قصة «الخلوي» من الألف إلى الياء

يعود قطاع الاتصالات في لبنان ليثير بلبلة كبيرة هذه المرة من خلال تأليف ما يسمى بالهيئة الناظمة للاتصالات التي تألفت بهدف ترجمة برنامج الرئيس فؤاد السنيورة الاصلاحي، وخصوصا الخصخصة الشاملة التي احتوتها الورقة الاصلاحية التي قدمت الى مؤتمر باريس .3 وتتألف تلك اللجنة من خمسة اعضاء هم الرئيس كمال شحادة والاعضاء محاسن عجم، وعماد حب الله ومروان متى وباتريك عيد. ويجمع اعضاء هذه اللجنة على انهم غير مسيسين. وعلى الرغم من كونهم موظفين حياديين، إلا انهم فاعلون جدا في تأييد برنامج الرئيس السنيورة الخاص بخصخصة الهاتف الخلوي. ولا يعرف عن رئيسهم إلا كونه احد اكبر منظري الليبرالية الجديدة التي تعد الخصخصة المهمة الاولى لها. والدكتور كمال شحادة هو استاذ محاضر في كلية ادارة الاعمال بالجامعة الاميركية في بيروت، وهو حائز على اجازة في الاقتصاد من جامعة هارفرد سنة 1986 ودكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة كولومبيا سنة .1994 (لعل الرئيس فؤاد السنيورة لا يعترف الا بشهادات المتخرجين من اميركا!). وقد أسس عام 2000 شركة «كونكس كونسلتينيغ» ويشغل اليوم منصب مديرها العام. وهي تعمل في مجال تنظيم الاتصالات وقطاعات اخرى. كما ساهم المدير المذكور في وضع دراسات لتحرير قطاعات الاتصالات وإنشاء هيئات ناظمة في عدد من البلدان العربية وهي الجزائر والمغرب والاردن والمملكة العربية السعودية. وتتضمن خبرته الاستشارية مشاريع عديدة في الخصخصة واستراتيجيتها وإطارها التنظيمي العام اضافة الى عمله مع منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي. وهو من مؤسسي المنتدى الاقتصادي المتوسطي والجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات ومنتدى البحث الاقتصادي، وهو عضو في مجلسي ادارة تجمع رجال الاعمال اللبنانيين، والجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية.

يؤكد رئيس الهيئة الناظمة في اكثر من مكان ان «على الحكومات عدم التعاطي مع قطاع الاتصالات كبقرة حلوب» وأنه «يجب عزل السياسة عن الخصخصة بمعنى كف يد السياسيين عن السيطرة على عملية الخصخصة. وهو أكد اكثر من مرة أن معرفة كيفية تنظيم الخصخصة وهندستها تزيد الاستثمارات وتزيد من فرص العمل، كما ان قطاع الاتصالات اللبناني جاهز اكثر من غيره، للخصخصة التي في حال تطبيقها ستؤدي الى تحقيق مزيد من الأرباح الممولة الى الخزينة، بسبب تفعيل الادارة القيمة على هذا القطاع ومدها بالموارد البشرية الكفؤة ومواكبة المتغيرات العلمية الجديدة. ونحن نقول لقد كان قطاع الخلوي مخصصا بالكامل منذ عام 1994 وحتى عام .2001 فلماذا لم يحدث اي أمر من تلك الامور التي يتحدث عنها الدكتور كمال شحادة؟ من المعروف كيف بدأت قصة الخلوي في لبنان عام 1994 عندما منح الامتياز لشركتي «ليبانسيل» و«سيليس». وكيف وصلت الأمور الى استرداد الشركتين او بالأصح تأميمهما في عام 2001 واللجوء الى التحكيم الدولي. اذ ان السلطات اللبنانية فشلت في معالجة القرارات التحكيمية الخاصة بشركة ليبانسيل. وأدت الى تردي السمعة الاستثمارية في لبنان، في ضوء فشل التسوية في القرار التحكيمي الذي ربحته الشركة على الدولة بقيمة 266 مليون دولار. بعدما طلبت الشركة تنفيذ الحجز على اصدار سندات الخزينة بالعملات الاجنبية بقيمة 700 مليون دولار في المصارف الاميركية، نتيجة عدم تنبه الدولة الى مخاطر مثل هذه القرارات الخاصة بالدعاوي الخارجية. اذ انتقل قرار تنفيذ الحجز الى المحاكم الفيدرالية في كل من لندن وباريس. اللوكسمبورغ. لمتابعة الحجز. على القيمة المصدرة في اوروبا من السندات اللبنانية والبالغة مع القيمة المحجوزة حوالى 1400 مليون دولار من اصل المستحقات التي كان من المنوي اصدارها خلال عام 2006 والبالغة حوالى 2.4 مليار دولار. وكان حكم لجنة التحكيـم مبرما وحول الى التنفيذ مع امكانية تقديم الدولة اعتراضا على الحكم، الا انها ملزمة بالتنفيذ، وقد تم هذا الأمر، ودفعت الدولة التعويض وهي صاغرة.

اما بالنسبة لشركة فرانس تيليكوم الفرنسية. فقد توصلت الدولة الى اتفاقية معها، تقضي بإعطاء الشركة الفرنسية مبلغ 96 مليون دولار بدلا من مبلغ 266 مليون دولار القيمة المتوجبة بموجب القرار التحكيمي للشركة الفرنسية، مع العلم ان المبلغ نفسه توجب لليبانسيل. الا ان الموافقة على المصالحة مع الجانب الفرنسي ارفقت بتعديلات للمادة الخامسة من صيغة التسوية السابقة التي بدأها وزير الاتصالات السابق ألان طابوريان، ووافق عليها رئيس الجمهورية والتي تقضي بإعطاء شركة «ليبانسيل» مبلغا قدره 156 مليون دولار باعتبارها قبضت تعويضا عند فسخ العقود يقل بحوالى 52 مليون دولار عن الشركة الفرنسية. الأمر الذي يجعل قيمة التعويضات الاجمالية متساوية بين الشركتين. الا ان تقديم اعفاءات للشركة الفرنسية، وحفظ حقها بالعودة للمشاركة في مناقصات خصخصة قطاع الخلوي جعل اجمالي تعويضات شركة «ليبانسيل» يقل بحوالى 60 مليون دولار عن زميلتها برغم التساوي في عدد الخطوط والخدمات.

يناهز عدد المشتركين في الهاتف الخلوي في لبنان مليون مشترك، والمفارقة بحسب الخبراء، هي ان لبنان يعد البلد الأعلى كلفة في الاتصالات الخلوية. وسيكون قطاع الخلوي في رأس لائحة الخصخصة على الرغم من تصنيفه بين القطاعات المربحة الى الدولة.

يقول المعارضون لخصخصة القطاع الخلوي بإشراف الحكومة ان الارباح التي تجنيها الدولة من قطاع الخلوي في لبنان تقارب مليار دولار، علما أن بإمكان الدولة الحصول على مبلغ اكبر من ذلك. ويتهم المعارضون لجنة التقييم المكلفة اختيار اعضاء الهيئة الناظمة بعدم الشفافية والصدقية من منطلق ضمها مثلا لعضو كتلة المستقبل النائب غازي يوسف في خرق لمبدأ فصل السلطات اضافة للمديرين العامين لوزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف، وناجي اندراوس اللذين يفترض بالهيئة الناظمة مراقبتهما مستقبلا.

ورد في ورقة السنيورة الاصلاحية ان الخصخصة ستساهم في «تأمين النمو» و«خفض الدين العام والعجز المالي» و«ترسيخ وتطوير وتوسيع الاسواق المالية في لبنان» اضافة الى «رفع مستوى الخدمات العامة وتعزيز الثقة بها، وخفض كلفة التشغيل من خلال تطوير الأداء وزيادة فاعلية العمل، وتنويع الخدمات، وتخفيض كلفتها لقطاع الأعمال» كلام جميل ولكننا لم نلمس اي اثر لما تقوله الورقة في ارض الواقع وإلا فما هي الانجازات التي قدمتها عمليات الخصخصة التي جرت في لبنان؟ ان هذا الكلام يبقى كلاما في الهواء لا غير.

أخيرا تتمثل المراحل الرئيسة لخطة خصخصة الاتصالات وفقا لورقة السنيورة بما يلي: (1) مع حلول الربع الاول من العام 2007 تؤسس الهيئة الناظمة ويعين مجلس ادارتها (تم ذلك ولكن رئيس الجمهورية لم يوقـع) (2) وضع قانون يجيز بيع أصول قطاع الهاتف الخلوي. وتراخيص تشغيله. ومع حلول الربع الثاني من العام 2007 سيتم بيع كامل او غالبية الاسهم في شركتي الخلوي وستؤسس شركة «ليبان تيليكوم» عبر دمج هيئة اوجيرو التي تتولى تشغيل خط الهاتف الثابت وادارتين من ادارات وزارة الاتصالات بحيث تتم خصخصتها في العام .2008

(٭) كاتب لبناني

تعليقات: