فلسطين وثقافة الشعارات وحرب الأراجوزات


ما يثير الدهشة والغرابة بل والحسرة والاشمئزاز الحالة التي لم نعد نفهم منها شيئاً في زمن أراجوازات الإعلام والتصريحات وأقلام ثقافة النعال التي أصبحت لغة ولسان حال العشرات سواء في فلسطين أو خارجها ممن يبحثون عن مكان في وحل المستنقع الذى غرقوا به.

فإن جلست لتستمع للتصريحات الحكومية أو الحزبية الصادرة على مدار الساعة ممن يسموا أنفسهم قيادات سواء في الشطر الجنوبي أو الشمالي من الوطن، تجد أنك أمام محاولات لتسويق بضاعة فاسدة إنتهت صلاحيتها وفاحت رائحتها النتنة، ولم تعد تسوى لدي المواطن شيئاً سوى السخرية والاستهزاء من هذه الأراجوزات الإعلامية التي تعتقد إنها تخدع الفلسطيني وكأنه دمية تحركها شعاراتهم وأقلامهم المصبوغة بالكذب تارة وبالنفاق تارة أخرى.

تخيل وأنت تستمع لعشرات التصريحات التي تتحدث عن الفساد الإدارى الذي أصاب كل المؤسسات الرسمية والغير رسمية وأصبح هو حديث المواطن، وتصريحات تتحدث وتداعب المواطن وكرامته في الوقت الذي لم تعد هذه الكرامة لها أي اعتبارات لدي المتنفذين وأصحاب القرار، بل نعيش في قمة العبقرية والتخطيط لإهانة المواطن الفلسطيني وتجريده من كل مقومات الصمود والثبات والعيش بكرامة وإنسانية في سبيل تمسك حفنة من البشر يدعون "الـقادة" ومسيطرين على مراكز القرار والجاه والسلطان وهي العدوى التي انتقلت لأئمة المساجد وخطبائها لتستمع في ايام رمضان المباركة لبلاغة وفصاحة وطلاقة في التكفير والتخوين والدعوة للفتنة والقتل. أضف إلى ذلك تصريحات ذات زخم وعنفوان وطني حول القضايا المصيرية كالدعوات لإطلاق الأسرى من سجون الاحتلال في الوقت الذي تمتلئ به سجون الشمال والجنوب بعشرات المعتقلين من ابناء الوطن وتهمتهم الوحيدة الانتماء الحزبي في الرأي السياسي، والمطالبة كذلك بمواصلة المقاومة في الوقت الذى يقتحم به العدو مدن وقرى الشمال لتقتل وتعتقل كيفما شاءت، في الوقت الذي تعيش به بالجنوب حالة لم تعشها قبل من الانضباط بالتهدئة وتأمين حدودها، والأمر لا يتعدي عن تصريح هنا وآخر هناك لذر الرماد في العيون وإثبات وجود لا أكثر، ودعوات أخرى عن فلسطين والتمسك بفلسطين في حين أن ما ينفذ على الأرض يؤكد بشكل مطلق أن فلسطين ومصلحتها لا وجود له في عرف هؤلاء وبرامجهم الواقعية بل إنها مجرد وسيلة وأداة لتحقيق المصالح الحزبية والشخصية.

هذه الأمثلة ليست من وحي الخيال أو التجني على الحقيقة ولكنها قراءة لمعظم تصريحات أراجوزات الإعلام التي ينطبق عليها المثل القائل " أم أقوال غلبت أم أفعال " فالأوضاع في غزة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يعيش بها إنسان بكامل قواه العقلية وقدراته على التحمل، فغزة اليوم هي غزة السوق السوداء، وهي غزة التسول، وهي غزة الموت والجحيم، والسبب الظاهر إعلامياً هو الحصار، في الوقت الذي أؤمن به مطلقاً أن الحصار هو ضد المواطن البسط والفقير فقط، في الوقت الذي يعيش به الكبار وتجار الحصار أفضل أوضاعهم في نشوة !!..

أما في الشمال فالحال هو الحال، الجشع، والفساد الذي يطل برأسه بين الحين والآخر من خلال الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن البضائع الفاسدة التي يتم ضبطها يومياً وهي لم تأتِ من فراغ أو من الهواء بل هناك من يقف خلفها من أباطرة المال والجاه ويدعمها ويحميها أدعياء الوطنية والخوف على مصلحة الوطن والمواطن وما هم سوي أدعياء باطل مقنعة ممن اسقطوا كرامة فلسطين وأسطوريتها الجهادية ومزقوها وجعلوها أقوام وفرق وكنتونات وملكيات خاصة يمارسوا بها شهوات القيادة. إسقاطات وطنية يتجاذبها أطراف معلومة لا تحتاج إلى مسميات أسقاطات هدفها أبعد مما نتخيل ونتصور لأننا دوما نمسك بالقشور ونترك الأساس والجوهر والمرامي البعيدة لأي حالة لكي نبرر لأنفسنا المؤامرة التي تحاك ضد فلسطين وشعبها والوجود الوطني. فإن كانت عملية السلام قد سقطت منذ اندلاع انتفاضة الأقصي عام 2000م فما هو البديل المطروح ؟

هناك من يطرح المقاومة كمشروع وحل سحري وبديل لا مفر منه وأنا أتفق معهم، نعم المقاومة هي البديل الأمثل والأكثر مشروعية والحل الذي لا بد من انتهاج دربه مع عدو لا يفهم سوى هذه اللغة ولكن السؤال أين هي المقاومة ؟ وما هو مفهوم المقاومة ؟

هذا السؤال استفزازي، لمن لايريد سماع قول العقل ومنطق الواقع والحقيقة، لأنهم يريدون مقاومة بالشعار يحققوا من خلفه كل شهواتهم وكل رغباتهم وأهدافهم.

ودعونا نتحدث عن المقاومة التي لم يعد لها مقومات على الأرض. فغزة هاشم أصبحت المقاومة فيها شعار اعلامي وبيان، ولم تعد لها حقيقة قائمة بذاتها وبمكوناتها سوى بمخازن السلاح، ومعسكرات التدريب التي أصبحت تتغذى بثقافة جديدة تصب في اتجاه عدو جديد وهو إبن وطنك عدوك وليس المحتل، ولم يعد حزب أو فصيل يقوى على كسر التهدئة التي يخترقها العدو عشرات المرات يومياً ولم ينفذ شيء من بنود التهدئة والتخفيف من الحصار.

أما في الضفة فلم تعد المقاومة تقوى على فعل أى شيء سوى الاستسلام والخضوع لإرادة القوى وهنا من المسؤول؟ فالتفكير بهذا السؤال سيقود قصار النظر للرد بسرعة السلطة الفلسطينية وهو تفكير حق يراد به باطل لأن الحالة تنطبق على شطري الوطن رغم أن السلطة لم يعد لها سيطرة على غزة. ولكن الإجابة ابسط مما يتخيل العديد، فحالتنا هذه ما هي سوى ترجمة فعلية للفعل خلال انتفاضة الأقصي التي أنتجت لنا فئة تلهث خلف الألقاب والاستوزار والمواكب الوزارية والبساط الأحمر وجعلوا من الوطن قطعة مملوكة شخصياً لهم يمارسوا بها ما شاؤوا دون حسيب أو رقيب. فالضفة تحذر المقاومة من المساس بأمن الوطن ومصلحته العليا التي بمنظورها هو اتفاقيات السلام، وغزة تحذر كل من يمس التهدئة بأنه عميل وخائن ومتآمر على الشعب الفلسطيني..

فاين المقاومة إذن ؟ وأين الحل ؟

جملة من التعقيدات التي نحاول القفز عنها ولم نعد نمتلك سوى الترقب والانتظار لما ستقوم به رام الله من محاولات لكسر شوكة حماس المنقلبة حسب وجهة نظرهم، وغزة ترد الصاع عشرة لكسر شوكة رام الله الخائنة والعميلة - حسب وجهة نظرهم - وما بين غزة ورام الله أصبحنا غرباء في وطننا، وأصبحنا مضغة في فاه كل من هب ودب ليصبح مناضلاً ومجاهداً ويعتلي صهوة النضال، بل وتمادت بعض العقول والكروش الخاوية المرتزقة الوظيفية والتي لا تعرف شيئاً عن فلسطين سوي اسمها من تصنيفنا لعملاء وخونة وعميل وخائن، حسب وظيفته المنوطة به، وهناك من ذهب بعيداً وأبعد من ذلك وأصبح حاملاً لأختام التاريخ بيده وهو قزم نكره ووصل الحد بالبعض منهم من اصبح يخون التاريخ ومسيرتنا النضالية. أراجوازات الإعلام والمواقع العنكبوتية هذه الثقافة الكيبوردية التي أصبحت للإسترزاق الوظيفي الغير معلن، فهناك أمثله تتغني بالنهود ليلاً وتبيع وطنية نهاراً، يستثمرون صباحاً ويتكرشون بالوطنية ليلاً من خلف الكيبورد والفأرة.

فالحقيقة كالعلقم لم تعد لدينا أمامها سوي الاحتساب لله من هؤلاء الذين جردوا الوطن من قدسيتة وجعلوه فريسة سهلة المنال للغربان الليلية الذين أصبحوا بليلة وعشاها مناضلين ومناضلات ومقاتلون ومقاتلات وشرفاء وهم تجار سقطت ورقة التوت عنهم وأصبحوا عراه لا يخدعون سوي من لف لفيفهم.. إنها ثقافة النعال التي أصبحت سمة لهم ولغة حوار دارجة كـ لسان حال العشرات من هذه الأراجوزات.. فما هو الخيار ألسلم والأصوب في ظل حالة الانعدام الشمولي ؟!

وما هو مـآل هؤلاء ؟


تعليقات: