نحن وإسرائيل وحرب تموز.. مفارقات موجعة – الجزء الثاني


كتبت البارحة بعض ما قاله قادة العدوالإسرائيلي وصحافته وجنوده حول نتائج حرب تموز واعترافهم بالهزيمة .وقد وضعت ذلك في النتائج المهمة الحلوة . اما النتائج المرّة فهي التي تتعلق بنا . فمن مفارقات هذه الحرب , وهي مفارقات موجعة حتى العظم أنه في حين كان يُسطّر مقاومونا أروع الملاحم البطولية بوجه الآلة الصهيونية المدعومة من الإدارة الأمريكية كانت حكومتنا آنذاك تعلن , ومنذ اليوم الأول لبدء الحرب وعملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين.أنها لا تتبنى العملية ولا علم لها بها ,ولم يُصر الى التشاور معها ,أي أن الحكومة بهذا التصريح أعلنت انعزالها عن المقاومة ورفعت الغطاء الرسمي الحكومي عنها .وحين سُـئل أحد قادة 14 شباط عن هذه الحرب قال :>>لادخل للبنان بهذه الحرب وسيأتي يوم المحاسبة <<.

نحن ما سمعنا في حياتنا ولا قص علينا التاريخ أن دولة حافظت على حدودها ضد عدوٍ غازٍ متجبر دون بذل دماء , بل الذي رواه لنا أن طريق الحربة الحقة مفروشة بالشهداء الأبرار وأن خضمّها الواسع لا يمخر عبابه إلا من تسلح بالإيمان الصادق والعزيمة القوية وتحلى بالصبر وجاد بدمه ووضع روحه على كتفه . ولنا في ذلك مثال يُحتذى على ما نقول , هو نبينا الكريم الذي خاض المعارك التي أسفرت عن شجّ وجهه وكسر رباعيته وتحمل الأذى في سبيل عقيدته, وعانى الطرد من وطنه حفاظاً على مبدئه حتى حقق هدفه , ونصره الله على أعدائه .

ومثل آخر لأحد صحابته حين قال ((لم يبق في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أووخزة رمح وهكذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا قرّت أعين الجبناء))... وهكذا قل في سائر عظماء الأمم والشعوب الماضين والحاضرين . وحين نلتفت اليوم إلى أنظمتنا العربية الحالية وإلى جامعتها المباعة نجدها تحتقر أبطالها وتحاول تحطيمهم وتشوّش على بطولاتهم وتضيق ذرعاً بالأبطال والقادة المجاهدين المقاومين.. والأنكى من ذلك أنها تحاول التبرّؤ منهم كما حال إعلام هذه الأنظمة والحاقدين الشخصانيين مع المقاومة وسيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله ومحاولة إظهارها وإظهارهم بصورة المغامرين اللامسؤولين .

هذه الأنظمةومن يسير في ركابها ممّن يسمّون أنفسهم أحراراً هؤلاء يطلبون الحياة الرغيدة , وأولئك يطلبون الشهادة دفاعاً عن وطنٍ وحق . هؤلاء يطلبون الوظيفة والمنفعة والقوت , وأولئك بطلبون الشرف .هؤلاء يطلبون غنيمة يملأون بها فراغ كروشهم وبطونهم وأولئك يطلبون جنةً

عرضها السماوات والأرض فوالله ماعاش ذليلٌ ولا مات شهيد . ومع الأسف , لقد فقدنا القدرة على التفاعل والحوارالمجدي , لأننا فقدنا القدرة على مصداقية فعل شيئ. فقدنا الإنتماء والتعاون والوحدة , فقدنا القضية المركزية , ولولا ذلك الضؤ الذي إنبعث في تلك الحرب من آخر النفق المعتم لمتنا أذلاّء مستضعفين .

وبعد ذلك فما الذي يجري اليوم على الساحة اللبنانية ؟ تهديد المقاومة بشتىّ الأساليب وتخييرها بين موقفين إثنين : القبول بنزع سلاحها بدءاً بتحطيم المقدسات كما قال أحد الرموز ورفع مستوى التوتر عن طريق إستعادة العصبيات الطائفية والسياسية والمذهبية كما هو حاصل اليوم , ومن ثم الضغط على حزب الله بالإستفزاز وافتعال المشاكل معه وحشره للدفاع عن نفسه لبدء إعلان الفتنة . لأن ما لم تستطع إسرائيل وأمريكا تحقيقه في تلك الحرب متروك لهذه الطغمة للإمساك كلياً بمقدرات الدولة والسلطة لتفجير الوضع الداخلي .

والأنكى من كل ذلك أن بعض رجال الدين المفتشين عن دور لهم في أوقات خطيرة كانوا يطلّون برؤوسهم وينفخون في النار . فهذا كان يرمي المقاومة بالتفرّد , وذاك بنقص سيادة الدولة وهيبتها . وإذا أردنا الإختصار لقلنا : إنقسم اللبنانيون في قراءتهم لحرب العام 2006 , فرئيس الجمهورية العماد أميل لحود والعماد ميشال عون دعما وبررا وكذلك الرئيس سليم الحص . أما الرئيس نبيه بري وحركة أمل فهما من داخل البيت المقاوم , وعادةً شهادة أهل البيت تكون مجروحة ... ولعلّ أول من بادر لإعلان إدانة هذه الحرب هي الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة ثم قادة 14 آذار والنائب وليد جنبلاط بتصريحاته المتلونه وكذلك سعد الحريري الذي طالب ((بمحاسبة أولئك المغامرين )) . وكما انقسم اللبنانيون حول رؤيتهم لهذه الحرب كذلك كانت رؤية الدول العربيه . فمصروالسعودية والأردن أدانت المغامرة غير المحسوبة محملةً حزب الله مسؤولية مغامرته . أما سوريا فقد آزرت ودعمت وكذلك السودان واليمن وحماس والكويت أما الموقف القطري فقد تأرجح ما بين مدٍ وجزر . وعن الدول الإسلامية فهناك مواقف مشرفة في طليعتها أيران , لكن منظمة المؤتمر الإسلامي ((58 دولة )) لم يكن موقفها كما يطمح إليه الشارع العربي والإسلامي .

المحصلة أن المقاومة كسرت ظهر إسرائيل في تلك الحرب اعترف الحاقدون بذلك أم لم يعترفوا وأنتجت ميزان قوى جديداً , وعلى الإنظمة العربية والشعوب العربية الإستفادة منها ومن قول الشاعر :

لا أشتكي زمني هذا فأظلمُهُ .. .. وإنما أشتكي من أهلِ ذا الزمنِ

هُمُ الذئاب التي تحت الثياب فلا .. .. تكن إلى أحدٍ منهم بمؤتمن ِ

الجزء الأول


تعليقات: