حلقات في سلسلة اغتيال لبنان

امين محمد حطيط
امين محمد حطيط


عندما وقعت جريمة 14 شباط ,2005 ومن غير اي بينة سارع فريق لبناني وبإيحاء ودفع من المخطط الخارجي الى تحديد القاتل وإدانته ومحاكمته قبل اي تحقيق او بينة. والملفت يومها انه في الساعات الاولى للجريمة رفعت صور قادة الاجهزة الامنية اللبنانية من قبل «الجماهير التي وصفت اميركيا بانها تنفذ ثورة» واسميت الحركة من قبل القائمين بها في لبنان «ثورة الارز». رفعت صور الضباط الاربعة باعتبارهم «شركاء في الجريمة او فاعلين اصليين لها»، ولم يبق الا تحضير الدليل على ذلك. القي الضباط في السجن لتهمة جوفاء بالتفجير ولكن لم يتوقف مسلسل التفجير. وكنا نعتقد مع كثيرين ان انحلال الدولة كما يريد المخطط لا يكون الا بافقادها امنها وسوقها الى الفتنة الاهلية. لكن الحريصين والعقلاء من الوطنيين اللبنانيين عطلوا على المخطط مبتغاه ولم تقع الفتنة، فانتقل الى خطة بديلة هي هدم المؤسسات الدستورية ونفذ ذلك بالفعل وبشكل منهجي مدروس مبتدئا بالمجلس الدستوري وصولا الى رئاسة الجمهورية.

الخطة هي ازالة لبنان الدولة الموحدة التوافقية لاقامة الكيانات العنصرية التي تحل مشكلة اسرائيل بدءا من لبنان (لتفيذ التوطين). وهذا ما حاول العماد لحود تفاديه عند انتهاء الولاية فعهد بالدولة للمؤسسة العسكرية التي كان الاجماع عليها قائما من قبل الشعب من غير استثناء ظاهر، وهنا التفت المخطط وبعد الاجهاز على المؤسسات السياسية الى البنية العسكرية والامنية في البلاد التي بمقدورها حسب الظن ان تبقي الدولة قائمة لوقت يلزم المتخاصمين حولها وفي داخلها لايجاد الحلول وسبل الوفاق... لقد كان البيان الامني للرئيس لحود بمثابة وثيقة الطمأنينة للمواطنين ان لديهم من يؤمن استمرار دولتهم من غير قلق قاتل ينتابهم حول المصير، وناغمه قائد الجيش العماد سليمان بان «الامن تكليف عام» اي انه لن ينتظر امرا من احد حتى يحفظ الدولة في امنها.

عاد «المهندس العالمي» والتفت الى الاجهزة تلك ليوجه اليها الضربة بعد اقل من 3 اسابيع على صدور البيان الرئاسي فكان اغتيال مدير عمليات الجيش العميد فرنسوا الحاج. ثم كانت الضربة الثانية المسبوقة بتعرض لسيارة للسفارة الاميركية، وبعدها ضربة تصيب الجسم الامني الثاني بعد الجيش، قوى الامن الداخلي. ثم عاد المخطط لتوجيه لكمة ثانية الى الجيش في منطقة عين الرمانة الشياح، لكن هذه المرة عبر مجزرة اوقعها القناصة بالمدنيين في حضور الجيش وعلى مسمع منه.

ان تحليلا جادا للعمليات الاربع المذكورة، يستطيع ان يوصل الى ما يلي:

ـ بعد ان اطمأن المهندس المخطط في لبنان الى نجاحه في القضاء على الدولة سياسيا، قرر ان يكمل جريمته بالاجهاز عليها امنيا، فلا يبقى لها بعد ذلك وجود، وهنا تتحقق اهداف «الفوضى الخلاقة» التي لم تستطع اميركا حتى الان نشرها في لبنان عبر فتنة اهلية عملت لها منذ البدء.

ـ ان اختيار مسرح تنفيذ العمليات الاجرامية الثلاث الاخيرة وظروف تنفيذها، له من الدلالة ما يقود الى القول ان المنفذ ليس متطفلاً على العمل الجرمي بل يملك الاحتراف العالي المستوى، كما انه على قدر كبير من الطمأنينة الى قدرته على الافلات من الملاحقة خاصة.

ـ ان اختيار الضحية على اهميتها، لا يخفي المستهدف الحقيقي والاساس من العملية، وهو الجيش في الاولى والرابعة وقوى الامن الداخلي في الثانية، اما العملية الوسيطة، فان في قراءتها ما يقود الى الاعتقاد بقصد لدى المخطط للتمويه وحرف النظر عن الفاعل الحقيقي عبر تغيير في هوية الهدف والمتابع المعني بالشأن يعرف تماما القصد هنا، اذ ما الذي تعنيه عمليه تقديم اميركا ضحية في لبنان وهي التي تحكمه فعلياً وتملك كل قراره الرسمي اليوم، خاصة وان احدا من اللبنانيين الوطنيين الحقيقيين لم يعلن المقاومة المسلحة ضد اميركا في لبنان.

تبقى الاشارة الى دور جوقة «السياسيين» المستنفرين الى توجيه التهمة الجاهزة عند كل عملية تفجير للامن في لبنان سواء في ذلك عندما كانت الاهداف سياسية او اعلامية، او عندما تغيرت طبيعتها الى عسكرية، والان مدنية. والسؤال هل ان ذلك يتم عن علم وقصد من هؤلاء لتغطية المجرم الحقيقي او لحرف التحقيق عن مساره كما حدث في سلسلة الشهادات المزورة التي اختفى اصحابها بعد ان سقطت شهاداتهم دون ان تسقط مفاعيلها بالقاء 4 ضباط في السجن اقرت المراجع الدولية بانهم معتقلون سياسيون وليس لهم في القضاء شأن يداعيهم به.

وعليه نقول ان مجزرة 27 كانون الثاني 2008 وقبلها اغتيال ضابط من الجيش وآخر من قوى الامن الداخلي، ليست الا حلقات من سلسلة تستهدف الجسم الامني العسكري من جيش وقوى امن داخلي، لينفذ بعد ذلك الى استدراج اللبنانيين بعد تعطيل هذا الجسم وشله الى حرب اهلية تأخرت 3 سنوات حتى الان برأي «المهندس العالمي» المخطط في لبنان، وها هو وقته وصبره ينفدان كما يبدو دون ان تنفد صلاحية القرار الاجرامي باستكمال تفكيك الدولة والاجهاز على الوطن..

هنا يفترض ان يكون الموقف الوطني السليم في معرفة ما يخطط للوطن، والسير عكس الخطة وعلى خطين متوازيين ويسيران معا :

ـ الاول عسكري امني قضائي يهدف الى اجراء تحقيق مجرد بكل ما حصل خاصة في المجزرة الاخيرة، والجيش قادر على كشف الحقيقة متمثلة بتحديد من اطلق النار ولماذا، ولاي جهة ينتمي، وتحديد من تجاوز القواعد والقانون، اذ ان في هذا الكشف وأدا للفتنة وتعزيزا لمصداقية الجيش وتثبيت للثقة التي يملكها لدى المواطنين من غير استثناء، وان معاقبة متجاوز او ملاحقة مجرم امر لا يمكن تركه ان رغبنا الحياة لوطن.

ـ والثاني سياسي اداري يكون عبر اعادة تشغيل المؤسسات بدءا من المجلس الدستوري، صعودا الى رئاسة الجمهورية، وان ذلك لا يكون الا عبر وفاق وطني يعترف لكل ذي حق بحقه ويعطاه، فلا يكون عزل او استئثار.

عميد متقاعد

خبير استراتيجي

تعليقات: