حسين الشيخ علي: مطالبة الحكومة بدفع تعويضات الحرب تستلزم أخذها قرارها

العميد المتقاعد حسين الشيخ علي
العميد المتقاعد حسين الشيخ علي


بدأت المقاومة في 8/10/2023 بمهاجمة مراكز الإحتلال في مزارع شبعا المحتلة لمساندة المقاومة في غزّة بعد عملية طوفان الأقصى، وأمتد القتال إلى كامل مراكز العدو على الحدود الفاصلة بين لبنان وكيان العدو، مع العلم بأن أغلب هذه المراكز تقع خلف الخط الأزرق الذي تم ترسيمه بالإتفاق مع قوات الأمم المتحدة في الجنوب بإستثناء بعض النقاط المتحفظ عليها.

أدى القصف الإسرائيلي على القرى اللبنانية إلى وقوع شهداء وجرحى مدنيين وتدمير الكثير من الممتلكات، في 24 تشرين الثاني 2023 حصلت هدنة في غزة لسبعة أيام، قبل إستئناف الحرب لاحقاً.

في 28/11/2023 زار النائب حسن فضل الله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لبحث ملف التعويضات على المتضررين من الإعتداءات الإسرائيلية، وقام مجلس الجنوب ولجان من حزب الله بجولة لتسجيل الأضرار بالممتلكات وإحصائها. لكن الحرب إستمرت بعد ذلك لأسباب متعددة، وهذا يُظهر إستعجال إسترضاء الناس التي تعاني من ظروف إقتصادية صعبة للغاية وخاصة الموظفين في القطاع العام، وبدت هذه الخطوة كمن لا يعرف إلى أين ستذهب الأمور، وهل نحن من يتحكم بالوضع الأمني في قرانا؟ أم نحن ساحة إستجابة لما يقرره قادة حماس في غزة؟

على كل حال أبدى رئيس الحكومة إستعداد الحكومة لدفع التعويضات، التي كانت محدودة الحجم بالمقارنة لما وصل إليه حجم الدمار اليوم في قرى الجنوب المحاذية للحدود مع العدو. وهذا ما يطرح السؤال من أين ستأتي الحكومة بالأموال لدفع التعويضات؟ وما هو المبلغ المطلوب لإعادة المنازل والممتلكات المدمرة إلى ما كانت عليه؟ ومتى ستنتهي هذه الحرب؟ فضلاً عن الوقت الذي يتطلبه ذلك، ناهيك عن أرواح الشهداء التي لا تعوّض والأزمات النفسية عند الأطفال وكبار السن الناجمة عن الخوف والمشكلات الإجتماعية والحياتية التي سببها النزوح.

كلنا نعرف أنه في العام 2006 تبرع العديد من الدول الخليجية وإيران بإعادة إعمار الكثير من البلدات التي دمرها العدو في ذلك الوقت بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. كان ذلك نتيجة لتعاطف هذه الدول مع لبنان وتقديراً له لطرد الإحتلال من أرضه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. إلاّ أن ذلك تبدل اليوم نتيجة المواقف والأزمات السياسية مع الكثير من هذه الدول لأسباب إقليمية وداخلية، ولا يتسع المقال لذكر هذه المراحل وتطورها والتي يمكن الرجوع اليها بالتفصيل لاحقاً.

من هنا من المتوقع أن يقع دفع التعويضات في جزء كبير منه على عاتق الدولة اللبنانية إذا استطاعت ذلك نظراً لرزوحها تحت وضع إقتصادي صعب كما نعلم. وهذا الموقف هو من واجب الدولة ومسؤوليتها اتجاه شعبها بكل تأكيد. والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم هل كانت الدولة مشاركة في قرار الحرب؟ وهل أخذت الإجراءات اللازمة لحماية الشعب وتأمين كلفة الحرب؟

إن مطالبة الدولة بالتعويض هو من واجب النواب والمجتمع المدني، وهو مطلب محق، فالدولة مسؤلة عن مواطنيها في كل الأحوال. لكن ما حدث في جنوب لبنان لم يكن كارثة طبيعية حصلت فجأة، مثل الزلازل أو الأمراض المعدية، والتي من المفترض أن تشملها خطط الطوارىء. بل هو حرب تم أخذ قراره على عجل ومن دون إشراك الدولة ولا الشركاء في الوطن بقراره، وهذا كان من المفروض أن يحصل، لأن تداعياته ترتب أعباء على الدولة، تدفعها من ضرائب المواطنين كافة، وهي الجهة الرسمية المطالبة بتأمين مراكز الإيواء والطبابة لجميع المهجّرين أمام المجتمع الدولي الذي يرسل المساعدات للبنان.

إن الدولة هي المسؤلة عن إتخاذ القرارات المصيرية بالأشتراك مع المجتمع المدني والأحزاب ومكونات المجتمع اللبناني، وذلك لتأمين التوافق وتوفير بيئة حاضنة ومُساعدة لتحمُّل الأزمات التي تنتج عن هكذا قرار، وهذا ما يجعل المجتمع مُتكاتف ويحتضن أبناؤه بعضهم البعض، ويساعد في التصدي للعدو بفاعيلة أكبر. هذا ما يجب أن يحصل على المستوى السياسي والوطني على أن تبقى تفاصيل الميدان العسكري للجهات المختصة بذلك. إلاّ أن ما حصل كان قراراً متعاطفاً إنسانياً مع الشعب الفلسطيني أولاً، ويدخل في الصراع الأقليمي والدولي ثانياً، من قبل جهة حزبية منفردة. ما أظهر إختلافاً كبيراً بين فئات المجتمع اللبناني حول المشاركة في هذه الحرب، حيث طالب بعضهم بإبعاد العمل العسكري عن قراهم.

إن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، تم تجاوز أحد مكوناتها الرئيسية الذي يمثل الدولة وسيادتها، وحوّل الجيش إلى دور المتفرج يرسل والوثائق بالإعتداءات الإسرائيلية والخسائر التي تسببها فقط، كما تم تجاوز المكون الآخر بنسبة كبيرة، ظهر ذلك من خلال الإنقسام الشعبي، وبقي مكون فريد وهو المقاومة التي لن تنجح دون الجناحين الآخرين، لكي تبقى المعادلة ذهبية. إلاّ إذا كان هناك من يعتقد أنه يمثل كل شيء في هذا البلد.

العميد (م) حسين الشيخ علي

في 24/12/2023

تعليقات: