اخْتلاسُ نَظَر


غِناءٌ كَعَزْفِ الوَتَر مِن خَلْف السُورِ صَدَر, فهَمَّ إليهِ بِحَذَر

قَفَزَ قَفْزَةً صَغيرَةً لِيَتَمَكَّن مِن تَثْبيت أصابِعِه على قِمَّة الجِّدار, ثُمَّ حاول رَفْعَ جِسْمَه مُسْتَعيناً بِقوَةِ ساعِدَيه وإرتِكاز قَدَمَيه على نُتُوءٍ بارِزَةٍ فيه, لَكِنَّه ما أن أسْنَدَ ثِقْلَهُ على الحائِطِ و هَمَّ باخْتلاسِ النَّظَر, حَتى انفِكَّ لِوَزْنِهِ الحَجَر, فَهَوى عَنْهُ كَسُقوطِ الثَمَر عَن الشَجَر.

حين ارتَطَمَ جِسْمَهُ بِالتُراب, لَبِثَ لِوَهْلَةٍ مَذْهولاً و مُنْطَرِحاً على بَطْنِهِ دونَ حِراك فارِداً يَدَيْه على العُشْبِ كالصَليب, ثُمَّ بَدأ شَيْئاً فَشَيْئاً يَعْتَريه شُعُورٌ بِالألَم, فَأخَذَ يَتَحَسَّس وَجْهُه و جَسَدُه وهو يِئُن, ثُمَّ حاول النُهوض... لَكِنَّه ما أن أسْنَد ثِقْلَهُ على قَدَمَيه حتى أحَسَّ أنَّ عَظْماً بِرِسْغِه بِفِعْلِ الإرْتِطام انْكَسَر.

جَلَسَ فَوْراً على قَفاه, و ما أن أمْسَكَ بِرِسْغِهِ مُتَفَقِّداً مَوْضِع الألم حَتَّى شَعَرَ بِطَنينٍ في الأذُنَين تَلاهُ تَصَبُّبِ عَرَقٍ بارِدٍ على الجَبين, فَتَمَدَّدَ على ظَهْرِهِ مُغْمِضاً عَيْنَيه مُخْتَلِجاً بِالخَوْفِ والإنْفِعال مُحَدِّثاً نَفْسَهُ: " الألَم و يَنْحَسِر.. إلّا المَلامَة سَتَنْتَشِر...".

لَم يَدْري كَم مِنَ الوَقْتِ مَضى على هَذِهِ الحال, لَكِنَّهُ يَذْكُر أنَّهُ أحَسَّ بِمِنْديلٍ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِرِفْقٍ, ثُمَّ بِيَدٍ تَرْفَع كَعْبَ رأسِهِ بِتَأنٍ لِتُشَفِّفَهُ ماءً أغْرَقَ شَفَتَيه حَتَّى خَيْطٌ مِنْها على الجَنْبَين تَقَطَّر, و رويْداً تَلاشى الإحْساسُ بِالخَدَر, فَشَقَّ جَفْنَيه و تَمَعَّنَ بِالنَظَر.

حينَ رأى وَجْهَها أحَسَّ بِالعار فتَكَدَّر.

أمّا هي فَقَد خُيّلَ لَها أنَّها آذَتْهُ فَبادَرَتْهُ بِاسْتِحياءٍ " أعْتَذِر".

فتَلَقَّفَ المَوْقِف بِمَكِرٍ قائِلاً: "عَفْوُكِ, قَدْ شاهَدْتُ ثُعْباناً يَتَوَثَّب لِلْغَدِر... فَحاصَرْتُه لأدْرأ عَنْكُم الخَطَر... لَكِنّي سَقَطْتُ و الرِسْغِ انكَسَر... وَهْوَ فَر".

أفْعَمَتهُ بِالثَناءِ والشُكِر ثُمَّ قالَت: "سآتيكَ بِالعَون إنْتَظِر".

و هَرْوَلَت مُسْرِعَة حَتَّى غابَت عَنِ النَظَر.

حينَ أصْبَحَ وَحيداً حَدَّثَ نَفْسَهُ: " ماذا لَو انكَشَفَ الأمِر؟َ!!!".

أحْزَنَها كَثيراً حينَ عادَت مَع قَوْمِها و لَم تَجِد لَهُ أثَر

***

قيل أنَّها كانَت تَشْتَري بَعْضَ الثَّمَر حينَ لَفَتَها رَجُلٌ يَعْبُر الطَريق يَميلُ كالبَطْريق بِفِعْلِ رِسْغٍ قَد جُبِر.

انسَلَّت خَلْفَهُ تَقْتَفي مِنْهُ الأثَر, فَشاهَدَتْهُ يَدْخُلُ داراً قَريباً, فَتَسَلَّقَت سُلَّماً خَشَبياً مُهْتَرأًّ, كان مُسْنَداً إلى سُورِ حَديقَة البَيْت, بِهَدَف اخْتلاسِ النَظَر.

تَناهى لَها صَوْتُهُ يَسْرُد ما ألَمَّ بِهِ بِفَخِر.

لَكِن ما أن أعْجَبَها وَصْفُهُ لَها بِالقَمَر حَتَّى السُلَّم تَحْتَ رِجْلِها انكَسَر

***

أمْسَكَ بِيَدِها وسارا يَميلانِ معاً بِمَشْهَدٍ كالبَنْدولِ تَكَرَّر.

وما أن هَمّا بِدُخُول الحَديقَة حَتَّى شاهَد أحَدَهُم يُحاوِل تَسَلُّق الجِدار بِقَصِد اخْتلاسِ النَظَر, فَهَمَّ لِتَحْذيرِه, لَكِنَّه تَذَكَّر... فعاد و تَبَسَّم لِوَجْهِ حَبيبَتِهِ و شَدَّ على يَدِها ونَظَر إليه و انْتَظَر...

***

تعليقات: