فلسطينيو برج البراجنة: لاجئون من المهد إلى ما بعد اللحد

مدافن مخيم برج البراجنة
مدافن مخيم برج البراجنة


تجلس فاطمة الأشوح فوق أحد القبور في جبّانة مخيّم برج البراجنة مع ثلاثة أطفال يلهون من حولها، تشير إلى القبر «هذا قبر والدي وأمي، وعند موتي سوف أنضم إليهما». ثم تكمل: «ليس مسموحاً للفلسطيني بالراحة حتى في موته، هذه هي ضريبة اللجوء». ينضمّ سليم شريفي مسؤول الجبانة قائلاً «بعد عام لن يكون هناك مكان لدفن أحد، وسوف أصبح عاطلاً عن العمل». يتشارك الفلسطينيون الاهتمام بمقبرتهم الوحيدة داخل المخيم، فهم تبرّعوا بشجر الزيتون ليذكّرهم ببلادهم، كما قدّموا الآبار ومياه السبيل، ولم تنفع المذكّرات التي رفعت إلى منظمة التحرير الفلسطينية والأونروا طلباً لتأمين أرض جديدة، كما أشارت جهات سياسية نافذة في المخّيم. وإذا بقيت الحالة على ما هي عليه، يتخّوف فلسطينيّو مخيم برج البراجنة من انعدام الأماكن الممكنة لدفن الموتى، فتصبح مرارة اللجوء في الحياة، وفي الممات!

حين نُصبت خيم اللاجئين في البداية، لم يكن للفلسطينيين مكان ليدفنوا فيه أمواتهم. في أوّل أيام اللجوء كان الدفن يتم في المقابر المجاورة (جبانة الرمل العالي والرادوف) وأحياناً داخل المخّيمات، حسب الأوضاع الأمنية المحيطة. أما اليوم، فلم تعد تقتصر معاناة اللاجئ الفلسطيني على حياته الاجتماعية، بل امتدت لتلاحقه حتى مماته، وبينما تختنق أزقة مخيّم برج البراجنة بالفلسطينيين، تضيق جبانة المخيم بالأموات منهم، ويتردّد في المخيم أن المقبرة لن تستطيع استقبال وافدين جدد.

أقيمت أول جبانة داخل المخيم عام 1953، بيد أنها اندثرت بالكامل لاحقاً وتحولت إلى «حي الكويكات» بعدما «اضطر الناس إلى البناء عليها نتيجة الاكتظاظ السكاني»، كما يشير أبو حميد أحد سكان المخّيم القدامى.

توالت الحروب على المخيّم ما دفع باللجنة الشعبية إلى تقديم اقتراح عام 1981 يقضي بتحويل قطعة من الأرض التي تقع في الحيّ الغربي (كانت تستخدم لتدريب الأشبال)، إلى جبانة للمخيم، «بما أنّ الطرق المؤدية إلى المدافن القريبة أصبحت محفوفة بالمخاطر».

يستفيض مسؤول الجبهة الديموقراطية في مخيم برج البراجنة أحمد مصطفى شارحاً «كنا نحتاج للوصول إلى أقرب جبانة من المخيم، للفدائيين لفتح الطرقات كما كانت المسافة بعيدة نسبياً»، ومنذ تلك الفترة «بدأ الناس يدفنون أقاربهم بشكل عشوائي، لكن الأمر انعدم نهائياً خلال حرب المخيمات، ولم يكن باستطاعة الفلسطيني أن يدفن أحد في الجبانة الحالية لأنها لم تكن منطقة آمنة». وكانت عملية الدفن في تلك الفترة تتم بالقرب من مستشفى حيفا مقابل نصب الجندي المجهول، وكانت هذه المقابر عبارة عن مقابر جماعية حيث لا يزال الآن رفات 19 جثة هناك ويرفض أهلها نقلها إلى الجبانة الحالية.

رممت الجبّانة ووسعت لأكثر من مرّة، فظلّل شجر الزيتون أغلب القبور، وتحوّلت إلى المساحة الخضراء الوحيدة الموجودة في المخيم. وها هي اليوم تستقبل زوّار القبور عبر نصب تذكاري، على شكل خريطة فلسطينية، تشير إلى هوية سكانها، أما توزيع القبور فعشوائي.

تمثّل طبيعة الأرض الصخرية عائقاً إضافياً أمام عملية الدفن، كان اللاجئ يجد نفسه مضطراً إلى إمضاء يوم كامل في كل عملية حفر، ما دفع باللجنة الشعبية عام 1996 إلى تنظيم القبور وفرز الأرض لتتّسع لأكبر عدد ممكن من الوفيات ولتسهيل عملية الدفن، كما يشرح أحمد مصطفى «لو لم يتمّ فرز هذه الأرض ومع ارتفاع عدد الوفيات لكانت الجبانة قد امتلئت منذ عامين». ويضيف إنه «في عام 2006 أتى فلسطينيّ من عكا وفرز 226 قبراً، بقي منها اليوم 166 قبراً فقط، وإذا بقيت نسبة الوفيات على حالها فإن الجبانة سوف تمتلئ بعد عام على أبعد تقدير».

هكذا، أصبح هناك اليوم وعي شعبي داخل المخيم بأنه «يلّي إلو حدا بيندفن فوقوا»، والطريقة المتبعة الآن هي دفن كل عائلة في قبر واحد.

تعليقات: