حتى القاضي اهتز كيانه

اثناء انعقاد الجلسة وانا اقدم مرافعاتي أدخل على القاعة امرأه في مقتبل العمر وبجوار شرطيين من المباحث الجنائية
اثناء انعقاد الجلسة وانا اقدم مرافعاتي أدخل على القاعة امرأه في مقتبل العمر وبجوار شرطيين من المباحث الجنائية


قصّة من الواقع ..تَدمْع لها العين برواية أحد شهودها

بواقع عملي كمحامي حضرت جلسة في احد المحاكم اليمنيه.

اثناء انعقاد الجلسة وانا اقدم مرافعاتي وحافظة مستندات أدخل على القاعة امرأه في مقتبل العمر وبجوار شرطيين من المباحث الجنائيه . رفعت المرأة صوتها عاليا "ابني..... يا قاضي ,ابني... يا قاضي اسئلك بالله ابني سيموت". اوقف القاضي الجلسة واستمع الى المرأة، لتحكي له قصة هزت الوجدان قائلة: انا متزوجة ولي ثلاثة اطفال اصغرهم في سن الرضاع تم حبس زوجي وتوقيف مرتبه في قضية مال عام، بعت ما فوقي وما تحتي وما يملك زوجي لمواجهة اعباء الحياة ،حتى اغلقت الأبواب في وجهي، سمعت ان في الحي السياسي وهو حي الأغنياء والتجار والمسئولين بقايا وجبات سليمة يتدفق عليه الفقراء باكرا فيأخذون من براميل القمامة بقايا الطعام ، فعزمت على ذلك حتى لا يموت اولادي من الجوع ، استمريت على هذا الحال فترة اغلق على اولادي البيت واعود اليهم بما لذ وطاب ، هذا اليوم وعند بزوغ الشمس رأتني عجوز فشفقت لحالي واخبرتها حكايتي ، قالت يا بنتي هل لك في عشرة الاف ريال يوميا مقابل عمل خاص ، فوافقت وعلى الفور اتصلت بجوالها واوقفت تكسي وفي دقائق معدودة ادخلتني منزلا يقطنه مجموعة من الشباب ، عرفت ان العشرة الألاف مقابل بيع شرفي ، فرفضت ذلك رفضا قاطعا ، وفي الأثناء هجمت شرطة الأداب ، لأن المنزل كان مراقبا واحضروني الى ادارة البحث وامام تضرعي وبكائي احضرني مسؤل البحث مصحوبة اليكم لنظر قضيتي بصورة مستعجلة حتى لا يموت ابني الرضيع جوعا ، وانا ألآن بين ايديكم وهذه مفاتيح منزلي لتتأكدوا من الحقيقة، المهم احضار ابني الرضيع فهو الأن في اخر رمق- كان الوقت عند اذان الظهر-

امر القاضي الشرطيين باصطحابها الى المنزل مع مندوب من المحكمة، وانا كشاهد للتحقق من الأمر فأن كان ماتقوله الحقيقة فاخلوا سبيلها، وان كان لايوجد طفل رضيع مغلق عليه فاحضروها الى المحكمه ، ناولني القاضي مفتاح المنزل وانطلقنا بسرعة فائقة وعند وصولنا الى المنزل وبعد فتحه بنفس المفتاح سمعنا صوت الأولاد وصياحهم ماما ماما اما الطفل الرضيع فقد كان في وضع لايحتمل واقرب الى الموت الذي اهالنا ان المرأة وفور وصولها توجهت الى الرضيع وفتحت صدرها بل شقت ثوبها دون ان تستحي من الحاضرين وناولته ثديها حينها اخرج كل منا مافي جيوبه من فلوس واعطيناها وذهبنا لنخبر القاضي بما شاهدناه ، كان القاضي اكرم منا ارسل لها راتبه كاملا مع الجنود.

اشراقة:

صِحتُ من قسوةِ حالي : فوقَ نَعلي كُلُّ أصحابِ المعالي ! قيلَ لي : عَيبٌ

فكرّرتُ مقالي .. قيلَ لي : عيبٌ وكرّرتُ مقالي .. ثُمّ لمّا قيلَ لي : عيبٌ .. تنبّهتُ إلى سـوءِ عباراتي وخفّفتُ انفعالي .. ثُمّ قدّمتُ اعتِذاراً .. لنعالي .

تعليق : بالرغم من حدوث الواقعة التي اهتز لها كيان الحضور ، وهي فعلا قصة مؤلمة جداً وانا لا استبعد حصولها في عالمنا العربي الذي ابتعد عن الله وتعاليمه ، إلاّ ان هناك جانب آخر من القصة ، وهو سرعة اتخاذ القرار سواءً كان من المباحث الجنائية او من القاضي ، وهذا حصل في بلد ينعت دائماً بالتخلف .

اقسم بالله لو كان هذا قد حصل في اي بلد آخر " لـ مات الرضيع " وبدم بارد من المسؤولين ، وانا اضم صوتي الى صوت المحامي...

* الحاج صبحي القاعوري - الكويت


تعليقات: