الكستناء ملاذ المزارعين في الجبال


أطلت بواكير موسم «الكستناء« في جرود ترشيش والمتن الأعلى، ثماراً نضرة تساقطت، وبدأ المزارعون في جمعها وتخزينها في سراديب مظلمة، قبل طرحها في الأسواق بعد شهر من الآن، لكي تحتفظ بنضارتها ومنع تبرعمها. فهل تصبح الكستناء ملاذ المزارعين وخيارهم في المستقبل لمواجهة كساد مواسمهم؟ وهل يستعاض عن التفاح والأشجار المثمرة في هذه المنطقة بهذه الشجرة البريّة المعمرة والمثمرة؟

تشهد منطقة المتن الأعلى منذ نحو 15 سنة إقبالاً من المزارعين على استقدام وزراعة أغراس الكستناء، لأسباب عدة، أهمها أن الكستناء عصية على الأمراض ومقاومة لظروف المناخ المتغيرة، ولا تحتاج الى الأسمدة ورش المبيدات، أي أن كلفة الانتاج متدنية أو شبه معدومة، فضلاً عن أن المزارعين بات في مقدورهم الحصول على أغراس مؤصلة نتيجة تراكم الخبرة، كما أن ثمار الكستناء تلقي ثمارها تلقائياً عند النضوج (بين منتصف أيلول وأواخر تشرين الأول) وما على المزارعين إلا جمعها وتوضيبها، أي ليست بحاجة الى استقدام العمال لارتقاء الأشجار العالية وقطف الثمار وتالياً تكبد أعباء مالية إضافية.

بديل التفاح

ويبقى العامل الأهم متمثلاً في حاجة السوق اللبناني للكستناء واستيراد كميات كبيرة سنوياً من تركيا والصين، ما يفضي إلى سؤال آخر: هل يكون اعتماد الكستناء كزراعة أساسية سبيلاً لمواجهة الأزمات المتفاقمة، خصوصاً مع توالي مشكلات تصريف إنتاج التفاح؟ وفي مقارنة بسيطة لناحية الأسعار، نجد أن كيلو الكستناء بيع الموسم الماضي بخمسة آلاف ليرة، فيما التفاح بكلفة إنتاجه العالية بيعت الصندوقة الواحدة منه (زنة 18 كيلو من الثمار المتوسطة الحجم) بخمسة آلاف ليرة.

وفي مقارنة أخرى يؤكد رئيس بلدية ترشيش ورئيس تجمع التعاونيات الزراعية في لبنان غابي سمعان أن «إنتاج ترشيش من الكستناء وصل العام الماضي إلى 100 طن فيما لبنان يستهلك 6500 طن سنوياً«، وهذا ما يفسر ظاهرة التحول الى زراعة الكستناء، فالتفاح يبقى مكدساً في البرادات أما إنتاج الكستناء فيمكن تسويقه بسرعة، لا بل أبعد من ذلك «لم يتكبد المزارعون عناء بيعه في الأسواق« بحسب سمعان، الذي أشار إلى أنه «في كل موسم يأتي موظفون من كبريات السوبر ماركت وعدد من التجار ويشترون كل الانتاج معبأ بالأكياس، وهم يقومون في ما بعد بعرضه في صناديق صغيرة من الكرتون«، ويلفت إلى أن «المزارع يحصل هنا على حقه وتعبه من دون وسطاء«.

عشر سنوات

لكن تبقى ثمة مشكلة وهي أن الكستناء لا تبدأ طرح ثمارها قبل عشر سنوات، فضلاً عن تفاوت الانتاج بين شجرة معمرة وأخرى فتية، «بعض الأشجار الكبيرة يصل إنتاجها السنوي إلى 500 كيلو، أما الأشجار الصغيرة فلا يتعدى الـ50 كيلو«، يقول المزارع إيلي صدقة، ويضيف: «الأشجار الموجودة في لبنان هي ابنة بيئتها وبعضها ينوف عمرها على مئات السنين خصوصاً في ترشيش، لكن أجدادنا لم ينظروا إلى هذه الأشجار البرية وما يمكن أن تمثل من قيمة اقتصادية فأهملوها، ونحن الآن نعيد الاعتبار لهذه الشجرة وتعميم زراعتها منذ أكثر من 15 سنة«.

وفي ترشيش الآن نحو ستة آلاف شجرة بدأت مرحلة الانتاج، ويؤكد سمعان أنه «في السنوات القليلة المقبلة ستصبح معظم القرى الجبلية منتجة للكستناء«، ويقول: «نجاح التجربة، أكسب مزارعي ترشيش خبرة في استنبات نصوب وأغراس الكستناء، وهي تؤمن مردوداً مادياً يرفد المزارعين بما يمكنهم من مواجهة الازمة الاقتصادية، وتباع غرسة الكستناء التي يتجاوز عمرها الاربع سنوات بـ20 الف ليرة، والثلاث سنوات بـ12 الف ليرة«.

بيئة خاصة

وبحسب المهندسة الزراعية سارة منذر، فإن «زراعة أغراس الكستناء بحاجة الى بيئة خاصة من شتاء قاس وثلوج الى صيف حار كما هو الحال في ترشيش«، وتلفت إلى أن «مزارعي البلدة بات لديهم الخبرة في هذا المجال ويؤمنون البذور المؤصلة من فرنسا وايطاليا«. وتقول: «كوني أملك مشتلاً زراعياً فهناك إقبال كبير على شراء نصوب الكستناء من مزارعين من مختلف مناطق الجبل«.

وإذا ما تتبعنا خارطة زراعة الكستناء في لبنان، وبحسب دراسة لـ«الجمعية التعاونية الزراعية في ترشيش« بالاستناد إلى ما أنتجت من أغراس ومناطق تسويقها، نجد أن هذه الزراعة تشمل الآن، وعلى نطاق واسع مناطق: المتن الأعلى، جرد عاليه، راشيا، حاصبيا، كسروان، جزين بسكنتا وشمال لبنان والجنوب.

لكن لم تصل بعد إلى دورة إنتاج كبيرة على غرار ما هو قائم في ترشيش التي بدأت تطوير وتعميم زراعة الكستناء من العام 2000. وتبقى الإشارة إلى أن الكستناء اللبنانية، وبحسب سمعان «أفضل بكثير من التركية والصينية طعماً وشكلاً، فمذاقها ألذ وحجمها أكبر«.

تعليقات: