زيتون الكتب السماوية يصبر على الإهمال الرسمي في بنت جبيل

تذرو زيتونها جنوباً
تذرو زيتونها جنوباً


بنت جبيل :

حلت أمطار الأيام القلية الماضية برداً وسلاماً على مزارعي الزيتون الذين كان بعضهم قد بدأ بقطاف موسمه لهذا العام، فيما فضل البعض الآخر انتظار »هذه الشتوة« التي تزيد من كمية الزيت في الحبة، بحسب المزارع خليل إدريس الذي اعتبر أنها »المرة الأولى التي يستفيد فيها المزارع من ارتفاع الأسعار، إذ من المتوقع أن تصل سعر صفيحة زيت الزيتون الصافي إلى ١٥٠ دولاراً، بينما لم يكن السعر في السنوات الماضية ليتجاوز المئة دولار أميركي«.

وتنتشر زراعة الزيتون بكثرة في منطقة الجنوب، بشكل تجاري وفردي. وتحتل المرتبة الرابعة جنوباً، بعد الحمضيات والموز والدخان، والمرتبة الثانية في منطقة بنت جبيل بعد الدخان، إذ تقدر نسبة المساحة المزروعة زيتوناً بحوالى ٥٠ في المئة من المساحات المزروعة. وخصوصية زراعة الزيتون هي أنها لا تنتج سنوياً، بل يتعاقب موسمها كل سنتين، بحيث يرتفع الإنتاج في سنة، وبالكاد يكون هناك محصول في السنة الثانية. وتعتبر هذه السنة »سنة موسم«، لذلك يأمل المزارع بتعويض بعض خسائره السابقة.

ويشرح إدريس أسباب هذا الارتفاع، وأولها ارتفاع كلفة اليد العاملة الضرورية. فبعدما كانت يومية العامل تبلغ حوالى ٢٠ ألف ليرة، فقد وصلت هذا الموسم إلى ٣٠ ألف ليرة. وارتفع أيضاً بدل عصر الزيتون إلى أكثر من ألف ليرة لكل كيلوغرام من الزيت، فضلاً عن أجرة حرث الأرض والاعتناء بالزيتون وغير ذلك، كما ارتفع سعر كيلو الزيتون المكبوس إلى خمسة آلاف ليرة.

إلا أن هذا الارتفاع في الأسعار، رغم أنه يبدو »محبباً« للمزارع، فإنه لا يعني انتهاء مشاكل هذه الزراعة، »فطالما تبشرنا الحكومة بالاقتصاد الخدماتي، ستبقى زراعاتنا تعاني من مشاكل لن تنتهي« كما يقول محمد سرور، »فبالإضافة إلى التعويضات التي لم نتلقها بعد عن خسارة مواسمنا خلال عدوان تموز ،٢٠٠٦ وقبل ذلك وبعده جراء الكوارث الطبيعية، فإن العشرات من أصحاب الأراضي في عيتا الشعب وبيت ليف ورميش وغيرها ما زالوا يخشون أن يطأوا أراضيهم من جراء كثرة الحديث عن القنابل العنقودية، وهم يتفرجون سنوياً على رزقهم وهو يتلف أمام عيونهم«... وأمام عيونهم تجربة المزارع ديب بداح، من بيت ليف، الذي عز عليه ضياع رزقه، فراح ينظف حقله من بقايا الأجسام المنفجرة بيديه العاريتين، حتى أصيب كفّاه بتشققات خطيرة نتيجة لمسه قذيفة فسفورية حارقة، وقد علم بعد ذلك أن عدد القنابل العنقودية التي نزعت من حقله كانت بعدد شجرات الزيتون فيه. ورغم ذلك، لم يفقد بداح جرأته، ودخل حقله ثانية ليفلحه ويعتني به لكن »على مسؤوليته«.

وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير، عملت جمعيات محلية ودولية غير حكومية على تعزيز صناعات الزيتون، ورفد العاملين بها ببعض التقنيات لتحسين الإنتاج، إضافة إلى البحث عن أسواق للتصريف. إذ يمكن، مثلاً، الاستفادة من بعض الأنواع الرديئة من الزيت في صناعة صابون الغار، وتنتشر هذه الصناعة على نطاق واسع في عيتا الشعب ورميش وبيت ليف.

وتعود صناعة الغار في عيتا الشعب إلى منتصف القرن الماضي، إذ تعلمتها نسوة البلدة من اللاجئات الفلسطينيات، بعد نكبة ،١٩٤٨ اللواتي حملن معهن بعض الصابون النابلسي من صنع أيديهن. في عيتا، التفتت النابلسيات إلى وجود شجر الغار بكثافة، فعمدن إلى تصنيع الصابون منه، وكشفن لنساء عيتا »سر المهنة«. وهي ليست بالمهنة السهلة، بل تعدّ من الأعمال الشاقة التي اعتادت النسوة القيام بها، خصوصاً أن استخراجه يستغرق وقتاً طويلاً لأنه يعتمد على الحرارة، وهو يصنّع في البيوت ويتزامن مع موسم قطاف الزيتون في شهر تشرين الأول.

تعرف شجرة الزيتون، كما التين، بطول العمر وبتحمّل مختلف الأحوال الجوية. لذلك تحولت إلى مثل في الشموخ والصلابة، وهي ميزة اكتسبها أيضاً مزارعو هذه النبتة التي ذكرتها الكتب السماوية لكنها لم تلق بعد عناية التشريعات الحكومية أو حتى حمايتها.

تعليقات: