الحدود الشمالية تعيش على وقع معركة الحصن.. وسلاح الفوضى يتمدّد إلى عمق طرابلس

جانب من آثار القصف على القرى الحدودية الشمالية (نجلة حمود)
جانب من آثار القصف على القرى الحدودية الشمالية (نجلة حمود)


تركت التطورات الأمنية الأخيرة على الحدود الشمالية في منطقتي الدريب الأعلى والدريب الأوسط، جملة مخاوف لدى العكاريين عموماً، وأهالي القرى والبلدات الحدودية خصوصا، الذين يعيشون على وقع القذائف وإطلاق النار منذ إندلاع شرارة الأحداث في سوريا.

وتلف المنطقة سيل من الشائعات، إثر المواجهات العنيفة التي شهدتها الحدود صباح الجمعة الفائت، بين مجموعة مسلحة تسللت من لبنان عبر خربة الرمان على الحدود في منطقة الدريب الأوسط، بهدف مؤازرة مسلحي منطقة الزارة. وأقدموا على شن هجوم على مركز الجيش السوري في منطقة الغيضة، الأمر الذي أدى الى قصف البلدات الحدودية بالقذائف المدفعية التي أسفرت عن وقوع قتيل وخمسة جرحى، إضافة إلى أضرار مادية لحقت بعدد من المنازل والممتلكات.

وما رفع من منسوب الخوف لدى الأهالي، هو استئناف العمليات العسكرية صباح يوم أمس، "بشكل عنيف جدا وغير مسبوق"، وفق تأكيد أهالي القرى الحدودية في وادي خالد والمشاتي. كما سجل سقوط عدد من القذائف على بلدة العوينات الحدودية في الدريب الأوسط.

وقد بات واضحا لدى سكان القرى الحدودية أن الجيش السوري اتخذ قرارا بحسم الوضع في محيط قلعة الحصن أو ما يعرف بوادي النصارى، الذي يضم قلعة الحصن والزارة وغيرها من البلدات السورية، التي يتحصن داخلها مجموعة من المقاتلين منذ اندلاع الثورة السورية.

ويمكن القول إن الاجراءات الأمنية التي يقوم بها الجيش السوري داخل أراضيه وتحديدا في محيط قلعة الحصن، منذ خمسة أيام قد انطلقت بالفعل وبقوة شديدة، حيث شوهد الطيران الحربي السوري وهو يقصف قلعة الحصن وجوارها، كما يلقي البراميل فوق تلك المنطقة، ودوت أصوات القصف في عمق القرى العكارية في منطقة الدريب.

وتشكل قلعة الحصن ممرا وملجأ للعديد من المسلحين الذين كانوا يتنقلون عبر الحدود الشمالية في منطقة المقيبلة، خصوصا أن القلعة تبعد أقل من 13 كيلومترا عن الأراضي اللبنانية المحاذية لمنطقة البقيعة، وكان المسلحون يتنقلون بحرية بين الأراضي اللبنانية والسورية الى وقت قريب.

لذلك كله تؤكد فاعليات المنطقة "أن الحمم السورية سوف تطال منطقة الدريب بكل تأكيد، خصوصا أن غالبية المقاتلين هم من اللبنانيين، ومن ضمنهم عدد لا بأس به من شبان منطقة وادي خالد والمشاتي. ويؤكد هؤلاء "أن المجموعات المسلحة سوف تحاول مساعدة المسلحين في الزارة بشتى الوسائل إن كان عبر مساندتهم في القتال أو فتح مجال لهم للهروب الى الداخل اللبناني، خصوصا أن قائد إحدى المجموعات المعروف بأبي سليمان وهو شقيق أبي جندل الذي لمع اسمه في أحداث مخيم نهر البارد ويتحدر من بلدة مشتى حسن".

وتقول المصادر: "إن ما حدث يوم الجمعة الفائت يعطي صورة واضحة عما يمكن أن يكون عليه الوضع، حيث عمدت مجموعات مسلحة مؤلفة من لبنانيين وسوريين إلى نقل السلاح الى بلدة عيدمون في الدريب الأعلى، بهدف توزيعه على المقاتلين تمهيدا لدخولهم الى سوريا، فجرى توقيف عدد منهم من قبل الجيش اللبناني، وأمن الدولة". وتتابع: "إن ما يساعد المسلحين على التحرك بحرية في تلك المنطقة هو الحدود الواسعة مع سوريا وكثرة المعابر الترابية التي يلجأ إليها المسلحون".

وقد زار الأمين العام "للهيئة العليا للاغاثة" بالوكالة اللواء محمد خير على رأس فريق من خبراء الهيئة المناطق الحدودية في عكار التي طاولها القصف، وتفقد مشتى حمود، جبل الخالصة، بني صخر ووادي خالد والعوينات ومشتى حسن، كما زار منزل جرجس الخوري في بلدة شدرا الذي تعرض للقصف ايضا.

وإثر الجولة أوضح خير أن "الزيارة تأتي من ضمن عمل الهيئة العليا للاغاثة وبتوجيهات من الرئيس نجيب ميقاتي، وقد استمعنا الى مطالب الاهالي وشكواهم وسننقلها الى الرئيس ميقاتي". وأكد "أنه سيعد جدولا شاملا بهذه الاضرار، على ان يتم تكليف لجنة هندسية من قبل الجيش لاجراء المسح الشامل، والذي على اساسه ستتحدد قيمة الاضرار والتعويضات تمهيدا لصرفها".

قلعة الحصن

تقع قلعة الحصن ضمن محافظة حمص وتبعد عن مدينة حمص 60 كيلومترا، تحتل القلعة موقعا استراتيجيا مهما فوق جبل ارتفاعه 750 مترا، المسافة الفاصلة بين القلعة والبحر ما يقارب 35 كيلومترا، تقدر مساحة القلعة بحوالي ثلاثة هكتارات. وهي تطل على مختلف البلدات الحدودية في منطقة وادي خالد والمشاتي، كما يتمكن سكان تلك القرى من رؤية الطائرات السورية بوضوح وهي تحلق فوق الحدود وتقوم بقصف القلعة. وترتبط قلعة الحصن بمجموعة من القلاع والحصون فتشكل نقطة وصل مع برج صافيتا وبرج جرمنايا في وادي خالد حيث كان هذا الخط يعرف بخط الفتوحات الذي كان يمر في بلدة العماير في وادي خالد.

---------- ----------- ----------

اشتباكات «محلية» في أسواق «الفيحاء» التاريخية

سلاح الفوضى يتمدّد إلى عمق طرابلس

غسان ريفي

وكأنه لا يكفي طرابلس ما تشهده من جولات عنف متكررة على محاورها التقليدية الساخنة بين التبانة والقبة وجبل محسن، وما يُلصق بها من اتهامات حول التطرف وانتشار عناصر تابعة لتنظيمات إرهابية في مناطقها، حتى تسقط مجددا ضحية سلاح الفوضى والأجنحة العسكرية لبعض العائلات في المدينة.

وقد عبرت هذه الفوضى المسلحة عن نفسها في اشتباكات عنيفة دارت في الأسواق الداخلية القديمة طيلة ليل أمس الأول وأمس، لأسباب قيل إنها فردية تافهة نابعة من شعور البعض بفائض قوة، وأدت الى سقوط قتيل وجريحين، إضافة الى خسائر مادية جسيمة، وأمعنت في تشويه صورة الفيحاء والى ضرب آخر معاقل الاقتصاد والتجارة فيها.

وجاءت هذه الاشتباكات لتؤكد أن الخطر الأمني في طرابلس لم يعد يقتصر على محاورها التقليدية فقط، بل إن الانتشار الأفقي للسلاح بين أيدي المواطنين دفع هذا الخطر الى التمدد باتجاه عمق المدينة وأسواقها ليهدد الكيان الاقتصادي والنسيج الاجتماعي لتلك المناطق الوادعة التي تنتظر إنصافا رسميا يحولها الى قبلة سياحية لما تختزنه من معالم أثرية وتاريخية.

وجاءت هذه الاشتباكات أيضا لتدحض كثيرا من الشعارات التي ترفعها بعض المجموعات في طرابلس بهدف التمسك بالسلاح، سواء للدفاع عن النفس من اعتداءات «الحزب العربي الديمقراطي»، على حد قولها، أو لدعم المعارضة السورية، أو لاحداث توازن مع السلاح الفردي الذي يمتلكه «حزب الله»، في حين أن ما شهدته الأسواق الداخلية ومحيطها كان بعيدا كل البعد عن كل هذه الشعارات، وهو لا يعدو كونه صراع نفوذ بين العائلات أو تلك المجموعات لتحقيق مكاسب خاصة، دفع بها الى هذه المواجهات المسلحة التي بدأت تنذر بقتل طرابلس على يد أبنائها، في ظل صمت سياسي مريب وتراخ أمني غير مبرر.

وإذا كانت محاور التبانة وجبل محسن قد تحولت الى معادلة محلية وإقليمية يصعب على القيادات السياسية والأمنية إيجاد حل جذري لها في المدى المنظور، فان المستغرب هو هذا الانفلاش المسلح في كل أرجاء المدينة، وعدم التدخل الأمني لحسم هذا الفلتان غير المسبوق، والتصدي لكل العابثين بأمن تلك المناطق التي تشكل الخزان البشري في طرابلس، والتي بدأت تتحول الى خطوط تماس جديدة من شأنها أن تقضي على المتحف الطرابلسي الحي الضارب في عمق التاريخ، والذي بدأت آثار الرصاص والقنابل والقذائف الصاروخية تترك آثارها على حجارته وقناطره الأثرية.

وتتخوف أوساط طرابلسية مطلعة من أن تتجه طرابلس الى الخروج عن سلطة الدولة والقانون، لافتة الانتباه الى أن التطورات الأمنية الأخيرة، وما رافقها من محاولات لاظهار انتماء المدينة الى تنظيم «القاعدة» قولا وفعلا، فضلا عن الانتشار الأفقي للسلاح وسهولة استخدامه بأوجه متعددة، والصمت السياسي والأمني والمدني عما يجري، والأغطية السياسية التي ما تزال ممنوحة للبعض، كل ذلك قد يدفع بالمدينة الى الشر المستطير الذي لا يستطيع أحد تحمل نتائجه الكارثية.

وتخلص هذه الأوساط الى القول: «لم يعد هناك من داع لارسال سيارات مفخخة الى طرابلس أو الاعتداء عليها من أي جهة، لأن المدينة تقوم بقتل نفسها بأيدي أبنائها».

وكان سوق الذهب شهد ليل السبت ـ الأحد الفائت إشكالا فرديا بين أشخاص من عائلة الحاج ديب وآخرين من عائلة المشحاوي تخلله إطلاق نار، وما لبث المشاركون بالاشكال أن استعانوا ببعض الأشخاص من عائلات أخرى ما أدى الى تبادل كثيف لاطلاق النار. وسارع بعض وجهاء العائلات الى التهدئة لمنع تفاقم الأمور فتعرضوا بدورهم لاطلاق نار، ما دفع أشخاصا من هذه العائلات الى المشاركة في الاشتباكات التي استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والقذائف الصاروخية وتمددت سريعا باتجاه ساحة النجمة، طلعة الرفاعية، الجامع المنصوري الكبير، السراي العتيقة، السوق العريض، وأسواق: العطارين، البازركان والنحاسين.

وقد أدت الاشتباكات الى مقتل عمر حميدان وجرح محمد حبيب، والى أضرار جسيمة في المحلات التجارية والسيارات. كما تحدثت معلومات عن قيام مجهولين باستغلال إطلاق النار وعمدوا الى سرقة عدد من المحلات التجارية.

وسارع الجيش اللبناني الى تطويق منطقة الأسواق ونشر عناصره على أسطح بعض المباني المطلة، ورد على مصادر النيران، ونجح بعد نحو أربع ساعات على إجبار المسلحين على الانكفاء ونفذ انتشارا واسعا، وداهم أحد منازل عائلة الحاج ديب وأوقف أحد الأشخاص.

وصباحا ساد هدوء حذر في الأسواق، وتفقد التجار محلاتهم وعمل المتضررون على إحصاء أضرارهم، قبل أن يتوتر الوضع عند تشييع عمر حميدان، حيث شهدت المنطقة إطلاق نار كثيفا ورمي عدد من القنابل اليدوية، في حين استغل البعض حالة الفوضى لتصفية الحسابات فأقدم ج. ب. على إطلاق النار على خ. ش. على خلفية خلاف قديم بينهما، كما قام مسلحون برمي قنبلتين يدويتين على مقهى أبو علي الخولة في باب الرمل.

وقد داهم الجيش اللبناني منزل ج. ب. ولم يعثر عليه، كما نفذ سلسلة مداهمات لمنازل متورطين في الاشتباكات.

وأعادت الاجراءات الاستثنائية التي اتخذها الجيش اللبناني الهدوء الى الأسواق في فترة بعد الظهر، لكن رشقات نارية كثيفة خرقت هذا الهدوء بعد الظهر تبين أنها ناتجة عن رصاص ابتهاج بعدد من الأعراس، ومساء أمس أطلق مجهولون النار في منطقة ابي سمراء، مقابل الحديقة العامة، على الشابين هاني كسحة (إصابته برأسه وحالته حرجة) وزاهر البب. وتردّد أن الأسباب فردية. ما يشير الى حالة الفلتان التي بدأت طرابلس ترزح تحت وطأتها، والتراخي الأمني الذي لم يعد من الجائز السكوت عنه.

سيارات محترقة قرب الجامع المنصوري الكبير (عمر ابراهيم)
سيارات محترقة قرب الجامع المنصوري الكبير (عمر ابراهيم)


دورية للجيش في الاسواق التاريخية (عمر ابراهيم)
دورية للجيش في الاسواق التاريخية (عمر ابراهيم)


اخمادالحرائق الناتجة عن الاشتباكات ليلا (عمر ابراهيم)
اخمادالحرائق الناتجة عن الاشتباكات ليلا (عمر ابراهيم)


تعليقات: