رحلة بين حواجز الضاحية

زحمة سير وحاجز تفتيش عند أحد مداخل الضاحية الجنوبيّة
زحمة سير وحاجز تفتيش عند أحد مداخل الضاحية الجنوبيّة


"الطريق مفتوح، ولكن من مفرق عبد الكريم الخليل حتى كنيسة مار مخايل، سيتجمّد السير كلياً"، يجيب سائق "الفان" الرقم 4 أحد ركابه عن حالة السير بعد تكثيف حواجز "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت.

يُضيف راكب آخر يجلس في جواره: "والله مبارح أمضيت ساعتين قبل الوصول إلى بيتي".

يومئ السائق موافقاً على كلامه: "أخي بقي ثلاث ساعات أمس على طريق المطار، بلا حركة".

يعلّق أحدهم في المقاعد الخلفية: "لا مشكلة، هي إجراءات أمنية ضرورية، أليس أفضل من خسارة أولادنا؟".

فيما يكتفى آخر بالطلب من السائق: "خلينا ننزل نمشي أفضل".

طغى موضوع الحواجز التي وضعتها عناصر "حركة أمل" و"حزب الله" بعد انفجار الرويس على أحاديث ركاب "الفان" (حمرا - الكفاءات). إجراءاتٌ كانت موجودة قبل انفجاري بئر العبد والرويس، وإن لم تكن ظاهرة وكثيفة إلى هذا الحدّ. وبغض النظر عن مدى تعاون البعض أو تذمّره من تلك الإجراءات الأمنية، لا شكّ في أن الحواجز فرضت إيقاعاً جديداً على يوميّات سكان تلك المنطقة وقاصديها.

"فرقت معي ساعتين أو ثلاثاً إضافية يومياً"، يحسبها السائق برأسه، محاولاً التخفيف عن نفسه: "لنعتبرها زحمة سيارات في موسم المدارس. نفس الشيء". يضيف: "لا يؤثر ذلك كثيراً علينا، تلك إجراءات أمنية على الجميع احترامها". ويعلّق ممازحاً: "حتى على سماحة السيّد (حسن نصرالله) شخصياً".

ينظر إلى رتل السيارات المُتراصة في طريق صيدا القديمة، ويسلك شارعاً داخلياً خالياً من الحواجز. تطلب إحدى الراكبات من السائق التوقف. تترجل وهي تشكره مبتسمةً: "وصلتني جنب باب البيت".

دقائق أخرى ويصطدم بحاجز آخر. "على اليمين"، يأمره أحد العناصر. يبادر السائق بالقول إن ركابه جميعهم "Lebanese"، يلفظها ضاحكاً. يجيبه عنصر التفتيش بحزم: "هوياتكم لو سمحتم". ما هي إلا ثوان حتى تكدّست في يده هويات الركاب (اللبنانيين)، باستثناء جواز سفر سوريّ. يقول العنصر للسائق: "شفت... لا يؤمن عليكم!".

يطرح على العامل السوريّ بعض الأسئلة المتعلقة بمكان سكنه وعمله وسبب دخوله الضاحية. ويتأكد منه إذا كان عناصر "الحزب" أخذوا بياناته الخطية. ينتهي الاستجواب، ويتابع "الفان" سيره.

لا يتحدث الجميع عن الإجراءات بالحماسة نفسها. يلفت سائق "فان" آخر: "بكل مشوار أحسب ساعة إضافية تقريباً، أعمل نقلتين أو ثلاثا أقل من العادة يومياً". لا يأخذ موقفاً واضحاً، يشرح باقتضاب انعكاس تلك الإجراءات على يومياته.

بينما يعبّر نادر (اسم مستعار)، رجل في العقد الرابع عن معاناته اليومية لإيجاد سائق "سرفيس" يوافق على نقله إلى منزله في الغبيري. "لو مش رايح على بيتي، صراحة ما باخدك"، قال له السائق أمس. لا يعارض نادر الإجراءات الأمنية بحدّ ذاتها. "الناس مستنفرون ومرتبكون في الضاحية. وأنا خائف على عائلتي بالطبع. ولكن كثرة الحواجز لا تضمن بحدّ ذاتها سلامة المواطنين وأمنهم".

يتابع: "لا أتقبل أن يوقفني شاب عمره ستة عشر عاماً يحمل جهازاً ويطلب مني هويتي. أفضل أن يوقفني عناصر من الجيش، بدلاً من تكريس الأمن الذاتي للمناطق، المناطق كلها!".

وترى رشا، شابة تسكن في الكفاءات، أن "الأمن الزايد خي الناقص". تعبر رشا عن تذمّرها من تكثيف حواجز التفتيش. "أمضيت ثلاث ساعات أمس لأصل إلى منزلي، وقفت خلالها أمام ستة حواجز، يبعد الواحد عن الآخر أحياناً عشرات الأمتار. وعند كل حاجز، خضعت للتفتيش". ما جعلها تفكر في الانتقال موقتاً عند أقاربها خارج المنطقة إلى حين تراجع تلك الإجراءات. وتسأل: "لماذا لا يعتمدون الماكينات الكاشفة للأسلحة والمتفجرات بدلاً من إضاعة وقت الناس في التفتيش اليدوي؟". وتؤكد رشا أن "عناصر الحزب يتعاملون باحترام مع السائقين والركاب، وأن هناك تعاوناً كبيراً بينهم وبين الناس، لكن الموضوع يخنق".

تعليقات: