قلعة تبنين تعاني الإهمال وأسوارها مهددة بالانهيار

قسم من قلعة تبنين
قسم من قلعة تبنين


عاصرت تاريخ الجنوب منذ القرن السابع قبل الميلاد

بنت جبيل :

تمر الأيام متشابهة على حجارة وجدران قلعة تبنين الأثرية الرابضة على رأس تلة البلدة. شهدت زوايا وساحات معلم تبنين الأثري أحداثاً رسمت تاريخ هذه المنطقة وخطوط مستقبلها. فموقع القلعة، الذي يضفي على سحرها سحراً، أعطاها أيضاً أهمية عسكرية وتجارية على مر العصور التي عايشتها، أي منذ القرن السابع قبل الميلاد. مراحل سياسية وعسكرية مرت على الجنوب اللبناني وطبعت في المكان ملامح تاريخية مميزة، بحيث بات من النادر أن يخلو كتاب متخصص من ذكر قلعة تبنين، حتى ارتبط اسمها بالبلدة التي تشرف عليها، وصارا يُعرّفان ببعضهما البعض.

القلعة في التاريخ

تعود أصول كلمة «تبنين» إلى اللغة الآرامية، ومعناها «البناء المشيد»، وقد ذكرت في بعض كتب التاريخ بلفظتي «طورون» و«طور». ويعود أقدم ذكر تاريخي للقلعة إلى عام 690 ق.م. عندما دمرت في عهد الملك سنحريب الآشوري، بحسب ما يورد السيد حسن الأمين في كتابه «السيف والقلم». وفي كتيب صادر عن البلدية يشار إلى أن «أول من وضع الحجر الأساس للقلعة هم الآراميون، وكان ذلك في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد»، فيما يورد الأمين أن نبوخذ نصر حاصرها عام 582 ق.م. أثناء تقدمه نحو صور. ثم تغيب القلعة بعد ذلك عن أي ذكر تاريخي، حتى مطلع القرن الثاني عشر الميلادي. إذ يقول الأمين، في كتابه «خطط جبل عامل»، إنه أعيد بناؤها عام 1107 ميلادية (ولعله يقصد الإشارة إلى إعادة ترميمها بعدما تعرضت للتخريب ما بين العهدين البيزنطي وبداية الغزو الصليبي للمنطقة عام 1099)، فسميت «طورون»، واتخذت معقلاً لغزو صور.

أما تاريخ القلعة مع الحقبة الإسلامية، فقد بدأ عام 583 هجري، عندما فتحها صلاح الدين، وحاصرها الفرنجة عام 594 هجري، وعادوا عنها عندما استعصت عليهم. ثم تعاقبت عليها أيادي التعمير والتدمير، إلى أن حكمتها الأسرة الوائلية، فأعادت إعمارها أسوة بالعديد من القلاع والحصون في جبل عامل، واستخدمتها في ثورتها على الحكومة العثمانية التي كان لها دور في تخريبها، لتستعمل أعمدتها الرخامية في بناء السرايا الحكومية في صور.

وبقيت القلعة على حالها إلى حين جلاء الفرنسيين، ولم يكن قد تبقى منها سوى «العقود» والأبراج التي لا يمكن تخريبها، وقد أخذت الناس أنقاضها من حجارة وغيرها.

انهيارات الحاضر

أما في الحاضر، فلم يشفع للقلعة تاريخها، ولم يجنبها الإهمال والتخريب الراهن. إذ شهدت أسوارها العديد من الانهيارات، التي تهدد بسقوط سورها إذا لم يتم تدارك الأمر فوراً. يشرح المواطن علي فواز، وهو من المهتمين بتاريخ القلعة، الأضرار اللاحقة بقلعة تبنين: «وقع انهياران في العام الماضي في الجدار الغربي، والخشية من انهيارات مماثلة في بقية الأقسام، لا سيما في الجدار الشرقي، بالإضافة إلى تسرب مياه الأمطار عبر شقوق البناء، سواء عند المدخل أو في القناطر». يضيف إن «كميات كبيرة من أحجار السور والغرف المنهارة جرى تجميعها على طول الطريق المؤدية إليها، ثم تطالعك البوابة بحالتها المزرية رغم عمرها الحديث نسبياً». علماً أن البوابة المشار إليها كانت قد قدّمت كهدية من الكتيبة النرويجية العاملة في إطار القوات الدولية، والتي خدمت في المنطقة، وهي مصممة على شكل بوابات القلاع الصليبية، فوضعت مكان البوابة القديمة التي فقدت في عهد أحمد باشا الجزار ويعتقد أنها ما زالت موجودة في سجن عكا الفلسطيني. وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد تحولت ساحات وجدران القلعة إلى «مشاع» للنباتات والأعشاب البرية، حتى أن بعض الأشجار أخذت مأخذها من سور القلعة، مما يزيد من خطر انهياره. هذا فضلاً عن بقايا مشروع الإنارة الذي تمتعت به القلعة لفترة وجيزة، ثم سرقت أو خرّبت تجهيزاته، من «كابلات» كهربائية ومصابيح معلقة أو مثبتة في الأرض، ناهيك عن الصدأ الذي ألمّ بمولد الكهرباء وهو في مكانه.

من يهتم؟

يشير عضو المجلس البلدي، يوسف حيدر، إلى «أن الإمكانيات المادية للبلدية لا تسمح بإجراء الترميم المطلوب ولو بحده الأدنى، وحتى لو كان الأمر ممكناً، فإن السلطات الإدارية تمنعنا لأن الترميم بحاجة إلى اختصاصيين في علم الآثار». ويشير حيدر إلى أن البلدية رفعت كتباً عدة بهذا الخصوص، لكن بلا جدوى، «لذلك يقتصر دور البلدية حالياً على أعمال التنظيف الداخلية وصيانة بعض الأجزاء الأخرى من قبيل الإنارة والأبواب».

أما على صعيد مديرية الآثار، فيشير ممثلها في الجنوب، علي بدوي، إلى أن المديرية قامت منذ مدة، بالتعاون مع اللجنة العليا للإغاثة، بصيانة بعض الجدران الخارجية للقلعة، والتي كانت آيلة للسقوط، كما أن بعثة ألمانية تعكف حالياً على وضع مخطط ترميمي للقلعة بهدف تنفيذه فيما بعد. ويقول بدوي إن هذه البعثة تمول نفسها، في حين لا يوجد أي تصور حول كيفية تمويل تنفيذ هذا المخطط بعد إنجازه.

وعليه، وكما كل شيء في لبنان، تبقى للرياح الخارجية حرية الحركة بين جدران تاريخنا، فتبني أو ترمم، ولا نقدم بدورنا، سوى الشكر والتقدير.

تعليقات: