قتل زوجته لشكوك وغيرة ومحكمة جنايات بعبدا قضت بحبسه 25 عاماً


قتل رجل زوجته بطلقة من بندقية بومب أكشن أصابتها في أنحاء جسمها وقضت على الفور. محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي محمد مرتضى أصدرت حكمها وغيرت وصف الجريمة واعتبرت أن عنصر العمد المدعى به في حق الزوج، والذي يقضي بالإعدام، غير متوفر، وقضت بحبسه 25 عاماً، ودانته بجناية القتل القصدي. وإخراجه من لبنان إلى بلده سوريا بعد تنفيذ العقوبة.

هذه الجريمة حصلت قبل عامين فما هي أسبابها؟

إعترف الزوج محمد. س بعد القبض عليه، بأنّه على خلافٍ مع زوجته المغدورة التي انتقلت للعيش مع أولادها من طليقها في شقة في بيصور، وبأنّ الأخيرة حضرت بعدها إلى منزله برفقة المدعو ح.ح وآخرين وأخذت أمتعتها الشخصية، فتوجّه إلى مكان إقامتها مع رجل دين يدعى الشيخ ن. ح. بهدف حلّ الخلاف معها، غير أنها رفضت، وحاول في مرة أخرى إقناعها بالعودة إلى منزله فلم تقتنع، عندها توجّه صبيحة يوم 30/6/2017 إلى شقتها وحمل معه بندقية صيد من نوع بومب أكشن مذخّرة بأربع طلقات، وكان بحالة عصبية شديدة. وبوصوله امام شقتها في بيصور كانت إحدى درف نافذة الباب مفتوحة، فرفضت فتح الباب له، ودار حديث بينهما من خلال النافذة التي عملت على إغلاقها في وجهه، عندها رفع بندقيته وأطلق نحو نافذة الباب طلقة نارية فسمع صراخ زوجته، عندها ترك دراجته النارية امام الشقة وفرّ سيراً على الأقدام نحو بلدة كيفون حيث أخفى البندقية بجانب الطريق العام وتوجّه بعدها إلى منزل صديق له في دوحة عرمون يدعى أ. ب حيث أوقفا. وأفاد الأخير أنه دخل إلى لبنان خلسةً ويعمل ناطور بناءٍ في المنطقة ذاتها.

وبالتحقيق مع صديق آخر للمتهم م.أ.ل. يقيم في المنزل المجاور لشقة المتّهم أفاد أنه يعلم بأن علاقة المتهم بزوجته لم تكن على ما يرام، وأضاف أنّ المتّهم أخبره قبل يوم واحدٍ من حصول الحادث بأنَّه يحبُ المغدورة كثيراً ويرغب بإعادتها إلى منزله وأكّد له بأنّها من أشرف النساء. وبمعاودة استجواب المتهم أقر بحصول مشاكل بينه وبين زوجته المغدورة على خلفية شكوك كانت تراوده حول علاقتها بالمدعو ح.ح واشتدت الخلافات بينهما بسبب تواصلها هاتفياً مع طليقها الموجود في تركيا، وتركت المنزل الزوجي على أثر ذلك، وقصدت ح.ح الذي أمّن لها مسكناً في بيصور. وأوضح أنّها طالبته بـ 800 دولار ومهرها وكان متعذّراً عليه تأمينهما، فتوجّه إلى المنشرة التي يعمل فيها في تاريخ 30/6/2017 وأحضر بندقية صيد كان ينوي إما حلّ الموضوع معها أو قتلها وقتل ح.ح، ولدى وصوله إلى المنزل حيث تقيم زوجته، حصل تلاسن بينهما حيث رفضت الزوجة فتح الباب والسماح له بالدخول، فما كان منه إلا أن شهر بندقيته وعمل على تلقيمها وأطلق منها طلقة نارية واحدة باتجاه زوجته التي كانت واقفة خلف الباب، وفرّ هارباً باتجاه الأحراج، وقصد منزل صديق أحد أبنائه في اليوم التالي وطلب منه البقاء لديه بعد أن أعلمه بما حصل معه، وبأنّه قتل زوجته دفاعاً عن شرفه وبأنّه في السابق ضبطها مع ح.ح وهي حاسرة الرأس ومرتدية ثوباً غير محتشم وكانا في غرفة النوم وعلى التخت.

لماذا اعتبرت المحكمة أن الجريمة غير مرتكبة عمداً وعن سابق تصور وتصميم.

أورد الحكم أن هذه المحكمة، بما لها من حقٍّ في التقدير، ومن خلال تمحيصها مجمل معطيات القضية وبالأخصّ واقعة حمل المتّهم تلك البندقية معه عند توجّهه إلى منزل المغدورة، وموضع الإصابة (في الوجه والرقبة والقسم الأعلى من القفص الصدري) وجسامتها (جروح متعدّدة أدت إلى ازهاق الروح)، وحالة الغضب التي كانت تتملّك المذكور نتاجاً لهواجسه بأنّ المغدورة تخونه مع أشخاص عدة من بينهم ح. ح. وتأجّج هذه الحالة لديه إثر رفضها فتح الباب له وتهويلها عليه باستدعاء الأخير لكي يلجمه، تجد في مجمل هذه المعطيات، أن المتّهم، عندما توّجه إلى منزل تلك المغدورة، كان يضع نصب عينيه إطلاق النار عليها اذا لم تتجاوب معه وتعود إلى منزله، وعندما أطلق النار في إتجاهها، لم يطلقه ترهيباً أو بقصد الإيذاء، وإنّما بقصد القتل إزهاقاً للروح عبر توجيه البندقيّة إلى الجزء الأعلى من جسمها بحسب ما يستدّلُ من موضع الإصابات التي لحقت بها؛

وحيثُ من المعلوم والمستقرُّ عليه فقهاً واجتهاداً أنّه لا يكفي لتحقّق عنصر العمد أن يكون الجاني قد أقدم على القتل وهو عاقدٌ العزم عليه، لأنَّ المشترع عمد في المادة 549 من قانون العقوبات إلى تشديد العقاب في حالة القتل عمداً لا لمجيئه مسبوقاً بتصميم بل لحصوله مسبوقاً بتفكّرٍ وتدبّرٍ يكونا قد حصلا في فترةٍ (طالت أو قصُرت) فصلت بين عزْم الجاني على القتل وبين إقترافه لما عزم عليه؛. ومن المفروغ منه أن عنصر العمد المذكور لا يُفترض إفتراضاً بل يقتضي أن تدلُّ عليه معطيات القضية دلالةً متّسمةً بالجزم واليقين ولا تحتمل تأويلاً مغايراً.

وحيثُ ينبني على ما تقدّم أن تحقّق عنصر العمد يستلزم ثبوت أن يكون الجاني قد تفكّر فيما عزم عليه تفكّراً متزامناً مع حالة من الهدوء والتروي المحرّرِ من تأثير الغضب، وأن يكون تنقّل في تفكّره ما بين إقدامٍ وإحجام واستقرّ في النتيجة على الإقدام مع التحسّب لعواقبه وترتيب وسائله والخطّة اللازمة لتنفيذه وللتملّص من تبعاته؛ ومن المستقرّ عليه أن للمحكمة أن تستخلص من مجمل العناصر القائمة في ملف القضية المطروحة أمامها الصورة الصحيحة للواقعة الجرمية حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلةٍ مقبولةٍ فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق. ومن الثابت بمعطيات هذه القضيّة أن المتّهم عندما توجّه في صبيحة ذلك اليوم إلى منزل المغدورة حمل معه تلك البندقية التي عاد وأطلق منها النار على هذه الأخيرة.

وحيثُ أن كان حمْلُ المتّهم لهذه البندقية معه عند توجّهه إلى منزل تلك المغدورة يدلُّ على نيّة القتل المسبقة، أي على تصميمه على إرتكاب الجرم، يبقى أن سائر معطيات الملف تدلُّ على أن المتّهم كان مسكوناً بحالةٍ نتيجةً لهواجس تساوره بخيانة المذكورة له مع مرارةٍ من صدّها ايّاه ورفضها العودة اليه وغضبٍ من تهويلها عليه في أكثر من مناسبة بالاستعانة بحسن الحميد للجمه وإبعاده عنها. وحيثُ لا جدال في أنَّه مع ثبوت هذه الحالة التي كان يتخبّط فيها المتّهم، وهي المزيج من الهواجس والغيرة والمرارة والغضب، لا يبقى منطقاً وعقلاً مجالٌ للخلوص إلى أنه قد أتى فعله بعد تفكّر وتحسّب في حالٍ من الهدوء والتروّي. وحيثُ إن عدم ثبوت التفكّر الهادئ المتروّي يُستنتج من حالة الإنفعال التي دخل فيها المتّهم بعد ارتكابه لجريمته بحسب ما يستفاد من تركه لدراجته وهربه ركضاً إلى الأحراج، كما يستنتج من عدم إعداده خطّة للهرب إلى خارج الأراضي اللبنانية وهو السوري الذي لم يكن ليتردّد في اعداد خطةٍ للهرب إلى بلده فيما لو أتاحت له حالته الذهنية والنفسية والعاطفية أن يتفكّر بروية فيما هو مقدمٌ عليه، ويستنتج أيضاً من تخبّطه بين هربٍ إلى بيروت ثم ذهابٍ إلى طرابلس ثم عودةٍ إلى دوحة عرمون، كما يُستنتج كذلك من حالة التعب التي كان عليها عند وصوله إلى منزل صديقه وهي حتماً نتيجة الوعي المتأخّر لعواقب ما أقدم عليه مما يثبت إنتفاء التفكّر المسبق في هذه العواقب.

وتخلصُ المحكمة إلى أن المتّهم أقدم على قتل المغدورة وهو تحت وطأة انفعالٍ شديدٍ بعيدٍ كليّاً عن التفكّر المتروّي والهادئ اللازم لتحقّق عنصر العمد، وإلى إنزال أقصى العقوبة المقرّرة قانوناً في حقّ المتّهم، وهي الأشغال الشاقّة لمدة 25 سنة. وقررت حبس صديقه ثلاثة أشهر وإبعاد صديقه الآخر وهو مواطنه.

* المصدر: صوت الفرح

تعليقات: