حسن صعب ذاكرة الوطن


عندما أتكلم عن جدي.. فأنا أتكلم عن عالم رائع، عن دنيا جميلة، عن وطن كبير، وحب لا يموت أبدًا.

جدي الحبيب كم تحتاج ذاكرتنا الى حوافز ومنشطات من إيحاءاتك واشراقاتك الفكرية والروحية.

فعندما يرحل الكبار أمثال جدي الدكتور حسن صعب لا بد لكلامهم وآثارهم ان تحفظ بالانفتاح عليها والتفاعل معها، فهم ذاكرة الوطن النظيفة، والوطن اليوم يحتاج الى نظافة العقل ونظافة الفكر ونظافة الكف ونظافة الشعور على الصعد كافة.

لقد كان جدي حسن صعب رؤيوياً في فكره، لم يخضع في قراراته ومواقفه للأمر الواقع، ولم يحصر فكره بالزمن الذي عاش فيه، كان مستقبلياً يرى في المستقبل سعة ورحابة ومحط طموحاته ومنهل أفكاره التي قد لا يستطيع الواقع المتخلف هضمها أو تحملها.

جدي حسن صعب أيها العربي الفاهم لجدية الترابط بين الهوية اللبنانية والهوية العربية عملت من منطلق هذ الفهم.

ومن إدراكك لأهمية التواصل بين الإسلام والمسيحية الذي منحت لبنان صفة “الوطن القدوة.. المصفى الإبداعي للوحدة في التنوع، في التمدن العربي والتحضر الإنساني” والذي استفاض في الإضاءة عليه في بنائه الفكري “الإسلام وتحديات العصر”.

 حسن صعب أيها الكبير في العلم والوطنية مازال الوطن يئن من وطأة جراح الحروب.

* الولادة والنشأة:

ولد الدكتور حسن صعب 15 تشرين الأول في العام 1922 من بيروت توفي والده قبل ولاته (وحمل اسمه) عاش يتيماً في ظروف معيشية صعبة لكنه شق طريقه بنفسه معتمداً العلم سبيلاً. وقد اختاره في العام 1941 مفتي بيروت الشيخ محمد توفيق خالد مع مجموعة من الشباب من بينهم المفتي حسن خالد، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، للانتقال إلى مصر ودراسة العلوم الإسلامية ليصبحوا رجال دين، وفي القاهرة تخلى عن مسار العلوم الإسلامية والدينية واتجه إلى العلوم المدنية.

* الدراسة في القاهرة :

تابع دراسته وحاز في العام 1945 على الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة ومنها انتقل إلى فرنسا حيث درس الحقوق لمدة سنة لينتقل بعدها إلى جامعة جورج تاون في واشنطن حيث نال في العام 1956 شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.

* السيرة المهنية

أثناء دراسته: نجح صعب في العام 1944 في اجتياز امتحان السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين حيث تنقل في عدة مناصب في الإدارة المركزية للوزارة في بيروت وفي العديد من السفارات اللبنانية في الخارج منها منصب القائم بالأعمال بالوكالة في سفارة لبنان في واشنطن بين العامين 1950- 1956، وعضو في البعثة اللبنانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1959.

وقام بالتعليم في عدد من الجامعات في لبنان والخارج، وتولى ما بين الأعوام 1972-1978 عمادة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وفي العام 1990 أصبح أستاذاً محاضراً في الجامعة الأميركية بعدما سعى للدخول إليها طالباً قبل ذلك بعقود ولكنه لم ينجح في مسعاه.

* مؤلفاته :

ألف عشرات الكتب وترجم عشرات أخرى، كما كتب مئات المقالات والدراسات، ومن أبرز مؤلفاته:

- تحديث العقل العربي: الصادر في العام 1969، وجاء في مقدمة الكتاب “إن قضية تحديث العقل العربي هي قضيتنا الحضارية الأولى، لأنها القضية التي تتوقف عليها مواجهتنا لجميع قضايانا المصيرية مواجهة قويمة فعقلنا هو الذي يقرر مصيرنا. أننا نثق بقابلية العقل العربي لكل تقدم. ولذلك نريده أن يقبل على التحديث من بابه الواسع وليس التحديث بالضرورة مرادف للتقدم ولكنه أصبح الآن الشرط الضروري لأي تقدم أفضل منه، إن مستلزمات التحديث الأساسية هي الحرية الإنسانية، والتجريبية العلمية، والتنظيمية العقلانية والإبداعية الفكرية. إنها مستلزمات غير كافية ولكنها ضرورية لكل تقدم حقيقي فلا بد للعقل العربي أن يستسيغها وهو ينشد اللحاق بالتحضر الحديث وتجاوزه لتحضر عربي وإنساني أفضل منه”.

- الإسلام وتحديات العصر حيث دعا إلى ثورة اجتهادية دائمة في الإسلام معتبراً أن الديمقراطية الحقيقية تجسيم لقيم الإسلام الروحية. وحول الإسلام يقول: “أما الإسلام فإنه فطرتي وقدري وليس هويتي لأنه في روحي، والروح لا هوية لها لكنها كما علمني القرآن الكريم هي من أمر ربي وهي تعلو أية هوية لأنها تصلني بالله تعالى، وبكل إنسان أخ لي”.

- الدبلوماسي العربي: ممثل دولة أم حامل رسالة.

- علم السياسية.

- لبنان العقل لا لبنان العنف.

- المفهوم الحديث لرجل الدولة.

- إسلام الحرية لا إسلام العبودية.

انجازاته

أسس الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية في العام 1958، كما أسس ندوة الدراسات الإنمائية في العام 1964 وتولى رئاستها حتى وفاته في العام 1990، وأسس هيئة التعبئة الوطنية في العام 1967 إثر هزيمة حزيران 1967، كما انخرط في العديد من الهيئات والجمعيات العلمية والفكرية في لبنان والعالم، وكان له دور وفاعل في إدخال لبنان في العام 1985 في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو).

تزوج من الدكتورة نعمت غندور الحائزة دكتوراه في علم المكتبات ولديهما ولدان حسان ومروان. وتوفي في 25 تموز 1990 وآخر ما كتبه: “خلقنا لنحيا الحياة، وحدها تستحق أن نكونها، وأنا أريد أن أكون، أريد أن أحيا، أريد أن أتحرك، أريد أن اخلق”. 

جدي الحبيب نقف جميعنا اليوم لنعاهدك من خلال وجع ومعاناة شعبنا من العوز والحرمان، وكذلك “الصعوبات الإجتماعية والإقتصادية والمالية والسياسية المتعددة والمتراكمة في البلاد وتأثيرها على الناس”، ناهيك عن جوائح سلالات وباء الكورونا المتحورة التي حصدت أحباء وأعزاء ، يبقى الأمل في قلوبنا لنصل الى بر الأمان.

وندعو القيادة السياسية أن يتعرفوا على الرحمة كي يرحمهم الله العلي القدير ومنه الشعب والتاريخ فيما بعد. ونناشد المعنيين إلى التضحية بالأنانيات والأحقاد والمصالح الشخصية لإنقاذ وطننا لبنان.

جدي الحبيب.. عليك السلام في قبرك يا فقيد قلبي.

سيرين مروان صعب



























تعليقات: