الحرب تؤجِّج أزمة رواتب موظفي أوجيرو: النقابة أمام امتحان

إضراب الموظفين سيكون تصاعدياً (علي علوش)
إضراب الموظفين سيكون تصاعدياً (علي علوش)


في شهر آذار من العام الماضي، أعلن موظّفو هيئة أوجيرو الإضراب العام احتجاجاً على عدم تصحيح رواتبهم ودفع مستحقاتهم. وأدّى الإضراب إلى تراجع خدمات الاتصالات والانترنت في المناطق، وصولاً إلى انقطاعها بشكل نهائي في بعض المناطق بفعل خروج السنترالات عن الخدمة وامتناع الموظفين عن إجراء الصيانة أو تعبئة المازوت.

بعد عام، يعود الموظفون للإضراب تحت سقف المطالب عينها. ذلك أن لا تغييرَ جدياً حصل على مستوى إقرار المطالب. فتحسين الأجور بالأرقام، ترافقَ مع تقليص للأموال المفرَج عنها من وزارة المالية لصالح الهيئة، وتالياً الموظفين. كما أن الارتفاعات التي طالت أجور الموظفين في إدارات الدولة، لم تسلك طريقها نحو أوجيرو.

وتأتي الحرب الإسرائيلية على لبنان لتؤجِّجَ أزمة الرواتب، سيّما وأن الموظفين يضطرون لإجراء أعمال الصيانة وتعبئة المازوت في المناطق الحدودية. أمّا وقد اتخذت نقابة موظفي أوجيرو قرار الإضراب بدءاً من يوم الأربعاء 26 آذار، فإن خدمات الاتصالات والإنترنت ستزداد سوءاً، لتتكامل الأعطال المنتظرة مع التشويش الإسرائيلي المستمر، والذي يعرقل سير الإشارات بين الأقمار الاصطناعية والسنترالات وهواتف المشتركين.


نقص التمويل

ينطلق الموظفون في إعلان إضرابهم من الإحساس بالظلم. والإضراب "التحذيري" الذي نفّذه الموظفون اليوم الأربعاء، سيتبعه إضراب آخر يوميّ الأربعاء والخميس 3.4 نيسان. وأعطى المجلس التنفيذي للنقابة، مهلة أمام المعنيين "مهلة أقصاها تاريخ 15 نيسان للتجاوب مع المطالب من دون استثناء". والشعور بالظلم نابع بالدرجة الأولى من "عدم إعطائهم الحقوق التي أعطيَت لموظفي الإدارات العامة"، وفق ما يؤكّده نائب رئيس النقابة مازن حشيشو. علماً أن "وزارة الاتصالات هي أكثر وزارة تُدخِل أموالاً على الخزينة العامة".

ويزداد سخط الموظّفين بدءاً من الحكومة التي أقرّت في موازنة العام 2024 مستحقات لهيئة أوجيرو أقل بكثير مما طلبته وزارة الاتصالات. إذ أن "الوزارة طلبت 7000 مليار ليرة وجرى الموافقة فقط على 1280 مليار ليرة، ومع ذلك لم تحوّلها وزارة المالية، ما دفعَ إدارة أوجيرو إلى الاقتطاع من مخزونها المالي المخصَّص لصندوق الضمان الاجتماعي وللضريبة المالية، لتأمين رواتب الموظفين عن شهريّ كانون الثاني وشباط الماضيين".

بات الموظّفون في هذه الحالة يطالبون "بأبسط حقوقهم، وهي الراتب وبدل النقل الذي لم يُعَدَّل بعد من 250 ألف ليرة يومياً إلى 450 ألف ليرة. في حين أن هذه الحقوق يفترض أن تكون تحصيل حاصل، وإذا كان لا بد للموظفين من المطالبة بشيء، فهو تصحيح الرواتب، لا دفعها". والإضراب بنظر حشيشو "سيكون تصاعدياً. بدأنا بإضراب تحذيري اليوم، وسنكمل لنصل إلى الإضراب العام. فالموظفون لم يعد بمقدورهم الاستمرار في حين أن كل متطالباتهم المعيشية باتت بالدولار، وفي مقدّمتها أقساط المدارس".

فوزير الاتصالات طالبَ بمبلغ مالي يفترض أنه موضوع وفق حاجات المؤسسة، وعلى رأسها الرواتب وبدل النقل وأموال الصيانة. أما وقد أقرَّت مبالغ أقل، ومع ذلك لم تُدفَع بعد "فهذا يعني وجود مخطَّط منظَّم لتدمير قطاع الاتصالات بشكله الحالي تمهيداً لخصخصته". وتشير المصادر إلى أن "الحكومة تُعامِل أوجيرو بصورة مغايرة للتي تعامل بها شركتيّ الخليوي. فعلى مستوى مطالب الموظفين، ما إن يعلن موظّفو الخليوي الإضراب، حتى تُنَفَذ مطالبهم بالدولار، وهذا حقّ لهم، ونحن معركتنا ليست معهم، لكن من الضروري الإشارة إلى الكيل بمكيالين الذي تمارسه الدولة".

ومسألة التمويل بالنسبة للمصادر "تؤكِّد نية تدمير القطاع. فالتحويلات المالية التي ترسلها أوجيرو شهرياً تفيض عن قيمة أكلاف الرواتب. بل إن ما تحوِّله أوجيرو عن 3 أشهر فقط من أصل 12 شهراً، يكفي لتمويل كلفة الصيانة والرواتب على مدى سنة. لكن باقي الأموال تذهب لتمويل الإدارات الأخرى".

والحلّ برأي المصادر هو "اقتطاع أوجيرو احتياجاتها للرواتب والصيانة بسكل فوري من المبالغ المجباة، وتحويل الباقي إلى وزارة الاتصالات، كما تفعل شركتيّ الخليوي ومؤسسات عامة أخرى. وبهذه الحالة لا يضطر الموظفون للإضراب والمطالبة كل شهر بالرواتب".


الحرب تعقِّد الأمور أكثر

الإضراب الذي جرى في العام الماضي، أدّى إلى توقّف الكثير من السنترالات وخروجها عن الخدمة، ما أثَّرَ سلباً على جودة الاتصالات والانترنت. واليوم، الوضع أكثر سوءاً في ظل الحرب الإسرائيلية. فخدمات الاتصالات والانترنت مهددة راهناً بالتشويش الإسرائيلي أولاً، وثانياً بتداعيات إضراب الموظفين فيما لو طالت مدّته.

فالحرب على حد قول حشيشو، أدّت إلى إحداث أضرار في بعض السنترالات، ومنها في عيتا الشعب وطيرحرفا، ولا تستطيع الفرق الفنية للهيئة الوصول إلى كل السنترالات لمعرفة الحجم الفعلي للأضرار. لكن مع ذلك، تتوجّه فرق الصيانة إلى السنترالات في معظم المناطق الجنوبية التي تتعرّض للقصف، وذلك لتأمين المازوت وإصلاح الأعطال. فلا يمكن ترك الناس بلا اتصالات وانترنت في هذه الظروف. لكن بموجب الإضراب، لن تقوم الفرق الفنية بأي تحرُّك".

وفي حال توقَّفَت سنترالات أوجيرو عن العمل بفعل الإضراب أو الحرب، فإن شبكتيّ ألفا وتاتش ستتأثّران كذلك لأنهما تعتمدان في إشاراتهما على شبكات أوجيرو. أي ان تكامل الإضراب والحرب، سيعني البدء بمرحلة فوضى الاتصالات والانترنت، إلى حين إيجاد توليفة معينة يقتنع بها الموظفون.


النقابة أمام امتحان

لم يتلقَّ الموظّفون حنى الساعة إلاّ الوعود. "وزير الاتصالات وَعَدَنا بتحمّل المسؤولية، والمدير العام لأوجيرو طلب من النقابة عدم الإضراب وتعهّدَ بالعمل على تحقيق المطالب. لكن التسويف هو الموجود حالياً".

وتضع المصادر نقابة الموظفين أمام امتحان لا يختلف كثيراً عن امتحانات السلطة السياسية للناس. فالمصادر تقول بأن إعلان النقابة الإضراب "يستدعي استكماله حتى تحقيق المطالب كاملة، ومنها الرواتب وبدلات النقل والطبابة والمستحقات التي أعطيت لموظفي الإدارات العامة. أما دون ذلك، فستكون النقابة أمام امتحان لقدرة اعضائها على تحصيل الحقوق. فإما أن تُكمِل النقابة في إضرابها الحالي، أو عليها السكوت".

غالباً ما تتراجع النقابة عن مطالبها بعد تلقيها وعوداً من المعنيين في وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو. لكن دخول عنصر الحرب وتصحيح الرواتب في القطاع العام، يشكِّلُ إضافات جوهرية للملف، تعطي الموظفين سنداً إضافياً لاستمرار الإضراب ما لم تتحقّق مطالبهم. ومع ذلك، ترى مصادر إدارية في هيئة أوجيرو أن "الإدارة متفائلة حيال إيجاد حلول لهذا الموضوع. والإضراب الحالي كان ليوم واحد ولم يؤثِّر على عمل الهيئة". ولفتت المصادر النظر إلى أن "الحل ليس بيد الهيئة التي جرّبَت ما باستطاعتها لمساعدة الموظفين. والمدير العام للهيئة عماد كريدية على تواصل دائم مع السلطة التنفيذية لنقل مطالب الموظفين، على أمل إيجاد الحلّ".

تعليقات: