ظاهرة الأمن الذاتيّ تنتشر في لبنان.. وسلاح من مخازن قوى الأمن؟

عناصر حزب الله ينتشرون في الضاحية مع كلاب بوليسيّة
عناصر حزب الله ينتشرون في الضاحية مع كلاب بوليسيّة


عاد الحديث عن ظاهرة #الأمن الذاتيّ إلى الواجهة بعد الأحداث الأمنية التي استجدّت في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها مقتل القيادي في "#القوات اللبنانية" باسكال سليمان في جبيل لأسباب غير واضحة تماماً بعد، إلى جانب حادثتَي السرقة في العزّونية والأشرفية اللتين خلّفتا ضحايا، وبدأ المراقبون يرصدون انتشاراً مسلحاً في بعض المناطق.

طرح الأمن الذاتيّ ليس جديداً، وبعدما طوى انتهاء الحرب الأهلية هذه الصفحة، عادت الظاهرة من جديد منذ بدء الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب الجريمة في البلاد، وخصوصاً السرقة إثر تردّي الأوضاع المعيشية، فباتت البلديات والأحزاب تقوم بمهام أمنية في نطاق مناطق معيّنة بهدف حفظ الأمن ومحاولة الحد من الجرائم.


عوامل تشجّع على الأمن الذاتي

ثمّة عوامل عديدة تدفع اللبنانيين نحو الأمن الذاتي، فالأجهزة الأمنية غير قادرة على القيام بواجباتها بشكل تام، إن بسبب قلة العناصر أو الوضع الاقتصادي والمالي، وغياب الآليات والتجهيزات اللوجستية، ومن ناحية ثانية ارتفاع معدل السرقات بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن التفلّت الحاصل بسبب وجود مليوني نازح سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني.

رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، العميد الركن هشام جابر يُشير إلى أن "ثمّة مناطق بدأت بتطبيق الأمن الذاتي، لكن بشكل فوضوي، وهذا أمر خطير جداً لأنّه يُبعد المسار عن الهدف، فيتخذ الموضوع منحىً آخر كالتفلّت الأمني وزيادة نسب الجريمة بدل تقليلها وتقسيم المناطق إلى محميات سياسية وطائفية وقد يتطوّر الموضوع إلى إشكالات وفتن".

إن لموضوع الأمن الذاتي مخاطر عديدة، فتسليح المواطنين من قبل الأحزاب أو الطوائف لا يحفظ الأمن بقدر ما يزيد من منسوب التوتر في الشارع، ويؤدّي إلى إشكالات متنقّلة بين الأحزاب، خصوصاً في المناطق المختلطة، والتمادي بهذا الأمر لفترة طويلة دون ضبطه قد يؤدي إلى منطق التقسيم، لأن الأمن المستقل جزء من المشاريع التقسيمية.

مقترح جديد... السلاح من مخازن قوى الأمن؟

إلّا أن جابر يقترح مخرجاً تنظيمياً لهذه المشكلات، وإذ يعترف أن الأجهزة الأمنية قد لا تكون قادرة على ضبط الأمن بشكل محكم للأسباب المذكورة سلفاً، يقول إن ثمّة قدرة على تنظيم الأمن الذاتي ليُصبح المواطن مساعداً للأجهزة الرسمية، وذلك يتم من خلال آلية واضحة وتحت رقابة الأجهزة الاستخباراتية والبلديات، لا الأحزاب.

وفي هذا السياق، يوضح جابر خطته، ويُشير إلى أنّه يُمكن لكل بلدية تنظيم مجموعة لحفظ الأمن، يكون على رأسها مسؤول، وتخضع لرقابة دائمة من قبل جهاز مخابرات الجيش وتنسيق دائم مع قوى الأمن الداخلي، وتكون أسلحة هذه المجموعة كلها مرخصة، ويُمكن الاستعانة بسلاح قوى الأمن عبر نظام الإعارة لأولئك الذين لا يمتلكون سلاحاً.

وبحسب جابر، فإن مهمة هذه المجموعات المراقبة وحفظ الأمن من السرقات والإشكالات وضبط المخالفات وتسليمها لقوى الأمن الداخلي، وأي إخلال بالأداء من قبل عناصر هذه المجموعات يعرّض صاحبه والمسؤول عن المجموعة للمحاسبة، وهذه التجربة معمّمة في العديد من الدول، كالولايات المتحدة التي تعتمد نظام الحرس الوطني، أي وجود عناصر مدنية في كل ولاية مستعدّة للتدخّل في حال استدعى الأمر.

والحرس الوطني هو أحد أفرع الجيش الأميركي وتشمل مهامه الاستجابة لحالات الطوارئ المحلية، والمشاركة في بعض المهام القتالية في الخارج أيضاً، ويمكن أن يسهم أفراد الحرس الوطني أيضاً في جهود مكافحة المخدرات والكوارث الطبيعية، وإعادة الإعمار، وغيرها.

ويعتبر الحرس الوطني بمثابة قوات احتياط للجيش الأميركي وعناصرها يمكن أن يشغلوا وظائف مدنية كأطباء ومهندسين، وحتى بينهم طلاب. وعادة ما تنحصر مهامهم في ولاياتهم الأصلية التي يتحدرون منها. ثم إن عناصر هذه الفئة من الجيش الأميركي لا يقسمون على احترام دستور الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا على دستور ولاياتهم.

شربل: هكذا يُمكن للمدنيّين المشاركة في حفظ الأمن

من جهته، يُعلّق الوزير السابق مروان شربل على هذا الموضوع، ويلفت إلى أن المواطن قادر على مساعدة الأجهزة الأمنية من خلال المراقبة والتبليغ عند رصد أي مخالفة، كالسرقة وغيرها، ولكن ليس عبر تسليح المجموعات بشكل غير قانوني ونصب الحواجز وغيرها من المظاهر، وهذا الأمن الذاتي غير مقبول.

وفي حديث لـ"النهار"، يقول شربل إن عناصر شرطة البلدية يحق لهم حمل المسدسات والقيام بالدور الأمني في البلدات، أي الحماية وتنظيم محاضر الضبط وتسليم المجرمين للقوى الأمنية، أما وبالنسبة للمدنيين، وبحال أرادوا القيام بأي دور أمني، فذلك يتم عبر التطوّع في الأجهزة الأمنية فقط، لكن حمل السلاح بشكل عشوائي وتشريع الأمن الذاتي ممنوع.

إلّا أن مراقبين يستبعدون توجّه الدولة وأجهزتها لتنظيم الأمن الذاتي لجملة من الأسباب، في طليعتها عدم القدرة على ضبط الأمور والخوف من تشريع التفلّت الأمني من جهة، والرفض الضُمني الذي قد يُبديه بعض الأحزاب التي تُمسك بزمام الأمن في مناطقها.

وبدأ عدد من الأحزاب تطبيق خطط الأمن الذاتي منذ زمن بعيد، وتحديداً "#حزب الله" الذي يُمسك بمفاصل أمن المناطق التي يتواجد فيها، وينتشر عناصره بسلاحهم وملابسهم الأمنية، ويقيم الحواجز، وهو أمر حصل قبل أيام قليلة حينما نفذ مسلحوه انتشاراً في الضاحية مع كلاب بوليسية يوم لقاء اللجنة الخماسية برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في حين ألمح رئيس "القوات" سمير جعجع إلى أن غياب الدولة يدفع الناس إلى الأمن الذاتي.

في المحصّلة، فإن الوضع الأمني القائم يدفع المواطنين نحو ظاهرة الأمن الذاتيّ رغم مساوئها، لأنّ الأجهزة الأمنية غير قادرة على ضمان الأمن في ظلّ الظروف التي تستعصي مع تقدّم الوقت، وهذه الظاهرة بدأت تظهر إلى العلن، لكنّ الخوف من انزلاقات غير محسوبة بين مجموعات الأمن الذاتي، تؤدّي إلى ما لا تُحمد عُقباه.

jadfayyad1147@gmail.com

تعليقات: