سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى

عام 1955
عام 1955


التاريخ يصنعه الرجال الرجال. وكانت هناك قلة من الرجال الذين صنعوا التاريخ يكادون يعدّون على اصابع اليد. هذا التاريخ الجليل قام بصنعه افذاذ كانوا عمالقة في اعمالهم... ذلك أن التاريخ يؤرخه اناس مبدعون خلاقون. وما عرفت في حياتي رجلا صنع التاريخ، وكان رجلا فاعلا في مجتمعه مثل: قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الاطرش.

هذا الرجل الرجل، وهذا الانسان الانسان، الذي ارتفع بشمائله واخلاقه وفضائله فوق مستوى البشر، كان رجلا فردا وعلماً عظيما وانساناً خلوقاً طموحا، كان لشعبه ووطنه في الدرجة الاولى. وكان واحدا من القلّة التي كان لها دور كبير وشأن عظيم في تاريخ الامم. ان سوريا مدينة لسلطان باشا الاطرش الذي خلدها بأعماله، وكان فاعلا في مجتمعه وأمته، وأحد القلائل الذين سطّروا بدمائهم انصع الصفحات واسمى الغايات. لقد صنع لوطنه اعز ما يصنعه الرجال في حياتهم، فكان مخلصا وفياً شديد البأس قوي الايمان.

سجّل سلطان باشا الاطرش في حياته ملاحم اسطورية، وصفحات ناصعة من النضال الوطني والتحرر القومي، فكان في طليعة العاملين على نبذ التفرقة والتجزئة والمذهبية والطائفية والداعين الى الوحدة القومية الكبرى في العالمين العربي والاسلامي على حد سواء.

كان ثائرا حكيما، وقائدا صلبا، مدافعا عن الحق والحقيقة، ومن ابرز رجالات التحرر في الديار الشامية بكل معانيها وابعادها، ألا وهي ثورة جبل العرب أو ثورة الدروز في سوريا، وما كان لهذه الثورة المظفرة من تأثير في مجريات الأمور، وما احدثت تلك الثورة من نتائج على صعيد مسيرة الوطن والتاريخ.

كان سلطان باشا في حياته رمزاً من رموز النضال الوطني الحديث، وثورة مستمرة متواصلة لا تني ولا تهدأ ضد المستعمرين والطغاة المستبدين.

عاش سلطان باشا الاطرش يوميات القتال والثورة والمقاومة الشريفة، فكان ينتقل من موقع الى آخر مدافعاً مستنهضاً العزائم نافخاً في روح المجاهدين روح التوثب والاستمرار والحرية والاستقلال والوحدة والقومية.

لقد عرف، في مراحل حياته المختلفة، التمسك بالعادات والتقاليد والقيم والشهامة الاصيلة. فكان لا يسكت على ضيم، ولا يقبل اهانة الضيف، ولا يبخل على الوطن والامة بشيء يملكه. وهب روحه فداء للوطن ووضع دمه على كفه، ومشى الى حيث ميادين القتال والمعارك الشرسة التي لا مجال فيها للتراجع او المهادنة، ذلك ان العدو كان شرسا وقحاً لا يرحم من خلال المعارك التي كان يخوضها. هذا المناضل لم يتخل عن القتال ولم يتقاعس لحظة عن المقاومة، فبقي صامدا صمود الرجال، فجسد بنضاله المتواصل طموحات الامة العربية من المحيط الى الخليج. لقد كان سلطان باشا الاطرش حكيما، لا يكثر اللغو ولا يزوزق الكلام، لا يمدح ولا يهجو، يعطي الرجل ما يستحقه من عبارات. وكانت في احاديثه اشارات لا يدركها ولا يعرفها الا اصحاب المواهب الفذة في حياتهم.

وقد قيل فيه كلام كثير، والقيت في حضرته اجمل القصائد الحماسية. وكان الشاعر القروي رشيد سليم الخوري أحد الذين تأثروا بثورته المباركة، فقال يخاطبه:

"خففتَ لنجدة العاني سريعاً

غضوباً لو رآك الليثُ ريعا

وحولك من بني معروف جمعٌ

بهم وبدونهم تُفني الجموعا...

كأنك قائد منهم هضاباً

تَبِعْنَ الى الوغى جبلا منيعا

تخذتهمو لدى الجُلّى سيوفاً

لها لعن الفرنسي الدروعا

الى أن يقول:

"وثبتَ الى سنام التّنكِ وثباً

عجيباً علّم النسر الوقوعا

وكهربت البطاحَ بحدّ عضب

بهرتّ به العدى فهووا ركوعا"

ثم يقول:

"ويا لك "اطرشاً" لما دعينا

لثأر كان اسمعنا جميعا

فتى الهيجاء لا تعتب علينا

وأحسن عذرنا تحسن صنيعا"

وقال القروي، في مكان آخر، يصفه وهو على صهوة جواده ثائراً يتأكله الغضب على العدو الذي استباح كل شيء في ارض المعركة:

"ولئن نسيتُ فلستُ أنسى بينهم

رجل الرجال وفارسَ الفرسانِ

وحلاحِلَ الحربِ الذي يغشى الوغى

ووراءه نفرٌ من الفتيان

يفني الرجال بأحدب ومقوّم

صنديد في اللبات يلتقيان

ويكاد يفترس العدو جواده

فكأنه أسد على سرحان

فذ كفيت به سؤال من

تعني؟ وهل أعني سوى سلطان"

وقال الشاعر الاردني سليمان عيسى، وقد نقشت ابياته هذه على سيف سلطان باشا:

يا صخرة من صخور الباس صافيةً

كالضوء ينبض في تاريخها وطنُ

كانت طفولتنا شعراً وملحمةً

ما زال يعشب منها السهل والقننُ

كانت... وتهمس في الاعماق قافية

سفر الرجولةِ هذا الميتُ والكفنُ

سفر العروبة... فاقرأ في وداعته

ما قاله السيف واخشعْ ايها الوطن

ويقول الشاعر القروي ايضاً في معركة "الكفر" وهي احدى المعارك الضارية التي خاضها سلطان باشا في حياته، وكان المنتصر فيها على الفرنسيين:

"فدى لحِمانا كلّ من يمنع الحمى

ومن ليس يرضى حوله متهدّما

يقلون وجه السيفِ ابيضُ دائماً

وما ابيض الا وهو احمر بالدما

فإن كان دفع الشر بالرأي حازماً

فما زال دفع الشر بالشر احزما

تأملت في صرف الزمان فلم اجد

سوى الصارم البتّار للسلم اسلما

فما العيش الا ان نموت اعزةً

وما الموت الا ان نعيش ونسْلما".

نسبه وولادته

ولد سلطان باشا الاطرش في 5 آذار عام 1891 وقيل انه من مواليد عام 1889 او 1888 في بلدة القريّة من والدين ينتميان الى اسرة آل الاطرش. والده ذوقان بن مصطفى بن اسماعيل الثاني، الذي قاتل حكم الاتراك واعدم شنقا في دمشق عام 1910. امه شيخة بنت منصور بن اسماعيل الثاني وهو كبير اخوته: علي ومصطفى وزيد، وسمية ونعيم.

جدة سلطان لأبيه زمرد تمكنت من ترحيله الى قرية العانات في اقصى الجنوب، حيث تمكن من النزول في بيت الشيخ ابي صلاح حسين الصفدي.

تعلم سلطان في مدرسة القريّة وتتلمذ على يد مشايخها، وتمرس بالفروسية منذ نعومة اظفاره. وقبل ان يذهب سلطان الى الجندية، تزوج ابنة عمه فايز وتدعى غازية، ولكنها توفيت بعد سنة من الزواج. وبعد عودته من الجندية تزوج ابنة عمه "تركية" فرزق بأولاد ذكور هم: طلال ومنصور وطلال الثاني (لأن الاول توفي). اما البنات فهن: غازية ومتلى ونايفة وزكية وزمرد وعائدة ومنتهى.

اشقاؤه: علي خاض معارك ضد الترك والفرنسيين، مصطفى استشهد في معركة المزرعة عام 1925، وزيد قاد حملة في السويداء باتجاه راشيا وحاصبيا، وانتخب نائبا ثم دخل سلك الدرك برتبة لواء ثم تقاعد.

اخذ سلطان للخدمة الالزامية في شهر تشرين الثاني من العام 1910 ونقل مع رفاق له بالقطار من دمشق الى بيروت. وهناك بلغ عدد المجندين 13000 شاب. فمكث مدة قصيرة بالعسكر وغادر بعدها بيروت الى تركيا، حيث كان نصيبه مع اربعة من رفاقه الحاقه بالالاي المتمركز في مدينة موناستير، وسرعان ما بدت له الحياة صعبة، اذ كان الاتراك يعاملونه معاملة قاسية ويرغمونه على القيام بأعمال مرهقة للغاية.

وكان من المفروض على سلطان ان يقضي مدة الخدمة بكاملها، وهي ثلاث سنوات، ولكن السلطة قبلت منه اختصار المدة الى النصف – بعد الحاح شديد من سلطان – لقاء بدل قدره 50 ليرة ذهبية – ابحر بعدها سلطان، عائدا الى ارض الوطن ماراً بجزيرة رودس.

الثورة العربية

ترعرع سلطان في اجواء كلها بطولة وثورة مثل ابناء الجبل الذين اتصفوا بالشجاعة والفروسية والبأس. التحق في ريعان شبابه بالثورة العربية الكبرى التي اعلنها الشريف حسين.

احتفل بهذا الالتحاق بحضور عدد من احرار العرب ورجالاتها ومجاهديها برفع العلم العربي فوق داره بالقرية وباشر جمع حملة من الثوار، وتوجّه بها الى العقبة لتلتحق بالجيش الفيصلي. وكانت تتألف من ثلاثة آلاف هجان، سار على رأسهم المجاهدون والثوار: حمد البربور ومعدّى المغوش واسد الاطرش وعبدالله العبدالله. كما سير حملة الى بصرى فرساناً ومشاة، فاستسلمت له حاميتها من دون مقاومة تذكر واستولى على الاسلحة والذخائر والعتاد الحربي. وجند مجموعات من شباب بلدته ومن القرى المجاورة في الجبل لتكون طليعة الثورة العربية الباسلة في فتح الشام. وفي الخامس من ايلول 1918، واصل سلطان زحفه الى دمشق مع قوات الجيش العربي، واشترك في معركة تلال المانع قرب الكسوة وأسر قائد الحملة يومذاك رضا باشا الركابي. وكان في طليعة القوات التي دخلت دمشق، قبل وصول الملك فيصل ببضعة ايام، ورفع العلم العربي على دار الحكومة وعلى دار البلدية في ساحة المرجة بدمشق.

واعلن سلطان جهارا امام الجماهير المحتشدة تأييده المطلق للشريف حسين في بيان اذاعه يومذاك، قال فيه: "لم نتخذ قرارنا بتأييد الشريف حسين عن فورة عاطفية او هوى، وانما لأننا نستلهم من تاريخ طائفتنا الطويل مواقفها السياسية والحربية المماثلة ضد العناصر الاعجمية التي تمكنت بنا في الداخل، والغزاة الطامعين الذين اتوا لاستعمارنا وسلب خيراتنا من الخارج. وكذلك لأننا كنا على يقين من ان للحركة العربية جذوراً راسخة في جبلنا منذ ان كانت تنشط في الخفاء ببلاد العرب او في عاصمة الدول العثمانية. وكانت لنا صلات وثيقة بمعظم المجاهدين الاحرار امثال: عبد الرحمن الشهبندر واحمد قدري وزكي الدروبي ونزيه العظم ورستم حيدر وغيرهم".

وخاض سلطان في حياته معارك كثيرة: معركة "الكفر في 20 تموز 1925 ومعركة المزرعة في اول آب 1925 ومعركة المسيرفة والسويداء...

خاطب ابناء وطنه، فقال في منشور الى اخوانه السوريين في تأييده "الثورة العربية": "أحييكم واحيي فيكم العروبة الصادقة، والانفة القومية، واستصرخ فيكم امة عربية، مشت على مناكب الدهر... اناديكم من معاقل الجبل المنيع، وهو داركم وسلاحكم وحرزكم وملاذكم.

ايها المواطنون العرب: ان ثورتنا الدموية هذه بعروتها وزرها، ثورة القاتم لتحرير البلاد، من المغتصبين المستعمرين. وقد بلغنا الى الآن، من هذه الثورة العربية، مبلغا عظيما محفوفا بالنصر. واعلنا الحكومة العربية الموقتة، لتقوم بتدبير البلاد... ورفعنا العلم العربي، المربع الألوان، على السويداء. اما ثورة جبل الدروز ضد الدولة الفرنسية المنتدبة، بقيادة سلطان الاطرش، فكانت اهم الثورات السورية وابرزها واطولها واكثرها تجسيداً لنزعة التحرر في العالم العربي وهي ثورة 1925– 1927 الشهيرة.

ثورة سلطان هذه، كانت قمة الثورات. وقد تعدّت نطاقها المحدود. ففي آب 1926 اذاع بيانا سياسيا عسكريا، اكد فيه عدة نقاط بارزة، داعيا الشعب السوري الى الثورة على الانتداب الفرنسي وذلك بموجب بيان مفصل "الى السلاح الى السلاح". وجاء فيه:

"يا احفاد العرب الأمجاد، هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم، هذا يوم انتباه الامم والشعوب. فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الاجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم ولا يضيع حق وراءه مطالب.

ايها السوريون، لقد اثبتت التجارب ان الحق يؤخذ ولا يعطى. فلنأخذ حقنا بحد السيف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.

ايها العرب السوريون: تذكروا اجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، تذكروا ان يد الله مع الجماعة، وان ارادة الشعب من ارادة الله، وان الامم المتمدنة الناهضة لن تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون اموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا، واقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا الى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير وحرية التجارة والسفر حتى في بلادنا واقاليمنا.

الى السلاح ايها الوطنيون: الى السلاح تحقيقا لأماني البلاد، الى السلاح تأييدا لسيادة الشعب وحرية الأمة. الى السلاح بعدما سلب الاجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الاماني القومية. ونحن نبرأ الى الله من مسؤولية الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة. يا ويح الظلم. لقد وصلنا من الظلم الى ان نهان في عقر دارنا فنطلب استبدال حاكم اجنبي محروم المزايا الانسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يجاب طلبنا، بل يطرد وفدنا كما تطرح النعاج. الى السلاح ايها الوطنيون. ولنغسل اهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. ان حربنا اليوم هي حرب مقدسة، ومطالبنا هي:

1- وحدة البلاد السورية ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سوريا عربية واحدة، مستقلة استقلالا تاماً.

2- قيام حكومة شعبية، تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون اساسي على مبدأ سيادة الامة سيادة مطلقة.

3- سحب القوى المحتلة من البلاد السورية وتأليف جيش ملّي لصيانة الامن.

4- تأييد مبدأ الثورة الفرنسوية وحقوق الانسان في الحرية والمساواة والاخاء.

الى السلاح. ولنكتب مطالبنا المشروعة هذه بدمائنا. كما كتبها اجدادنا من قبلنا.

سلطان الاطرش

قائد جيوش الثورة الوطنية السورية العام"

المرحلة الاخيرة

عاد سلطان ليشترك في الجهود من اجل استقلال سوريا عامي 1936 و1937. وفي 29 و30 ايار 1945 ثار على الفرنسيين محققاً أهداف ثورة 1925 من حيث استكمال وحدة الشعب السوري ونيل استقلاله وارساء الحكم الدستوري في البلاد. وفي العام 1947 كادت تقع فتنة في سوريا لولا حكمة سلطان باشا وتداركه الامر والحيلولة دون وقوعها مع القادة المخلصين. وعام 1948 دعا الى انشاء "جيش الانقاذ" لمساندة ومعاضدة قضية فلسطين. وكانت له آراؤه الخاصة في هذا المجال. وفي العام 1954 رفض التعاون مع اديب الشيشكلي وايد قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958. وكان لقاؤه الكبير مع الرئيس جمال عبد الناصر. كذلك دعم ثورة كمال جنبلاط في لبنان عام 1958. وكان ايضا مواكبا لحوادث الستينات والسبعينات التي قامت في لبنان. يُعطي التعليمات والتوجيهات ويشحذ الهمم لمتابعة النضال ضد الاستعمار بمختلف اشكاله وصوره.

من اقواله

اما كلمات سلطان باشا الاطرش فقد قالها في مناسبات ومناشير كثيرة، بيّن فيها رأيه السديد في كثير من المواقف الوطنية والسياسية والعربية والقومية. فظهرت برأيه ونظرته الثاقبة، وطموحاته التي هي دليل قاطع على اندفاعه وحماسته مع اخوانه ومدى عمق الايمان بالثورة في عقله وضميره ووجدانه.

قال سلطان في منشور رافضا عزل الدروز عن الوطن العربي مصرا على العلاقات الوطنية والقومية التي تجمع كل وطن عربي بالآخر، في بيان اصدره "ولا تنافس في الاهواء ولا خصومات ولا احقاد طائفية بعد اليوم. انما نحن امة عربية سورية، امة مستضعفة قوية في الحق قد انتبهت الى المطالبة بحقها المهضوم. امة عظيمة التاريخ نبيلة المقاصد. تريد الحياة، والحياة حق طبيعي وشرعي لكل الأمم التي قسمها الاستعمار الاجنبي فوحدتها مبادىء حقوق الانسان واعلام الحرية والمساواة والاخاء".

وقال في مكان آخر: "ان العرب فاتتهم فرص كثيرة للوحدة، واذا لم ينتصر الفريق الوحدوي، وانتصاره محتم، فسوف ندمر طموحات الشعب العربي. ومهما طالت الايام فسيأتي يوم يتماسك فيه العرب، ونحن ممن لا يقيمون اعتبارا للسنين في مسيرة التحرر والوحدة".

وصيته

وكانت وصية سلطان، التي وجهها الى اخوانه العرب، بمثابة دستور يجب المحافظة عليه، بحيث يحافظون على تراثهم وتاريخهم الحافل بالبطولات والامجاد. "بسم الله الرحمن الرحيم. اخواني وابنائي العرب:

عزمت وانا في ايامي الاخيرة انتظر الموت الحق ان اخاطبكم مودعا وموصيا. لقد اولتني هذه الامة قيادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي الغادر. فقمت بأمانة القيادة وطلبت الشهادة وأديت الامانة. انطلقت الثورة من الجبل الاشم، جبل العرب، لتشمل وتعم، وكان شعارها "الدين لله والوطن للجميع". واعتقد أنها حققت لكم عزة وفخارا وللاستعمار ذلا وانكساراً.

وصيتي لكم اخوتي وابنائي العرب هي ان امامكم طريقا طويلة ومشقة شديدة تحتاج الى جهاد وجهاد. جهاد مع النفس وجهاد مع العدو. فاصبروا صبر الاحرار. ولتكن وحدتكم الوطنية وقوة ايمانكم وتراص صفوفكم هي سبيلكم لرد كيد الاعداء وطرد الغاصبين وتحرير الارض.

واعلموا ان الحفاظ على الاستقلال امانة في اعناقكم بعدما مات من اجله عدد من الشهداء وسالت للوصول اليه الكثير من الدماء. واعلموا ان وحدة العرب هي المنعة والقوة، وانها حلم الاجيال وطريق الخلاص. واعلموا بأن ما اخذ بالسيف بالسيف يؤخذ، وان الايمان اقوى من كل سلاح، وان كأس الحنظل بالعز اشهى من ماء الحياة مع الذل، وان الايمان يشحن بالصبر ويحصد بالعدل ويعزز باليقين ويقوى بالجهاد.

عودوا الى تاريخكم الحافل بالبطولات، الزاخر بالامجاد، لأني لم ار اقوى تأثيرا في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وايقاظ الهمم، ولاستنهاض الشعوب لتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وترفع اعلام النصر. واعلموا ان التقوى لله والحب للأرض، وان الحق منتصر، وان الشرف بالحفاظ على الخلق، وان الاعتزاز بالحرية والفخر بالكرامة، وان النهوض بالعلم والعمل، وان الامن بالعدل، وان بالتعاون قوة.

الحمد لله، ثم الحمد لله. لقد اعطاني عمرا فقضيته جهاداً، وامضيته زهدا. ثبتني وهداني واعادني لاخواني. اسأله المغفرة وبه المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.

اما ما خلفته من رزق ومال، فهو زهد فلاح متواضع تحكمه قواعد الشريعة السمحاء".

* * *

توفي سلطان باشا الاطرش ليلة الجمعة 26 آذار 1982 عن عمر ناهز 91 سنة. سجي جثمانه الطاهر في الملعب البلدي في السويداء الى الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر الاحد في 28 آذار. ودفن في مسقط رأسه القريّة في الساعة الاولى بعد ظهر ذلك اليوم. وليس لنا في هذا المقال الا ان نختتمه بما قاله عنه احد المؤرخين: "كان اشجع رجل في شعب شجاع. موجز في حديثه موجز في اجوبته. في عينيه الصغيرتين الزرقاوين صفاء وعمق، وفي انفه الضخم صلابة وكبرياء. اما شارباه العريضان فانهما ينسدلان غزيرين فوق الشفتين والذقن النافرة المستديرة بشيء من التراخي، ولكنهما في حالات الحرج او الغضب ينتصبان ويرفان كجناحي عقاب تهم بالطيران...".

لقد كان سلطان باشا الاطرش رمزا من رموز النضال الوطني وكان مجاهداً كبيرا ضد المستعمرين. وكان للثورة السورية الكبرى خير قائد تولى زمام أمرها وقيادتها فأوصلها الى النصر المبين الذي به تعتز مدافعا صبورا مناضلا مكافحا دؤوبا حكيما.

لقد مضت على وفاة هذا القائد الفذ 26 عاما. ونحن في ذكرى رحيل هذا الرجل، نستمد من عطائه ومن ذكره وسيرته نضاله المستمر وصبره الدائم نستمد روح النضال الحقيقي، الذي يجب ان يسود بلادنا العربية والاسلامية، بحيث يكون نضالا حقيقيا في سبيل السيادة والاستقلال والحرية.

في الثانية عشرة من عمره
في الثانية عشرة من عمره


تعليقات: