الدكتور رضا وحيد.. الرجل الاستثنائي الذي رحل

رضا وحيد «أبو الضمان»
رضا وحيد «أبو الضمان»


طال به العمر، رحل بهدوء، ولو كان للمتوفَّى أن ينطق بعد الموت، لقال الدكتور رضا وحيد وبهدوء أيضاً ومع بعض العتب: لقد طال العقوق غيري فلا غرابة أن يشملني؟!

«في لبنان، نصف السكان مضمونون أو يستفيدون من الضمان ... فليت واحداً في المئة منهم فقط ودّعوني إلى القبر»، إنه ولا شك عاتب على من فتح لهم باب الوظيفة وفرص الحق في التعويضات والاستشفاء، فجنوا منها ما جنوا وادّخروا ما ادّخروا، والغالبية منهم بأمانة وشرف حتى تقاعدوا. إنه عاتب ويسأل: لماذا لم يأت أحد منهم إلى رفع النعش، إلى تشييع الجنازة ودفنها، إلاّ قلة قليلة جداً مخلصة وفية معروفة، ومن أبناء مدينة صور وموظفي الضمان والمتقاعدين منهم حصراً.

رضا وحيد «أبو الضمان»، كان يجب أن يُكرّم على الرغم من أنه كان زاهداً بكل المظاهر، أنوفاً من طلب التكريم.

لبنان مدين لرضا وحيد بقدر ما أعطاه، لبنان كله بمدنه وبلداته وقراه مدين لرضا وحيد، رائد العمل الاجتماعي الصحيح الفاعل، مهما كانت عيوب التطبيق ومحاولات العبث بالانجاز العظيم؛ «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» بفروعه الثلاثة: فرع نهاية الخدمة وقد كان القطاع الخاص شبه محروم من تعويضات نهاية الخدمة، وفرع التعويضات العائلية، وكانت التعويضات العائلية معدومة وغير معروفة في القطاع الخاص والقطاع المشترك، ثم فرع ضمان المرض والأمومة «الضمان الصحي» الذي أكمل العدالة الاجتماعية المتاحة في لبنان من الناقورة الى النهر الكبير ومن بيروت الى الطفيل ...!

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي أطلقه رضا وحيد بعد تأسيس صلب ثابت، مصان صيانة فعالة لم تفتته الحرب الأهلية ولم تلغه، لقد استمر الضمان بينما تقطعت كل شرايين التواصل في الوطن وغابت الكهرباء وانقطعت مياه الشرب وغير ذلك، ولكن تقديمات الضمان بقيت واستمرت، والطبابة على حساب الضمان لم تتوقف يوماً.

في خريطة طريق رضا وحيد لاستكمال فروع الضمان كان مشروع ضمان الشيخوخة الذي أعده بعدما أشبعه درساً وقدمه الى مجلس الإدارة ثم الى مجلس الوزراء، وكذلك تطوير مشروع طوارئ العمل وإفادة المضمونين من معالجة أمراض الفم وحاجات الأسنان، ثم حاجات النظر بعد طب العيون والعمليات بكل احتياجاتها، ولتأمين النظارات الطبية واعتبارها مكملة لهذا العمل.

العقوق كان شبه كامل، والرجل لا يعتب لو عاش، لقد توفي في الخامسة والتسعين حتى صار عميد عائلته عمراً. والأبناء وربما الأحفاد لديهم عتب ... أخفوا عتبهم من بعده وعادوا الى حياتهم.

إنه لا يحتاج الى أوسمة، فلديه الكثير منها، ولكن المسؤولين بعد شغور الرئاسة الأولى، تذكروه بنعي بسيط وهم كانوا وما زالوا بحاجة الى قدرة على منح وسام يضعونه على نعشه ليضمنوا استمرار نبض الحياة في عروقهم كمسؤولين، لكنهم بعد نعيه في الصحف لم نجد أياً منهم يتقبّل العزاء به.

والده كان ملاّكاً ثرياً، وتَذْكر مدينة صور ان الحاج حسين جعفر وحيد هو الذي أنشأ مبنى المسجد الجامع في مدينة صور، وكانت بلا مسجد للطائفة الكبرى فيها، كما أنشأ دار إقامة إمام المدينة العلامة الكبير آية الله عبد الحسين شرف الدين تكريماً له ولعائلته وللطائفة التي جاء صور لينهض بها وينهض منها بجبل عامل.

وهنا وكي لا أطيل أورد ما وجدته في أرشيف جريدة «السفير» عنه:

ـــ «لبناني.

ـــ شيعي المذهب.

ـــ ولد في صور عام 1919.

ـــ والده: حسين جعفر وحيد (ملاك).

ـــ متزوج من لورثيري (فرنسية) ولهما ثلاثة أولاد هم: ماديا، لينا وسمير.

ـــ تلقى علومه في معاهد الأخوة المريميين في صيدا وجونيه ثم في جامعة القديس يوسف في بيروت، فنال إجازة في الآداب، ثم التحق بكلية الطب في الجامعة نفسها. سافر بعدها إلى مونبلييه (فرنسا) حيث تابع دراسة الطب. وعمل طبيباً للأطفال هناك.

ـــ مارس مهنته كطبيب عشر سنوات 1950 - 1960.

ـــ انتخب نائباً عن صور عام 1957.

ـــ عين مديراً عاماً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1960.

ـــ رئيس الوفد اللبناني إلى المؤتمر الدولي للعمل في جنيف عام 1960.

ـــ عين وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس حسين العويني من 25 أيلول حتى 14 تشرين الأول 1964.

ـــ عين وزيراً للصحة العامة في حكومة الرئيس رشيد كرامي المعدلة في شباط 1966، بدلاً من الدكتور محمد كنيعو. وبقي حتى استقالة الحكومة في 30 آذار 1966.

ـــ عضو في لجنة الحوار الوطني عام 1975.

ـــ مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ عام 1965. وفي تموز 1983 أحيل إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية.

ـــ يحمل عدة أوسمة لبنانية وأجنبية.

ـــ عضو نادي الروتاري في بيروت.

ـــ عين وزير دولة لشؤون المغتربين في حكومة الرئيس رفيق الحريري التي شكلت في 31/10/ 1992».

وبعد هذا وجدت الكثير من أقواله، وبخاصة بعد توليه وزارة المغتربين وهي آخر موقع رسمي له، ولم أشأ أن أورد ذلك هنا، ولكني وجدت نفسي مضطراً الى القول إن هذا الرجل كان لبنانياً استثنائياً، عمل في السياسة بالاستدعاء، فانتخب نائباً في آخر سنة لكميل شمعون في الحكم، وبعد النيابة انخرط في العمل الاجتماعي بالثقة والإسناد، فقد عهد إليه الرئيس فؤاد شهاب مهمة دراسة وإنشاء وإدارة أكبر مؤسسة اجتماعية مالية في لبنان ما زالت قائمة منذ أكثر من خمسين عاماً، وصمدت إذ تعهدها من بعده مجموعة من الرجال الخلص المثابرين، وهذه شهادة بهم من إنسان متابع يصعب عليه أن يشهد إلا بالحق، وما كانت الوزارات التي أسندت إلى الدكتور رضا وحيد والمناصب التي سبقتها إلا تأكيداً على أهمية هذا الرجل الذي لم يعط حقه وهو لم يرد أن يُعطى شيئاً، فيكفيه أنه أعطى. وأذكر أن شقيقه الأكبر صادق حسين وحيد، كان في الثلاثينيات من القرن الماضي المستشار اللبناني الأول في دار الحكم في لبنان، دار المفوض السامي الفرنسي، يقيم معه في السرايا الكبيرة، وكان بدوره يخدم كل من يطلب منه الخدمة، ومن دون ان يستغل موقعه للوصول الى أي موقع سياسي أو ينتفع منه بمنفعة مالية ما، ومات مستوحداً مقهوراً.

لقد انتظرت حتى كتبت، وكان أولى بالذين استفادوا من هذا الرجل ــ وهم كثر ــ أن يكتبوا عنه ويوفوه بعض حقه.

تعليقات: