منير كسرواني: مأساتنا أكبر من أن \"تُمَسرَح\"


هو من ضحكت له المسارح وتمتمته الشفاه كوميديّاً جريئًا لا يخشى وضع الإصبع على الجرح. نجح منير كسرواني في الابتعاد عن الماورائيّات الغامضة ليهبط بكلّ سلاسةٍ الى قضايا الناس وليحرّك أوجاعهم المعيشية بفكر كوميدي ناضج وليس "بفرفشة" أو بضربة مكنسةٍ على حدّ قوله. "وطننا مدعو الى أن يصبح دولة لا مزارع" يلفظها بحسرة وهو الذي وقف منذ أشهر على الحدود "في تحية إجلال وإكبار للمقاومة ولبواسلها" الشهداﺀ. هناك صدح صوته بأبياتٍ جاشت بها نفسه. المسرح قلقه الوجودي، والخوف الخفِر الممزوج بسعادة هادئة حقيقة شعوره عندما تُفتح الستائر الحمر أمام عينيه. من الأدوار الصغيرة، أجاد كسرواني صناعة البطل الذي تربّع على قلوب عشاق الكوميديا "الثقيلة". مثقفٌ ومطّلعٌ مؤمنٌ بأنّ كتابة العمل المسرحي نسيجٌ درامي محكمٌ وفعلٌ متنامٍ. من غياهب المسرح الغابر، من قلب المحبّة التي تحتضن النظام الأعظم في العالم، ومن صميم المأساة الأكبر من أن يكتبها، منير كسرواني في سطور:

نقطة الــتــحــوّل الأســاســيّــة هي دخولي الى معهد الفنون. وفي السنة الأولى اضطلعت بدور البطولة نزولاً عند رغبة أساتذتي. واليوم بدأت آخذ أدوارً ا أصغر من دور البطل، ولكن من الدور الصغير أصنع بطلاً. وفي حال لم ألبس الدور الأساسي أصنع شخصيّة وأسلوبًا خاصّين بي.

كنت المعبور لها. أقنعتها بلعب دور سيّما أنها ممثلة جيّدة. فوافقت على مضض. واليوم التصق بها الدور وباتت معروفة بأم طعّان حتى لو أدّت دور اللايدي ديانا.

من يأخذ دورً ا واحــدً ا طيلة حياته يُصنّف على أنه فنانٌ نمطي، وهنا خطورة الأمر.

كنت واعيً ا لخطورة الأمــر وبــدأت أخرق هذه الرتابة في العام 2000.

صــحــيــحٌ أنــنــي عــايــشــت الــمــســرح الاختباري مع سواي، ولكن بعد ذلك عُرفت بــدور الجنوبي في انطلاقتي الــجــمــاهــيــريــة. وحــتــى لا أبــقــى في قالبٍ جاهز قررت التغيير في العام 2000 وحــتــى قبل ذلــك فــي العام 1986 عندما أدّيـــت دور زكــريــا في مسرحية زياد الرحباني. ومنذ مطلع القرن الواحد والعشرين بدأت أمثّل مسرحياتٍ ليست من كتابتي على غــرار الشلمسطي لــفــارس يواكيم، و شخصية مختلفة فــي مسر حية مواطن عمومي، فتخلصت من جلدي القديم.

لا أدري إذا كـــان هــنــاك مسرح كوميدي اليوم. معظم الأعمال هي أعمال جــادّة. أعتقد أنّ لا أحد يعمل اليوم على مسرح كوميدي درامــي فكري.

في الستينات وحتى السبعينات.

أتينا نحن لنكمل الطريق. "أديش عملنا ما منعرف". وعداي، كان هناك زياد الرحباني من الأوائل الذين عملوا إستقبال النهار بحيويّة أؤيّد 8 آذار وزارة للهوارة وبالنسبة لبكرا شو القلق الوجودي قريب المتناول زياد الرحباني منتهى الخوف ومنتهى السعادة مــشــاركــة الجمهور تجعل العمل في المسرح الكوميدي الاجتماعي الــذي يعالج قضايا حياتية بقالبٍ كوميدي. وهنا لا أعني "الفودفيل" الــــذي يقتبس صــاحــبــه قــصّــة من الخارج ويطبّقها بحرفيتها. علمًا أنّ "الفودفيل" أي الاقتباس من الخارج ليس عيبً ا وأنــا اقتبست مسرحية لستراتييف وأخــــرى لنوسيتش بعنوان "ممثل الشعب" وعملت على لبننتهما ولكن طبعً ا مع ذكر مصدر الاقتباس.

الــفــنّ يــجــب أن يــواكــب الــحــيــاة.

ورسالته النهائية أن يتخطى الواقع المرير من أجل صيرورة تترفع بالواقع السفلي الى مرتبة عليا. كان هناك يسوع المسيح للمرحوم أخي بيار ولميشال برزغل ريمون جبارة حدثٌ عظيم عالمياً متمثل بانتصار المقاومة فــي حــرب تموز ومــا قبله خلال التحرير، وبما أنني ملتزمٌ وطنياً وإكرامً ا للبسلاﺀ الذين استشهدوا، ارتأيت توجيه تحيّة الى المقاومة.

وأنا لا أخجل أن أقول إنّ العمل كان موجهًا الى المقاومة، وليست المقاومة الإسلامية فحسب بل كلّ المقاومة المناهضة للعدو الإسرائيلي.

هي حكاية راعٍ وزوجته يعيشان على الــحــدود. يتكلمان بعفويّة تامّة تبلغ حدّ الفلسفة. وفي هذا العمل كانت هناك دعــوة صريحة الى العيش المشترك. بشكل عام لا أحبّذ معالجة ماورائيّات الحدث بل قضايا تهمّ الناس في صميم متوهّجً ا و "مشرقطًا" وهو شيﺀٌ عظيم ودقيق.

الله هو الذي ينصف الناس. وأنا راضٍ بما أنصفني به الله رغم المآسي التي عشتها. أشعر أنني في شراكة مع الكون ومع الناس وحتى مع أعدائي.

هــامــلــيــت لــشــكــســبــيــر و "الأب" لستريندبيرغ.

حياتهم اليومية. لا أعمد الى إدخال الوطنية بل أفيض بما تجيش به نفسي. الدمعة لا تــفــارق البسمة وحالات الحزن والمسائل المعيشية مزيجٌ متكامل.

إذا كان الممثل يجيد الكوميديا لا بدّ أن يجيد التراجيديا في الوقت عينه. أمّا الممثل التراجيدي فقد لا يكون موهوبً ا للكوميديا. الكوميديا أصعب طبعً ا، والمأساة التي نعيشها أكــبــر مــن أكتبها أو أن أمسرحها.

فالكوميديا توعية تتناول عيوبً ا ونقائص وليست مجرّد فرفشة.

لا أهرب من الواقع بل أجابهه على المسرح وأسخر منه.

أرضى عن بعض الأعمال المحبة هي النظام الأعظم في الدنيا طالما أنا متفجّرٌ ستتحقق يومً ا.

• لله؟

أحــســب أنــنــي مــا زلــت طفلاً • للوطن؟

متى تصبح فيك دولة بدلاً من المزارع • لـــلـــمـــســـرحـــيـــيـــن المبتدئين؟

لا تيأسوا ضروري لأن كتابة المسرحية نسيجٌ درامــي محكمٌ وفعلٌ متنامٍ وليس مجرّد نكات أو تعليقات أو "ضربة مكنسة" أو "طنجرة". هذه الأشياﺀ قد تمرّ عرضً ا ولكنها ليست الهدف.

أمّا السخف فيعود الى ثقافة الكاتب وتجذره ومدى اطلاعه وقراﺀاته لسواه كي لا يكون ما يكتبه مجتراً وتافهاً.

الجدد هم الأمــل الكبير وينالون جــوائــز عالمية. فطلابنا فــي معهد الفنون نالوا السنة الماضية ست جوائز على مسرحية واحدة. وهذا مؤشر جيّد خير ودليل على أنّ الوطن ما زال يعجّ بالعطاﺀات الشابة. ويبقى التعويل على الجمهور وعلى وزارة الثقافة لدعم هذه الطاقات وصقلها.

• لـــــــروّاد الــمــســرح الغابر؟

إنّ مــــا فــعــلــتــمــوه لعظيم

• لميراي بانوسيان؟

أنــــتِ عــظــيــمــة لأنّـــك أصيلة وصادقة وتبقين

• لمنير كسرواني؟

الآن بدأ الجدّ.

المسألة تعود الى ثقافة الكاتب.

اطلاع الكاتب على فنّ كتابة المسرحية

تعليقات: