16 عاماً مَضَتْ على إستشهاد قضاة العدل في مدينة صيدا

إستشهاد قضاة العدل في مدينة صيدا، حملت الكثير من الدلالات وشكّلت ذاكرة سوداء في تاريخ الوطن
إستشهاد قضاة العدل في مدينة صيدا، حملت الكثير من الدلالات وشكّلت ذاكرة سوداء في تاريخ الوطن


وسط مطالبات الأهالي بكشف الجناة والاقتصاص من القتلة

شهداء العدالة... جريمة هزّت لبنان

تعود عاماً بعد آخر، حاملة ذكرى أليمة مرَّت على «عاصمة الجنوب» صيدا والجسم القضائي في لبنان، محطة شكّلت منعطفاً خطيراً في تاريخ العدالة ولبنان...

يد الغدر تمتد الى الجسم القضائي في الثامن من حزيران في العام 1999 ذكرى اغتيال القضاة الأربعة، وهم: الرئيس الأول لمحكمة إستئناف لبنان الجنوبي القاضي حسن عثمان، المحامي العام لدى النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب القاضي عاصم بو ضاهر، المستشار لدى محكمة استئناف الجنوب القاضي عماد شهاب، رئيس الغرفة لدى محكمة الدرجة الأولى في الجنوب والمستشار بالاستئناف القاضي وليد هرموش.

16 عاماً لم تجف فيها دموع عائلات القضاة، الذين لا يزالون ينتظرون تحقيق العدالة لرجالات كانوا عنواناً للعدل، فغدوا عنواناً للظلم الذي لحق بهم، بإنتظار جلاء الحقيقة ومعرفة الجناة...

أحياء الذكرى في كل عام، داخل قاعة محكمة الجنايات التي تحمل اسم القاضي الشهيد حسن عثمان، في قصر عدل صيدا، يجمع الجسم القضائي حول مطلب واحد يتكرر، ولكن متى يكون القصاص؟ سؤال قد يضيع في جملة الانشغالات والفراغات والجرائم المتتالية...

«لـواء صيدا والجنوب» يستعيد ذكرى اغتيال القضاة الأربعة في صيدا...

جريمة ارتبطت بملفات متعددة

تتبدّل الفصول والأيام ومعها يعود مشهد الجريمة، يوم امتدت يد الغدر إلى القضاة: حسن عثمان وعاصم بو ضاهر وعماد شهاب ووليد هرموش، في توقيت حمل العديد من الرسائل في عدّة اتجاهات:

جريمة جاءت في ظل الحديث عن محاكمة العملاء ونزاهة القضاء في التعامل مع هذا الملف، بعد 4 أيام من تحرير منطقة جزين من الاحتلال الإسرائيلي والعملاء اللحديين، لتمتد أصابع الاتهام الى تدخّل عملاء «الموساد» للنيل من هيبة لبنان.

ملف ارتبط بمحاولة اغتيال النائب الراحل المهندس مصطفى سعد، الذي كان القاضي عثمان محققاً عدلياً في هذه القضية، ليعيد تسليط الضوء على العملاء مجدداً.

بدوره الملف الفلسطيني كان هو الآخر حاضراً، ففي الوقت الذي وصلت فيه أصابع الاتهام إلى بعض العناصر التي قد تكون انطلقت من داخل المخيم، رأى البعض الآخر فيه محاولة للنيل من المخيمات، وضرب العلاقة اللبنانية - الفلسطينية.

أما زعزعة الأمن في لبنان والنيل من قضائيه فكان هو الآخر مستهدفاً في هذه الجريمة، كل ذلك جعل تشعّب وجهات الاتهام، تدور في فلك واحد ولكن دون النيل من الجناة.

بدورها الأدلة الدامغة، حملت تسريبات للمعلومات التي زوّد بها إمام «مسجد القدس» في صيدا الشيخ ماهر حمود الجهات المعنية، معلومات وصلته من جهات أمنية، تشير إلى الجهات الفاعلة، لكن رغم تعاقب العديد من وزراء العدل، وتعيين عدة قضاة للتحقيق، لم يسجل أي جديد في هذه القضية، التي فتحت الباب على مصراعيه لتتوالى الأحداث في لبنان، ومعها مسلسل الاغتيالات السياسية التي ذهب ضحيتها العشرات وعلى رأسهم الشهيد الرئيس رفيق الحريري الذي لا زالت قضيته أمام المحكمة الخاصة بلبنان.

الموت يخيّم على المكان

مطالبات مماثلة بادراج قضية القضاة الأربعة على رأس الأولويات، وبإنتظار ذلك، تعود الذاكرة إلى الساعة الـ 12 و10 دقائق من يوم الثلاثاء في الثامن من حزيران 1999 خلال انعقاد الجلسة الأخيرة لـ «محكمة جنايات لبنان الجنوبي» في وضح النهار، لمحاكمة ثلاثة متهمين: فلسطيني وعراقيان.

كاتب المحكمة كميل رحال يدوّن تكليف المحامي سالم سليم، وهو محامي المتهم الفلسطيني، بالدفاع عن المتهم العراقي لأن محاميه لم يحضر، عندها أقدم مجهولان على فتح النار من أسلحة حربية عبر إحدى النوافذ الخلفية لقصر العدل القديم في صيدا، ليتحوّل المكان الى مسرح للجريمة.

صوت الرصاص ترافق مع الصراخ والزجاج المتناثر في المكان، ليتكشف الدخان عن حمام من الدماء التي سالت في المكان، كل ذلك استغرق نصف دقيقة من الزمن، تبعه إطلاق نار من خارج القاعة لدقيقتين، ليكتمل مشهد الجريمة.

جريمة أودت بحياة القضاة الأربعة، وإصابة 5 أشخاص بين محامين ومواطنين، كان في طليعتهم المحامي سالم سليم، الذي نجا من الموت بأعجوبة مع رئيس القلم كميل رحال الذي تمكن من مغادرة القاعة على قدميه بعد بتر عدد من أصابعه.

المحامي سليم رأى الموت ماثلاً أمام عيونه، قبل أن يسقط أرضاً ويتحوّل هو الآخر إلى شاهد على القضية، ليستيقظ على مشهد ارتطامه بالطاولات والكراسي خلال سحبه من قبل موظف الى خارج القاعة.

مطالبات الأرامل والعائلات

وتعود الذكرى من جديد، يحييها القضاة والأرامل وعائلاتهم بإنتظار الاقتصاص من الجناة، ومعهم يستعيد الوطن جريمة استخدمت فيها الدراجات النارية، التي أوقفت خوفاً من تكرار الجريمة، فيما سالت الدماء الزكية في أكثر من منطقة لبنانية على مرّ السنوات المتتالية، تبقى القضية مشرّعة أبوابها بإنتظار جلاء الحقيقة، وعلّ هذا المطلب بات اليوم يترافق مع مناشدات من جميع الأطراف لحفظ وحماية لبنان من الفتن المتنقلة في العالم العربي، وجلاء الحقيقة التي طال انتظارها في أكثر من جريمة نكراء، لكن تبقى جريمة النيل من الجسم القضائي محملة بالأحزان والدموع، سطّرت في تاريخ الوطن صفحة سوداء، يبقى السؤال عن جلائها قائماً على مرِّ الأيام والسنوات، ومعه يتردد سؤال آخر تحمله عائلات القضاة عن موعد جلاء الحقيقة ومحاسبة الجناة؟!

تعليقات: