مشروع «وعد» لإعمار الضاحية:

مهندسون كبار لاستعادة النسيج الاجتماعي والجدل للسياسة

شوارع ومرائب وحدائق ومبانِ بألوان الأرض في بلاد الشمس.

لو تسنى لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة الإطلاع على مشروع «وعد» لإعادة بناء الضاحية الجنوبية، ربما غير النقاط التي طرحها في مؤتمره الصحافي، أمس الأول، وقرر مناقشة جمالية المخططات التي وضعتها مجموعة من كبار المهندسين المعماريين في لبنان. لكن الخلافات السياسية التي يشهدها لبنان طغت على كلام رئيس الحكومة وتمحور الجدل بشأنها حول ثلاث مسائل رئيسية هي:

أولاً: قوله إن الحكومة اقترحت إعمار الضاحية عبر شركة ورفض حزب الله الاقتراح ثم تولى هو عملية الاعمار.

ثانياً: قوله عن وجود أشخاص بنوا على عقارات ليست ملكهم أو مشاعات للحكومة اللبنانية أو عقارات خاصة، بالإضافة إلى أشخاص بنوا من دون تصريح بناء.

ثالثها: قوله إن حزب الله سوف يبني من أموال اللبنانيين وليس من أمواله.

في المسألة الأولى أوضحت مصادر متابعة للنقاشات التي جرت خلال اجتماعات اللجنة التي كلفت بوضع مشروع لإعمار الضاحية بعد حرب تموز، أنه تم في تلك الاجتماعات تقديم العديد من الاقتراحات، بينها اقتراح الشركة العقارية، لكن حزب الله رفضه بسبب ما يرتبه من عمليات ضم وفرز تستغرق وقتاً طويلاً، بينما يحتاج الأهالي الذين دمرت منازلهم للعودة إليها بسرعة. وشجع على رفض الشركة أيضاً تجربة المؤسسة العامة «اليسار» التي لم تنفذ حتى اليوم. بينما تقول مصادر أخرى إنه يوجد لدى الحكومة طرح بتشكيل لجان من أصحاب الأملاك في المباني لكي يتولوا هم الاشراف على عملية الاعمار، لكن لم تتضح طبيعة ذلك الطرح، لأن الحكومة لم تعلنه.

في المسألة الثانية تقول المصادر المتابعة إنه يوجد مخالفات بناء في الضاحية مثلما يوجد في جميع المناطق اللبنانية وبينها بيروت، ويمكن لمن ارتكبها تسوية المخالفة استناداً لقانون تسوية مخالفات البناء، أما القول بوجود أبنية مبنية على أملاك الغير فلا يسري على مباني الضاحية المهدمة، واذا وجدت ربما تكون مبنى أو اثنين وذلك لا يؤدي إلى تأخير دفع التعويضات.

وتضيف المصادر أنه توجد منازل مهدمة مبنية على أملاك الغير في منطقة البقاع، وتلك من المشاكل المزمنة التي تعانيها المنطقة، ليس بسبب عدم وجود الدولة، وإنما بسبب عدم وصول الدولة الى البقاع، موضحة أنه يوجد ما بين أربعمئة وخمسمئة منزل في البقاع تسري عليها تلك الحالة، كما توجد بعض الحالات في منطقة الجنوب، خصوصاً في جنوبي الليطاني. ومن المعروف ان تلك المنطقة عاشت اثنين وعشرين عاماً تحت الاحتلال وهي مناطق غير ممسوحة أصلاً والحق ليس على أهاليها الذين عانوا من الاحتلال مرة ومن غياب الدولة مرة ثانية.

أما المسألة الثالثة المتعلقة بالقول إن الأموال التي سيبني بها الحزب هي من أموال اللبنانيين، فيجب التوضيح أنها من أموال الدول المانحة التي تقرر إعطاؤها للمتضررين من حرب تموز، وبالتالي فهي ليست ملكاً لحزب الله، لكنها أيضاً ليست ملكاً للحكومة.

وتوضح هنا مصادر في حزب الله أن الحزب أوضح مراراً أنه خيّر الأهالي المتضررين بين بناء منازلهم بأنفسهم عبر انتخاب لجان تمثل المالكين بناء لقانون الملكية المشتركة وبين تولي الحزب وضع مخططات عامة لإعادة بناء المباني المهدمة على ان تتولاها لجان المباني، وقد اختار ما يقارب الثمانين بالمئة من المتضررين البناء ضمن المخططات التي وضعتها اللجنة الاستشارية الهندسية بالتنسيق مع حزب الله وبلدية حارة حريك.

حارة حريك: لا مخالفات

في هذا الإطار يؤكد رئيس بلدية حارة حريك سمير دكاش أنه لا يوجد في المنطقة المتضررة من الحرب أي مبنى على أملاك الغير ولا يوجد تعد على الأملاك العامة، كما لا توجد أبينة من دون تراخيص. ويقول إنه إذا كان لدى رئيس الحكومة إثباتات تناقض ذلك فليقدمها. كما أوضح أن أملاك الوقف الماروني مسيجة في الحارة ولا يحق لأحد التصرف بها غير الوقف الماروني، أما القول عن مصادرة أملاك مسيحيين في الضاحية، فذلك حصل خلال فترة الحرب الأهلية مثل باقي المناطق اللبنانية وعملت وزارة المهجرين على إخلاء شاغلي أملاك الغير ولم تعد توجد أملاك مصادرة.

يوضح دكاش أن نقيب المهندسين سمير ضومط اقترح خلال اجتماعات اللجنة الحكومية الخاصة بإعمار الضاحية تأسيس شركة عقارية، لكنه رفض شخصياً الاقتراح لأن شركة «سوليدير» صادرت أملاك أصحاب الحقوق الصغيرة، ولن يقبل أن تتحول الحارة الى «سوليدير ثانية».

حاولت «السفير» الإطلاع من مدير عام وزارة المهجرين أحمد محمود على حقيقة ما أثاره رئيس الحكومة، لأن طلبات المتضررين تقدم الى الوزارة، لكنه تحفظ عن الاجابة، كما حاولت الاتصال بالمستشار الاعلامي لرئيس الحكومة عارف العبد، لكن تبين أنه يرافق الرئيس السنيورة في زيارته الرسمية الى البرتغال.

يفضل المهندس المعماري رهيف فياض تسمية الضاحية الجنوبية بجنوب بيروت، لأنها تشكل امتداداً لها بنسيجها المعماري. يفرش الخريطة الكبرى للمباني في منطقة حارة حريك، يشير الى تصاميم المباني الملونة بالبني، موضحاً أنها المباني المهدمة الخاضعة لمشروع الإعمار، بينما تركت المباني غير المهدمة بلون الورق الأبيض.

المهندسون

فياض هو واحد من هيئة هندسية ـ أكاديمية، تضم ستة من كبار المهندسين في مجال العمارة والتخطيط المدني، تعلن أسماؤهم للمرة الأولى بوصفهم من المشاركين في المشروع وهم كل من رئيس قسم العمارة في جامعة «إل إي يو» مارون دكاش، ورئيس قسم العمارة في معهد الفنون الجميلة ـ الفرع الثاني جاك خوام، ومنسق قسم الدبلوم في معهد الفنون الجميلة ـ الفرع الأول محمود شرف الدين، ورئيس فرع المعماريين في نقابة المهندسين في بيروت ثني الجمل كما أنه أستاذ العمارة في الجامعة الأميركية وجامعة اللويزة، ورئيس رابطة المعماريين سابقاً محمد دندشـلي، بينـما يترأس فياض حالياً هيئة المعمارييـن العـرب بالإضافة الى كونه أستاذ العمـارة في الجامعة اللبنانية منذ العام .1976

تشرف الهيئة على إعداد الدراسات التمهيدية والتفصيلية لإعادة إعمار المنطقة المهدمة في الضاحية، وتلك ليس سابقة، كما يوضح فياض، فقد أنشأت المديرية العامة للتنظيم المدني في العام 1995 هيئة سميت الهيئة المعمارية العليا وكانت مهمتها الإشراف على إعداد الدراسات لكل ما يبنى على الأرض اللبنانية، شرط أن يكون البناء كبيراً من حيث الحجم وهاماً من حيث الموقع والتأثير. كان عضواً في تلك الهيئة منذ تأسيسها حتى حلها عندما كان الوزير نجيب ميقاتي وزيراً للأشغال العامة، ويعتبر أن الهيئة التي جرى تشكيلها لإعمار الضاحية شبيهة بالهيئة المنحلة، أما القول إنها رسمية أو غير رسمية فذلك أمر نسبي ما دامت المنطقة المهدمة تستدعي تشكيلها من حيث حجمها وتأثيرها.

المشروع

بدأ عمل الهيئة في شهر كانون الأول الماضي وقسمت عملها إلى مرحلتين: المرحلة الأولى إعداد تصاميم للمنطقة التي يراد إعمارها مدينياً، وهي تقع ضمن حارة حريك وتمتد بين البوليفار الذي يربط طريق المطار بالحازمية عبر مخيم برج البراجنة جنوباً وطريق بئر العبد شرقاً وطريق حارة حريك الرئيسي غرباً، يخترقها كل من شوارع دكاش الذي أصبح يدعى شارع الشورى والسيد عباس الموسوي وراغب حرب.

يفرش فياض خريطة ثانية أمامه أعدّتها الشركة الاستشارية «الخطيب وعلمي» المكلفة من قبل الحكومة بالتدقيق في المسوحات الخاصة بالمناطق المتضررة من جراء الحرب. يشير إلى المباني المهدمة وغير المهدمة قائلا إنها شبيهة بالخريطة التي أعدتها الهيئة الهندسية وبالتالي لا توجد مشكلة أو فروقات بين تقديرات الحكومة وبين تقديرات الهيئة الهندسية.

تظهر كل من الخريطتين أن نصف المباني في المنطقة مهدمة ونصفها غير مهدم، بينما يشكل المشروع الذي وضع من أجلها خلاصة تفكير مشترك للهيئة الهندسية، إلى جانبه كتيب متوسط الحجم يتضمن توصيات عامة على علاقة بالمقاربة الفلسفية للإعمار والتوجيهات الأساسية للمصممين وهي توجيهات خاصة بالهندسة المدينية وليس بالسياسة.

جرى تقسيم المشروع إلى ثلاثين منطقة تضم كل منها مجموعة مبانٍ ويشرف عليها ثلاثون مكتباً هندسياً، مهمة كل منها إعداد خرائط هندسية للمباني بطريقة تنسجم مع المباني القائمة حولها، وقد اقترح فياض المكاتب انطلاقاً من معرفته بالقائمين عليها ومدى خبرتهم في مجال الهندسة واستناداً إلى المعلومات التي قدّمها كل منها عن تجربته في المجال المعني به حالياً وهو إعادة إعمار مناطق دمّرتها الحرب.

يقول إن بعض المهندسين قدموا مثلاً تصاميم لمبانٍ لم تجر الموافقة عليها، فجرى الطلب منهم إعادة تصميمها مرتين أو ثلاثاً لكي تتلاءم مع النسيج المعماري الموجود وتراعي التنوع ضمن الوحدة واستخدام مواد البناء الملائمة.

يتم العمل بالتنسيق مع بلدية حارة حريك وممثلين لحزب الله، لكن لدى الهيئة السلطة المطلقة في الموافقة على التصاميم التي تراها مناسبة ولا يتدخل الحزب فيها لا من قريب ولا من بعيد، كما يؤكد فياض، موضحاً أن دور مشروع «وعد» هو مساعدة الهيئة الهندسية على اتخاذ القرارات لكي تصبح صالحة للتنفيذ. أما النقطة المهمة في المشروع برأيه فهي مناقشة الخرائط التفصيلية لكل شقة من قبل الأهالي الذين يضعون ملاحظاتهم عليها. ويتمنى هنا تسجيل بعض الملاحظات للتدليل على مدى أهمية اختيار السكان لتصاميم منازلهم، منها مثلاً طلب أحد المواطنين إعادة تصميم غرف النوم بحيث تصبح جدرانها زوايا قائمة بعد أن كانت مستديرة قليلاً لأنه يحبها هكذا، بينما جرى تدوير الزوايا في التصميم، لأن الشارع الذي سيقام فيه المبنى غير مستقيم، وطلب مواطن آخر أن تكون مقاعد الحمام معاكسة لاتجاه القبلة لأنه لا يجوز دينياً برأيه أن تكون مقابلة لها، وطلب ثالث فصل إعادة تصميم غرفتي الاستقبال والطعام كما كانت عليه مع العلم أن مساحتهما في التصميم الحالي أكبر، لكنه لا يستطيع وضع حاجز بينهما.

يبدي فياض متعة كبيرة بذكر تلك الملاحظات قائلاً إن إدارة مشروع «وعد» لا تريد أن تفرض على الناس نسيجاً معمارياً مختلفاً عن النسيج الذي اعتادوا عليه، وما يحصل حالياً أن السكان يبدون آراءهم بمنازلهم بعدما اشتروها سابقاً جاهزة وذلك ما يفرحهم.

بدأ العمل في المشروع على مراحل وسوف ينتهي على مراحل وتلك من شروط كل مشروع إعماري كبير، لكنه يؤكد أنه لن يجري نقل أي مبنى من مكانه ولن يضاف أي مبنى غير موجود إلى المكان، كما لن تكون مساحة أي مبنى أقل مما كانت عليه ولن يهدر أي حق للمالكين.

على مستوى السير يعتبر فياض أن ازدحام السير في جنوب بيروت يعود إلى كونها جزءاً من المدينة، لكن شوارعها أكثر ضيقاً، سبب ذلك عدم تنظيم العقارات في الضاحية لتكون مخصصة للمباني وإنما هي في الأصل عقارات زراعية شقت فيها الطرقات ثم جاء النزوح والاجتياحات لكي تزيد من كثافة السكان بسرعة وبالتالي زيادة عدد المباني بينما الطرقات زراعية.

توجد حالياً لدى الهيئة اقتراحات عدة لتنظيم السير وهي: تحويل كل من شارعي دكاش وعباس الموسوي إلى شارعين مستقيمين وعريضين، تقام الأرصفة على جانبيهما. أمام الأرصفة يتم توقيف السيارات ضمن صف واحد، بين المواقف يجري غرس أشجار. سوف يتمّ من أجل تنفيذ ذلك تراجع للمباني مسافة أربعة أمتار عن الشارع، على أن تبنى ضمن خط مستقيم لإنتاج ما يسمى «منظور الشارع».

جرى حل مشكلة مواقف السيارات ضمن المباني وسوف يقام من أجل ذلك طابق سفلي في كل مبنى يخصص مرأباً للسيارات، وإذا لم يكن كافياً يجري بناء طابق سفلي ثانٍ، وإذا كان العقار صغيراً لا يسمح ببناء مرأب سفلي يكون الحل ببناء طابق سفلي واحد لمبنيين متلاصقين يتم استخدامه لتوقيف السيارات بالتوافق بين المالكين.

وهناك حالة يصفها فياض بأنها صعبة وهي وجود طوابق سفلية في المباني جرى تحويلها إلى مطبعة أو مؤسسة ولا يمكن نزع الملكية عن أصحابها، لذلك سيتم بناء طابق سفلي ثانٍ في تلك المباني تحت الأولى لتحويلها إلى مرأب سيارات.

إضافة إلى ذلك أوصت الهيئة الهندسية في بلدية حارة حريك بتملك بعض العقارات التي يتعذر البناء عليها وتحويلها إلى حديقة عامة تبنى تحتها مرائب. وهنا يوضح فياض ان بيروت من المدن التي لا تلتزم باي أعراف دولية خاصة بالمساحات الخضراء والتي تقضي بوجود حديقة ضمن مساحات يفصل فيها بين الواحدة وبين الأخرى خمسمئة متر، وأن يكون لكل منزل عدد من الأمتار المربعة لتحويلها إلى حديقة، لذلك أوصت الهيئة باستملاك كل ما يمكن استملاكه لتحويله إلى مساحات خضراء أو ملاعب أو نوادٍ.

يؤكد فياض أن كل العقارات الواقعة ضمن المشروع هي عقارات لديها أرقام وخرائط مساحة وحقوق مثبتة في خرائط الإفراز الرسمية، أهم ما في المشروع بالنسبة للهيئة علاقة الناس بالمباني وليس علاقة المباني بالشوارع، هاجسها إعادة الناس الى العيش في مكان أفضل ضمن رؤية تحسين النسيج العمراني وليس تغييره، لديها رغبة بعودة الناس إلى أماكنهم وهم يشــعرون أنهـم غـادروها لفترة قصيرة فقط.

سوف تتابع الهيئة عملية تنفيذ كل مبنى وكل شقة... لن تغيب عن أي تفصيل، وقد وضعت ألوان المباني من الآن، «نحن من بلاد الشمس، يقول فيــاض، سوف تكون الجدران مزدوجة لحفظ الطاقة والألوان من الأرض، الرملي والترابي، لكي تعكس حرارة الشمس ولا تمتصّها».

تعليقات: