ابراهيم حيدر: إشتباك على الحكومة ومعركة السلطة

بيت الوسط (تصوير مروان عساف)
بيت الوسط (تصوير مروان عساف)


كل الكلام عن إنجاز الانتخاب قد يقطعه الاشتباك السياسي الداخلي الذي ستشهده البلاد عشية التكليف والتشكيل الحكوميين، وذلك بعد قطوع أول استحقاق بانتخاب رئيس لمجلس النواب، والذي يبدو محسوماً للرئيس نبيه بري. ستظهر التناقضات إلى العلن في المرحلة الثانية، بعد أن تستكمل التحالفات التي أنتجتها الانتخابات النيابية، وما يمكن أن تحققه الضغوط والشروط المتبادلة لتوزع السلطة.

منذ الآن، دخل البلد في مرحلة جديدة، لم تعد معها التسويات السابقة ميزاناً للأداء السياسي الذي تخبط فيه الحكم خلال سنة ونصف السنة، إذ بدا "النأي بالنفس" على سبيل المثال عنواناً فضفاضاً، وإن كانت الحكومة لاعتبارات عدة عبرت إلى مؤتمر "سيدر" فيما الأنظار تتجه اليوم إلى تنفيذ الالتزامات والتعهدات اللبنانية سياسياً واقتصادياً قبل تطبيقه. لكن، سرعان ما سيتبين ان التناقضات في السلطة التي أنتجتها الانتخابات ستطفو على السطح، عند بدء المشاورات لنقل البلاد من زمن الانتخابات إلى مرحلة التكليف والتأليف، حيث ستظهر وفق مصادر سياسية الشروط والشروط المضادة، وتمسك كل طرف وكتلة أعلنا الانتصار في الانتخابات بمطالب قد تعقّد عملية التأليف وتأخذ وقتأ لن يكون في إمكان البلد تحمله، خصوصاً وأن السخونة الاقليمية وتوتراتها الأمنية والسياسية تضغط على الجميع. ولا تستبعد المصادر أن تكون الشروط المعلنة مرتبطة بالوضع الإقليمي لتحسين المواقع وتعزيز المكاسب حكومياً وسياسياً.

وعلى رغم انطلاق الاتصالات والمشاورات لإنجاز المحطات المطلوبة لانطلاق الحكم بعد الانتخابات، إلا أن المصادر تشير إلى أن عبور الاستحقاقات لا يمر من داخل المؤسسات، فالقرار يتخذ من خارجها، إلى حد أن القوى الممثلة في الحكم راهنت في جزء من أهدافها على زيادة مقاعدها النيابية بهدف تثبيت أحاديتها التمثيلية في القرار والهيمنة، وهي تدرك أن القرار لا يتخذ في الحكومة ولا في مجلس النواب، وكذلك الاتفاق على التكليف والتشكيل ثم البيان الوزاري، خصوصاً وأن لبنان يراهن على تنفيذ الدول تعهداتها والتزاماتها منح القروض لإخراج الاقتصاد اللبناني من أزمته. وتشير المصادر إلى ان الانتخابات النيابية عكست الاصطفاف الطائفي والمذهبي والسياسي، بحيث كل قوة عملت على تكريس موقعها في قيادة طائفتها، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستفتح شهية الجميع على محاولة زيادة مكتسباتها والحفاظ على ما أنجزته في المرحلة السابقة، وذلك يتبين من خلال ضعف التمثيل النيابي المستقل والذي تعرض لانتكاسة كبيرة في ظل الشحن والتجييش الطائفيين خلال الانتخابات.

تشير المصادر الى أن التطورات المتسارعة في المنطقة قد تسرّع حركة المشاورات لإنجاز الاستحقاقات، لكنها أيضاً مرتبطة بها من زاوية الشروط وتحقيق المكاسب. لذا سترفع قوى سياسية شعار "النأي بالنفس" مجدداً، فيما ستعمل قوى أخرى على الدفع بالنقاش الى مرحلة حسم الاستراتيجية الدفاعية ومعالجة قضية السلاح غير الشرعي، أما "حزب الله" وحلفائه فسيصرون على بيان وزاري اذا سارت الامور طبيعياً في التكليف والتشكيل، يقدم المقاومة خياراً وحيداً للدفاع عن لبنان ضد الاحتلال الاسرائيلي، ولم تستبعد المصادر أن يطرح موضوع العلاقة مع سوريا كجزء من البيان إذا تم الاتفاق على عناوينه مع العهد. لكن المشكلة الأساسية في البيان تكمن في موضوع التوفيق بين مواقف المجموعة الدولية وشروطها والتي تطالب لبنان بمواقف واضحة من السلاح، وبين موقف "حزب الله" وحلفائه الذين صار لهم كلمة فصل أقوى من السابق في مجلس النواب.

وإذا كان البلد قد خرج من مقلبي 8 و14 أذار بصيغتيهما السابقة، إلا أن الملفات التي طبعت الصراع في المرحلة الماضية قبل التسوية الرئاسية، لم تتغير، فعززت قوى الممانعة مواقعها، فيما ظهرت تحالفات جديدة عكستها التسوية، خصوصاً بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وإن كانت الأمور غير ثابتة ومستقرة في شراكة الحكم. لذا سيكون الاشتباك السياسي سيد الموقف في مرحلة فاصلة عن التكليف والتشكيل، فهل نشهد تغيرات جديدة في الخريطة اللبنانية قد يكون ضحيتها اتفاق الطائف؟ لننتظر ما سيكون عليه شكل الحكومة العتيدة وكيف سيكون عنوانها السياسي في ظل الاضطراب الاقليمي وحروبه؟

الكاتب إبراهيم حيدر
الكاتب إبراهيم حيدر


تعليقات: