رحيل اللبنانية المصرية كريمان.. دلوعة «الحموات الفاتنات» و«بنات اليوم»

كريمان
كريمان


غيب الموت الممثلة المعتزلة كريمان عن عمر ناهز السابعة والثمانين، على أثر أكثر من أزمة صحية أجبرتها على دخول المستشفى في الآونة الأخيرة، قبل أن يعلن ابنها شيرين في صفحته الفايسبوكية نبأ وفاة والدته كريمان محمد سليم الأسطي، مفضلاً أن يسبق اسمها بلقب "الحاجة" باعتبارها انسحبت من الحياة الفنية قبل ستة وخمسين عاما بعدما شاركت في فيلمها الأخير "نورا" من إخراج محمود ذو الفقار.

أربعة عشر عاماً كانت كافية كي تصنع لكريمان هذا الوجود الفني المحسوس وسط نجمات السينما المعروفات فاتن حمامة، هند رستم، ماجدة، شادية، مريم فخر الدين، وغيرهن لا سيما أنها بدأت بطلة منذ فيلمها الأول "الحموات الفاتنات" أمام كمال الشناوي وإسماعيل ياسين.

كريمان المولودة العام 1936 لأب من أصول لبنانية وأم مصرية ذات أصول تركية، سمّيت بهذا الاسم الذي لم يكن شائعاً فى ذلك الوقت تيمنا بانتخاب أول ملكة جمال بالعالم في تلك السنة، وكانت تحمل اسم "كريمان" وتلقت تعليمها في مدرسة سان فنسان دي بول، لا مدرسة "الليسيه" كما هو شائع، ولذلك قادتها لغتها الفرنسية إلي التعرف على عيون الأدب العالمي منذ صباها الباكر، فى الوقت الذي كانت تمارس فيه التمثيل والغناء في مسرح المدرسة وفي برنامج الأطفال الشهير بالإذاعة "بابا شارو". لكن هذا كله لم يكن كافياً، إذ أرادت تحقيق حلمها بالعمل في السينما، حتى أعلنت المنتجة آسيا داغر عن حاجتها لوجه جديد للعمل في التمثيل السينمائي، وكادت الفرصة تفوتها لأنها لم تقرأ إعلان المسابقة في الصحف، لكن إحدى صديقاتها أخبرتها بالموعد، وذهبتا إلى المسابقة وسط مجموعة كبيرة من المتسابقات.

وبعد إجراء اختبار كاميرا، نجحت كريمان ورسبت كل الباقيات بمن فيهن تلك التي دلتها على المسابقة، لتقف لأول مرة أمام كاميرا السينما بطلة لفيلم "الحموات الفاتنات" تحت إدارة المخرج حلمي رفلة، في مشهد أمام الممثلة ميمي شكيب التي ساعدتها كثيراً على تجاوز رهبة اليوم الأول في التصوير على حد وصف كريمان نفسها في مقال كتبته لمجلة "الكواكب" في ذلك الوقت.

اللافت أنّ هذه البداية القوية لم تشفع للوجه الجديد كريمان، فقد بقيت شهوراً عديدة تبحث عن دورها الجديد على شاشة السينما حتى أنها اضطرت إلى التقدّم مرة أخرى إلى مسابقة أعلن عنها "ستوديو مصر" الذي اختارها على أثر هذه المسابقة بطلة لفيلم "أمريكاني من طنطا" العام 1954 من إخراج أحمد كامل مرسي، أتبعته بمجموعة أخرى من الأفلام جمعت فيها بين الغناء والتمثيل، ولحن لها كبار الموسيقيين أمثال كمال الطويل ومنير مراد وعلى إسماعيل ومحمود الشريف، وكان من أبرز هذه الأفلام "موعد مع إبليس" من إخراج كامل التلمساني سنة 1955. ويبدو أن المدهشات كثيرة في مسيرة كريمان، فبعد المسابقتين اللتين دفعتا بها إلى الأدوار الأولى، جاءت بطولة ثانية وربما ثالثة في فيلم "بنات اليوم" العام 1957 – حيث كانت ماجدة هي البطلة الأولى – لتعيد تصحيح مسارها الفني، فانهالت عليها مجموعة من الأدوار بفضل نجاحها في دور الفتاة "الدلوعة" أو الناعمة في الوقت الذي انضمت فيه لفرقة إسماعيل ياسين المسرحية، وشاركته بطولة أكثر من عمل مسرحي مثل: منافق للإيجار، عريس في علبة، كناس في غاردن سيتي، وعمتي فتافيت السكر، وهذه المسرحية الأخيرة تحولت إلى فيلم "سكر هانم" العام 1960.

وكان من المفترض أن يتولى إسماعيل ياسين بطولة "سكر هانم"، تكريساً لنجاحه المسرحي في ذلك الدور، وقد أصر على أن يصطحب كريمان معه في البطولة السينمائية، قبل أن يحدث خلاف بينه وبين مخرج الفيلم السيد بدير الذي أتى بالفنان عبد المنعم إبراهيم بدلاً من إسماعيل ياسين مع الإبقاء على كريمان كي تشارك سامية جمال البطولة النسائية في هذا الفيلم. ومن أشهر أفلامها أيضاً في تلك الفترة: الفانوس السحري، شهر عسل بصل، وكلاهما أمام إسماعيل ياسين، وفي العام 1960 أيضاً.

وبعد فيلم الحاقد العام 1962 ومسرحية "حركة واحدة أضيعك" في العام التالي، توقفت كريمان عن التمثيل قرابة الثلاث سنوات حتى ظنّها المنتجون قد اعتزلت التمثيل، لكنها في الواقع كانت قد تزوجت وأنجبت ابنها الوحيد شيرين. ومثلما كان توقفها مفاجئاً، كانت عودتها أيضاً، بل وكانت عودتها في غاية القوة من خلال البطولة الثانية أمام شادية في فيلم "مراتي مدير عام"(1966) من إخراج فطين عبد الوهاب الذي أتبعته بفيلمها الأخير "نورا" في العام التالي أمام نيللي وإخراج محمود ذو الفقار، وظن الكثيرون أن هذه العودة القوية ستمنحها الإكسير الكافي للاستمرار في مشوارها الفني، لكنها اتخذت بعد هزيمة حزيران قرارها بالاكتفاء بما قدمته للحياة الفنية والتفرغ لبيتها وأسرتها...

التقيتها صدفة منذ حوالى العشر سنوات في أحد المستشفيات، وبعد التعارف سألتها عن أسباب الانسحاب من الحياة الفنية رغم أنها كانت مؤهلة للاستمرار، فأجابت أنها مرت بعد سنة 1967 بظروف نفسية قاسية جعلتها تفقد حماسها للعمل الفني، وحينما أفاقت من تلك الظروف قالت للفن "السلام عليكم" بحسب تعبيرها كناية عن إعطاء ظهرها له، وأضافت أنها تعيش لابنها الوحيد ولأحفادها، ولزوجها النائب محمود أبو النصر رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب الذي توفي قبلها بسنوات، وكانت تقضي وقتها بين متابعة برامج التلفزيون وممارسة الرسم الذي يستهويها منذ صغرها، فضلاً عن تعدّد أسفارها. ولما سألتها: هل يعاودها الحنين للفن؟ فأجابت أنها تتابع الأعمال الفنية كواحدة من الجمهور ليس أكثر، ولا تربطها بالحياة الفنية سوى الذكريات الجميلة، خصوصاً أنها خرجت من تجربتها في الفن من دون أي صداقات تقريبا، فقد عرف عنها الانطواء وعدم الميل للسهر والظهور العام. ويومها، لامت كريمان التلفزيون المصري، لأنه لا يبث لها من رصيدها السينمائي الكبير سوى عدد محدود من الأفلام، وحدّدت بالاسم "بنات اليوم وسكر هانم والحماوات الفاتنات"، مضيفة أنها تركت رصيداً مسرحياً ضخماً أثناء عملها في فرقة إسماعيل ياسين، لكن التلفزيون لم يقم بتصوير سوى عدد قليل منها، ثم اختفت أشرطة هذه المسرحيات أو تعرضت للتلف، حتى ضاع تقريباً كل رصيدها من الأعمال المسرحية، ثم تنهدت تنهيدة طويلة وهي تقول: رحم الله زمن الأبيض والأسود.







تعليقات: