دمشق تحتضن عون

الرئيس الأسد والجنرال عون في قصر الشعب في دمشق أمس
الرئيس الأسد والجنرال عون في قصر الشعب في دمشق أمس


عند الباب الداخلي لقصر الشعب وقف الرئيس السوري بشار الأسد ليستقبل الزائر، بعد نحو 15 عاماً من «الخصومة» و3 أعوام من الغزل عن بعد... وبـ«ما كان يعتقد أنه محرم أصبح حلالاً وحلالاً جداً»، ويعد «بمستقبل زاهر»، عبر عون عن مشاعره بعد لقاء ساعتين خصص منها ثلث ساعة فقط للقاء موسّع والباقي كان ثنائياً مغلقاً، ووصفه الجنرال بأنه كان عبارة عن «عملية قلب مفتوح» و«تكلمنا بقلبنا وعقلنا لتنقية الوجدانين السوري واللبناني كي لا يبقى أثر للماضي يحتوي على أشياء أليمة»، فـ«الفرق كبير» بحسب الجنرال بين عهدي الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الحالي: «الظروف تغيّرت والتقويم تغيّر والمسؤولون تغيّروا»... وأيضاً هو «تغيّر». والحديث مع الأسد الشاب كان «جلسة مصارحة مشتركة وإظهار حسن نية» من الطرفين، نافياً حمله أية مطالب من سورية، كذلك فإن أياً منهما «لم يتقدم بمطالب من الآخر».

الجنرال الثالث في سوريا: عمليّة قلب مفتوح للإفادة من دروس الماضي

بات ميشال عون ثالث جنرال يزور سوريا في مرحلة ما بعد الدوحة، بعد زيارة الرئيس الجنرال ميشال سليمان التأسيسية لما بعد الانسحاب السوري من لبنان، وزيارة الجنرال قائد الجيش لمتابعة آليات التعاون بين الجيشين

دمشق ـ سعاد مكرم

تحولت زيارة الجنرال الثالث لسوريا إلى حدث محلي وعالمي، لا لأنها الأولى التي سبقتها ولاحقتها ـــــ وستتبعها حتماً ـــــ حملة انتقادات كبيرة من خصوم الزائر والمستقبِل، بل بسبب طبيعة علاقة العداء السابقة بين «قائد حرب التحرير» و«نظام الوصاية».

العماد ميشال عون وصل إلى دمشق صباح أمس... خبر كان متوقعاً، ولكن بمجرد إعلانه، تحول إلى ضيف دائم على مقدمات الأخبار وشريطها في الفضائيات المحلية والخارجية، وتناقلت تفاصيله وكالات الأنباء الأجنبية. وطبعاً انقسم البلد بين مهاجم ومنتقد ومحلل، وبين مشيد بـ«تاريخية» الزيارة و«نجاحها» حتى قبل أن تبدأ.

عند الباب الداخلي لقصر الشعب (دمشق من سعاد مكرم) وقف الرئيس السوري بشار الأسد ليستقبل الزائر، بعد نحو 15 عاماً من «الخصومة» و3 أعوام من الغزل عن بعد... وبـ«ما كان يعتقد أنه محرم أصبح حلالاً وحلالاً جداً»، ويعد «بمستقبل زاهر»، عبر عون عن مشاعره بعد لقاء ساعتين خصص منها ثلث ساعة فقط للقاء موسّع والباقي كان ثنائياً مغلقاً، ووصفه الجنرال بأنه كان عبارة عن «عملية قلب مفتوح» و«تكلمنا بقلبنا وعقلنا لتنقية الوجدانين السوري واللبناني كي لا يبقى أثر للماضي يحتوي على أشياء أليمة»، فـ«الفرق كبير» بحسب الجنرال بين عهدي الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الحالي: «الظروف تغيّرت والتقويم تغيّر والمسؤولون تغيّروا»... وأيضاً هو «تغيّر». والحديث مع الأسد الشاب كان «جلسة مصارحة مشتركة وإظهار حسن نية» من الطرفين، نافياً حمله أية مطالب من سورية، كذلك فإن أياً منهما «لم يتقدم بمطالب من الآخر».

وليس ذلك فقط، بل إن الحديث كان «صريحاً وواضحاً» وجرى خلاله التطرق إلى العديد من المواضيع: «نريد بناء المستقبل وعدم التوقف عند الماضي». وأعلن عون «فتح صفحة جديدة مع دمشق لا مهزوم فيها ولا منتصر، بل عودة لعلاقات طبيعية مرتكزها الانفتاح والمصالح المشتركة». وأضاف «لنا جرأة مواجهة الماضي لا الهروب منه، ولن نمحوه من ذاكرتنا لئلا نكرر الأخطاء. ولذلك كان حديثنا مع سيادة الرئيس واضحاً جداً وطرحت فيه العديد من المواضيع بصراحة»، قائلاً إن «من يتوقف عند الماضي لن يستطيع بناء المستقبل».

حفاوة دمشق الكبيرة بخصم الماضي وصديق اليوم، رسالة سورية لا تخفى حيثياتها على المتابعين لعلاقة البلدين. ففي تقديمها وصفت المستشارة الإعلامية في القصر الجمهوري بثينة شعبان، عون بـ«الزعيم الوطني اللبناني»، «الذي ارتبط اسمه في أذهان الجماهير العربية بالصراحة والجرأة، والذي تميز بمواقفه الصلبة والصادقة والوطنية». وقالت إنه أجرى «مباحثات متميزة وبناءة» مع الأسد، وإن «هذه الزيارة تفتح عهداً جديداً للعلاقات بين سوريا ولبنان يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين والبلدين». وعندما رحبت به كـ«ضيف سوريا الكبير»، لفت عون إلى أنه ليس وزيراً ولا رئيس جمهورية، وزيارته للاستطلاع. ونقل أعضاء في الوفد اللبناني عن الأسد قوله لعون إن مواقفه الوطنية هي التي حبّبت الناس به، لا فقط في لبنان بل في كل البلدان العربية. فيما رفض عون في مؤتمر صحافي، عقده بعد لقائه الرئيس السوري، اعتبار الحفاوة التي استقبله بها السوريون «اعتذاراً» من اللبنانيين، معتبراً أن «ما جرى هو تكريم وليس اعتذاراً»، وقال إنه إذا كان لا بد من الاعتذار فيجب على اللبنانيين الذين ساهموا في ما جرى خلال الحقبة السورية «الاعتذار منا أولاً قبل المطالبة باعتذار سوري تجاه لبنان».

■ لم اكن معاديّاً لسوريا

بل خصمها الأول

وسخر من انتقادات خصومه للزيارة، قائلاً إن «الطائرة التي تطير على ارتفاع 60 كيلومتراً لن تتأثر بصواريخ لا تتجاوز ارتفاع 40 كيلومتراً»، وإن النتائج هي التي ستوضح ما إذا كانت هذه الزيارة تعبيراً عن «التبعية» أو «الاستقلالية». وأبدى استياءه من استخدام الصحافيين كلمة «العداء» في وصف علاقته السابقة مع سوريا، داعياً إلى التمييز بين «العداء والخصومة»، فـ«العداء قضية كبيرة»، نافياً القول إنه كان معادياً لسوريا، بل «الخصم الأول» للنظام «بسبب سوء إدارة الحكم في لبنان، وخلافاتي مع خصومي في الداخل». وعما سيقدمه إلى سوريا بعد هذه الحفاوة قال: «عندي صداقة».

وقال إن «رؤية الأسد لتطوير العلاقات» تنطلق من «سيادة لبنان واستقلاله». وعن الدور السوري في الانتخابات المقبلة، رأى عون أن سوريا «تشجع على إجراء الانتخابات النيابية في لبنان لأنها مطلب لبناني، واعتقد أنها لا تتدخل في موضوع الانتخابات»، مضيفاً بمزاح «معروف أن سوريا لا تدفع مصاري لأحد».

ورأى أن مزارع شبعا «ليست إشكالية بين لبنان وسوريا»، لافتاً إلى إنه عندما يحاصر لبنان تبقى حدود سوريا هي الوحيدة المفتوحة أمام اللبنانيين. وقال إن الخلاف حول شبعا هو على «توقيت الترسيم». وفي ما خصّ موضوع التوطين، أكد اتفاقه مع سوريا على «حق عودة اللاجئين الفلسطينيين»، مضيفاً أن أي تسوية يقبل بها الفلسطينيون يجب أن لا تكون على حساب دول تحمّلت أعباء القضية الفلسطينية ستين عاماً.

ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عن استقباله كزعيم مسيحي في «سوريا العلمانية»، لفت عون إلى أن الوزيرة بثينة شعبان قدمته على أنه «زعيم وطني»، متهماً بعض الزعماء في لبنان بأنهم يريدون التقليل من شأن الزيارة بوصفه زعيماً مسيحياً، وأكد أنه سيزور أماكن إسلامية ومسيحية، كما سيلتقي مفتي الجمهورية، قبل أن يعود للقول إن المسيحيين في المنطقة يعيشون في قلق، وإذا كان بإمكانه القيام بما يطمئنهم فهو لن يتأخر، مضيفاً أنّ سوريا مهد المسيحية، وأنّ مسيحيي المشرق ليسوا جالية من بقايا الصليبيين أو بقايا الفرنسيين، «إنهم جزء من هذه المنطقة».

وكان عون قد وصل إلى مطار دمشق صباح أمس، في زيارة تستمر أياماً عدة، مع وفد ضم النواب: إبراهيم كنعان، عباس هاشم، فريد الخازن ونبيل نقولا، والوزير السابق سيبوه هوفنانيان. وقد جال أمس بين الكنائس السبع في حي باب توما في دمشق القديمة، وسيزور لاحقاً عدداً من الأماكن المقدسة التاريخية المسيحية والإسلامية في دمشق وحمص وحلب، وسيلتقي أيضاً عدداً من الشخصيات السياسية والدينية السورية.

يشار إلى أن وزارة السياحة السورية وزّعت «سي دي» بعنوان «على خطى القديس بولس»، ومنشورات عن أماكن أثرية مسيحية، على الصحافيين والضيوف، خلال استقبال العماد عون، وأن الطاولات في ردهات قصر الشعب زيّنت بزهور زنبق برتقالية، لون التيار الوطني الحر. وحمل المشاركون في الاستقبالات الشعبية الأعلام اللبنانية والسورية وأعلام حزب الله، مع عدد من أعلام التيار الحر، كذلك رسم عدد منهم شعار التيار بالإبهام والسبابة، لدى مرور عون.

■ الزيارة بين «النجاح»

المسبق والتشكيك الدائم

وفي لبنان، وفيما لم يتطرق المطارنة الموارنة في بيانهم الشهري إلى زيارة عون ولا إلى الزيارات إلى سوريا عموماً، تواصلت حملة الأكثرية عليها، فقال رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع: «نحن نريد أن نتخطى الماضي، ولكن ماذا نفعل بالحاضر؟»، مشكّكاً بالقول إن «سوريا لا تتدخل في الانتخابات النيابية»، ومردفاً إن «إحدى نقاط البحث بين عون والمسؤولين السوريين هي تركيبة اللوائح الانتخابية». وعلّق على ترحيب شعبان بعون، بالقول: «حين يعتبر المسؤولون السوريون مواقف العماد عون وطنية، فهذا مدعاة للخوف للعماد عون أولاً ومن ثم لنا جميعاً». وذكر أن أحد وزراء 14 آذار تلقّى «بالأمس، رسالة تهديد مباشرة شبيهة بالرسائل التي كانت ترسل في السابق إلى نواب وشخصيات» الأكثرية، داعياً القوى الأمنية إلى «اتخاذ التدابير اللازمة، ولا سيما أنها أصبحت على علم بهذه التهديدات».

وذكر الوزير نسيب لحود أن مطلب 14 آذار بالإذن المسبق لزيارة سوريا محصور بالرسميين، «أما الرجل السياسي الذي لا يتبوّأ موقعاً مسؤولاً فهو حر بالذهاب إلى أي مكان يشاء»، قائلاً إن عون يزور سوريا «من ضمن مواقفه السياسية وتحالفاته السياسية».

وعن قول عون إن زيارته ستفتح صفحة جديدة مع لبنان، رأى النائب محمد قباني، أن «الصفحة هي بين العماد عون والسوريين، وليست بين البلدين، إلا إذا عاد العماد عون بأمور غير متوقعة». ورأى المكتب المركزي للتنسيق الوطني أن زيارة عون «للنظام السوري تعدّ خيانة لمبادئ المقاومة اللبنانية التاريخية التي تبنّاها سابقاً».

وفي المقابل، رأى النائب يوسف خليل أن الزيارة «وما سبقها من زيارات في المنطقة إنما تثبت دور العماد عون كزعيم وطني مسيحي مشرقي»، منوّهاً بـ«النتائج الإيجابية لهذه الزيارة التاريخية التي تصبّ كلها في خانة احترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه وتوطيد استقراره».

كذلك رأى الوزير السابق فايز شكر أنها «محطة مهمة ومفصلية، وتطور إيجابي في تاريخ العلاقات بين البلدين»، متهماً منتقديها بأن لهم «ارتباطات خارجية مشبوهة تصبّ في غير مصلحة لبنان». وأشاد النائب السابق فيصل الداوود بـ«الزيارة الناجحة»، قائلاً إن عون «ذهب إلى سوريا خصماً شريفاً، ويعود منها ودوداً، ووضع مصلحة لبنان في أولويات العلاقات معها».

وأيضاً رأى نائب رئيس الحزب الديموقراطي زياد الشويري أن الزيارة «تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، لأنها تؤسس لإعادة النسيج المسيحي في الشرق برمته، وتعيد تأسيس الحضور القومي والسيادي للمسيحيين ضمن مفهوم العروبة المشرقية الأصيلة».

حسناً فعل... إنها خطوة مباركة

رحّب وزير الشباب والرياضة طلال أرسلان، الموجود في كوبا، بزيارة زعيم التيار الوطني الحر لسوريا، وقال: «حسناً فعل الرئيس العماد ميشال عون بإقدامه على هذه الخطوة المباركة»، مشيراً إلى أن دمشق «هي بوابة المشرق والمدخل الشرعي الصحيح للبيت العربي المشترك».

وخاطب الموالاة بالقول: «هذه البلاد لنا جميعاً، وعلينا أن نعتمد على أنفسنا، لا على الأجنبي الذي يغيّر سياساته تبعاً لمصلحته، فلا شيء أثمن وأنفع للبنان من توطيد وتعميق وتطوير علاقاته الأخوية القومية مع سوريا الأسد».

الحليف الأول لسوريا في لبنان

رأى النائب عاطف مجدلاني أن زيارة النائب ميشال عون لسوريا «تؤكد أن عون كان الحليف الأول لسوريا في لبنان»، وأنها «قد تشير إلى افتتاح المعركة الانتخابية بإدارة سورية».

وإذ ترك هذه الزيارة «لحكم اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً»، استغرب توقيتَي زيارتَي عون «إلى المحور الإيراني ـــــ السوري، دائماً، مع كل زيارة يقوم بها رئيس الجمهورية إلى الخارج لتأكيد حضور لبنان على الخريطة العالمية وفعالية موقع الرئاسة الأولى».

«صحافيون أصدقاء»

يوم الخميس الفائت، اتصلت «الأخبار» بالمسؤولة الإعلامية عن مكتب العماد ميشال عون، السيدة رولا نصار، لسؤالها عن إمكان مرافقة أحد الزملاء للعماد عون في الزيارة، فاعتذرت بأن عون سيكون الضيف، وبالتالي لا يمكنه استضافة ضيوف معه. ويوم الأحد، عادت «الأخبار» واتصلت بالمسؤول الإعلامي الجديد في التيار الوطني الحر ناصيف قزي لسؤاله عن الوسيلة المفترضة لمتابعة الحدث، فجزم بأنه لا يعرف أكثر من أن على الإعلاميين الحجز في فندق شيراتون ـ دمشق، والتنسيق مع وزارة الإعلام السورية. لكن بعد دقائق قليلة من هذا الاتصال، علمت «الأخبار» أن ثمة إعلاميين لبنانيين مسجلين ضمن وفد عون.

وإذ شعرت «الأخبار» بأن ثمة «فيتو» عليها نتيجة تقديمها اسم أحد الإعلاميين، الذي يبدو أنه غير مرحب به عونياً، قدمت اسم آخر. وبسحر ساحر توافرت له التسهيلات المطلوبة. ولذلك أرسلت صحافيين اثنين، على أن يكون أحدهما ضمن الوفد الرسمي والثاني يسبق عون إلى أماكن جولاته لإجراء تحقيقات ميدانية تواكب الزيارة. وإذا بالزميلين يفاجآن لدى وصولهما إلى الـ«شيراتون» بالعقيد اللبناني أندريه رحال (طبابة عسكرية) يوجه «كلمات غير مقبولة» إليهما على خلفية قدوم من لا يرغب به ربما، رافضاً السماح لأحدهما بالحصول على غرفته التي حجزتها له وزارة الإعلام السورية. وبعد سجالات متفرقة، حل وحي ما، قرابة الساعة الثانية والنصف فجراً، على العقيد رحال، فاعتذر وقدم التسهيلات المطلوبة، ولاحقاً أوضح قزي أن ما حصل غير مقصود، وأن التيار اختار «3 صحافيين أصدقاء» ليصطحبهم في جولته.

عون يكرّس نفسه زعيماً مشرقيّاً

دمشق ـ ثائر غندور

«سوريا الأسد»، كما تقول كل الصور في الشام، استقبلت «زعيم لبنان الأول». على الأقل هذا ما أوحت به طريقة الاستقبال. جنرال بعبدا السابق، الذي خاض حرب التحرير ضد جيش سوريا حافظ الأسد، استقلّ طائرة نجله الرئيس بشار الأسد الرسمية من مطار بيروت إلى مطار دمشق، ثم انتقل بسيارة الأسد المصفحة إلى فندق الشيراتون حيث نزل ووفده المرافق في ضيافة الدولة السورية. وفي قصر الشعب، استقبله الرئيس في منتصف الطريق وخارج مكتبه، لا على باب المكتب كما يفعل مع رؤساء الحكومات، وبحفاوة بارزة على محيّا الأسد، واستغراب ـــــ مفاجأة على وجه عون ونوابه.

بدا على أعضاء الوفد عدم التصديق أنهم في الشام وموضع ترحيب. هي المرة الأولى للبعض، وبدون قيد لآخرين. فالعميد فؤاد الأشقر، الذي اعتقل في 13 تشرين الأول وأمضى 150 يوماً في سجن المزة، هو الذي وقف إلى جانب نائب وزير الخارجية فيصل المقداد في المطار ليستقبل قائده. وقد مازح ضابطاً سورياً عندما سأله «كيف كانت المنامة في الشام؟»، قائلاً: إنها أول ليلة أستفيق فيها مرتاحاً».

وليستكمل السوريون استقبالهم «الزعمائي» لعون، قال له الأسد في بداية اللقاء في القاعة المخصصة للزائرين الكبار، إن الإعلاميين الموجودين في القصر لتغطية زيارته أكثر من الذين واكبوا زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ثم فاجأ الوفد بالقول إنه مستعجل خروج الصحافيين للبدء بالحديث في كل الأمور. وبعدما خرجوا، بدأ الأسد كلامه، فرحّب بالجنرال بأكثر العبارات تودداً، كما قال معظم الذين حضروا اللقاء عن الجانب العوني، «وهو الذي كانت عيناه تشعّان فرحاً»، كما وصفه أحد النواب. وقد حضر الاجتماع عن الجانب السوري: وزير الخارجية وليد المعلم والمقداد، ومستشارة الرئاسة الوزيرة بثينة شعبان، أو أذن الرئيس وعينه كما يسمّيها البعض هنا.

بعد الترحيب، قال الأسد إنه يرغب في نقاش كل مراحل العلاقة السابقة، وإنه يحترم الجنرال «الخصم» سابقاً والحليف حالياً. وذكر أنه مؤمن بالنظرية التي تقول إنه لا تطابق بين أي طرفين، بل هناك تنظيم للحوار. وأعطى العلاقة السورية ـــــ القطرية نموذجاً، شارحاً أنه قال لأمير قطر في أول لقاء جمعهما إنهما لن يصلا إلى حالة التطابق، وهذا ما جرى. وأضاف أنه يرغب في نقاش عميق لكل الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقة ووصولها إلى ما وصلت عليه.

وبعدما ردّ عون التحية، شاكراً الدعوة وحسن الاستقبال والضيافة، عقد والأسد خلوة استمرت حوالى 100 دقيقة، فيما اجتمع الوفد المرافق مع المعلم. ولفت بعد الخلوة أن الأسد قاد سيارته وإلى جانبه عون إلى أحد مطاعم دمشق التراثية، حيث نزلا معاً من السيارة. وعلى طاولة الغداء، تحدث الرئيس السوري عن خطابه في عام 2005 الذي اعتذر فيه عن الأخطاء «لكن لا أحد في لبنان اعتذر، وخصوصاً أن هذه الأخطاء ليست سورية فقط».

ودار نقاش بين المعلم وأعضاء الوفد، دوّن محضره النائب عباس هاشم، حول التحولات الاستراتيجية في المنطقة، وانقسامها بين محورين متصارعين، وتأثير ذلك على سوريا وعلى لبنان. وبعدما استهلك حصار غزة الوقت الأكبر من الحديث، تطرق المعلم إلى العلاقة مع السعودية، مشيراً إلى أن الأمور أصبحت أقل حدّة من السابق «رغم أن سوريا لا تعرف سبب الخلاف. وكنا نعتقد أنه بسبب العلاقة مع إيران، وإذا بنا نفاجأ بأن علاقتهم بها تتطور». ثم تحدث عن لبنان، مكرراً ما قال إنه أبلغه سابقاً للفرنسيين والقطريين والسعوديين: «لو تحول لبنان إلى جنة على الأرض، وطلب منا الجميع العودة، فإننا لا نريد ذلك». وكانت خلاصة كلامه أن بلاده جدية في بناء علاقة ندية مع لبنان، «وهي اقتنعت بأن العلاقة الندية الجيدة أفضل بكثير من السيطرة عبر الجزمة»، بحسب تعبير أحد النواب.

وطرح النائب إبراهيم كنعان موضوع المفقودين، فلفت المعلم إلى وجود لجان تعمل «ونحن على استعداد لتوسيعها وتكثيف عملها لأننا نرغب في إقفال هذا الملف إيجاباً»، مضيفاً أن الأمر يحتاج أيضاً إلى مصالحة لبنانية شاملة، لأن القوى التي شاركت في الحرب الأهلية مسؤولة في هذا الملف أيضاً. وكرر التمييز بين المفقودين والمعتقلين الجنائيين الذين يجب على لبنان التوقيع على اتفاقية الرياض أو عقد اتفاقية مشتركة مع سوريا لمتابعة موضوعهم. وعندما طلب كنعان المزيد من التفاصيل، قال المعلم إنه يترك هذا الموضوع للنقاش مع الأسد.

وبعد الغداء الذي استمر ساعتين، انتقل عون ووفده إلى المفاجأة الثانية: حرارة الاستقبال الشعبي في دمشق القديمة... لينتهي اليوم الأول، بصورة متجددة: في السابع من أيار 2005، كرّس عون نفسه زعيماً لبنانياً لا حاكماً، وفي الثالث من كانون الأول 2008 كرّسته زيارة دمشق زعيماً مشرقياً يحرس المقاومة، رغم أن بعض من يحيط به لم يستطع بعد أن يفهم هذا التحول، ولا يزال يصرّ على تقزيمه ووضعه في خانة زعيم الموارنة أو زعيم المسيحيين.

دمشق: رغبة مشتركة بالاستفادة من دروس الماضي لبناء قاعدة متينة ومميزة في العلاقات بين البلدين

زياد حيدر

دمشق:

حظي رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون باستقبال الرؤساء في سوريا، في خطوة بدا واضحا أنها تضع خلفها بعيدا سنين من الخصومة السياسية وصلت حدودا دموية، لتبدأ صفحة جديدة »لا ننظر فيها إلى الخلف إلا لنقيم ما جرى ونستفيد منه«، على حد تعبير مصادر الطرفين.

وعكس الترحيب بعون القول بان الزيارة »تاريخية« ولـ»زعيم وطني لبناني« ارتبط اسمه لدى الجماهير العربية بالصدق والصراحة والجرأة« على حد تعبير المستشارة في الرئاسة السورية بثينة شعبان قبل تقديمها العماد عون لمؤتمره الصحافي.

وكانت حفاوة الاستقبال انعكست من ساعة وصول عون صباح أمس، حيث استقبله نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، الذي رافق الجنرال إلى قصر الشعب على قمة قاسيون ويرافقه خلال برنامج زياراته في المدن السورية. وبمجرد صعود العماد الدرج نحو القاعة الرئاسية الرئيسية خرج الرئيس الأسد إليه مصافحا، ثم مشى معه إلى نقطة تواجد المصورين والتقطا صورا تذكارية معا وايديهما متصافحة، ليستقبلا بعدها الوفدين المرافقين اللذين حضرا لاحقا.

وبعد حوالي النصف ساعة استأذن الاسد وعون الوفدين المرافقين، وعقدا خلوة امتدت لأكثر من ساعة تقريبا، خرج منها الطرفان بمشاعر »الرضا والارتياح«على حد تعبير مصادر الطرفين، فيما وصفت شعبان اللقاء بـ»المتميز والبناء«. بعد ذلك توجه عون إلى قاعة المؤتمر الصحافي برفقة شعبان التي قدمته »كزعيم وطني لبناني« واصفة إياه بـ»ضيف سوريا الكبير«.

وذكر بيان صحافي لوكالة »سانا« السورية: ان الرئيس الأسد عقد والعماد عون لقاء مثمراً وبناء، جرى خلاله بحث كافة القضايا والمواضيع القائمة بين البلدين. ودار الحديث حول التطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقات السورية اللبنانية، بالإضافة إلى الأوضاع في المنطقة والمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية.

وقالت »سانا«:إن وجهات النظر كانت متفقة حول أهمية هذه الزيارة التاريخية إلى سوريا، التي تفتح عهدا جديدا يتميز بالرغبة المشتركة في بناء علاقات مستقبلية تخدم مصالح الشعبين الشقيقين في سوريا ولبنان، وتقوم على الاحترام المتبادل لسيادتهما واستقلالهما.

وأضافت: تميز اللقاء بالرغبة المشتركة بالاستفادة من دروس الماضي من أجل بناء قاعدة متينة ومميزة في العلاقات بين البلدين الشقيقين.

ونقلت »سانا« عن الأسد إشادته »بمواقف العماد عون المبدئية والوطنية، وثمن زيارته الى سوريا«. فيما عبر عون بدوره »عن سعادته بلقاء الرئيس بشار الأسد منوهاً بمواقف سوريا وحرصها على اقامة افضل العلاقات مع لبنان«.

وجرى اللقاء بحضور وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد.

وسألت »السفير« مصادر سورية رفيعة المستوى عن تفسير الحفاوة في البروتوكول الذي أُعد للعماد عون، فقالت: إن دمشق اعدت استقبالا يليق بزعيم وطني لبناني عكست مواقفه أقواله. وإن كل ما قاله عون في المؤتمر الصحافي يعكس ما نفكر به.

واضافت ردا على سؤال: أن ترحيبنا به يعني أننا نشترك بذات المشاعر، مجددة القول بأن »الزيارة تاريخية«. وعبرت المصادر عن تفاؤلها في أن يؤدي اللقاء مع عون إلى »تعزيز العمل المشترك بين سـوريا ولبـنان لبناء أسس متميزة للعلاقات بينهما«.

وقد أقام الرئيس الأسد مأدبة غداء تكريما للعماد عون حضرها أعضاء الوفدين الرسميين.

عون في «حاضرة الروم»: الناس يتنفّسوندمشق ـ غسان سعود

دمشق ـ غسان سعود

بعد 3 عقود من متابعة السوريين لـ«الأعجوبة الديموقراطية اللبنانية»، صار أهل الشام والمحافظات الأخرى يعرفون عن السياسة عند جارهم الصغير أكثر بكثير مما يعرفونه عنها في بلدهم (يمكن أي مواطن سوري أن يسمي أسماء نصف نواب لبنان على الأقل، فيما لا يمكن معظم اللبنانيين معرفة اسمي نائبين سوريين). وهم في انبهارهم بتقاتل أبناء هذا الوطن ثم تصالحهم والتفافهم حول «استوديو الفن» ونادي الحكمة وغيرها من الأعاجيب اللبنانية، كانوا يزدادون عشقاً لوطن فيروز التي جعلوا منها أيقونة لا سبيل لهم إلى متابعة حياتهم اليومية من دون المرور بصوتها صباحاً.

لكن السنوات الثلاث الماضية ضيعت بوصلة مشاعر السوريين تجاه جيرانهم، لأن الناس الذين ظنهم المواطن السوري من أهل البيت انقلبوا عليه في تسونامي عنصرية تجعل منه رمزاً لكل ما هو غبي وبربري وخانع. لذلك، كان العماد ميشال عون «المحسوب على الآذاريين»، بمثابة شعرة تحول دون كفر سوريين كثر باللبنانيين، وكانت كلماته عن عدم إعدام المتهم قبل محاكمته، ورفضه العنصرية تجاه السوريين، تبقي لديهم أملاً بأن كل ما يسمعونه من عبارات جنبلاطية على ألسنة أصدقاء وكتاب الأمس هو مجرد حالة عابرة. وفي رأي أحد السوريين، أن كلام عون كان له وقع مختلف عن وقع كلام حلفاء سوريا، نظراً لصدقية الرجل وقوة حجته. بل يرى آخر أن عون يستطيع إرجاع صورة لبنان الحلوة إلى الذهن السوري، نتيجة صفاته الشخصية الجامعة إلى حد ما لشخصيات المسرح الرحباني، الذي يعشقه السوريون أيضاً.

لذلك، عكس الجانب الشعبي لزيارة عون حرارة لا تقل عن السياسي، فـ«زيارته تشرفنا لأنه الخصم الشريف سابقاً، وهو قائد عروبي نعتز به». والاستعدادات في باب توما، تدل على أن أهل الحي لم يناموا وهم يحضرون أنفسهم ليستقبلوه نيابة عن «سوريا رحم المارونية»، في منطقة يجتمع في مربع صغير منها معظم الكنائس المسيحية. ولا يخفي البعض فرحه بزعيم «يشجع النمط المسيحي السوري في التفاعل مع المحيط»، ويكرس «الشعور بأن مسيحيي الشرق، أرثوذكس وكلدان وسريان وأشوريين وكاثوليك وموارنة ولاتين وغيرهم، جذورهم ضاربة في هذه المنطقة، ولعل استمرار بعضهم مستحيل بعيداً عن البيئة الحاضنة لحضارته وثقافته».

وفي غياب أي إجراءات أمنية استثنائية، تعكس الاطمئنان، تجوّل عون بين الكنائس المتجاورة، وسط زغردات النسوة، متنقلاً سيراً على الأقدام بين كنيسة وأخرى، مستمعاً لشروح المرحبين به في «سوريا مهد المسيحية وحوار الحضارات»، عن تاريخ وجودهم في هذه المنطقة. وقد خص الكاتدرائية المريمية، أقدم كنائس دمشق، بزيارة لقرابة نصف ساعة. ولفت إلى أن الحماسة الأكبر في الاستقبال كانت وسط أبناء الطوائف الأرمنية نظراً لتردد هؤلاء كثيراً على لبنان، وشعورهم بأنهم يعرفون الزائر أكثر من غيرهم. وقد شبك بعضهم شعار التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق على صدره.

في النتيجة، فيما اللبنانيون مشغولون بتفاصيل الزيارة السياسية، كان أهل الشام أمس يحتفون، كل على طريقته، بضيفهم. هنا أناس يسترقون النظر من خلف الشبابيك الخشبية هامسين احتراماً لرجل عرف كيف يكسب ثقتهم، وهناك متحمسون يأملون أن يكون الضيف القادم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وهنا مجموعة تسعى لمصافحة زعيم التغيير والإصلاح في وطن لا يعرف الزعامات نتيجة «هالة سيادة الرئيس»، وهنا سيدة تدعو زميلاتها إلى التمهل في الركض، لأن أمامهن متسعاً من الوقت، إن لم يكن اليوم، فغداً، لأن من يشرب من ماء الشام لا بد أن يعود إليها.

■ مشاهدات

ـ «أعتقد أن الديموقراطية حلوة من بعيد»، يقول سائق سيارة أجرة، مؤكداً شغفه بمتابعة ديموقراطية اللبنانيين «التي تجعلنا متمسكين بكل الأنظمة غير الديموقراطية». وبسرعة، يشير إلى أن السوري لا يعرف شيئاً عن وطنه، مقارنة بما يعرفه عن لبنان، داعياً للتأكد من كلامه إلى متابعة مبيع الصحف، حيث سيتبين أن الصحف اللبنانية أكثر مبيعاً من السورية: تعددت الصحف هنا والرأي واحد.. فيما صحافة لبنان مشوقة بتناقضاتها.

ـ تأسف سيدة كاثوليكية لعدم زيارة البطريرك نصر الله صفير للشام، مؤكدة أن الأخير كان سيتلمس ما نعنيه حين نتكلم عن نظام الأسد، مشيرة إلى أن زيارة عون لا تغني عن زيارة صفير الذي يفترض أن يزور مسيحيي أنطاكيا وسائر المشرق ليطلع على أوضاعهم ويبني عليها موقفه من الأنظمة.

ـ هاجسان أساسيان شغلا الناس على امتداد الاستقبالات، في الفندق كما في سيارة الأجرة وبين الجموع المحتشدة قبالة الكنائس: لماذا لم يأت معه سليمان فرنجية؟ ومتى يحين موعد زيارة السيد نصر الله. وللمذكورين معزة استثنائية وسط السوريين يبدو أن عون لم يرقَ إليها بعد.

جال في أحياء دمشق وتفقد سبع كنائس والتقى المعلم

عون لـ»السفير«: مطمئن للحاضر والمستقبل

غراسيا بيطار

دمشق :

من قلب دمشق القديمة رسمت شارة »الصح« لـ»التيار الوطني الحر«، على كفي العماد ميشال عون وأيضا على »الأصابع العشر« للشباب السوريين الذي سالوا كالنهر في ذاك التراث الحي بشارعيه الرئيسيين باب توما وباب شرقي، مرحبين بـ»الرجل الصادق« و»الخصم الشريف« و»أسد لبنان« و»الزعيم المسيحي والوطني اللبناني«.

نساء ورجال وأطفال تدفقوا محتشدين في شوارع دمشق القديمة، التي يشعرك قدمها بأنك تعيش في ذاك الزمن الذي نحنّ اليه ولكن عبثا نحنّ. حملوا الأعلام اللبنانية والسورية وصور الرئيس بشار الأسد و»ضيفه سيادة العماد« مزغردين ومرنمين في كل محطة دينية من الكنائس السبع التي تفقدها »الجنرال«. وللمرة الأولى بالنسبة لشعب لم يهتف منذ سنوات طويلة جدا إلا لرئيس بلاده، هتف الشعب السوري: »أهلا أهلا بالجنرال«، »الله سوريا ولبنان وبس«. أما »بالروح بالدم نفديك يا بشار« فتعني التحية للرئيس »إكرامية ضيفه الكبير«، على ما يعبر أحد المواطنين.

»إطلالة عون العاصفة هذه ظاهرة بحد ذاتها« تكررت على لسان أكثر من مراقب ولعلها تتقاطع مع الانطباع الأول الذي أسر به العماد عون لـ»السفير« بعيد وصوله الى دمشق: »إنني مطمئن للحاضر وللمستقبل«. كلام قاطع في طمأنته يشبه »هدية« الزائر الكبير لمضيفه الرئيس في قصر الشعب في دمشق: تشكيلة من الخناجر التراثية صنعت في لبنان وفي جزين تحديدا.

رائعة دمشق القديمة. تقف أمام تاريخها مندهشا بحجارة كنائسها الناطقة بزمن انتشار المسيحية، وأيضا بأبنائها السعداء لحدث أن »أتى من يزورنا وهو منا«. وفق طقوسها الخاصة، استقبلت كل كنيسة »العماد المحبوب والساعي الى بناء سور المحبة بين البلدين«.

على مدخل دمشق القديمة، تمر بالقرب من تمثال صلاح الدين الأيوبي، تعبر سوق مدحت باشا أو »الطريق الطويلة« الطويلة فعلا محالّ وكثرة وافدين. الجميع سيرا إلا موكب »الجنرال« خرق له نظام السير في المنطقة التراثية. يشق السوق التراثي والجماهيري عابرا الجامع الأموي وقلعة دمشق وصولا الى باب توما القشلي. سيرا لـ»سيادة العماد« يرافقه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والوفد المرافق. هو الحي ذو الغالبية المسيحية لناحية البطريركيات والأبرشيات.

المحطة الأولى في الكنيسة المريمية التي أحبت أن تستقبل زائرها مع فرقة »فرسان الشاغور«. قائد الفرقة التي قدمت لوحة سيف وترس والعراضة الشعبية، يقول: »نعتز لهذه الزيارة فنحن سوريا ولبنان واحد، ونريد أن نكون يدا واحدة في وجه العدو«. يتوقف »الجنرال« لبرهة لينفض ما علق على رأسه من الأرز مستمعا الى راهبات يزغردن. وعلى وقع أجراس الكنيسة الفرحة استقبل المطران جورج أبو زخم »العصف الجنرالي«، الذي انتقل الى محطته الثانية في بطريركية السريان الأرثوذكس، وفي الاستقبال البطريرك زكا الأول عيواص على رأس وفد من الأساقفة.

اوساط هؤلاء ثمنت الزيارة وطالبت بتحسين العلاقات بين لبنان وسوريا »ونحن كسريان لدينا وجود كبير في لبنان، ولهذا يهمنا توطيد الأواصر الاجتماعية والروحية معطوفة على السياسية«.

وفي الوداع لم يقبل البطريرك إلا أن يودع »الجنرال« على مدخل الكنيسة الخارجي وإن استند الى عكازه.

بين المحطة والأخرى صيحات لبنانية بلهجة شامية »أهلين وسهلين بالجنرال«. وأمام المحطة الثالثة أي مطرانية دمشق المارونية. »موارنة الجذور يرحبون بالعماد عون«، تحت اللافتة التذكيرية وقف المطران سمير نصار مستقبلا، ولفيف من الأساقفة والآباء على الوقع الهادر لكشافة دير اللاتين.

وبعد الصلاة، المطران نصار يرتجل: »يقال إن الدنيا تهتز ولا تقع، ودمشق اليوم تهتز ولن تقع، ونحن نرحب بكم على خطى مار بولس المقدسة وفي رحلة حج«. مرحبا بعون »من مهد المسيحية وتحديدا شمال سوريا حيث جذور الكنيسة المارونية التي تعود الى ما قبل الفتح الإسلامي«.

وتابع وعون شاخص فيه: إن الشعب السوري يحبك لأنك تساهم في إعادة الإلفة بين الشعبين اللبناني والسوري.

ثم تحدث مسؤول الدير مرحبا »بعماد لبنان في سوريا رحم المارونية«، ليضع بعدها »الجنرال« نزولا عند طلب الآباء، إكليلا من الورد على رفات شهداء الكنيسة المارونية. تصفيق تضج به الكنيسة المصغية الى مداخلة عون الذي آثر الحديث هذه المرة بلغة مسيحية من قلب الكنيسة »فأنا أتيت الى سوريا وأعرف تاريخها«. داعيا الى تنقية الوجدان والضمير من دون تعقيد... وبعد هذه الزيارة ستشهدون زوارا كثرا لبنانيين الى سوريا«.

»ناطرين زيارتو مناطرة«، »نحبه لأنه شريف«، تقول السيدة المتحمسة واللاهثة الى خطف صورة مع الزائر غير العادي وإلى جانبها راهبة »زعلت« لإبعادها قبل أن تأخذ صورتها معه. هذا في الطريق الى المحطة الرابعة: كنيسة القديس حنانيا. هذا القديس الذي يعمّد القديس بولس في مجسم على مدخل الكنيسة.

ويشرح الرهبان الفرنسيسكان للـ»جنرال« تاريخ هذا الصرح ويقودونه الى تحت الأرض، فالشام تعرضت الى مراحل تدمير متعددة ما أدى الى ولادة كنيسة ـ مغارة أصبحت اليوم رمزا للسلام، لأن منها »سمع صوت السيد المسيح الذي حوّل بولس من مضـطهد للمسـيحيين الى مبـشر بالمسـيحية في العـالم«.

شق وفد العماد عون أحياء دمشق القديمة من نواب (عباس هاشم، إبراهيم كنعان، فريد الخازن ونبيل نقولا) والوزير السابق سيبوه هوفنانيان وقياديي التيار الوطني الحر: العميد فؤاد أشقر، المنسق العام بيار رفول، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة ناصيف قزي، ناجي غاريوس وجورج عطا الله. الناس تعرف معظمهم وتحييهم بأسمائهم لا سيما النواب وتدعو لهم بالتوفيق.

ابتسامة هوفنانيان تعرض أكثر عند المحطة الخامسة في مطرانية الأرمن الأرثوذكس وعبق تاريخها، مع تمثال القديس حروب مانتدوتس مخترع الأبجدية الأرمنية عام ٤٠١ م. لتكون المحطة السادسة عابرة في الكاتدرائية القديمة للسريان الأرثوذكس وخاتمة ميلادية مع شجرة العيد المضاءة في الباحة، والترانيم الميلادية في المحطة السابعة في بطريركية الروم الكاثوليك.

البطريرك غريغوريوس الثالث لحام استقبل »الجنرال« بالصلاة وبكلمة مطبوعة مطولة منها: نستضيفكم في جو دمشقي يا سيادة العماد فالخميس (اليوم) يصادف عيد مار يوحنا الدمشقي وعيد البربارة، ونرى أن زيارتكم ستكون حديث الصغار والكبار.

وإذ ذكر ببدء المسيحية في الشام في عام ٣٥ م، أي »بعد سنتين على موت وقيامة السيد المسيح«، رحب باسم السوريين »بكل المبادرات التي تساعد على فتح الطريق بين بيروت ودمشق، فسوريا ولبنان هما رسالة مميزة بين الدول العربية والمسيح ولد في فلسطين لكن المسيحية انتشرت من سوريا«.

وختم مكررا ثلاث مرات في معرض أمله بتطوير العلاقات بين لبنان وسوريا: »نريد السلام«. وسرعان ما رد »الجنرال« ما وجودنا اليوم إلا من أجل السلام سلامنا الداخلي وسلامتنا على حدودنا في محيطنا غير المستقر بسبب وجود إسرائيل التي لا تعمل للسلام«.

ثم قدم البطريرك للعماد عون أيقونة العذراء مريم وكتبا عن القديس بولس. وعندما طلب الوفد التنظيمي من البطريرك الاستعجال »لارتباط العماد عون بموعد مع وزير الخارجية السوري عند السابعة«، علق البطريرك: »بدنا نمالح الجنرال قبل ذلك«. أصر الوفد بتهذيب فعلق البطريرك ضاحكا وكان كما رغب: »أنا البطريرك هنا« ودعا العماد عون الى جلسة استراحة قصيرة في صالون البطريركية.

برنامج العماد عون يتابع اليوم دينيا وفكريا لتبقى السياسة حاضرة خصوصا في إطلالات الوزير المعلم في فندق »الشيراتون« وتحديدا »جناح السلام«. فبعدما استفاض الطرفان في خلوتهما في »العناوين« تركا له الغوص تفاوضا في التفاصيل.

اليوم يبدأ مبدئيا بمحاضرة لعون دعي اليها أكثر من ألف شخصية فكرية سيلقيها في إحدى جامعات دمشق، على أن يكون البرنامج حافلا بعد استراحة الغداء بلقاءات مع وفود سورية ستطبع أيام »العماد« الدمشقية.

بدأ »زيارة تاريخية« لسوريا بلقاء مطول مع الأسد وسط استقبال رسمي لافت

عون: ثبّتنا سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحرّ بكلام صريح من الرئيس بشار

مارلين خليفة

دمشق:

اكتسبت زيارة رئيس »تكتل التغيير والإصلاح« النائب العماد ميشال عون الى سوريا، التي استهلّها أمس بلقاء الرئيس بشار الاسد، أهمية استثنائية لدى الجانب السوري الذي كان قد وجه دعوة لعون عقب اتفاق الدوحة، فيما بدأ تنظيم الزيارة فعليا منذ اسابيع.

دلالات رمزية عدّة حملتها الزيارة التي وصفت بـ»التاريخية«. فهي أكدت أن عون يُعتبر الزعيم المسيحي الأبرز بتمثيله النيابي والشعبي، وهو بزيارته طوى صفحة سوداء في تاريخ خلافه مع سوريا، وها هو يُستقبل مجددا بعد ١٨ عاما في قصر الشعب السوري، مستقلا طائرة الرئيس بشار حافظ الأسد ثم سيارته الخاصة، وقد وضع السوريون في مؤتمره الصحافي علم »التيار الوطني الحرّ« الى جانب العلم اللبناني، وحرصوا على تزيين القاعات بالورود البيضاء والبرتقالية، وكأن الأولى ترمز الى السلام والصفاء والمودّة التي باتت سوريا تريدها مع التيار البرتقالي خصوصا، ومع الشعب اللبناني عموما.

من جهة أخرى خطا العماد عون في زيارته خطوة جريئة في اتجاه نقل قسم كبير من المزاج المسيحي من ضفّة الغرب الى ضفّة العروبة، ومن قلب سوريا بالذات، التي وإن أحسنت التعامل مع مسيحييها، فإنها ظلّت على تماس مع مسيحيي لبنان وخصوصا موارنته، الذين يفتحون معها اليوم صفحة جديدة.

الرمزية الاخرى تتمثل بشعور المودّة والإعجاب لدى المواطن السوري بالعماد عون، الشخصية الجدلية التي طالما وقفت في موقع الخصومة مع سوريا. ففي المؤتمر الصحافي لفت ارتداء صحافيات المناديل البرتقالية وقد زينت ياقة إحداهنّ وردة برتقالية، ولم يسلم الصحافيون من خطّ برتقالي يزين ربطات العنق، حتى المواطن العادي كان يعبّر عن فرحته العارمة من دون سؤال: فها هو النادل في الفندق يقول متحببا: »أنا ايضا في حزب التيار الوطني الحرّ«، وأيضا سائق التاكسي والكثير من المواطنين العاديين، الذين تسمّروا على شاشات التلفزة في انتظار كلمات العماد العائد »من خصومة دفنها الى غير رجعة من دون نسـيان الماضي حتى لا تتـكرر الاخطاء«، كما عبّر في مؤتمره الصحافي.

وفي مؤتمره الصحافي، أكد العماد عون أنه لم ينسَ معاناة المسيحيين، وأنه ثبّت »سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحرّ بكلام صريح من الرئيس بشار الأسد«.

»الاضطهاد الذي تعرّض له لبنان خصوصا كما جميع اللبنانيين آن له أن يُمحى«، كما عبّر عون. وقد تكون قصة العميد فؤاد الاشقر عبرة عن جرح عميق جدّا يندمل تدريجيا.

تترقرق الدموع في عيني العميد اشقر صديق العماد عون منذ عام ،١٩٧٦ وتكاد تنهمر وهو يعجز عن الإجابة عند سؤاله عما واجهه في السجون السورية (فرع فلسطين) إثر عملية ١٣ تشرين الأول ،١٩٩٠ لكنّ العميد يحبس دموعه ليقول: أنا مؤمن بأن زيارة العماد عون الى سوريا ضرورية.

رأي هو عبرة »للتفريق بين المصلحة الشخصية ومصلحة الوطن« كما يقول الأشقر وهذا مغزى أساسي للزيارة.

الوصول

تأهبت عدسات المصورين واقلام الصحافيين مرارا لإشارات خاطئة تنبئ بوصول العماد عون الى مطار دمشق الدولي، تأفف الصحافيون المنتظرون منذ ساعات الفجر الأولى من »بطء« الطائرة، »فهل يعقل ان تستغرق الرحلة من بيروت الى دمشق أكثر من خمس دقائق؟!«.

استغرقت الرحلة الجوية من مطار بيروت الدولي على متن الطائرة الخاصة بالرئيس بشار الأسد التي وضعها بتصرّف النائب العماد عون نصف ساعة، ووصل عون الى مطار دمشق الدولي عند التاسعة صباحا مع الوفد المرافق، وكان في استقباله نائب وزير الخارجية فيصل المقداد.

توجه الرجلان فورا الى قاعة كبار الزوار حيث رحب المقداد بزيارة »سيادة العماد الى سوريا«، وقال: نأمل بأن تكون بداية علاقات وثيقة ومتطورة لبلدينا.

وردّ له العماد الترحاب بالمثل معربا عن سعادته بزيارة دمشق.

علما بأن المقداد سيبقى طيلة مدّة الزيارة بأيامها الخمسة في رفقة العماد عون وهو دليل تكريم استثنائي يشير الى أن السلطة التنفيذية في سوريا ترافقه في تقدير واضح للمبادرة التاريخية والجريئة من عون.

خلوة الساعتين مع الأسد

في إحدى الصالات الثلاث المخصصة لكبار الزوار، سار العماد ميشال عون وحيدا على البساط الأحمر الممدود لأمتار طويلة، وما إن وصل الى منتصف الطريق حتى فتح باب مكتب الأسد، وخرج الرئيس السوري وسار في اتجاه عون الى منتصف الطريق في إشارة ودية لا يقوم بها الأسد عادة الا لرؤساء الضيوف، وكانت »مصافحة تاريخية« وقبلات خلّدتها عدسات المصورين.

ثم وصل الوفد المرافق للعماد عون يرافقه وزير الخارجية وليد المعلّم ونائبه فيصل المقداد ومستشارة الرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان. تألف الوفد من النواب: عباس الهاشم، نبيل نقولا، ابراهيم كنعان، فريد الخازن، والوزير السابق سيبوه هوفنانيان الى القياديين بيار رفول، العميد فؤاد الأشقر والإعلاميين ناصيف قزّي وجان عزيز، والدكتور ناجي غاريوس والمحامي جورج عطاالله، والمحامي الزميل جوزيف ابو فاضل.

دخل الرئيس الأسد وعون الى المكتب وجلس الاثنان في صدر الصالون الفسيح، فيما جلس الوفد المرافق في الجانب الآخر، وبادر الأسد عون بسؤال عن الدائرة التي سيترشح فيها فأجابه عون بأنه سيترشح في كسروان، فتعجّب الأسد قائلا إنه ظن بأن عون سيترشح في بعبدا، فراح العماد عون يشرح له قانون القضاء الجديد في حديث عابر أمام عدسات المصورين.

استمر الاجتماع الأولي مع الوفد المرافق زهاء ثلث ساعة، فيما امتدّ الاجتماع الثنائي مع العماد عون لساعتين إلا ربعا. وتردّد بأن عون سيعاود الاجتماع بالرئيس الأسد في ختام زيارته يوم الأحد المقبل.

من الأجواء التي رشحت عن اللقاء قول الرئيس الاسد: إن التقدير السوري للعماد عون كبير على الصعيد الوطني وليس المسيحي فحسب، وأضاف بأن عون كان في خلافه مع سوريا خصما شريفا، والمشكلة ليست مع الشرفاء بل مع الخصم غير الشريف.

وقال الاسد بحسب ما نقل عنه بعض أعضاء الوفد: »نحن في سوريا نحب صراحتك وصلابتك يا سيادة العماد. نريد أن نكون صريحين مع بعضنا ونسمّي الأمور بأسمائها وبوضوح، لأن أهميتك يا جنرال أن لك وجها واحدا تحكي وتفعل ما تقوله«.

المؤتمر الصحافي

بعد انتهاء اللقاء الثنائي عقد العماد عون مؤتمرا صحافيا قدّمته فيه المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان قائلة: يسعدنا الترحيب بضيف سوريا الكبير الزعيم الوطني ميشال عون، الذي ارتبط اسمه بالصراحة والصدق والجرأة ومواقفه الوطنية الشجاعة. أجرى سيادة العماد مباحثات بنّاءة مع الرئيس الاسد وهذه الزيارة تفتح عهدا جديدا للعلاقة بين سوريا ولبنان وتصبّ في مصلحة الشعبين.

ثمّ تحدّث العماد عون قائلا: أنا سعيد أن ألتقي معكم في دمشق. ما كان يعتقد أنّه محرّم أصبح حلالا وحلالا جدّا. بالطبع، لنا جرأة مواجهة الماضي وليس الهروب منه، ونحن لن نمحوه من ذاكرتنا كي لا نكرر الأخطاء. لذا كان حديثنا مع الرئيس الأسد واضحا جدّا، وتطرّقنا لمواضيع كثيرة بصراحة تامّة لأننا نريد بناء المستقبل وليس التوقف عند الماضي.

أضاف عون: انطلاقا من هنا، أطلقنا على اللقاء تسمية »عملية القلب المفتوح«، لأننا حكينا بقلبنا وبعقلنا وكل ذلك بهدف تنقية الوجدانين السوري واللبناني كي لا يبقى أثر لماضٍ فيه أشياء أليمة جدّا. ولقاؤنا اليوم هو وعد بمستقبل زاهر.

وقال أنه لم يمكن التطرق الى مواضيع تمتد على مدى ٢٠ عاما لذا أترك لكم أنتم الصحافيين حرية سؤالي عما تشاؤون.

سئل عن الفارق بين سوريا حافظ الأسد وسوريا بشار الأسد، وعن ملف المفقودين في السجون السورية؟

فقال: الفارق كبير، إذ تغيرت الظروف والمسؤولين، ومن دون شرح اكثر كلنا نعلم بأن الدول حتى إذا تحاربت تعود في النهاية الى التفاوض، ويجب التنبه الى عدم الانزلاق مجددا الى موقع الصدام. إن الماضي انقلب صفحة بيضاء.

وعن المفقودين قال: ثمة لجان تعمل ونحن بحثنا في هذا الموضوع، وأعتقد بأن هذه اللجان ستتوصل الى نتيجة بالبحث عن الاسماء الموجودة على اللوائح لمعرفة إن دخلت سوريا ومصيرها. الموضوع يتقدم واتمنى أن ينتهي سريعا ويعلن عن النتائج.

وشدد عون على ضرورة إقامة »العلاقات الطيبة والانفتاح والتضامن بين البلدين«. مشيرا الى أنه »كان في حال خصومة مع سوريا وليس عداء، لأن العداء شيء ضخم ولا يجوز«.

عن ملف اللاجئين الفلسطينيين قال: دول كثيرة تركت الموضوع وتحاول التسوية على حق العودة، وأقول أن اية تسوية لن تكون على حساب الدول التي تحمّلت أعباءالـ٦٠ عاما المنصرمة.

سئل عن مغازي الاستقبال وما سيقدمه لسوريا، فقال: لا يستطيع إنسان أن يقدّم اكثر مما لديه، وليس لدي إلا الصداقة.

وحول ترسيم مزارع شبعا ولبنانيتها، قال: لقد قالت سوريا كلمتها بأن المزارع لبنانية، وثمة خلاف على توقيت الترسيم بعد إخلائها. والخرائط موجودة في فرنسا ويمكن للأمم المتحدة الترسيم من دون لبنان وسوريا.

وعن زيارته للأماكن المسيحية المقدسة والرمزية التي تحملها، قال: إن سوريا هي مهد المسيحية، فهل يجوز ألا ازور هذه الأماكن حيث يوجد مسيحيون هم جزء من الشعب السوري، ولكنني أشير الى انني سأزور مواقع إسلامية ايضا وسأجتمع مع المفتي، لأن الشعب السوري مهم بفئاته كلها، ونحن نتوجه الى المسيحيين خصوصا لثنيهم عن الهجرة وحثهم على التمسك بأرضهم وبمشرقيتهم والقول بأنه يمكنهم العيش هنا وان يكونوا طليعيين بكسر حواجز الخوف.

وسئل عمن يعارض زيارته في لبنان، فقال: يجب التغلب على الخوف من الاشرار الذين لا يريدون أن تقام علاقة صحيحة بين البلدين. مستطردا: قد تؤدي الزيارة الى خسارتنا بضعة أصوات في الانتخابات، لكننا لن نتراجع امام قضية تخص الشرق الأوسط برمته. وليسأل من يعارضون أنفسهم: في حرب تموز هل بقيت حدود مفتوحة غير حدود سوريا؟ ليفكروا بالمصلحة الصغيرة الضيقة على الأقل.

وعن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، قال: إن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية تشبه حالة الطقس المتقلب، فلا شمس دائمة ولا غيوم دائمة. نحن لا نقيم العداء مع الولايات المتحدة الأميركية بل نعادي بعض مواقفها. اما ذا حصل تبدل إستراتيجي في الأساليب والأهداف كما عبّر الرئيس المنتخب باراك أوباما فتعمد الى بناء علاقات جيدة معنا كدول صغرى لها خصوصياتها، فسنعمد الى تغيير التعاطي معها، أما إذا استمرت في الأهداف والأساليب عينها فلن نخسر بل سنربح للأننا على ارضنا.

وحول رؤية الرئيس الأسد لتطوير العلاقات اللبنانية السورية، قال: السيادة والاستقلال والقرار الحر هي الركائز، قبل كل شيء يجب أن يعترف الإنسان بذاته عندها يعترف به الآخرون. لقد عبّر الرئيس الأسد عن ذلك بكل صراحة ووضوح، وأنا اعرف نواياه وبرغم ذلك تبناه بالكلمة المتبادلة.

وردّا على سؤال عما اذا كانت سوريا يجب ان تعتذر من اللبنانيين قال عون: على بعض اللبنانيين تقديم الاعتذار لنا لما حصل عن مرحلة كانوا فيها شركاء في أمور ضدّنا، فلنبدأ بالاعتذار في بيروت ولننتقل بعدها الى الشام.

وقال عن شهداء ١٣ تشرين: استشهدوا لنبقى أحرارا، المهم الا تتكرر الاحداث التي وقعت، وهذه أكبر تعزية للشهداء الذين ماتوا وهي أن يتأكدوا بأن أبناءهم واحفادهم لن يموتوا.

لـقـطـات

ـ اصطفّ عشرات المصورين في صالة الاستقبال الرئيسية في جوار مكتب الرئيس بشار الأسد، في انتظار لحظة دخول العماد عون، وقد لاحظ الأسد في حديثه الى عون أن عدد هؤلاء فاق المصورين الذين تواجدوا في زيارات رسمية لقادة عالميين.

ـ لوحظ التساهل في التفتيش الأمني للوفد الإعلامي المرافق في قصر الشعب.

ـ زيّنت قاعات في قصر الشعب بباقات الورد الأبيض والبرتقالي ووضعت في مزهريات برتقالية اللون ايضا.

ـ جلس اعضاء الوفد المرافق لعون في المقاعد الاولى خلال المؤتمر الصحافي، وكان بعضهم يبتسم او يضحك خلال بعض الاجابات الطريفة لعون.

تعليقات: