صبحي القاعوري: إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ‎


بعد الشهيق والنهيق، تقدَّم حمار إلى حكيمٍ عظيم، اشتهر بالفلسفة والمنطق والنقدالسياسي، وكان أيضًا موسيقارًا مرموقًا. قال الحمار ناصحًا ذلك الحكيم:

"عليك أن تهتم بالموسيقى، فهي أجدى وأنفع لك من السياسة والفلسفة والمنطق."

نظر إليه الحكيم بصمت، فظن الحمار أن الرد قادم لا محالة، فرفع أذنيه عاليًا، وكشّر عن أسنانه ابتسامةً بلهاء، مترقبًا الرد… لكن الحكيم أدار له ظهره ومضى.

لحق به بعض الناس وسألوه: "لماذا لم تردّ عليه؟"

فقال لهم:

"الأسد ملك الغابة، والكل يحتكم اليه ، وقد حصل خلاف بين نمر وحمار كانا يسيران في الغابة مرّا بحقلٍ من العشب، فقال الحمار: لونه أزرق، فقال النمر: بل أخضر.

احتدّ الجدل بينهما ، وقررا الاحتكام إلى ملك الغابة.

قال الحمار للأسد: يا جلالة الملك، أليس لون العشب أزرق؟

أجاب الأسد: إن كنت تراه أزرق، فهو كذلك.

طالب الحمار بمعاقبة النمر، فحكم الأسد على النمر بالصمت ثلاثة أيام.

وبعد انتهاء العقوبة، عاد النمر وسأل: "يا ملك الغابة، لماذا عاقبتني، وأنت تعلم أنالعشب لونه أخضر؟"

فقال الأسد: "لم أعاقبك لأنك أخطأت، بل لأنك أضعت وقتك في الجدل مع حمار، لا يعي الحقيقة، ولا يكترث لها، ولا يفهمها."

هل فهمتم الآن لماذا لم أردّ عليه؟"

الجدل مع الأحمق المتعصّب مضيعة للوقت، واستنزاف للطاقة، لأنه لا يبحث عن الحقيقة، بل يتمسّك بأوهامه حتى لو كانت بعيدة كل البعد عن المنطق والواقع.

وهكذا نحن في لبنان.

فرقٌ متناحرة، مهما قُدِّمت لها الأدلة الدامغة، فهي عاجزة عن فهم الواقع واستيعاب الحقيقة.

فرق أعماها الجهل والحقد والكراهية، حتى باتت ترى الحق باطلًا، والباطل حقًا.

وهذا نموذج من هذه الفرق:

"لولا السلاح، لما كان الاحتلال!" — (ردة الفعل قبل الفعل!)

"حلّوا عنّا!" — ولا نعلم من يطلب من من أن يرحل؟ أصحاب الأرض الذين سكنوها قبل الفينيقيين بألف عام؟ أم الذين وفدوا من حوران قبل مئتي عام؟

"السيادة منقوصة بوجود سلاح المقاومة!" — والسيادة مصانة بوجود العدو الذي يجوب طيرانه سماء لبنان ليلًا ونهارًا؟ وباعتداءاته البرية والبحرية اليومية؟

هذه الفرق، رغم تباين المبدأ والعقيدة فيما بينها، تتفق على محاربة فرقة واحدة، تسعى لهزيمتها ولو بالتحالف مع العدو، اعتقادًا منهم بأن "السيادة" تتحقق حين يحتل العدو كامل الأرض!

فرق لا تعرف معنى العيش بكرامة في الدنيا، وتستميت في حياةٍ ملؤها الذل والإهانة،تنفيذًا لأجندات الخارج.

بفضل هذه المواقف الهزيلة، تزداد اعتداءات العدو، ويعلو صوت الباطل، فيخفت صوت العقل والمنطق… ويصبح كدعوة نوح عليه السلام لقومه:

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) ﴾ [نوح]

الحاج صبحي القاعوري

تعليقات: