«اسرائيل» والعودة إلى العصر الحجري


من يتجرأ على حرب جديدة؟ هل تجازف «اسرائيل» وتفتح «ابواب جهنم؟» أي خراب سيخلفه جنون الانتصار؟ من سيدفع الثمن أكثر، “اسرائيل” أم لبنان ومن معه ومن عليه؟

لا شيء يمنع الحرب إلا الاجابة عن هذه الاسئلة. كلفة الحرب ونتائجها ونهايتها، تتحكم ببداية اندلاعها. ما عدا ذلك، كل الاسباب متوفرة لاندلاع حرب جديدة بين “اسرائيل” وأعدائها الحقيقيين. المقاومة في لبنان والمحور الذي تدعمه ويدعمها، حتى الانخراط التام، بالطلقة الأولى إلى وقف إطلاق النار.

لم تعد اسرائيل تحتمل الكوابيس. شبكة الصواريخ اللبنانية على أهبة الاستعداد، الإرادة متوفرة، المنصات النفطية ذريعة وجيهة، الانتشار خارج لبنان على تخوم الجولان امر جديد يقلق كيان العدو، اقتراب إيران من الحدود الشمالية امنيا وعسكريا أمر لا تتهاون معه “اسرائيل”، الاستفادة من الحرب في سوريا، يدفعها إلى انتهاز الفرصة.

“اسرائيل” في عنق الزجاجة، إما أن تكسرها وتعلن الحرب، وإما تختنق بكوابيس المقاومة ومحورها. هي مطمئنة إلى كون ترامب صديق يدعوها إلى الحرب، ومستعد أن يجازف بمقامرة عسكرية. وهي تنتهز الفرصة لفعل ما تريد بغطاء امريكي وتغاضي اوروبي وإمحاء عربي وحيادِ روسي.

خطاب قائد المقاومة في لبنان، رفع وتيرة التهديد إلى حدودها القصوى: “ساعات ونمنع تشغيل منصات استخراج النفط، في البحر الفلسطيني المحتل”. “اسرائيل” تصدق ذلك، فإما ترتدع عن تعطيل ملكية لبنان للمربع النفطي التاسع، وإما تغامر، وعندها، ستندم على فعلتها: المقاومة ستنفذ تهديدها. سيد المقاومة واثق من ذلك ولا يناور. علماً، أن خطابه قد يكون، بسبب صدقيته، رادعاً “لإسرائيل”، قبل ارتكابها أي حماقة.

سقوط طائرة “إف 16” الإسرائيلية، بعد اعتدائها على مناطق عسكرية سورية، غير المعادلة. سوريا غير لبنان. كانت سوريا كسيحة من قبل. استعادت بعض القوة، صار بإمكانها الرد. الطيران الاسرائيلي لن يكون بعد الآن في نزهة. ماذا لو اتسعت دائرة العنف وطالت العمق “الاسرائيلي”؟ ألن تشن “اسرائيل” عندها حرباً كاسحة، تلغي فيها حدود وقف النار، وتزيد

من احتلالها لأراض سورية، غنية بالنفط والغاز، فيصير الجولان برمته تحت إمرتها، وتصير دمشق على مرمى كيلومترات قليلة؟

مثل هذا، ألن يقدم ذريعة للمقاومة فتشعل جبهة البحر والبر فيما تنطلق القاذفات “الاسرائيلية” في سماء لبنان “لإعادته إلى العصر الحجري” كما تدعي وتتباهى؟

إيران بعيدة عن الجبهة. تدخلها المباشر، يشعل حرباً اقليمية ودولية. من المتوقع أن تشارك بالدعم وأن تحجم عن المشاركة العسكرية الميدانية.

مثل هذه السيناريوهات، ليس مستبعداً. انها تحاكي الواقع كما حصل سابقاً في نسخة حرب معتدلة الخراب، باستثناء أن الحرب المتوازية ستكون كارثة ايضاً على “اسرائيل”، فلدى المقاومة مروحة اهداف تطال كل “اسرائيل” من دون استثناء محطاتها النووية ومناطقها الاستراتيجية.

من يضغط على الزر اولاً؟ أو، من يخطئ بالإقدام على دعسة عسكرية ناقصة!

مراكز الابحاث الاستراتيجية في الغرب، وقلق مجلس الأمن، يفصح عن امكانية اشتعال حرب، ستكون نتائجها مدمرة، وغير مسبوقة.

لا يعوَّل على العالم. ليس من أحد يتولى ترشيد “اسرائيل” ومنعها من ارتكاب “سدوم وعمورة”. اميركا معها، أكثر مما تريده “اسرائيل”. الغرب، لا حول ولا قوة. العرب المستعربة حديثاً، بعد خفوت العروبة، تدفع باتجاه حرب حاسمة تعيد إيران إلى داخل حدودها.

المانع الوحيد “لإسرائيل” كي لا ترتكب حربها، هو حجم خسائرها وقدرتها على تحملها اضافة إلى نتائج الحرب ميدانيا. المقاومة حتى الآن تردع “اسرائيل”. لولا ذلك، لكانت ارتكبت المجازر، كما فعلت خلال حروبها على غزة.

العالم لن يذرف دمعة على لبنان وسوريا وإيران. فهو توغل في حروبه في سوريا حتى باتت سوريا رهينة الدم المسفوك.

العالم، لن يمنع “اسرائيل “من تهويد القدس وطرد سكانها. لن يذرف كلمة واحدة. لن يستنكر. لا دولة فلسطينية ولو بحجم قرية. ماتت “الدولة الموعودة”.

الظن الغالب، أن “اسرائيل”، ليست شمشوم. لن ترتكب “عليّ وعلى اعدائي”. ستحسب حساب المقاومة جيداً. وستأخذ ما قاله قائدها على محمل الجد. وستعوض بمناوشة سوريا فقط. إلى أن يحين موعد استعادة سوريا لقوتها ولقدرتها على المواجهة داخل الجبهة الداخلية “لإسرائيل”.

قد يكون كل ما قيل اعلاه من باب التخمين، فالحروب تندلع عادة عندما يضمن أحد اطرافها انه سينجح منذ الضربة الأولى.

لكن، من يضمن “لإسرائيل” تكرار ضربتها للجيش المصري في الخامس من حزيران العام 1967، على الجبهة اللبنانية؟ لا أحد. المقاومة ليست جيشاً.. وهذا من اسباب قوتها وصمودها وانتصارها. ولقد حدث ذلك مراراً، في الاعوام 1993، و1996، و2000 و2006.

لم يسجل “لإسرائيل” أي انتصار لها في لبنان، منذ اندلاع المقاومة في اوائل الثمانينات.

تعليقات: