ما يجري في السياسة وعلى مستوى الإدارة الفلسطينية في ما بينها لا يخفي أن ثمة فلتاناً أمنياً يحدث في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان (ا ف ب)
رفض عدد كبير من ضباط حركة "فتح" وقادتها في المخيمات قرار سحب سلاحهم أو حصره
ملخص
شهدت الساحة اللبنانية تطورات فلسطينية داخلية أبرزها إقالة السفير أشرف دبور وعدد من قيادات "فتح"، مما أعاد إلى الواجهة ملف سلاح المخيمات.
تتزامن هذه التوترات مع فلتان أمني متصاعد في المخيمات، تغذيه جماعات أصولية وشبكات مخدرات وسلاح خارجة عن السيطرة.
أعادت الترتيبات والإجراءات الإدارية الفلسطينية الأخيرة التي كانت الساحة اللبنانية ملعبها الأكبر، من إقالة السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور بعد 13 عاماً من وجوده في هذا المركز، وعدد كبير من ضباط "حركة فتح" وقيادييها السياسيين والأمنيين الموكلة إليهم عملية حماية أمن السفارة وإدارة العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية والفلسطينية-اللبنانية، وتعيين بدائل بأوامر مباشرة من رام الله (مركز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية) خلط الأوراق السياسية والأمنية، إذ تداخلت تداعيات ما وصفه كثر بـ"الانقلاب الداخلي الفلسطيني" وطرحت جملة من القضايا المتعلقة بسيطرة السلطة الفلسطينية المباشرة على القرار الفلسطيني في لبنان وتنفيذ "أجندة" سياسية وأمنية حملها الرئيس محمود عباس في زيارته الأخيرة إلى بيروت خلال الـ28 من يونيو (حزيران) الماضي، ولقائه رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب.
أعادت هذه الزيارة فتح ملف السلاح داخل المخيمات، وهو موضوع جرى الاتفاق عليه سابقاً بين اللبنانيين والفلسطينيين، بل والانتهاء منه وفق بعض في عهد رئيس الجمهورية السابق إلياس الهراوي وحكومة رئيس مجلس الوزراء السابق عمر كرامي عام 1991، عندما سلم السلاح الثقيل وبقي الخفيف في إطار إدارة أمن المخيمات. ربما يكون هذا الأمر عينه هو ما أظهر الخلافات الفلسطينية الداخلية إلى العلن وأحدث انقلاباً داخلياً ضمن حركة "فتح" التي تتصدر بقيادة "أبو مازن" رئيس السلطة، بعدما تمنعت قيادات الحركة وعلى رأسهم السفير دبور عن المشاركة في موضوع تسليم السلاح الفلسطيني الذي عاد وظهر خلال الأعوام الماضية داخل المخيمات، معتبرة إياه ليس من الأولويات في الراهن مما يجري في المنطقة برمتها وداخل لبنان تحديداً.
المخيمات أولاً وأخيراً
لكن ما يجري في السياسة وعلى مستوى الإدارة الفلسطينية في ما بينها لا يخفي أن ثمة فلتاناً أمنياً يحدث في المخيمات الفلسطينية داخل لبنان، ومنها مخيم عين الحلوة في الجنوب ومخيم برج البراجنة في بيروت تحت عناوين شتى، ومن بينها تسرب الحركات الأصولية إليها وتنامي عملية الاتجار بالمخدرات وتهريب السلاح والاتجار به، ناهيك بالمشكلات الفردية والخاصة التي تقود أحياناً أحياء بأكملها إلى صراع مسلح يسقط بنتيجته قتلى وجرحى.
في هذا الإطار يوضح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني منير شحادة المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات حفظ السلام الدائمة (يونيفيل) أن "الجميع يعلمون أن هذه المخيمات تضم فصائل مسلحة عديدة، منها ما له علاقة بفلسطين وقضيتها ومنها أصولية تتبع فصائل إرهابية، وتطالعنا دائماً نزاعات مسلحة بين الفصائل المسلحة وبين المتطرفين في المخيمات وبخاصة في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا الجنوبية، ويحصل هذا في ظل وجود محمود عباس على رأس السلطة أو غيابه".
يؤكد شحادة أن الخلافات متجذرة في هذه المخيمات، منها محاولات السيطرة على أحياء سكنية فيها ومنها لمصالح خاصة، إلى أن وصل عباس إلى لبنان منذ أكثر من شهر لدعم السلطة اللبنانية بحصر سلاح المخيمات ولرفع الغطاء عن السلاح المتفلت في المخيمات، وما إن غادر الأراضي اللبنانية حتى اعترف بأنه تسرع في موضوع طرح قضية سحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات".
بين السفير ونجل الرئيس
يشير العميد شحادة إلى أن "الخلافات مع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور نشأت قبل موضوع السلاح، وربما يكون السلاح حرك هذه الخلافات بعد تواصل بين عباس ودبور، اعترض خلاله الأخير على تجريد الفلسطينيين في المخيمات من سلاحهم الذي يحميهم بوجه النزاعات المسلحة والإرهابيين، وهذا ما دفع الرئيس الفلسطيني إلى الاعتراف بتسرعه في اتخاذ هذا القرار، لكن الخلافات بينهما ربما تعود إلى عام 2012 وتستمر حتى اليوم وهي نتيجة أمور عالقة ومتشعبة، منها اتهام السفير الفلسطيني بالفساد وهدر أموال وبيع أملاك السفارة القائمة منذ زمن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ومنها كذلك أن نجل الرئيس عباس ياسر لديه مصالح خاصة في الأراضي اللبنانية وينسق مع السلطات هنا متجاوزاً السفير ودوره".
لكن، من وجهة نظر العميد شحادة، طغت الخلافات الشخصية بين السفير ونجل الرئيس مما أدى إلى هذه المناقلات والتعيينات والإعفاءات من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله، طاولت السفير وعدداً من الضباط والموظفين بعد اتهامهم بالفساد، ويتابع بالقول إنه موضوع متشعب ومتداخل وليس بوجهة واحدة، لكن من الواضح أن ما جرى سيؤدي حتماً إلى خلافات ضمن الصف الفلسطيني الواحد، في حركة "فتح" بلبنان تحديداً وبخاصة بعدما رفض عدد كبير من ضباطها وقادتها في لبنان قرار تجريد المخيمات من السلاح أو حصر السلاح. وهذا الرفض أدى بطبيعة الحال إلى تسعير الخلافات بين السفير ومسؤولي الحركة في لبنان مع الرئيس محمود عباس.
في ظل أزمات لبنان
يرى العميد شحادة أن كل ما حصل يأتي بظروف شديدة التأزيم في لبنان الذي يعاني مشكلات عدة، منها في جنوب الليطاني عند الحدود الجنوبية وتنفيذ القرار الأممي 1701 والحدود الشرقية مع سوريا وموضوع حصر السلاح في مختلف الأراضي اللبنانية بيد الدولة، فأتت هذه الخلافات الفلسطينية لتزيد على الأزمات القائمة أزمة أخرى ستفاقم التعقيدات الموجودة أصلاً على عاتق السلطة في بيروت، وبخاصة في موضوع حصر السلاح بدءاً من المخيمات الفلسطينية التي كان يفترض أن تبدأ منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي. ويضيف "كل هذه الأمور تشكل ضغوطاً إضافية وبخاصة على الوضع الأمني ومهام السلطات وبسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح في المخيمات وتزيد من الخلافات بين الفلسطينيين أنفسهم وبعضهم بعضاً"، ويعد أن إسرائيل لها مصلحة في كل ما يحصل وتستفيد من هذه الصراعات ومن تفلت الوضع الأمني في لبنان، بدءاً من المخيمات التي باتت ملجأ لكل الفارين من وجه العدالة. وكل ذلك يزيد التعقيد فوق التعقيد وبخاصة بعد تصريح المبعوث الأميركي إلى لبنان توم باراك الذي حذر السلطة اللبنانية من أنها إذا ما وجدت حلاً لسلاح "حزب الله" ستُضم لبنان إلى بلاد الشام، وهذا أمر بالغ الخطورة، على حد قوله.
بازار السلاح غير مبرر
يعد الباحث في الشؤون الإسلامية الشيخ جمال خطاب من مخيم عين الحلوة أن ما يحصل من تغييرات له علاقة بحركة "فتح" المنظمة، وأعتقد أنه أمر داخلي لا يتجاوز التنظيم، ولا خوف لدينا إذ لا علاقة لما يجري بتوترات المخيم، بل هي خلافات في مراكز تنظيمية عُليا وليست بين عناصر على الأرض في مخيمات لبنان ومنها عين الحلوة".
ويضيف "في موضوع السلاح الفلسطيني ثمة أولوية تجاه عدو يعتدي كل يوم على حرمة لبنان وينتهك حدوده ويرتكب المجازر وليس بمقدور أحد إيقافه، لا الوسطاء ولا الحلفاء، لذلك من الأولى الاهتمام بهذه المسألة، وما دام ’حزب الله‘ التزم بحصر السلاح وتسليمه جنوب الليطاني ولم يقم بأي اختراق لاتفاق وقف النار، بل إن العدو هو من يخترق ولم يلتزم ببنود الاتفاق، فيجب أن تكون الأولوية لهذا الأمر وليس لأمر آخر. وإشغال الناس بموضوع السلاح الفلسطيني الذي هو في الأصل سلاح فردي ولا يوجد سلاح ثقيل في المخيمات. والرئيس اللبناني جوزاف عون قال إن السلاح الفردي ليس غايتنا في المخيمات. إن إدخال المخيمات ببازار السلاح ليس مبرراً في ظل الأوضاع القائمة".
الخلافات متجذرة في المخيمات الفلسطينية في لبنان منذ عقود (ا ف ب)
أعادت الزيارة الأخيرة للرئيس محمود عباس إلى لبنان فتح ملف السلاح داخل المخيمات (ا ف ب)
تعليقات: