دلال أبو آمنة حرّة.. الصهاينة تهزمهم أغنية!

بعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي، أفرج الصهاينة عن دلال أبو آمنة
بعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي، أفرج الصهاينة عن دلال أبو آمنة


هل يمكن لأعتى آلة حرب وحشية عرفها التاريخ والمتمثلة بالكيان الصهيوني أن تخيفه جملة «لا غالب إلا الله» التي كتبتها المغنية الفلسطينية دلال أبو آمنة، قبل أيام مع صورة علم فلسطين، فجعلته يعتقلها لثلاثة أيّام في السجن الانفرادي؟! الجواب: نعم بكل تأكيد. من يقتل وينكّل وينفّذ مجازر إبادة جماعية، ويكثّف قصفه على المستشفيات المحاصرة، ويستهدف الصحافيين ومسعفي المنظمات الإنسانية بذريعة «وطن قومي لليهود»، سيخشى حتماً هذه الكلمة ومغنيّة اختارت الموسيقى درباً صوفية لتؤرشف فيها للذاكرة الفلسطينية المغتصبة، وتوثّق تراث أغنيات بلادها الشامية.

لعلّ خطاها تلك كانت كفيلة بوضعها تحت المرصد الصهيوني. عند أوّل «عثرة» من وجهة نظر الجلّاد، اعتقلها لكنها خرجت سريعاً كما وعدت محاميتها، وكتبت على صفحتها الرسمية على الفايسبوك: «بعد قضاء ليلتين في السجن الانفرادي ظلماً وبهتاناً... أنا حرّة. كما كنت وسأبقى دوماً وأبداً... وجسدي الذي هَزُل بسبب إضرابي عن الطعام طوال الأيام الثلاثة، أصبح الآن أقوى، وإيماني بالله أعمق، وقناعتي برسالتي وتكليفي زاد أضعافاً». ثم استطردت عن ظروف سجنها بالقول: «حاولوا تجريدي من إنسانيتي، وإسكات صوتي، وإذلالي بكل الطرق. شتموني وكبّلوا يديّ وساقيّ، لكنهم بهذا جعلوني أكثر شموخاً وعزة... سيبقى صوتي رسولاً للحب مدافعاً عن الحق في هذه الدنيا. شكراً لكل من دعمني من كل أنحاء العالم، إن بكلمة أو بدعوة أو بموقف».

طبعاً كان يمكن للاحتلال أن يستمرّ في اعتقال صوت حرّ من دون أن يرفّ له جفن، طالما أنه يفظّع في عدوانه على المدنيين والأبرياء في قطاع غزّة، مدعوماً بقوى عالمية عظمى. لكنّ قصّة الصراع قديمة بين بحّة دلال الآسرة، وعدّة «حربها» السلمية و«مدرّعاتها» الفنية من جهة، وبين مجنزرات العدو وعتاده التكنولوجي والإعلامي من جهة أخرى. ليست بدايتها في عام 2018 عندما ألهبت صاحبة «عين العدرا عينّا» جمهور الأوبرا المصرية في إحدى حفلاتها في القاهرة، فجرّبت صفحة وَضِيعة اسمها «إسرائيل بالعربية» نسب ذاك النجاح للكيان المحتلّ عندما نشرت تغريدة على موقع إكس تقول فيها: «الفنانة الفلسطينية-الإسرائيلية الموهوبة والشهيرة والمحبوبة في الأوساط العربية واليهودية تتميز بقدرتها على غناء أغاني أم كلثوم. نأمل أن نرى المزيد من التعاون الثقافي مستقبلاً». جاء الردّ حاسماً على صفحة الفنانة الفلسطينية بالقول: «جئنا إلى القاهرة فلسطينيين صامدين على أرضنا، نحمل الهم الفلسطيني ونرفع الصوت الفلسطيني عالياً. هذه هويتنا وهذه قضيتنا التي لن نتخلى عنها، شاء من شاء وأبى من أبى».

ليس ذلك فحسب، مضت المغنية المثقفة والمعروفة بخطّها الملتزم وزيّها الفلسطيني المطرّز، سنوات طويلة في إنجاز ما تعجز عنه صروح فنية بأكملها! تعاونت مع مؤسسة «يبوس» المقدسية لإحياء مشروع تراثي، فكان «يا ستي» الذي جالت فيه الأراضي المحتلة بطريقة تقارب تلفزيون الواقع، مدججة بعدسات كاميرات مرهفة، ومصحوبة بموسيقيين موهوبين وبعض السيدات الفلسطينيات المسنّات اللواتي أدّين مع دلال أغنيات تراث فلسطين، فيما كانت الكاميرات تؤرشف جغرافيا البلاد المنهوبة من قبل الاحتلال، انطلاقاً من القدس، إلى الجليل، والضفة الغربية، وحتى القرى المتاخمة للجنوب اللبناني، التي تعرّضت لمحاولات طمس هويّتها العربية من قبل الاحتلال، فكانت النتيجة وقوف الآلاف من الجماهير لتغنّي مع دلال: «الأرض أرضي والبلاد بلادنا».


برنامجها «يا ستي» أرشَفَ جغرافيا البلاد المنهوبة


الأمر يتكرر مع جدّات شهدن التاريخ الدامي، ورافقن دلال على خشبات المسارح وأعرق المهرجانات ليرقصن ويغنين بأزيائهن وشالاتهن الفلكلورية. وبين هذا وذاك، كانت المغنية تعيد الحياة للمدن المهجّرة عندما صوّرت كليباتها فيها، كأنها تقول: «هنا اكتملت معالم الكارثة، ومن هذه الأرض شرّد أهلي». مشروع «يا ستي» تلقّفه تلفزيون «العربي» ليصبح برنامجاً بعنوان «مشوار ستي» ترفّعت صاحبته عن الأنا، وتركت الفرصة مواتية للجغرافيا الساحرة، والنساء المنحدرات من عمق المأساة، والتراث الغنائي الذي يحرث الوجدان ليذكّرنا بسلسلة هزائمنا ونكباتنا، لكنّه وارب باباً من غامض علمه على الأمل المتّشح بالأبيض الناصع. المشروع وصاحبته طاقة متّقدة من الفرح، لكنّ الصوت اختار أن يكون مبحوحاً ليفطن الجميع على أصالة الحزن الذي تعيشه فلسطين، وكل ذلك سيتجسّد عندما تغني دلال أبو آمنة: «قولوا لإمه تفرح وتتهنى، ترش الوسايد بالعطر والحنة...» التي تجوز للوجهين المتناقضين: الزفاف وجنازة الشهيد.

غنّي يا دلال مجدداً، فالفن في مواجهة المجازر مهما كان أعزل، سيظلّ طرباً يقضّ مضاجع المجرمين الصهاينة الذين اعتادوا إراقة دماء أطفال قتلوا أمهاتهم، ثم أبادوهم مع مسعفيهم، وهم يكابدون إصاباتهم على طاولات العناية الطبية!

تعليقات: