لروح إبن الهبّارية، فقيد الشباب والعلم والمعرفة والإغتراب ناصر أبوأيوب

 فقيد الشباب الغالي المغفور له ناصر علي أبو أيوب
فقيد الشباب الغالي المغفور له ناصر علي أبو أيوب


لروح فقيد الشباب الغالي المغفور له بإذن الله ناصر علي أبو أيوب.. في رثاء من اغترب، وعادَ شهيدأ للعلم والمعرفة,,

فكم هو مؤلم أن ترثي شاباً غادرنا وهو في مقتبل العمر!

هي مأساة كلّ أمٍّ أو أب ضاقت سبل الحياة في وجه فلذة كبدهما، فهاجر، وانتظرا عودته حاملاً شهاداته فريباً لكنه للأسف، عاد محمولاً في نعش ..

أنت يا أيها الغصن اليانع البديع، كم نتمنّى لو أنَّ حزن رحيلك المفاجئ لم يهدم ضلوعنا ليغرق قلوبنا ألما وكمدا. ما أقسى البكاء بدموع فاجعة، وما أصعب الألم عندما يصيبنا في الصميم! كلّ ما يتبقى من الذين ابتلعتهم الهجرة في ارض الغربة ذكرى اتصالات هاتفيه كان ينتظرها الأهل بشوق، لكن الآن، لا هاتف ينتظر ألألم الطويل في الفؤاد.. فابكي أيتها العين واذرفي الدمع على ثمرة يانعة ، أذبلها القدر اللعين وباتت مجرد ذكرى .. ابكي أيتها العين على من كان يكحلك .. يا لك من قاس أيها الموت .. نعم أنت حق على البشر علينا ان نؤمن ونقتنع بأنك حقيقة لا بد منها ، لكنك جئت كالبرق في غير أوانك ، جئت مسرعاً في يوم قاتم السواد ، وسرقت بلمحة البصر شاب طموح بدأ حياته العلمية، منطلقا من مبدأ الشغف والإخلاص للدرس والتحصيل العلمي ولكن قاده ذلك الى حتفه.. فاجعة وقعت كالصاعقة على كل من عرفك.

نعم فكل طالب أو كل شاب في لبنانيطمح ليدرس ويحقق حلمها ويتخرج حاملاً إختصاص محترم ولذلك يقوم بالبحث والسعي الدؤوب للحصول على مقعد في جامعة محترمة وقد لا تساعده الظروف ولا الإمكانات ...

وحده ناصر علي أبو أيوب أتيحت له كل الفرص وفتحت له كل الأبواب، جامعات، سفارات، دول ...

ناصر الوحيد الذي كان يمكن أن يكون طبيباً أو مهندساً أو ضابطاً أو عالماً لامعاً.... ليس بالواسطة ولا بالمال إنما فقط بكفاءته وعلمه وتفوقه...، كان يمكن أن يكون ضابطاً ناجحاً في خدمة الوطن بعد أن نجح في إمتحانات الدخول للمدرسة الحربية وتلقية التهاني ثم بدون مببرات شطب اسمه لاحقاً لسبب نجهله، كان يمكن لناصر أن يكون طبيباً ناجحاً يداوي المرضى والجرحى بعد أن درس الطب عاماً كاملاً، إلا أن صعوبات الحياة في لبنان وطموحاته التي لا تعرف حدود والسر الذي يعرفه وحده عن ماذا يريد أن يكون، قرر المغادرة إلى باريس بعد أن حصل على منحة جامعية وتخلى عنها لاحقاً لصالح منحة حصل عليها بكفاءة للدراسة في كندا في مجال هندسة الكهرباء.... درس وتفوق وتميز وحصد حب واعجاب زملائه وأساتذته، فناصر مزج بين التفوق العلمي والتواضع وحب الحياة والحفاظ على القيم الأخلاقية والإنسانية والتمسك بالصداقة ككنز لا غنى عنه.

ساعات ويعود ناصر في الطيارة التي أقلته يوماً إلى كندا، ومن المطار الذي انطلق منه ولكن هذه المرة ليس من باب الركاب، سيعود ناصر في محملاً في نعش يحمل داخله كل الأحلام والطموحات وعذابات السفر والشوق لحضن الأهل والأصدقاء, الذين سيستقبلونه بحرقة ولوعة على خسارة إبن أو أخ أو صديق أوقريب، سيعود هذا الشاب الذي أبكى كل العيون وأحزن كل القلوب برحيله الى بلدته التي أحب ومرتع الطفولة، سيعود ليجول محمولاً على الأكف في شوارع وأزقة الهبارية التي عشقها ولعب فيها طفلاً ومراهقاً وطالما حلم بالعودة إليها وسيمشي الأصدقاء والأحباء في جنازته متفكرين داعين متضرعين، وسيحتضنه تراب الهبارية التي عشقها في رحلته الأخيرة ,,

لا اعتراض على مشيئة الله، فهو المحي وهو المميت، ولكن من يتحمل مسؤولية هجرة أبنائنا في أصقاع المعمورة ، ومن المسؤول عن هجرة الأدمغة والشباب ولا يحتضنهم؟

الهجرة أصبحت هاجس اللبنانيين ولسان حالهم، فقد ضاقوا ذرعاَ من الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الصعبة وخاصة بعد الإرتفاع الجنوني للدولار... فماذا سيفعل شباب لبنان وشاباته وما هو مستقبلهم؟ هل ستبقى الهجرة هي الحل ؟ وهلى سنبقى نخسر خيرة شبابنا نتيجة سياسات المسؤولين الخاطئة ...

عزيزي ناصر ..

رحم الله أناس فرحت بهم الدنيا حين زينوها، واستقبلتهم الأرض بالبشرى من الرحمن، نسأل الله أن يجعل قبرك نزلاً فسيحًا من الجنة تسكنه إلى حين الموعد الأكبر, ستبقى في قلوب كل من عرفك ذاك الشاب الطيب الخلوق المتفوق، في جنان الخلد بإذن الله

كنتَ من البراعم المتوقدة بحب الحياة متفائلا يحب الخير للإنسان، كنتَ تتمنى دوما ان تعيش حياة زاخرة بالأفراح والمسرات بين أهلك ومحبيك ، لم تفارق الابتسامة محياك .. أما الطيبة التي كان ينطوي عليها قلبك المحب فإنها كانت أحلى سماتك ، فكل ما بقي من نقاء روحك أغزر ذرف الدمع لدينا.

الآن، نفتقدُ ابتسامتك الخجلة، وفقدانك ليس إلا خسارة لنا جميعا ستبقى آثارها في قلوبنا بليغة لا تندمل.

وداعا أيها المتفائل بحب الحياة .. وداعا أيها المتواصل في العطاء, وداعا أيها البرعم اليانع، وداعا وأنت المغادر جسداً، وأنتَ الحي روحا بين اهلك ومحبيك.

أعزائي عائلة ناصر أبو أيوب وأقاربه ..

نعبر عن بالغ حزننا، وأسفنا لمصابكم الأليم بوفاة فقيدكم تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، عظم الله أجركم وجبر مصابكم وغفر لميتكم، اللهم ارحمه ووسع نزله، وأكرم مدخله، واجمعنا به في مستقر رحمته اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا وليلقِ الله على النفوس المضطربة سكينة ويثبها فتحاً قريباً

إنا لله وإنا اليه راجعون ,,,

* رياض عيسى – الهبارية 25 كانون أول

تعليقات: