خليل ياسين رجل أعمال عصامي ضحية شائعات سياسية

شراء الأراضي في جزين توطين أم تجذير

لقد منح الله منطقة جزين طبيعة جميلة ومناخاً بارداً منعشاً، ما جعلها قبلة المصطافين من أهالي الجنوب على امتداد سنين طويلة، لكن على قدر هذه المنحة، أحاطها الحرمان والإهمال مع معاناة أهلها إبان الاحتلال الإسرائيلي والحروب المتكررة التي دفعت إلى هجرة عدد كبير من أبنائها طوال أكثر من عشرين عاماً.

واليوم ما كادت جزين والبلدات المحيطة بها تبدأ بلملمة أنفاسها واستعادة نضارتها ونقائها بفعل نشاطات رؤساء بلدياتها، وهمة أبنائها من رجال الأعمال والمستثمرين الذين آثروا أن تكون معاملهم ومشاريعهم بمنطقتهم، ليوفروا فرص عمل أمام مئات العائلات التي تعيل الالاف من أبناء المنطقة على اختلاف طوائفهم، حتى عادت ملامح المعاناة تلوح في الأفق بفعل شائعات اختلقها سياسيون وانجرف بها رجال دين، خدمة لمآرب ومصالح شخصية ضيقة.

أجمل ما في هذا البلد، إن حبل الكذب قصير، ومع ذلك تجد فيه من أشباه جحا وربما أحفاده وورثته الكثيرين. يكذبون الكذبة ويصدقونها، فيتخذونها فيما بعد شعاراً في خطاباتهم وسجالاتهم ومنابرهم.

وآخر طرائفهم، شائعات التوطين في جزين التي ينفذها برأيهم رجل الأعمال خليل ياسين، ابن بلدة "بنواتي" لكونه اشترى دونمات عدة من الأراضي المحيطة بمزرعته في القرية، ودونمات أخرى في "بتدين اللقش" محيطة بمعمل أحجار الزينة الذي يملكه هناك.

يتساءل أهالي المنطقة باستغراب عن أسباب الضجة التي أثيرت حول شراء بعض الأراضي في بلداتهم والعزف على وتر الطوائف والتوطين، وكأن الأراضي لا تباع ولا تشترى في لبنان سوى في هذه المنطقة.

تاريخ بيع الأراضي في منطقة جزين يعود إلى أواسط السبعينيات حين اشترى الرئيس الشهيد رفيق الحريري مساحات واسعة من الأراضي من آل سالم في منطقة كفرفالوس ليبني عليها حلمه "المدينة الجامعية"، القريبة من مدينته صيدا، في موقع جميل وهادئ، وما يرافقها من مبان سكنية ومختبرات ومستشفى ومستوصفات وغيرها، علّ هذا المشروع يسهم في بداية نهاية الحرب الأهلية. لكن الحلم ضاع واحترقت الآمال بفعل شائعات أطلقت وادعت بأنها محاولة لأسلمة المنطقة وتغيير ديمغرافيتها. ودمرت آلة الحرب الحلم وخسرت المنطقة وبالأخص جزين ومحيطها ما كان يمكن أن يكون نعيماً اقتصادياً وتربوياً وإنسانياً وثقافياً، لم يتمكن أحد من تعويضه حتى اليوم.

وتكررت الأكذوبة مرة ثانية مع مشروع عفيف رستم السكني في "كفر جرة" وبأنه يهدف إلى توطين الفلسطينيين، لكن الواقع فضح مطلقي الشائعات فمات رستم مفلساً ومبانيه مرهونة للمصارف ومعروضة للبيع بالمزاد العلني.

واليوم تعود حكاية ابريق الزيت مرة أخرى إلى الواجهة وبطلها منسق التيار الوطني الحر زيار أسود ووسائل الإعلام المتحالفة معه. وقال أسود في تصريح صحفي: "لقد تثبتنا من حصول عمليات شراء واسعة بمساحات كبيرة وعقارات في مواقع مترابطة ومتلاصقة داخل قضاء جزين، وذلك بهدف إجراء حزام تواصلي بين العقارات المباعة لفصل منطقة الوسط عن الجبل على غرار ما سبق أن حصل في منطقة كفر فالوس الساحلية في أواسط الثمانينيات".

تلقف هذا التصريح رجال دين فأعلن أحدهم أن نصف مساحة "بتدين اللقش" قد بيعت.

فماذا يقول أصحاب الشأن رؤساء بلديات المنطقة وأهاليها؟.

أول من التقنياه جرجي عزيز حداد "أبو عجاج" رئيس بلدية "روم" وعميد رؤساء بلديات منطقة جزين، فقال: "سكنت روم وبقيت فيها طوال فترة الأحداث، لم أتركها يوماً. أعرفها شبراً شبراً وأعرف أهاليها ومشاكلهم ومعاناتهم وأحاول مع أصحاب الأيادي البيضاء مساعدتهم قدر الإمكان. لا أحد يبيع أرضه غصباً أو بالقوة. اللي يبيع محتاج، واللي عم يشتري مش غريب أولاد المنطقة عم يساعدوا بعضهم. واللي عم يدافع عن الأراضي يشرف يساعد الناس حتى ما تبيع أرضها".

ويتابع أبو عجاج قائلاً: "بيقولوا توطين للفلسطينيين، يا أخي مجنون يحكي وعاقل يسمع. ممكن تسكن مئات الألوف من الناس في مناطق لا تتجاوز مساحتها عشرات الدونمات؟، بعدين إخواننا الفلسطينيين مش هبل حتى يتركوا سكنهم قرب المدن والمصانع والأسواق ويسكنوا بالوديان والأحراش، بمنطقة ما فيها شغل. خليل ياسين ابن "بنواتي" اشترى شوية أراضي جنب مزرعته وهي بالأصل كانت لجدّه. وشوية في "بتدين اللقش" قرب معمله وقسم آخر بمزرعة "لبابا" تابعة لبلدية "عازور". خليل ياسين ما اشترى بروم ولا بجزين ولا اشترى بالسريرة، مشكلة افتعلوها ناس معروفين ليغطوا اللي عم بيصير "بالقطراني". واللي خايف علينا يحط إيده معنا، يعطينا مش بس ياخد منّا، يعمر لنا معامل، مصانع، يبني جامعة حتى اولاد المنطقة وأهاليها ما يتركوها وينزلوا عا بيروت وصيدا".

يستريح عميد البلديات العم ابو عجاج ويقول: "ما بعرف ليش في ناس دايماً بتحب تعرقل عمل الخير؟، شو عمل خليل ياسين حتى نعاقبه ونشهر فيه؟، اشترى أراضي؟، ما طول عمره بيشتري أراضي. من أربعين سنة، من قبل ما يكون في فلسطينيين وفي توطين. يتفضلوا يشوفوا المعامل اللي عم يشتغلوا فيها أهالي المنطقة. هيدا زلمه برأيي يستاهل مكافأة ووسام كمان. ما في محتاج بيقصده وبيرجع خايب. ما بلدية حوله ما ساعدها أو عمر فيها. امبارح آل "العازوري" عمّروا كنيسة، تبرع بعشرين ألف دولار ليبني صالون للكنيسة. ما امرأة بدها تدخل ولادها مستشفى إلا ما تقصده. نحنا ما شفنا منه ضرر، إنسان طيب آدمي، ابن بيت كله حنان، البركة بتطلع منه".

ويختتم جرجي حداد حديثه قائلاً: "جزين وروم واللي حواليها منطقة عايشين الوحدة الوطنية الصحيحة. الوحدة الوطنية اللي يحكوا فيها كل يوم نحنا عم نعيشها فعلاً. العيش المشترك، الكلمة اللي عم يتاجروا فيها نحنا عم نعيشها كل ساعة وكل دقيقة. تفضل إقرأ مكتوب سلمني إياه مدير مدرسة ماريا عزيز الرسمية بجزين الاستاذ بولس مزهر، حتى أطلب مساعدة من خليل ياسين لتأمين عشرين طن مازوت مؤونة السنة وإلا تقفل المهنية، لأن ما في مصاري ببلدية جزين لتأمين محروقات المدرسة. شو بيكون عم يعمل خليل ياسين؟".

أما نبيل قطار، رئيس بلدية "بتدين اللقش" فقد سألناه عن حقيقة بيع نصف أراضي البلدة لخليل ياسين. فضحك وقال: "إذا كان مساحة البلدة لا تتجاوز المليون ونصف متر وما اشتراه خليل ياسين لا يتجاوز السبعة عشر دونم ونصف فأية نظرية حسابية يمكن أن تطبق هنا؟؟

للأسف الكثير من السياسيين وحتى رجال الدين لا يتحققون مما يرمى إليهم من شائعات فيتحدثون عن بيع ملايين الأمتار في بلدة وهي لا تتجاوز مساحتها المليون ونصف متر.

أما لماذا اشترى خليل ياسين في بلدتنا، فالسبب إنه ابن "بنواتي" جارتنا التي تبعد كيلومترين عنا وهي منطقة مسلمين سنة وحيدة بين بلدات مسيحية. تعايشنا معاً منذ أيام جدودنا ورغم كل الحروب بقينا عائلة واحدة".

"خليل رجل أعمال عصامي، يخطط لتجارته بموهبة فطرية، يعرف شو بيربّح وشو بيخسّر. عرض عليه شراء معمل لحجارة الزينة من آل صايغ فاشتراه، بعدها اشترى منشار للصخر، أحدث منشار في لبنان لقطع الصخر وحجارة الرخام، فأحب أن يوسع معمله بعد شراء المنشار وحتى يستفيد من الصخر في أرضه فاشترى قطعتين، الأولى سبعة دونمات والثانية دونم ونصف من خليل قطار، والمعمل الذي اشتراه على اساس عشرة دونمات طلع تسعة دونمات فأصبح كل ما يمكله هذا الإنسان في بلدتنا لا يتجاوز السبعة عشر دونماً ونصف فقط وليس نصف أراضيها.

الـ17 دونم اليوم تشترى لبناء فيلا واحدة وليس للتوطين".

ويضيف القطار قائلا: "حتى لا تتضرر البلدة من مرور شاحنات معمله، قام خليل ياسين بتوسيع مدخل البلدة وأقام حائط دعم بكلفة سبعين ألف دولار، كما قام بتصليح وتعبيد الطرقات في البلدة. ومعمله اليوم أغلب عماله من المنطقة، لقد خلق فرص عمل لأهلنا".

بعد الشائعات عقد ياسين اتفاقاً مع البلدية بعدم شراء أي متر في البلدة فمن خسر؟.

"نحن خسرنا، الناس المحتاجة لأن تبيع أرضها وتعيش خسرت".

أثناء الحديث صدف مرور نزيه مخايل من بلدة "علمان الشوف" فشاركنا الحديث قائلاً: "هذا الرجل سمعت عنه الكثير، صحيح إنه يشتري بعض الأراضي من الأهالي المحتاجين لكنه يعدهم بأن يرد الأرض لهم إذا تحسنت ظروفهم واستطاعوا تأمين ثمنها. يا ريت البطركية عنا بتعمل هيك. خليل ياسين لا يستأهله أهل منطقته، وسيدنا المسيح قال: لا يكرم نبي في وطنه".

واستوقفنا الأخت ماريا أبو حيدر مسؤولة مستوصف "روم" أثناء زيارة سريعة لها لأبو عجاج فقالت: "خليل ياسين ما بعرفه، لكنني أسمع إنه يفتح مشاريع لتشغيل أهل المنطقة، لأن المنطقة ميتة ما فيها شغل وإذا لم يأت مستثمرون شبابنا بيفلوا وبيهاجروا كلهم".

طنوس العازوري من "روم" التقنياه متوجهاً إلى مزرعة خليل ياسين، فسألناه عن السبب قال: "أنا معمارجي عمرت بيت للعائلة ومش قادر سجله فقررت اقصده ليساعدني في تسجيل البيت".

ترى بعد هذه الشهادات من أهالي المنطقة المعنيين، تصبح قضية شراء الأراضي في جزين قضية "تجذير لا توطين"، قضية إنسان تمسك بأرضه وبنى مشاريع عدة عليها ليساعد أبناء منطقته على التمسك بجذورهم.

خليل ياسين الذي بدأ حياته العملية عاملاً بسيطاً في مصلحة الهاتف ليصبح اليوم رئيس المصلحة المالية فيها، لم يتوان منذ ريعان شبابه عن جمع القرش فوق القرش ليشتري بها عدة أمتار من الأراضي، فحبه للأرض دفعه إلى أن يحرم نفسه من الكثير من الملذات من أجل امتلاك الأرض. بدأ شراء الأراضي في بداية الستينات وصار من أصحاب العقارات في مناطق عدة من لبنان شاء قدره أن يكون حجة يتخذها الآخرون لإبعاد الأنظار عن قضية شراء مليون ومئتي ألف متر مربع في محيط بلدتي "السريرة" و "القطراني" و300 ألف متر مربع في منطقة "برغز" من قبل المتمول علي تاج الدين ومباشرة بناء ألف وستمئة وحدة سكنية فيها.

فيما مشاريع خليل ياسين تختلف كلياً بأهدافها، فقد أقام معصرة "المعتز" للزيتون هي الأحدث اليوم في منطقة الجنوب، وبدأ مشروعه بدعم المزارعين منذ العام الماضي، إذ يشتري محصول الزيتون بكامله من المزارع ويعصره أمامه خلال نصف ساعة ليقبض ثمن زيته نقداً. فيما يتولى السيد ياسين تخزينه وتعبئته وبيعه. وقد اشترى السنة الماضية 300 ألف تنكة فأنقذ المزارعين من كساد موسم الزيتون.

كذلك أسس معمل صابون بلدي يعتمد على بقايا زيت الزيتون، ومعمل صابون حديث يستخدم فيه أحدث تقنيات الصابون التجاري. كما أسس إلى جانب معمل توضيب التفاح والدراق وتخزينها في برادات يملكها، معملاً لتوضيب الصنوبر الذي تشتهر به منطقة جزين فيتم تكسيره آلياً وفرزه وغربلته وتعبئته.

هذا إلى جانب معمل الألبان والأجبان التي تنتجها مزرعته الصغيرة والتي لا يتم بيع منتوجاتها بل توزع مجاناً على أكثر من 12 مؤسسة خيرية ودور عجزة في بيروت إلى جانب مؤسسات المنطقة والجوار وبعض العائلات المستورة. كما تؤمن مؤونة كافة العاملين لديه مجاناً. معمل الخير هذا يوزع مرتين في الأسبوع الحليب واللبن واللبنة والجبنة والبيض.

أما معمل حجارة الزينة فما يزال مستمراً في عمله في "بتدين اللقش" بينما أوقف عمل منشار الصخر ونقله إلى أراض له في منطقة بشامون ليبدأ العمل به قريباً.

ويعمل في معامله ومزارعه أكثر من مئتي عامل بعضهم من معوقي الحرب اللبنانية من أبناء المنطقة.

هذه هي قصة شائعات بيع الأراضي في جزين فقاقيع صابون أرادوا بها إلهاء الناس، وصرف أنظارهم عن مشاريع مشبوهة تجري في منطقة أخرى، دفع ثمنها رجل أعمال كريم وعصامي ومحب للخير.

تعليقات: