بثمانين ألف دولار يترتب عليه تأمين مبلغ خمسة وعشرين ألف دولار.

وتختلف تلك القيمة عن دول عديدة في العالم، ففي الولايات المتحدة مثلاً يكفي أن تكون لدى المقترض عشرة بالمئة من قيمة القرض، وللأجنبي المقيم في الولايات المتحدة عشرون بالمئة من قيمته. وقد جاءت الأزمة العالمية بعد ارتفاع أسعار العقارات بنسبة ثلاثمئة بالمئة، بالترافق مع ارتفاع نسب الفوائد فعجز المقترضون عن التسديد، وبقيت المنازل لدى المصارف، عرضوها للبيع فانخفضت قيمتها.

وبالمقابل، يعتبر المسؤول في بنك الاعتماد، أن نسب الفوائد على القروض الشخصية متدنية، لأنها متوسطة وطويلة الأجل وتبلغ لدى المصرف أربعة ونصفاً في المئة بينما تبلغ نسب الفوائد على القروض التجارية عشرة في المئة، لأنها قصيرة الأجل.

في مصرف »فرست اترناشيونال بنك«، يوضح أحد المدراء أن قانون المصارف يفرض على كل مصرف التصريح عن قيمة القرض الذي يعطيه لدى مركزية المخاطر في مصرف لبنان، إذا كانت قيمته تبلغ تسعة ملايين ليرة وما فوق.

لكن ذلك لا يمنع أن بإمكان أي شخص استدانة مبالغ لا تتجاوز قيمة كل منها تسعة ملايين ليرة من أكثر من مصرف، من دون التصريح عنها لدى المصرف المركزي.

ويشرح المدير أن الضمانات المطلوبة هي التي تحدّ من الاقتراض المتعدد. وهناك أيضاً استعلامات داخلية بين المصارف التي تتيح للإدارات فيها معرفة اذا كان المقترض طلب قروضاً من مصارف أخرى.

وتوضح المسؤولة عن القروض في المصرف عينه أن قيمة القروض الشخصية الخاصة بالاستهلاك تتراوح بين خمسمئة دولار وبين خمسة وعشرين ألف دولار، تستثنى منها المنازل والسيارات. ويمكن الاقتراض حتى ثلاثة آلاف دولار من دون كفيل، مع الاكتفاء بتقديم إفادة بالراتب مصدقة من المصرف الذي وطّن فيه المقترض راتبه.

وتعتبر المسؤولة أن ما يقارب التسعين في المئة من المؤسسات توطن رواتب موظفيها في المصارف، أو لديها أرصدة في مصارف لصرف الرواتب.

أما اذا كان لدى طالب القرض عمل حر، فعليه تقديم كشف حساب يتضمن معدل دخله السنوي.

وفي ما يتعلق بالمنازل، هناك نوعان من القروض، أولهما قرض المؤسسة العامة للإسكان وتمول المصارف تسعين في المئة من قيمته، على أن يكون لدى طالب القرض نسبة العشرة في المئة الباقية، وتبلغ مدة تسديده ثلاثين عاماً.

والقرض الثاني هو الذي يقدم مباشرة من المصرف، ويجب أن يتوفر لدى المقترض عشرون من قيمته، بينما تتراوح مدة التسديد بين سبعة وبين خمسة عشر عاماً. وعادة ما يكون طالب القرض المباشر صاحب دخل مرتفع.

أما في ما يتعلق بالفوائد، فإذا كان طالب القرض يريد مبلغ ثلاثة آلاف دولار يدفع فائدة نسبتها ستة ونصف في المئة لفترة ثلاث سنوات. وإذا كان راتبه موطناً في المصرف يدفع فائدة نسبتها اثنتا عشرة في المئة، لكنها تكون فائدة تناقصية أي تؤخذ على المبلغ المتبقي شهرياً من القرض وليس على قيمته كله.

أما القرض التجاري، فيملي على المقترض أن يدفع فائدة نسبتها ثلاثة عشرة في المئة وهي أيضاً فائدة تناقصية.

وتبلغ فترة تسديد القرض لدى موظفي القطاع العام خمس سنوات، ولدى موظفي القطاع الخاص ثلاث سنوات.

وهناك قروض أثارت انتباه الإعلام مؤخراً مثل قرضي الخصوبة والتجميل.

القروض الشخصية ١٧٪ من مجمل التسليفات

يوضح مدير مديرية المصارف نجيب شقير أن مجموع قيمة الودائع في المصارف بلغت حتى شهر تشرين الاول الماضي تسعة وسبعين مليار ليرة دولار وهي تشمل تسليفات المقيمين وغير المقيمين، ويشمل هؤلاء بدورهم لبنانيين وغير لبنانيين.

أما مجموع التسليفات فقد بلغ حتى التاريخ نفسه خمسة وعشرين ملياراً وخمسمئة مليون دولار، وهي تشمل القروض الشخصية وقروض المؤسسات.

تبلغ نسبة القروض الشخصية من بينها سبع عشرة بالمئة، موزعة على مئتين وتسعة عشر ألف مقترض، فيما تبلغ نسبة القروض التجارية والخدمات أربعين في المئة، موزعة على سبعة وأربعين ألف مقترض، والنسبة الباقية موزعة على القروض الصناعية والزراعية وبرامج المعلوماتية، عبر مؤسسة »كفالات« وغيرها.

ويؤكد شقير أن لا معايير تملي توزيع القروض بين التجاري والانتاجي والشخصي، وإنما تأتي تلبية للطلب. أي أنه لا يوجد تشجيع لفئة على حساب فئة أخرى.

يوضح أيضا أن لا علاقة لمصرف لبنان بالشروط التي تضعها المصارف للقروض، لكن المصرف شجع في منتصف التسعينيات المصارف الأخرى على اعتماد سياسة القروض القصيرة والطويلة الأجل، عن طريق إعفائها من الاحتياط الالزامي لدى المصرف المركزي.

وتبلغ نسبة الاحتياط خمس عشرة بالمئة من الاموال الموجودة لدى المصارف، تودع من دون الحصول على فوائدها، وشملت القروض المتوسطة والطويلة الاجل في البداية مؤسسة »كفالات«، والمؤسسة العامة للاسكان، وجهاز إسكان العسكريين، قبل أن تنتقل إلى القروض الشخصية. وترتبط قروض »كفالات« بالفوائد التي تحصلها المصارف من سندات الخزينة، بينما تخضع القروض الشخصية للعرض والطلب.

وعما إذا كانت القروض تحمل مخاطر على المقترضين، يقول شقير: إذا فكر أي شخص في الاستدانة من مجموعة مصارف، مبالغ تقل قيمة كل منها عن تسعة ملايين ليرة، فإنه يعرض نفسه لخطر العجز عن التسديد، لذلك يعمل مصرف لبنان حالياً على تخفيض المبلغ المصرح عنه إلى الصفر.

وهل تهدف القروض لمساعدة ذوي المداخيل المحددة، أم تشغيل السيولة؟ يقول شقير: يصح الوجهان، لأنه لا أحد يسعى للحصول على قرض ليس بحاجة له، وفي المقابل، يشجع الاقتراض على جعل الاستهلاك أكثر سهولة، وهي سهولة تبدو غالباً وهمية.

تعليقات: