إبراهيم حيدر: الحروب الإقليمية تهدد لبنان.. فمن ينقذه؟

لبنان قد يدفع ثمناً باهظاً إذا انعكست حصيلة الصراع العربي والاقليمي عليه، فكيف باحتمالات عدوان اسرائيلي لا أحد يعرف توقيته ولا أهدافه
لبنان قد يدفع ثمناً باهظاً إذا انعكست حصيلة الصراع العربي والاقليمي عليه، فكيف باحتمالات عدوان اسرائيلي لا أحد يعرف توقيته ولا أهدافه


ليس طبيعياً أن ينتظر اللبنانيون أشهراً لتتشكل حكومتهم، ثم يكتشفون أن ما يحصل عبارة عن توزيع للحصص والحقائب بين القوى السياسية والطوائف. هي الصورة التي رسمت منذ اتفاق الطائف باستثناء المرحلة التي كانت تقرر فيها مباشرة الوصاية السورية، إذ كانت تضع يدها على كل مفاصل الدولة، فتعيّن من تريد وتعزل من لا تراه مناسباً لسلطتها، وتقرر في الحرب والسلم. أما الصورة اليوم، للنظام والحكم، فتظهر في مجموعة تناقضات سياسية وطائفية، وخيارات مختلفة وحسابات ومصالح، لا يجمعها إلا المشاركة في الحكم، فلا البرامج السياسية واضحة في مقاربة المستقبل اللبناني في منطقة مشتعلة، ولا النقاش الذي تخوض القوى غماره على مستوى التحديات التي تواجه البلد يلامس الأخطار، حيث تحدد الصفات وترسم أفكارها وتقسم معالمه مسبقاً، وفقاً لحساباتها ومصالحها.

لا يتوقف الأمر عند الحكومة التي يفترض أن تتشكل لتتولى مهمة الانتخابات النيابية التي تفتقد لقانون جديد. وفيما كل القوى تعلن رفضها لقانون الستين المعدل وفق اتفاق الدوحة 2008، ها هي لا تمانع حقيقة في بقائه قانوناً يعيد انتاج القوى الحالية وتمثيلها، علماً أن لا مشكلة لدى مختلف الأطراف التي تتمثل في الحكم اليوم في قانون آخر، وفق سياسي شارك في انتاج القانون الأخير الذي جرت على أساسه انتخابات 2009، وإن كان القانون وفق النسبية بأشكاله المطروحة، باعتبار أن التقاسم في السلطة وموقع القرار لا يترك لأحد من خارج التركيبة شيئاً في غياب أحزاب ونقابات ديموقراطية قادرة على خرق الاصطفاف الطائفي. هذا يعني أن الحكم يتشكل اليوم من قوى أنتجت هذا النظام نفسه منذ أن صار اتفاق الطائف نافذاً وفق ما حددت الوصاية طريقة تطبيقه، فيما السؤال يطرح عن مصير هذا الاتفاق وما إذا كانت حقوق الطوائف ستبقى مكرّسة ثنائية أو ثلاثية، طالما لا قدرة لطائفة واحدة على الهيمنة والإنفراد بالقرار.

يبدو، وفق كل المعطيات أن الحكم الجديد اليوم الذي تشكلت معالمه مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، لم يستطع ضمان الإستقرار في البلد، على رغم كل الغزل السياسي بين الأطراف على مقلبي 8 و14 أذار والرسائل المتبادلة ومد الجسور، طالما لم تحسم ملفات عالقة بين الطوائف والقوى السياسية، وهذا وحده دليل تأزم مستمر في البلد ومؤسساته.

لا يزال لبنان يعيش بين القطب المخفية والسيناريوهات بين الداخلي والإقليمي، تارة يفتح على احتمالات ثنائية سنية مارونية، وتارة على اعتراض شيعي، فإعادة تموضع لطوائف على قاعدة الانفتاح والغزل، فيما أحد الثنائيين في هذه الطائفة يتوغل أكثر في الأزمة السورية، ويعلن أنه لا يريد استثمار ما تحقق في حلب في الداخل اللبناني، وثالثة يتموضع وليد جنبلاط من الموقع الدرزي في خانة العهد، علماً أننا نجد ثنائيات أيضاً في الداخل المسيحي وفي التحالفات بين الطوائف الأخرى، الى طموحات واعتبارات لفرقاء آخرين. ويعني ذلك وفق السياسي أن البلد يشهد تغيّرات بنيوية، تنعكس على الواقع اللبناني ومشهده العام، وعلاقته بالمنطقة، لكنها تغيّرات تتماهى مع ما يحصل في سوريا المفتوحة على احتمالات كثيرة، ولا تضمن استقراراً مستداماً.

تبقى المخاوف قائمة لدى اللبنانيين من الفوضى وعدم الاستقرار والحروب المحتملة التي قد تنعكس على الكيان في حال استمر الوضع على ما هو عليه، ومن عدم قدرة العهد على التوفيق بين التناقضات أو نسج التسويات، طالما يظهر العجز الى الآن واضحاً في عدم القدرة على تشكيل الحكومة، لا حكومة كاملة ولا حكومة أمر واقع غير الممكنة منذ أن أقر اتفاق الطائف الذي وزع الصلاحيات على الطوائف ومقرريها. وبقدر استمرار التجاذب وانعدام القدرة على تشكيل الحكومة وحسم الملفات الداخلية، بقدر ما ينكشف لبنان أكثر على الخارج، وفق ما يقول السياسي الذي يرى أن لبنان قد يدفع ثمناً باهظاً إذا انعكست حصيلة الصراع العربي والاقليمي عليه، فكيف باحتمالات عدوان اسرائيلي لا أحد يعرف توقيته ولا أهدافه، فيما المفترض أن المقاومة التي تقول أنها جاهزة للمواجهة تقاتل اليوم في غير ساحتها وتنخرط في الخارج وتتورط حتى العظم، فكيف يواجه لبنان أخطاراً محتملة محلية واقليمية وخارجية؟

قد يكون في لحظة ما متروكاً للقدر!

تعليقات: