صور تنهض من كبوة الاضطراب السياسي إلى الغليان السياحي

نارجيلة «أهلية» في صور
نارجيلة «أهلية» في صور


مؤسسات تتوسع وتزيد خمسين في المئة من عديد موظفيها..

لم يعد التجول في مدينة صور هذه الأيام يسيرا كما كان في الماضي. أصبح عبور الشارع المحاذي للواجهة البحرية يتطلب حوالي نصف ساعة في فترة ما بعد الظهر. صار الحصول على موقف للسيارة مستحيلا، والحظ حليف كل من يجد مكانا على الكورنيش الذي يغص بالزائرين والمتنزهين من اللبنانيين والمغتربين والأجانب، حتى أن المرء يخال نفسه وسط سوق لا مكان عام.

تشهد مدينة صور هذه الأيام حركة ونشاطا لافتين عكسه انفراج الأزمة سياسيا وانتخاب رئيس للجمهورية والشروع في تشكيل الحكومة الوفاقية بالرغم من التأخر المقلق في إنجاز الأمر. عاد الازدحام إلى شوارع مدينة الحرف من جديد، وأخذت محلاتها ومطاعمها ومقاهيها تستعيد زوارها وروادها الذين عادوا إليها بعد أن صرفتهم الأحداث الأخيرة عنها. استعادت الصالات حيويتها بعد أن سئمت الانتظار. نصبت الخيم على شواطئها وبدا أصحابها منهكين بالاستعدادات والتحضيرات اللازمة التي ترجمت بتطوير الخدمات وتحسينها. اقيمت المزيد من المنشآت وجرى تجهيزها لـ«صيف ساخن» بالمعنى الإيجابي ومختلف عن موسمين احدهما مأساوي عدواني والآخر شبه مشلول مرا ليس على المدينة فقط بل على الوطن بمجمله. اليوم تلوح أمام أصحاب المؤسسات السياحية والخدماتية بوادر عمل وإمكانية إنتاج إن لم يفسدها السياسيون، وتفتح لهم أبواب الرزق وها هم يسارعون إلى استغلالها، واضعين بذلك كل إمكاناتهم المادية التي طالما تريثوا في استثمارها.

«الموسم الصيفي في صور سيكون جيد جدا إن شاء الله هذه السنة» بهذه الكلمات يستهل وائل شرف الدين صاحب مطعم لاكوستا حديثه، معتبرا أن تقاطر المغتربين الرافعة الأساسية للموسم. ويضيف شرف الدين أن المغتربين سيساهمون من خلال عودتهم إلى لبنان، بعد غياب قسري لثلاث سنوات نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية التي كانت سائدة، سيسهمون في إنعاش الوضع السياحي في المدينة بعد أن أصابه الجمود خصوصا بعد تفاقم الازمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار إضافة الى الضربات والتهديدات التي تلقتها قوات اليونيفيل، وحدت من حركتهم داخل المدينة بشكل كبير.

يبدو شرف الدين متفائلا بسبب الانفراج السياسي الذي تلا انتخاب رئيس للجمهورية، يقوم بإدخال المزيد من التحسينات والخدمات على مطعمه وتوسيعه، مع شيوع الأنباء عن عودة أعداد كبيرة من المغتربين الجنوبيين إلى قراهم وبلداتهم. وسّع شرف الدين مطعمه وأضاف أصنافا جديدة على لوائح الطعام وزاد عدد الموظفين من 20 إلى 30 موظفا وشرع بتدريبهم، وعمل على استئجار قطعة أرض مجاورة لتخصيصها كموقف للسيارات لاستقبال أكبر عدد ممكن من الزبائن بالرغم من الازمة الاقتصادية الراهنة.

حالة التفاؤل هذه تبدو ظاهرة بشكل واضح على محيا حسين الأشقر، أبو مظلوم، صاحب مطعم الساليناس. ويرى أبو مظلوم أن الهدوء السياسي والأمني ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي لاسيما الموسم السياحي، معتبرا إن المغترب الجنوبي عندما يسمع عن عودة الاستقرار إلى لبنان يأتي مباشرة نظرا لارتباطه بأهله ومجتمعه. ورغم إن الزائر قد لا يجد مكانا له في مطعمه اليوم، ومع ذلك، يقول أن الموسم لا يبدأ بشكل فعلي إلا من منتصف شهر حزيران الجاري. أما السؤال عن تحضيراته للمستقبل فيصبح في غير محله عندما يبادرك قائلا أنا في حالة استنفار واستعداد دائم في جميع الحالات والظروف حتى أنني في حرب تموز لم أقفل يوما وحدا. يرى أبو مظلوم أن الناس متفائلة ولكنها بحاجة إلى المزيد من الاطمئنان والدعم المالي والمعنوي.

بدوره، ينفي نزيه أرناؤوط، صاحب مطعم تيروس، أن يكون هناك سياحة في المدينة، وينفرد عن الاخرين بالتوقف امام مضاعفات مركبة. يتحدث عن العشوائية في افتتاح المطاعم والمقاهي والخيم البحرية التي يعتبرها المنافس الأساسي له كونها غير مرخصة من وزارة السياحة، وبالتالي لا يتوجب عليها أي ضريبة. يكشف عن تحرك لأصحاب المطاعم المرخصة لتقديم احتجاج لدى الوزارة وحثها على معالجة الفوضى الحاصلة، لذلك هو يفضل التريث قبل القيام بأي استثمار أو نشاط حتى جلاء الصورة السياسية في لبنان بشكل كلي. يرى أرناؤوط أن المدينة أصيبت بالشلل منذ حوالي السنة لان المناطق اللبنانية أصبحت منقطعة عن بعضها البعض، فابن الشمال وصيدا مثلا أصبح يخاف أن يأتي إلى صور نظرا للحساسيات السياسية التي أمل أن تنتهي لتعود الأمور إلى سابق عهدها بعد تشكيل الحكومة وإطلاق عجلة الاقتصاد.

يرى فادي بحسون، مدير مطعم نوشن، أنه وبعد اتفاق الدوحة بأيام قليلة سجلت حركة لافتة بحيث امتلأت صالة مطعمه عن آخرها، «وهذا يدل عن مدى حاجة الناس إلى الاستقرار وتوقهم الى الأمن والأمان». ونظرا للأهمية التي يوليها فادي للمغتربين فهو يعمل على متابعة أخبار مجيئهم الى لبنان من خلال الانترنت ووسائل الإعلام، وعمد لهذه الغاية إلى جملة من التحضيرات في مقدمتها زيادة عدد الموظفين بنسبة خمسين في المائة وزيادة أطباق جديدة كالايطالي والفرنسي إضافة الى الياباني، واستحداث بعض الأماكن الإضافية وتجهيز الصالة بـ«كارا أوكي »التي تعتبر الأولى من نوعها في منطقة صور. ويعد فادي أيضا لعدد من النشاطات الفنية لمواكبة الموسم الصيفي مثل: إقامة حفلتين فنيتين كبيرتين، تقديم فرق فنية استعراضية، وتنظيم حفل جمالي، لكنه لا ينفي تأثير الغلاء على الحركة إلا انه مقابل ذلك يعتبر أن مجيء المغتربين يعوض الخسارة.

تنسحب الحال أيضا على أصحاب الفنادق في صور. «بدأت البوادر الايجابية للموسم السياحي بالظهور مباشرة في اليوم الثاني لانتخاب الرئيس» يقول هلال مغنية، مدير فندق ومطعم أليسا، من خلال مبادرة بعض المغتربين في عدد من البلدان الإفريقية والأوروبية والعربية إلى الاتصال وحجز غرف لهم، والتي بلغت لغاية ألان 9 حجوزات من أصل 28 غرفة إجمالي عدد الغرف الموجودة في الفندق، مشيرا إلى تلقيه عددا من الاتصالات للاستفسار عن الحجوزات والأسعار. يتوقع مغنية أن يكون الموسم حافلا وهو يخطط لافتتاح الموسم بإقامة حفلة فنية كبيرة لأحد كبار نجوم الفن، مؤكدا على جهورية الفندق لاستقبال النزلاء بعد الانتهاء من التحضيرات اللازمة.

من ايجابيات اتفاق الدوحة أن الهاتف أصبح يرن بعد أن توقف لفترة نتيجة الأوضاع بحسب حسين ترحيني، مدير فندق بلاتينو، فحجوزات الغرف عنده ارتفعت بنسبة ثلاثين في المائة، ويتوقع أن تبلغ ذروتها منتصف الشهر الحالي، كذلك زادت حجوزات صالة الأفراح، خاصة للمغتربين، من صفر إلى خمسين في المائة أي حوالي 15 فرحا في الشهر الواحد بعد أن كانت مؤجلة في السابق. ومع موجة التفاؤل التي عمت البلاد، يستعد ترحيني لفتح صالة إضافية تتسع لحوالي خمسمائة شخص، وناد رياضي يعد من أكبر نوادي المنطقة تبلغ مساحته 1200 متر مربع، كما أنه سيتم وضع الحجر الأساس لبناء مسبح على مساحة ألف متر مربع، إضافة إلى زيادة عدد الموظفين، والتجهيز لإقامة معرض للمنتجات الإيرانية. ويرد ترحيني ذلك إلى عودة الهدوء والاستقرار معتبرا انه دونهما لن يتجرأ ويستثمر دولارا واحدا.

ويصف عماد قانصو المدير الإداري لاستراحة صور هذا الصيف بـ«الواعد»، فالاستراحة منذ الان اشبه ما تكون بخلية نحل تكاد تمتلئ بالمغتربين الذين بدأوا بالوصول إضافة إلى السياح واللبنانيين من مختلف المناطق خصوصا من الشمال، وكذلك قوات اليونيفيل الذين تعج بهم صالاتها. فالاتصالات تنهال على المؤسسة يوميا من مختلف بلاد الاغتراب لتأكيد الحجوزات التي ارتفعت بنسبة 50 بالمائة، وتتراوح مدتها بين شهرين وثلاثة شهور. أصبحت صالات الأفراح أيضاً محجوزة منذ الان طيلة شهري تموز وآب. وهذا الأمر ينعكس إيجابا على العمل حيث أصبح بمقدور الإدارة وضع المزيد من الخطط الخاصة بالتطوير، بعدما كانت مقيدة سابقا بانتظار جلاء الأوضاع السياسية. وانعكس الانفراج الأخير بافتتاح مطعم بحري وإقامة حفلات بحرية وإضافة حوالى 70 غرفة جديدة، كذلك زيادة الكابينات البحرية بعدما ارتفع عدد المشتركين فيها من اللبنانيين والمغتربين. وستقوم الإدارة أيضا بإقامة أربع حفلات فنية كبيرة لعدد من الاسماء الفنية المعروفة. أما بالنسبة للمهرجانات فيؤكد قانصو انه لغاية الان لم يتبلغوا أي شيء بهذا الخصوص من قبل القيمين عليها.

في «حارة المدينة» المحاذية لميناء صور، حيث تعج المقاهي المجاورة بالرواد، ويتأهب الصيادون منتظرين حلول الظلام للخروج إلى البحر. المنازل هناك تحافظ على طابعها التراثي، كما ضيق طرقاتها الداخلية على الرغم من التغيرات التي طرأت على المدينة من حولها، في حارة المدينة يترك الزوار والسياح سياراتهم خارجاً ليدخلوها سيرا على الإقدام. في قلب الحارة تصل إلى فندق الفنار الذي استقبل الأسبوع الفائت نحو 70 سائحا فرنسيا، «هو عدد لم يشهده الفندق منذ سنوات»، كما يقول صاحبه وليد صالحة، الذي شبه الاتفاق السياسي الأخير في لبنان بميزان الحرارة الذي يرصد نشاط الحركة باتفاق السياسيين وانخفاضها مع اختلافهم. ارتفعت نسبة الإشغال عند صالحة «خصوصا من الأجانب والعائلات اللبنانية إلى حوالي الأربعين في المائة نظرا لاهتمامهم وحبهم للأماكن التراثية»، وأضحت «جميع الغرف في الفندق لا سيما المطلة على البحر، محجوزة منذ مطلع حزيران لأيام العطلة الأسبوعية ولمدة الأشهر الثلاثة المقبلة، أما باقي أيام الأسبوع فهناك ما بين أربع وخمس غرف من أصل عشر تبقى محجوزة بشكل دائم.. الاستعداد لموسم الصيف لا يعني بنظر صالحة نهاية المطاف، فإذا بقي الوضع على حاله من الهدوء، فموسم الشتاء سيكون زاخرا بالسياح، لذا تراه فرحا بعودة الحياة الطبيعية.

تأجير السيارات

و نظرا لحاجة المغتربين والسياح إلى المواصلات أخذت شركات تأجير السيارات بالإعداد للموسم الحالي، فـ«الطلب على السيارات فاق التوقعات»، وفقا لزينب أبو خليل مسؤولة إحدى الشركات، التي اعتبرت إن الأزمة السياسية السابقة أثرت سلبا على الشركة، كون العمل فيها يعتمد على المغتربين بشكل رئيسي. أما الان فهناك حوالي 25 سيارة محجوزة لمدة تتراوح بين شهر وشهرين «والشركة تقوم بدراسة لزيادة عدد السيارات لمواكبة الموسم، وزيادة عدد الموظفين من 10 إلى 14 موظفا». وبالرغم من تفاؤل أبو خليل إلا أنها تخاف أن تلجأ إسرائيل إلى القيام بعملية ما تفسد فرحة الجنوبيين محولة صيفهم من بارد إلى حار.

وتؤكد لينا بيطار، صاحبة شركة سفريات في المدينة، وجود ضغط كبير على شركات الطيران العاملة في لبنان، فهناك أكثر من ست وثلاثين شركة لا يوجد على طائراتها مقعد شاغر خصوصا من دول الخليج العربي وأوروبا وأفريقيا، وهذا الأمر يعود، برأي بيطار، إلى رغبة الناس بالعودة إلى وطنها بعد شعورها بالارتياح.

ويعول محمد عطية، مدير مدينة ملاه، كثيرا على مجيء المغتربين الجنوبيين هذه السنة فهو يصفهم«بالمنقذين» لأنهم يضخون سيولة في المنطقة خصوصا مع تردي الوضع المادي للمواطنين الذين ما يزالون غير مطمئنين كليا، إلا إن ذلك لم يمنعه من إطلاق ورشة عمل لانجاز أعمال الصيانة، وافتتاح المطعم والتخطيط لإقامة حفلة زجل بين شهري تموز وآب.

كثيرة هي الآمال التي يعلقها أبناء المدينة على اتفاق السياسيين والمسؤولين، فهو يشكل برأيهم خشبة الخلاص الوحيدة المتبقية لهم، بعد أن نسفت إسرائيل في الماضي مركبهم السياحي والإنتاجي والحياتي. يأملون من الصيف الحالي أن يرسو بهم على شاطئ الأمان لينعموا بالهدوء والسلام والازدهار الذي طالما افتقدوه، هدوء مربوط بمدى استعداد سياسيي هذا البلد على الالتصاق بمصالح ناسهم ولقمة عيشهم وتوقهم للاستقرار والسلام.

تعليقات: