بنت جبيل وعيناثا ومارون وعيثرون: هنا مربع الانتصار

بين الأرض والسماء وهواء فلسطين في مارون الراس (علي لمع)
بين الأرض والسماء وهواء فلسطين في مارون الراس (علي لمع)


«السفير» في القرى الحدودية من العرقوب إلى الناقورة (4)

هنا مربع الانتصار. عيثرون، مارون الرأس، بنت جبيل وعيناثا. قرى المواجهات الأولى في تموز 2006 وشريكة رئيسية في انتصار آب.

نسي أهل هذه القرى الجهد الذي بذلوه لإعادة إعمار منازلهم، لكنهم لم ينسوا أبداً البطولات التي سطروها.

بعد ثماني سنوات على الحرب، كثر يمكنهم التطوع لإخبارك عن المعركة البرية الأولى التي جرت في مارون الرأس. في البلدة الإستراتيجية (أقل من ألف متر عن سطح الأرض) التي تكشف قرى الجليل الأعلى، بكى الصهاينة على جنودهم الذين كانوا يُقتلون واحداً تلو الآخر من دون أن يعرفوا حتى كيف يقتلون. لم يستطع الجيش الإسرائيلي التقدم من ناحية الحدود في المحاولتين اللتين قام بهما، فعمد إلى إنزال عدد من جنوده في عمقها. هناك أيضاً مُني بخسائر كبيرة وهناك عرف جنوده ماذا ينتظرهم في لبنان. الصدمات التي تلقاها العدو في مارون وبنت جبيل وعيناثا وعيثرون لم تفارقه في كل معاركه على الأرض اللبنانية.

بعد الحرب، صارت مارون عنواناً للفخر. تعج «حديقة إيران» التي تعلو هضبتها المطلة على قرى صلحة وكفر برعم والريحانية وجبل سعسع بالناس. من مختلف المناطق اللبنانية يأتون. ثمة من هو جاهز دائماً لإرشادهم. الفلسطينيون يأتون أيضاً ليحتضنوا قراهم بعيونهم. يقول مدير الحديقة أحمد سليم إن الحديقة جرس إنذار في الاتجاهين، تذكير الناس بالعدو الرابض خلف الحدود وتذكير العدو بأن الناس تبني وتفرح وتستعد. يفخر بالتنوع الذي تشهده الحديقة. كما يفخر بكسر اللبنانيين حاجز الخوف، «والدليل أنه طوال أيام حرب غزة، لم ينخفض عدد زائري الحديقة».

قد يطول الانتظار أياماً في مارون قبل أن يتمكن أحدهم من رؤية إسرائيلي واحد على كامل المساحة المكشوفة من فلسطين. يقول سليم: صاروا يخافون منا. الأمان صار مقروناً بالثقة بالنفس. يقول أحد المتنزهين: إذا كانت غزة المحاصرة قد أذلت الصهاينة فكيف بمقاومتنا؟

ولمارون الرأس سيرة مع الأنفاق التي شكلت في حرب تموز عنوان مفاجآت يومية للاحتلال. في أكثر من مرة، ظنّ الإسرائيليون أن مارون استسلمت، قبل أن تفاجئهم كمائن المقاومين من الأنفاق.. الأمر الذي استدرج الإسرائيليين إلى ارتكاب أخطاء كثيرة، في هذه المعركة تحديدا.

هذه الأنفاق تجعل الإسرائيليين لا ينامون في هذه الأيام. لا أحد يشعر في البلدة بوجود حفارة واحدة ولا ورشة مفتوحة، لكن أغلبية الأهالي مطمئنون الى أن المقاومة تعمل بصمت وعلى مدار الساعة.

من مربع التحرير، حيث سقط 14 شهيداً من عيناثا وحدها، نزولاً نحو ساحة البلدة التي ارتبط اسمها بالشهداء والعلماء والثقافة، يمكن سريعاً تبيان وجود أحياء جديدة، لا تمت بصلة إلى الماضي، لكن مقبرة الشهداء (المقام) التي بُنيت في ساحة البلدة تعطي انطباعاً مختلفاً. تذكر ببطولة بلدة يعيش معظم أهلها بين بيروت وبلاد الاغتراب، لكن القلة الصامدة تتوزع عدداً من الأعمال الحرة والوظائف المختلفة. أما مزارعو الدخان، فيتضاءل عددهم عاماً بعد عام، نظراً للمردود المحدود.

الشهية على البناء لم تنقطع. كثر من أبناء القرية ينتظرون فتح البلدية باب الترخيص. حالة الترقب لا توقف النشاط العمراني، الذي لا يراعي في معظمه الطابع القروي.

بعد أحداث عرسال، صارت العين أوسع على النازحين الموجودين في البلدة. كذلك، زادت حساسية أهلها تجاه ضيوفها بعد حصول عدد من الإشكالات في البلدة، واتهام سوريين بها. صار التضييق أكبر، ونفذت بعض الإجراءات بحقهم، لا سيما منعهم من التجول ليلاً، أسوة بالعديد من القرى.

في سوق بنت جبيل لا يزال الازدحام على حاله، بالرغم من شكوى التجار من غياب العامل الاغترابي هذا العام. هؤلاء كانوا يأملون عودة كثيفة للمغتربين، وخصوصا من الولايات المتحدة (أكثر من نصف الأهالي يقيمون هناك) لكن ذلك لم يتحقق. القلق من الأوضاع في لبنان هو أحد الأسباب لكن الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها هؤلاء في اغترابهم، ولا سيما في الولايات المتحدة، لا تزال تداعياتها تقلل من زياراتهم.

لبنت جبيل رمزيتها الخاصة. من ملعبها وصف السيد حسن نصرالله إسرائيل بأنها «أوهن من بيت العنكبوت» في خطاب الانتصار في العام 2000. منذ ذلك الحين، لم تستطع إسرائيل أن تقنع أحداً بنظرية «خيوط الصلب» التي بثتها في المقابل. في حرب 2006، راحت تبحث عن انتصار شكلي بعدما عجزت عن تحقيق أي من أهداف الحرب. سعى جنودها جاهدين للوصول إلى ملعب بنت جبيل فلم ينجحوا. عمدوا إلى الوقوف على تلة مقابلة للملعب. رفعوا العلم الإسرائيلي وسعوا إلى الإيحاء بأن العلم مرفوع في وسط الملعب. سرعان ما غزت الفضيحة وسائل الإعلام الإسرائيلية، لتكون شاهداً على الفشل الذي مُني به العدو على كل جبهات القتال، ولا سيما في قرى مربع التحرير والانتصار.

يأسف غسان شرارة للذكريات التي ضاعت تحت ركام البيوت والحارة القديمة، لكنه يفرح لنفض البلدة غبار الحرب عنها. يقول إن من يرى بنت جبيل حاليا لا يصدق أن حرباً فتاكة مرت عليها. «كل ذلك يبقى أقل أهمية من الأمان الذي ننعم به حالياً»، يضيف: «صار آخر همنا شي اسمو إسرائيل». ولأنه يراها مجرد «بالون منفوخ»، فهو يعتقد أنها تعلمت الدرس ولن تتجرأ على معاودة الاعتداء على لبنان. ماذا لو فعلت؟ «عندها سيكون الدرس أكبر»، يقول بثقة المتابع.

في عيثرون، لا يختلف المشهد. بطولات المقاومين لا تزال حاضرة، لكن هذا العام اقترنت ببطولات مقاومي غزة، من دون أن تغيب الحرب السورية. إحصاء عدد الشهداء في سوريا مستمر. يزيدون في عيثرون عمن استشهدوا في تموز 2006.

يأسف حسين عواضة للضحايا التي تسقط في غزة. يقول إن المدنيين هم دائماً وقود الحروب. يضيف: كما قُتلنا هنا.. يقتلون هناك. التضامن مع غزة موجود أما «الدخول في المعركة من أجلها، فهو أمر آخر».

تعليقات: